قبل عشر سنوات من الآن خرج 14 انتحاريا من حي سيدي مومن بالدارالبيضاء، ونفذوا سلسلة تفجيرات استهدفت كلا من فندق فرح ونادي «لاكازا دي اسبانا» ومطعم «لابوزيتانا» والمقبرة اليهودية بالمدينة وأيضا النادي اليهودي، توفي 11 منهم واعتقل ثلاثة آخرون. ومنذ 16 ماي 2003 لا تزال الكثير من الخيوط مفقودة حول تلك العمليات الإجرامية، ولأول مرة تكشف المصالح الأمنية عن حقيقة وتشعبات عمليات دموية خلفت 32 قتيلا وعددا من الجرحى والمعطوبين. أسرار 16 ماي أحداث 16 ماي الإرهابية لم تكن سوى بداية لسلسلة عمليات إجرامية أعد لها سلفا، لكنها مكنت من وضع اليد على خيوط رفيعة مكنت من إحباط عدد من المخططات الإرهابية، حسب وثيقة حصلت عليها «الأحداث المغربية». التحقيقات التي أفضت في البداية إلى اعتقال 86 شخصا على صلة مباشرة بالكوموندو الذي نفذ العمليات، كشفت أن المعنيين بدؤوا مسارهم في التطرف منذ سنة 1999 بانتماء بعضهم إلى جماعة «الصراط المستقيم» التي يقودها زكرياء الميلودي المتوفي بالسجن. هذه الجماعة نفذت عددا من الاعتداءات ضد أشخاص بالدارالبيضاء ونواحيها وخاصة شبانا وفتيات في وضعيات حميمية ومن يصادفونه وهو في حالة سكر. الانتحاريان عبد الفتاح بويقضان وحسن الطاوسي خططا قبل انضمامهما إلى عبد الحق بنتاصر (مول الصباط) المتهم بكونه ممول عمليات 16 ماي للسطو على وكالات بنكية. المتورطون في الأحداث الإرهابية بدؤوا منذ سنة 2000 الحصول على مواد متفجرة، في هذا الإطار سبق لعبد الحق مهيم الملقب ب «الصباغ» أن أخبر أفراد خليته بطريقة لصنع قنبلة باستعمال قنينة غاز. التحريات التي تم القيام بها في منازل الانتحاريين والمتورطين معهم، مكنت من حجز عدد من الكتب والوثائق لمنظري التيار السلفي الجهادي و كميات من المواد الكيماوية المستعملة من صناعة المتفجرات والمستخرجة من موقع لتنظيم طالبان، وهي الوثائق التي حجزت ببيت الانتحاري محمد العمري. التحاليل العلمية التي أجريت على عينات من المواد المحجوزة في عدد من المواقع المستهدفة، كشفت التشابه بين المواد الكيميائية المستعملة في العمليات الإرهابية التي استهدفت مواقع الدارالبيضاء والتي كان ينوي استعمالها أفراد الخلية النائمة لتنظيم القاعدة المفككة شهر ماي سنة 2002. بدأ المتورطون في أحداث الدارالبيضاء اتصالاتهم بعبد الحق مونتاصر «مول الصباط» المتحدر من مدينة فاس منذ سنة 2000. هذاالأخير كان يتنقل مرارا إلى الدارالبيضاء في إطار نشاطه التجاري. في تلك الزيارات بدأ اتصالاته ببعض أعضاء خليته لإعدادهم لتنفيذ عمليات تفجيرية وتأطيرهم إيديولوجيا في لقاءات سرية لغسل أدمغتهم. وللشروع في مخططهم، منح (مول الضباط) مبلغ 15000درهم للانتحاري عبد الحق بويقضان لاقتناء مواد لصنع المتفجرات بمنزله، وقام بتجارب بمقبرة سيدي مومن قبل التوصل إلى الصيغة النهائية الناجحة. الخلية، حسب وثيقة أمنية، تلقت تعليمات من أميرها الوطني (مول الصباط) بتنفيذ الاعتداءات في يوم التاسع من ماي على الساعة العاشرة ليلا، بعد تحديد المواقع التي سيتم استهدافها من طرف المكلف بهذه المهمة وهو سعيد عبيد، لكن تم تأجيلها إلى غاية يوم السادس عشر من ماي. قرار تأجيل التنفيذ اتخذه عبد الحق بناصر «مول الصباط» بعد أن أخبره المكلف بتحديد الأهداف أن مواطنين من دول جنوب افريقيا سبق أن احتالا على شقيقه يتواجدان بنادي «لا كازا دي اسبانا»، وتفاديا لتفسير تفجير النادي على أنه عملية انتقامية تم اتخاذ قرار التأجيل. أهداف الإرهابيين التحريات حول أحداث الدارالبيضاء، كشفت أنها مقدمة لسلسلة عمليات إرهابية في مدن أخرى، وتستهدف رموز الدولة ومواقع سياحية ومؤسسات عمومية ومصالح أجنبية. خلايا منظمة تم تشكيلها لتحقيق ذلك الهدف والتي ربطت علاقات مباشرة وغير مباشرة مع انتحاريي 16 ماي. كان المخطط يقضي باغتيال 21 من الشخصيات السامية بالدولة وزعماء أحزاب سياسية وقضاة وقيادات بالقوات المسلحة الملكية والأمن والقوات المساعدة و11 عنصرا من الدرك الملكي والشرطة. إضافة إلى ذلك تم إعداد هجومات تستهدف ثكنات الجيش وقوات التدخل السريع والإدارة العامة للأمن الوطني بأكادير ومراكش والدارالبيضاء. كما خططوا لاستهداف 9 مغاربة من جنسيات يهودية. التحريات كشفت أيضا عن التخطيط لخمس عمليات تستهدف مبنى البرلمان وولاية فاس ومصالح الأمن بفاس ومكناس وطنجة. المتاجر الممتازة تم التخطيط لاستهدافها وعددها تسعة، إلى جانب فنادق وحانات وكازينوهات. وحدد الإرهابيون تسعة أهداف للمصالح الدبلوماسية بالرباط وعددا من محلات «ماكدونالد»، وأيضا سبعة مواقع لأماكن العبادة اليهودية والمسيحية، ناهيك عن التخطيط لاستهداف 13 مؤسسة تجارية وبنكية وسيارات نقل الأموال. تشعبات الإرهابيين بالداخل والخارج أغلب المنتمين إلى تيار السلفية الجهادية انضموا إلى خليتين بالدارالبيضاء يقودهما على التوالي عبدالحق بنتاصر الملقب «مول الصباط» وعبد الغني بن الطاوس الملقب ب «الشريف». وكشفت الوثيقة الأمنية أن هناك علاقة بين خلية هذا الأخير وخلية المواطن الفرنسي روبير ريتشارد أنطوان الملقب ب «أبي عبد الرحمان» وأيضا خلية يوسف فكري. ومن جهة أخرى ربطت خلية الطاوسي صلات بالجماعة الإسلامية المقاتلة المغربية والتي كان يديرها بفاس أحد قدماء المغاربة الأفغان وهو فهد بنكيران، والذي ينتمي إلى شبكة إرهابية تمتد إلى الدارالبيضاء من بين أعضائها سعد الحسيني وعبد العزيز حبوش وعبد العزيز بن زيان، و يقودها بمراكش سليمان الخراز، وبأكادير الطيب بنتيزي، وبالعرائش محسن خيبر، وبطنجة الأخوين عبد الله وصلاح الدين بنعياش. التحريات كشفت أيضا وجود صلات لحركة المجاهدين في المغرب المتفرعة عن الشبيبة الإسلامية لعبد الكريم مطيع، ومن عناصرها بالمغرب حينها محمد النكاوي المدعو «الحراش» وعلي البوصغيري المدعو «الفلاح» ومحمد بوغنشوشن بمخططات إجرامية لخلية روبير ريتشارد سواء عبر خلية طنجة أو فاس. لانتحاريي الدارالبيضاء صلات خارجية بتنظيمات دولية منها الجماعة الإسلامية المقاتلة المغربية وخاصة بالمدعو محمد الكربوزي المدعو «أبو عيسى» الموجود ببريطانيا وأيضا بقيادات الجماعة الليبية المقاتلة. عبد الغني بن الطاوس كان أيضا على صلات بالسعودي بندر عبد الله عيسى بوخاري الناشط في تنطيم القاعدة والتي سبق أن منحه آلة سكانير لتزوير وثائق تنقل وسفر أعضاء الخلية. عبد العزيز بنعياش وهو من المغاربة الأفغان والعضو بخلية طنجة كان على صلات أيضا بالأردني عضو القاعدة خالد حرور الأخ الأكبر لأبي مصعب الزرقاوي. ليس ذلك فقط ، بل إن صلاح الدين بنعياش وأمين أشملال بخلية طنجة ربطا صلات بالجمايكي البريطاني وعضو تنظيم القاعدة «أندريو روي» الملقب ب «يوسف الجامايكي»، وهو الذي منح يوسف فكري مخطوطات عن كيفية صناعة المتفجرات والسموم. روبير ريتشارد أيضا سبق أن طلب فتوى شرعية القيام بعمليات إرهابية ضد المصالح الأجنبية، وأفتى له بجوازها. الأمر ذاته طلبه انتحاريو الدارالبيضاء وخاصة محمد مهيم وعبد اللطيف أمرين الذين طلبوا يوما قبل تنفيذ الاعتداءات فتوى حول جواز تنفيذها وتلقوا الرد بعد دقائق موقعة باسم الملا عمر المجاهد بجواز تنفيذها. خلية فهد بن كيران بفاس كانت أيضا على علاقة بخلية استكهولم والتي يقودها محمد مومو وفريد المرابط ورشيد كوربي ومحمد واعزيز وهم يتحدرون من دوار العسكر ويقيمون بالسويد إلى جانب محمد اليوسفي وهو من المغاربة الأفغان. إعداد: أوسي موح لحسن