أشعل خيار الترحيل إلى الشقق بمدينة المحمدية وفي إطار برامج إعادة الإسكان في الآونة الآخيرة موجة من الاحتجاجات والرفض بين قاطني الصفيح. المعنيون طالبوا بتمكينهم من بقع أرضية كبديل، واعتبروا أن الشقق هي ذات مساحة ضيقة، وجودتها متدنية ولاتتوفر على شروط السكن اللائق.. أما امكانياتهم التمويلية فهي جد محدودة للوصول إلى القروض. « إسيدي البارطمات مشينا شفناهم، راهوم بحال القفوزا. ماصالحينش نسكنو فيهم ».. هكذا لخص بوشعيب وهو أب لطفلين وأحد سكان دوار كريسطال الصفيحي الواقع بتراب عين حرودة بالمحمدية بلهجة جازمة رد فعله اتجاه نوعية الاستفادة المقدمة إليهم في السكن. كان وهو يسترسل في حديثه ب« صالون » براكته يلوح بعدد من الوثائق تبرر استحقاق استفادته . « واخا أنا محصي، وعندي نمرة، ولكن اللهم هاد البراكة، على أقل فيها شويا ديال الكرامة والتيساع ليا ولوليداتي». بوشعيب ليس الغاضب الوحيد من المشروع السكني إقامات المنصور المخصص لايواء جزء من ساكنة الصفيح بالمنطقة. فهو من بين المئات من ساكنة الدواوير الواقعة بتراب البلدية كدوار غزوان أو تلك المعنية بإعادة الإيواء كدوار بيكي، حربيلي، دوار الحجر، دوارري). معظم القاطنين بها يرفعون شعارا واحدا. رفض خيار الشقق أو «الانخراط» في إجراءات التسجيل في العملية . « كيفاش نقبلوا بشقة فيها 42 متر مربع، والناس بحالنا لي كانوا ساكنين فلبرارك، عطاوهوم بقع أرضية من 60 حتى 80 متر مربع..» عبارات استغراب لسيدة في عقدها الخامس من القاطنات بالدوار، وهي تعلل أسباب رفضها لمبدأ الشقة ضمن المشروع . شهادة القاطنة، وهي أم لثلاثة أطفال أكبرهم يبلغ من العمر 16 سنة، تتقاسمها مع بقية القاطنين الذين وجدوا أنفسهم، في آخر المطاف أمام السراب بعد انتظار دام لعقود طويلة، وهم يمنون النفس في الانتقال إلى سكن يحفظ لهم كرامتهم، وبمنحهم الحق في بقعة أرضية لتشييد مسكنهم، خاصة أن منهم من قضى أزيد من أربعة عقود تحت القصدير. أمينة أم في عقدها الخامس بدورها افترشت الأرضية العارية ل«صالون» البراكة، وسط أثاث متواضع، بنظرات فارغة، وعلامات الحيرة التي تعلو محياها. كانت تتابع حديث الآخرين بحسرة شديدة. تدخلت لتقدم رواياتها حول وضعيتها المقلقة. قالت « نحن ثلاثة أسر، استفدنا من «نمرة» أي شقة واحدة..كيف ياترى سنعيش جميعنا في مساحة ضيقة». أضافت « أبنائي كبار، أولهم يبلغ من العمر 18 سنة والآخر 16 سنة. الأدهى من ذلك أن ابنتي في عقدها الثاني، لذلك تساءلت كيف سيتعايش الثلاثة تحت سقف واحد ومساحة ضيقة». لكن وأمام اعتراضاتهم، ورفضهم لم يتردد المسؤولون فى أمطارهم بأسئلة من قبيل « علاش مابغيتوش الشقق.. واش نتوما كتخيروا ». غير أن المعنيين بهذا الخيار، سرعان مايجيبونهم بمطالب عالقة ، ومقارنات ملموسة، لايحتاجون إلى البحث عنها فنماذج الدواوير والتجمعات الصفيحية الموجودة فوق تراب العمالة تعتبرا دليلا على «الحيف » الذي طالهم. « هناك نماذج كثيرة لدواوير رفضت الشقق، فتم تمكينها من بقع سكنية بضواحي المدينة، أمثلة ذلك كثيرة، آخرها دوار البراهمة بجماعة الشلالات». « راه مشينا ليهم أوشفنا البارطمات .. بعينينا غير سميت السكن اوصافي » يقول بوشعيب وهويسترسل في حديثه عن المشروع السكني الجديد. مشروع استثنائى ضخم- هكذا تقول التصاميم – حيث شييد منها إقامات بالمنطقة المعروف بالعرجة وتضم المئات من الشقق، بنيت وشيدت في ظرف زمني قياسي لأجل إيواء قاطني الصفيح. المشروع ككل يهم بناء 10 آلاف شقة (7 آلاف للسكن الاجتماعي و3 آلاف للسكن الاقتصادي) باستثمارات إجمالية تبلغ ثلاثة ملايير و250 مليون درهم.أما الجدول الزمني لإنجازه فيتوزع على ثلاث مراحل، تهم المرحلة الأولى بناء 4000 شقة باعتمادات مالية تبلغ مليار و300 مليون درهم، فيما تتضمن المرحلة الثانية تشييد 3200 شقة بغلاف مالي يصل إلى مليار و40 مليون درهم، وتهم المرحلة الثالثة إحداث 2800 شقة باستثمارات تناهز 910 مليون درهم. احتجاجات بدأت لكنها لم تنته أمام تجاهل مطالبهم ومقابل «مخططات » الترحيل بدأت وتيرة الاحتجاج والمسيرات في تزايد منذ تاريخ تحرك المقدمين والشيوخ لإخبارهم بالأمر. دوار كريسطال الذي يضم 900 براكة، ودوار غزوان المطل على الطريق الساحلية خرجت ساكنتهما منذ شهور للإعلان رفضها لخيارات الترحيل. كانت مسيرات احتجاجية عفوية نحو مقر باشوية ثم إلى مقر عمالة المحمدية، المشاركون طالبوا بسكن لائق، ووقف قرارات الترحيل. الغضب جاء مباشرة بعد توصل عدد من سكان الدوار الذين يتجاوز عددهم 1600 أسرة، باستدعاءات لتسلم الشقق، تمهيدا لترحيلهن إلى الشطر الأول من مشروع ديار المنصور. المشاركون خلال مسيرتهم، عبروا عن استيائهم من قرارات لاتشاركية و«غيرمنصفة ». تساءلوا باستغراب شديد « كيف يعقل أن يستفيد القاطنون بدواوير صفيحية مجاورة، كدوارالبراهمة، وجمايكا ، وجيمي .. من بقع أرضية لكل أسرة، بمساحة تتجاوز 80 متر مربع بمنطقة الاسكان بالشلالات في الوقت الذي سيتم تكديسنا في مساحة لاتتجاوز 42 مترا مربعا لكل أسرة ». يصرح بوشعيب وهو كذلك عضو بجمعية آفاق عين حرودة للأعمال الاجتماعية وللتنمية البشرية. احتجاجات جاءت كرد فعل على نوعية الشقق المخصصة لايواءهم. فهذه الأخيرة حسب المسؤول لاتتوفر على معايير السكن اللائق، بدليل أن مساحتها لاتتجاوز 45 متر مربع، للأسرة الواحدة، علما أن كل أسرة تتكون من خمسة إلى ثمانية أفراد، علاوة على الحرمان حتى وفي حالة قبول البعض بعرض الشقق عدد من السكان المتزوجين من حقهم في الاستفادة من المشروع المذكور والذي يضم أزيد من 2000 شقة. مشروع حسب بوشعيب «متسرع لايتوفر على مجموعة من المرافق الأساسية، نظرا لتواجده في مكان بعيد عن المدار الحضري، سواء لمدينة المحمدية أو لبلدية عين حرودة، كما أنه يقع في مكان ملوث».المسؤول إضاف «أن النقطة التي أفاضت الكأس ، هو استمرار التهميش، وعدم التجاوب مع مطالبهم خاصة منها مشكل التمويل حيث عمق تجاهل المسؤولين لهذا المعطى من أزمتهم، حيث أعتبر عدد من المعنيين بالاستفادة، أن 10 مليون سنتيم كمبلغ محدد من طرف الجهة المسؤولة عن المشروع، للحصول على شقة، يفوق بكثير الامكانيات المادية لجل القاطنين «إنه مبلغ خيالي ومعظمنا عاطل ولايتوفر على عمل قار، يسمح له بالحصول على التمويل البنكي اللازم، في الوقت الذي لم تبادر فيه هذه الجهات إلى معاينة أوضاع الساكنة قبل تحديده، كسقف للاستفادة» فرع الجمعية المغربية لحقوق الانسان بالمحمدية ومن خلال لجنة متابعة ملف السكن، دخل على الخط. كان صريحا وفي متابعته الميدانية للملف،طالب بفتح حوار جدي والإنصات لممثلي السكان، والتجاوب مع مطالبهم الأساسية، خاصة منها مشكل الشقق ذات المساحة الصغيرة، والعمل على الأخذ بعين الاعتبارات المعطيات السوسيولوجية للاسر، وقدرتها الاقتصادية. مؤاخذات السكان للمسؤولين حول هذا المشروع متعددة، منها عدم إشراكهم والجمعيات الممثلة لهم في تدبير الملف، وأخذ اقتراحاتهم ومطالبهم بالجدية اللازمة بعيدا عن السرية التي تم بها انجاز المشروع. تصريحات المحتجين كانت واضحة في تبرير أسباب خروجهم المتكرر للاحتجاج. « نسجل ضيق الشقق التي لا تتعدى مساحتها في أغلب الأحيان 50 متر مربع، وارتفاع ثمنها، والمبالغة في نسبة الفوائد بالنسبة للبنوك والتي تصل إلى ثمانية ملايين سنتيم» هكذا لخص قاطن آخر النواقص. قبل أن يضيف « المبلغ الإجمالي للشقة يصل ل 18 مليون سنتيم، فيما وجدت فئات أخرى نفسها محرومة من القروض لأسباب تتعلق بالوثائق ». أما الفئة العريضة من السكان فهي متشبتة بمطلب البقعالأرضية إسوة باستفادة سكان الجماعات التابعة لعمالة المحمدية، كبني يخلف والشلالات الدين خصصت لهم شركة التهيئة العمران بقع أرضية مساحتها 84 متر مربع تشمل على ثلات طوابق بمبلغ 4 ملايين سنتيم للبقعة. السكن العمودي بديل عن ندرة العقار.. ندرة العقار وتقلص الأراضي التابعة للدولة بالمدار الحضري للمدينة، حقيقة ظاهرة للعيان حالت دون ترجمة جزء مهم من برامج المخصصة للقضاء على دور الصفيح بجهة الدارالبيضاء الكبرى وخاصة بمدينة المحمدية على أرض الواقع. مصدر من قطاع الاسكان اعترف صراحة بهذا المعطى وأكد أن أولى الصعوبات التي ظلت تواجهها المشاريع السكنية، غياب مناطق تعمير جديدة «فإذا كان تنقيل جزء من سكان الصفيح أمر لامفر منه، فإننا لازلنا نواجه بصعوبات خلق مناطق للتعمير جديدة بالمدينة لسد النقص في هذا مجال القضاء على دور الصفيح». لكن لمواجهة اكراهات التفريخ المهول لحجم الساكنة، وصعوبة تخصيص بقع كافية للجميع، كان خيار الترحيل إلى شقق حيث لاتتجاوز مساحتها خمسين متر مربع، وهي مساحة مثالية – حسب المسؤولين – لإيواء مئات العائلات التي ظلت تحلم منذ سنوات بسقف يحميها من العيش تحت القصدير. بمدينة المحمدية كذلك، لاتزال العديد من الأحياء الصفيحية، في وسط وضواحي المدينة، تشهد على فشل العديد من برامج إسكان دور الصفيح، حيث لم يتردد وبعيد عن دوار كريسطال بدورهم القاطنون بالتجمعات الصفيحية بها إلى الخروج إلى الشارع وترديد نفس المطلب. رفض مبدأ الشقق، والمطالبة ببقع سكنية.و من الامثلة الصارخة على ذلك القاطنون دوار المسيرة، وشانطي الجديد، والبرادعة، فعدد من القاطنين كعبد الله أحد ممثلي سكان شانطي الجديد يستحضرون نماذج لاستفادة جزء مهم من بقع سكنية بكل حي رياض السلام والنهضة، لكن عدم وفاء الجهة المعنية بوعودها اتجاهم، زاد من تعميق أزمتهم في الرحيل عن الصفيح، والحصول علي سكن لائق. يعترف عدد من المتدخلين المحلين أنه لانجاح عمليات الترحيل إلى الشقق، بتوجب اعتماد صيغة للاقتراب من المعنيين بهذه المخططات، ففي الماضي اقتصرت سياسة القرب اتجاه الأحياء السكنية الصفيحية بدء من مشروع حي النصر والنهضة ورياض السلام، على الزواية التقنية، وقامت باغفال المواكبة الاجتماعية للفئات المستهدفة، ونتيجة لذلك برزت إلى السطح مجموعة من الظواهر السلبية والاجتماعية عمقت المشاكل السكنية بهذ الأحياء، وأنتجت واقعا جديدا، وتبين بعد سنوات أن السكان الذين استفادوا وحصلوا على الشقق كانوا غير مستعدين لتقبل هذا النوع من السكن المشترك. فكان من ذلك عودة البناء العشوائي إلى هذه الاقامات من بابه الواسع، وانتشار الجريمة والتمزق العائلي وتراجع نسبة التمدرس بين الأبناء. كما تبين من خلال المعاينات الميدانية أن السكان وجدوا صعوبة في التأقلم مع الخصوصيات التي يطرحها السكن العمودي ،أبعد من ذلك يقدم فشل مؤسسة العمران في تسويق باقي الشقق إلى عدد كبير من السكان الذين امتنعوا عن الرحيل إلى مشروع النصر، بعد أن رفض الباقون الرحيل عن سكنهم في دور الصفيح، دليلا ملموسا على أن مقاربات السكن العمودي لحل الأزمة تتطلب التشاور مع ممثلي السكان حول هذه العروض الجديد لحل المشكل. فغياب هذا المعطى دفع 10 جمعيات بعين حرودة مؤخرا إلى إصدار بيان مشترك عبرت من خلاله عن ” إحباطها وتذمرها من الشكل الذي يتم به حاليا تدبير ملف برنامج إعادة قاطني دور الصفيح بالمنطقة. والذي تعتبره تدبيرا سقط في كثير من الأخطاء نتيجة عدم تأسيسه على مقاربة تشاركية تستحضر الأبعاد الإجتماعية والإقتصادية بالمنطقة، وتأخذ بعين الاعتبار مصالح السكان” فالجمعيات قدمت أمثلة لذلك ف ” المساكن المقترحة توجد بالقرب من أكبر الشركات الملوثة على الصعيد الوطني ( سامير، والمعمل الحراري لانتاج الكهرباء، ومعمل الكيماويات سنيب) وستكون له عواقب وخيمة على صحة السكان ناهيك عن مشاكل اجتماعية لاتحصى بين المعنيين بالاستفادة منها. محمد عارف تصوير عبد الطليف القراشي