لن يكون القادم من الأيام سهلا على الحكومة التي يقودها الأمين العام لحزب الاستقلال عباس الفاسي، في الواجهة البرلمانية، يستعد حزب الأصالة والمعاصرة عبر فريقيه في البرلمان لإخضاع الحكومة إلى امتحان عسير على خلفية تقرير المجلس الأعلى للحسابات، وفي الواجهة النقابية، تستعد المركزيات النقابية الكبرى لرفع وتيرة الاحتجاج الذي امتد إلى النقابة الاستقلالية، الاتحاد العام للشغالين بالمغرب التي يقول إنها ستخوض إضرابا عاما، وما بين الضغط البرلماني والنقابي، دخلت بعض مكونات الأغلبية الحكومية من جديد متاهة التآكل الداخلي، فالاتحاد الاشتراكي يوجد في قلب أزمة تنظيمية وسياسية جديد، والحركة الشعبية تسير نحو مؤتمر يتم الإعداد له في جو عال من التوتر. بينما تبقى الحالةالاجتماعية بالمغرب في مستويات غير مرضية الأصالة والمعاصرة يرفع سلاح تقرير المجلس الأعلى للحسابات تخلف عدد كبير من برلمانيي التراكتور عن حضور أشغال اليوم الدراسي الذي خصصه الحزب صباح أمس للتقرير الصادر عن المجلس الأعلى للحسابات، ورغم أن الحزب قرر مساءلة الحكومة بناء على مضامين تقرير الميداوي، وجند لذلك رئيسي الفريقين أحمد التهامي وحكيم بنشماش من أجل الحديث عن كل ما يتعلق بالمجلس والتقرير الصادر عنه، فان غالبية البرلمانيين فضلوا التغيب عن مقر الحزب دون أن تعرف الأسباب الكامنة وراء ذلك ودفع تزامن الاجتماع مع المواجهة المفتوحة بين الاستقلاليين والباميين، (دفع) الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة محمد الشيخ بيد الله إلى محاولة نفي استهداف التراكتور للوزراء الاستقلاليين في حكومة عباس الفاسي، وقال أنه رفعا لكل لبس » فاننا نعارض الحكومة كوحدة منسجمة ومتضامنة، وعملنا غير موجه لمكون دون آخر أو لهيئة حزبية دون أخرى«، قبل أن يستدرك » رغم ادراكنا العميق أن هذه الصفات ( الانسجام والتضامن ) بعيدة عن الحكومة الحالية، وأن « لكن بيد الله لم يغفل توجيه تحية خاصة إلى "صديقه" عباس في ختام كلمته التي ألقاها على مسامع برلمانيه أمس بالرباط، من خلال دعوة الأحزاب إلى التوقف »عن الظهور بمظهر المصلح فقط حين يتعلق الأمر بأمور خارجة عن تنظيماتها، وأن تمتلك إرادة حقيقية لممارسة فلسفة وروح "النقد الذاتي" عوض الإحالة عليه فقط كتدبيج في أدبياتها أو كتابات زعمائها« في إشارة واضحة لحزب الميزان الذي يحرص أمينه العام عباس الفاسي على التذكير بمضامين كتاب النقد الذاتي لعلال الفاسي في معظم خطبه وتساءل بيد الله عن حقيقة وجود ارادة لدى الحكومة الحالية لصيانة المال العام من يد العابثين، مادام أن الالتزامات الحكومية بهذا الشأن لم يتم تفعيلها ومشاريع القوانين ذات الصلة لم يتم اعدادها تحضيرا لعرضها على البرلمان ويعتزم برلمانيو البام زيارة المجلس الأعلى للحسابات من أجل الاطلاع على معيار انتقاء حالات التفتيش والافتحاص، والتعرف على مآل الملاحظات الموجهة إلى السلطات الحكومية، واتساع حجم الملفات غير المصفاة وعدم جاهزية أخرى للبت، وتوقف الشركات ذات التدبير المفوض عن الادلاء بحساباتها منذ سنة 2006 وتأتي تحركات البام لأنه يعتبر أن الحكومة لم تتعاطى بشكل إيجابي واستعجالي مع التقرير، رغم أنها » تتوفر على سلطة الوصاية بعدد من المؤسسات العمومية والجماعات المحلية والمؤسسات المالية، وتتوفر هياكلها على أجهزة للتفتيش والافتحاص، وعدد منها يندرج رئاسة مجالسها الادارية ضمن الاختصاصات القانونية لمؤسسة الوزير الأول« وفق تعبير بيد الله وأعلن البام أنه سينكب على مسائلة المنتسبين إليه وفقا لمضامين تقرير المجلس الأعلى للحسابات والاستماع إلى مضامين ردودهم على ملاحظات المجلس، كما سيستفسر رئاسات المجالس الجماعية المنتمين إليه، على العمل الذي تم القيام به في مواجهة ثقل التركة التي ورثوها، لوقف نزيف إهدار المال العام، متمنيا أن تصيب عدوى الاصلاح هذه باقي الهيئات الحزبية نقابات ترتدي عباءة الإضراب العام والمسيرات العمالية على بعد أيام من العيد الأممي للعمال، يبدو أن النقابات الأكثر تمثيلية أكثر غضبا على الحكومة وعلى نتائج الحوار الاجتماعي. الغضب النقابي على الحكومة هو حتى من المقربين، فالاتحاد العام للشغالين الذي يصنفه المراقبين بالأكثر هدنة مع الحكومة، بل والمدافع عنها عندما قاوم الإضراب العام للكونفدرالية الديموقراطية للشغل في سنة 2008، بلغ به الغضب إلى الإعلان عن خوض الإضراب العام في 14دجنبر المقبل. وسط أنصاره يوم ا لأربعاء الماضي، عاد حميد شباط عشرين سنة إلى الوراء عندما كان من القياديين للإضراب العام لسنة 1990، فأعلن أن الردعلى فشل الحوار الاجتماعي، وجولاته التي أصبحت روتينية، هو الإضراب العام، وفي نفس تاريخ إضراب 1990. بالنسبة لشباط، ستكون مقاطعة احتفالات فاتح ماي، فرصة لربح بعض الوقت للتهييء للإضراب العام، بما أنه حسم منذ وقت مبكر في مسار الحوار الاجتماعي، فشباط تحدث عن أن «الفرقاء الاجتماعيين كانوا على وشك توقيع اتفاق للسلم الاجتماعي يمتد لخمس سنوات، لكن بعض لوبيات الفساد تدخلت لإفشال هذا الحوار». رفاق نوبيرالأموي في الكونفدرالية الديموقراطية للشغل، مثلما تركوا مجلسهم الوطني مفتوحا لاتخاذ أي قرار، فأخرج أعضاء المجلس الوطني ورقة الرد، فدعوا إلى خوض «مسيرات عمالية في كل الاتحادات المحلية والمراكز الكونفدرالية، احتجاجا على التعامل الحكومي اللامسؤول مع المطالب المادية والاجتماعية للأجراء». سيكون يوم فاتح ماي بالنسبة للكونفدرالية يوما لإخبار الحكومة عبر خطاب المكتب التنفيذي بتاريخ تنفيذ هذه المسيرات العمالية. الفيدرالية الديموقراطية للشغل، وإن أشارت إلى بعض إيجابيات الجولات السابقة ، فإن هذا لم يمنعها من التلويح بالتصعيد، بعد فاتح ماي، فالحكومة وتدبيرها للحوار الاجتماعي، استأثرت بانتقادات أعضاء لمجلس الوطني للفيدرالية المنعقد يوم السبت الماضي. وعبرقناة فريقها البرلماني في مجلس المستشارين، عبرت على احتجاجها على الحكومة، والأجواء التي يستعد فيها العمال للاحتفال بعيد الشغل، فالنسبة، لفريق الوحدة والديموقراطية، «الجو الاجتماعي لا يساعد على الرقي بأوضاع العمال الاجتماعية والمادية والمعنوية». وانتقد الفريق الفيدرالي عدم «الاستجابة للمطالب المسطرة في جدول الأعمال وفي مقدمتها تحسين الدخل»، مشيرا إلى أنه فقط «تم عقدجلسة تشاورية منهجية واحدة، وأنه على بعد أيام من فاتح ماي، لازلنا لم ندخل بعد جولة الحوار الاجتماعي مما يمس بمصداقية خطاب المأسسة». الاتحاد المغربي للشغل، وعبر جناحه في الوظيفة العمومية الاتحاد النقابي للموظفين، منذ جولة أكتوبر الماضية وهو يدعو إلى التصعيد ضد الحكومة ، انطلاقا من أن الحوار الاجتماعي لم يقدم إجابات في أهم القضايا خاصة الزيادة في الأجور، وأجرأة الزيادات التي تم إقرارها مؤخرا خاصة كالتعويض في المناطق النائية وفتح الحوارات القطاعية. تآكل الأغلبية في الوقت الذي تتجه النقابات للتصعيد ضد الحكومة، يجد عباس الفاسي نفسه أمام أغلبية تعيش بعض مكوناتها مشاكل داخلية. فالاتحاد الاشتراكي يوجد في قلب أزمة تنظيمية وسياسية جديدة، بسبب احتجاج ثلاثة من قياديه في المكتب السياسي على القيادة الاتحادية، بل واتهامها بأنها انحرفت عن تطبيق مقررات المؤتمر الوطني الثامن للاتحاد الاشتراكي. فبالنسبة لمحمد الأشعري، والعربي عجول، وعلى بوعبيد، تحسين الاتحاد لمواقعه في مؤسسات الدولة سواء الحكومية أو البرلمانية، يضفي المزيد من الالتباس والغموض، والاختلاف في التصورات للعمل السياسي لما بعد مرحلة المؤتمر الوطني الثامن. مكون آخر من مكونات الأغلبية، بيته الداخلي يعيش على إيقاع التجاذبات، المنبعثة من السباق نحو القيادة، فالحركة الشعبية الممثلة داخل الحكومة بوزارة دولة باسم أمينها العام امحند لعنصر، وكتابة الدولة في الخارجية باسم محمد أوزين، تجد اليوم نفسها في صراع مابين أقطابها، بسبب التحضير لمؤتمرها الحادي عشر. تقرير : الحوار بين الحكومة والنقابات لم يثمر سلما اجتماعيا أوضح تقرير حول الحالة الاجتماعية بالمغرب أن الحوار الاجتماعي الذي دشنته الحكومة مع المركزيات النقابية لم يثمر سلما اجتماعيا، كما كان يطمح إلى ذلك الفرقاء الاجتماعيون. وحسب التقرير، الذي صدر عن منشورات المجلة المغربية للسياسات العمومية وقدم مساء أول أمس بالرباط، فإن ما ميز الحالة الاجتماعية لسنة 2009 هو استمرار الخلاف بين الحكومة والنقابات حول الملف المطلبي وغياب الاتحاد العام لمقاولات المغرب عن طاولة الحوار وتكريس سيناريو سنة 2008 عندما انفردت الحكومة بإصدار بلاغ في شأن نتائج الحوار الاجتماعي. في الوقت الذي كانت تعتبر بعض المركزيات النقابية أن الحوار ما زال مستمرا. ووفق المعطيات التي تضمنها التقرير فإن الموسم الاجتماعي الحالي انطلق في جو من التوتر بعد أن أعلنت عدد من النقابات بشكل منفرد أو بتنسيق مع نقابات أخرى خوض إضرابات وطنية وأخرى قطاعية في تزامن مع إحالة قانون المالية على البرلمان. واستمر الخلاف بين المركزيات النقابية والحكومة حول الزيادة في الأجور، في حين رفضت الحكومة إدراج هذه النقطة في جدول الأعمال وأكدت أنها لن تفتح هذا الملف إلا في سنة 2011 . وسجل التقرير أن مشروع القانون حول الإضراب لازال موضع خلاف بين النقابات ووزارة التشغيل على الرغم من التقدم الحاصل في بعض بنوده. وخفض المشروع مدة الإبلاغ عن الاضراب بعشرة أيام بدل خمسة عشر يوما. وتعتبر النقابات المدة طويلة تسمح لرب العمل بإفشال الإضراب، أما مشروع القانون حول النقابات فلا زال بدوره يراوح مكانه. وجاء في التقرير أن الانتخابات المهنية الأخيرة أجريت في ظل قانون الشغل الجديد الذي دخل حيز التنفيذ في سنة 2004 حيث عرفت الصعود الملفت للامنتمين. ورصد التقرير وضعية الحالة الاجتماعية بالمغرب من خلال التقارير الدولية، حيث احتل في تقرير البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة المرتبة 130 على الصعيد الدولي متراجعا بأربع نقاط عن سنة 2008.