تحتج مئات الأسر في منطقة «عين حرودة»، التابعة لعمالة المحمدية، بسبب قرار نزع ملكية أراضيها من أجل إنجاز مشروع المدينةالجديدة لزناتة الكبرى. نساء ورجال وعمال وأصحاب شركات اعتبروا هذا القرار مجحفا في حقهم، ولم يتقبلوا أن يُحرَموا من أراض ورثوها أبا عن جد مقابل مبلغ زهيد، 002 درهم للمتر. أما سكان الدواوير بالمنطقة فقد عبّروا عن توجسهم من تشتيت أسرهم، خاصة أن عملية نزع الملكية يشوبها -حسب تعبيرهم- الكثير من الغموض. «المساء» تقترب من معاناة سكان المنطقة في التحقيق التالي. «اللي باع أرضو باعْ وطنو».. بهذه الكلمات بدأت سيدة في الثلاثين من عمرها الحديث عن قرار نزع الملكية، الذي سيطال أراضي المئات من الفلاحين والأسر في منطقة «عين حرودة»، التابعة لعمالة المحمدية، من أجل انجاز مشروع المدينةالجديدة لزناتة الكبرى. نساء ورجال وعمال وأصحاب شركات لم يُرضِهم القرار واعتبروه ضربا لهويتهم، خاصة أنهم عاشوا لسنوات فوق أراضٍ امتلكوها وورثوها أبا عن جد لأزيدَ من قرن من الزمن، فلم يتقبلوا أن يُحرَموا منها بين عشية وضحاها وبثمن 200 درهم للمتر، بطريقة قالوا إنها لا تعطي للأرض حقها وقيمتها. وقد اعتبر الفلاحون وملاك الأراضي قرار نزع الملكية تهجيرا وترحيلا قسريا لبناء مشروع ليس هدفه -في نظرهم- تحقيق المنفعة العامة بقدْر ما يريد تحقيق أرباح مادية واستثمارية على حساب أراضي المواطنين وممتلكاتهم. في الجولة التي قامت بها «المساء» وسط الأراضي والضيعات الفلاحية لهؤلاء المواطنين، لمسنا المعاناة التي أصبح السكان والفلاحون يعيشونها، والتي وصلت إلى حد أن منهم من فقدوا أعصابهم في الحديث، إلى درجة أصبحنا معها نشعر أننا مسؤولون تجاه ما يعانونه من تهميش لصوتهم ومس بحقهم في العيش والسكن كباقي المواطنين. وضع يقول المتضررون إنه لا يد لهم فيه، فهم كسكان استقروا في هذه الأرض منذ عشرات السنين، عاشوا ودرسوا واستمروا في الحياة بشكلها الطبيعي، لكنْ «نزل» عليهم قرار نزع الملكية ك«الصاعقة»، فلم يجدوا ما يفعلون وإلى أي وجهة يذهبون. من المواطنين من يملكون دورا كبيرة وسط أراض خضراء، قضوا فيها سنوات حياتهم واستثمروا فيها أموالهم، رصعوا زواياها بالزليج والجبس واختاروا لها من الأثواب ما يلائم الصالونات التقليدية العريقة، وفي الأخير، وجدوا أنفسهم مطرودين مدحورين، بتعويض قدره 200 درهم.. وعكست شهادات لمجموعة من المواطنين استقتها «المساء»، بالفعل، عمق المشكل وحدّته، شهادات تساءلت عن مصير هؤلاء السكان والملاك الذين يعتبرون أنفسهم أبناء المنطقة الأصليين، وعن مصير العمال الذين يشتغلون في المصانع، التي طالها نزع الملكية، والذين سيتم «تشريدهم» في حال أغلقت هذه المصانع أبوابها.. عن مصير الفلاحين، الذين يجدون في الأرض حياتهم وفي لونها الأخضر أملهم في مستقبل مشرق، هل سيقبلون الانتقال إلى شقق لا تتعدى مساحتها 50 مترا؟.. «هل سيمارسون الفلاحة في أسطح العمارات»، كما قال أحدهم، مستهزئا؟.. أسئلة أجاب عنها المواطنون، رافضين أي حل غير تمتيعهم ببقع أرضية يقومون ببنائها وفق حاجاتهم المعيشية والتجارية. دوواير مهددة بالزوال مجموعة من الدواوير في عين حرودة مهددة بالزوال، من بينها دواوير الحروضات والخمامرة وولاد حادة ولوي وغزوان والبحيريين وبكي وسيدي أحمد بنيشو، التابعة لعمالة المحمدية. وقد عبّر سكان هذه الدواوير، في خضم زيارة «المساء» لهم، عن قلقهم وخوفهم الشديد حول مصيرهم ومصير أبنائهم، خاصة أن عملية نزع الملكية التي باشرتها الجهات المتخصصة يشوبها -حسب تعبيرهم- الكثير من الغموض. وقد حمّل السكان مسؤولية ما يجري لإدارة الأملاك المخزنية وشركة تهيئة زناتة، التابعة لمؤسسة صندوق الإيداع والتدبير، وهما الجهتان المسؤولتان، من وجهة نظرهم، عن مشروع إحداث المدينةالجديدة «زناتة» ونزع ملكية أراضي الساكنة. وقال مصدر جمعوي إن هاتين الجهتين باشرتا عملية نزع الملكية ومساطر إحصاء الساكنة دون استشارة الملاك، مضيفا أنه «تم تهميشنا بهدف ترحيلنا إلى شقق أقل ما يقال عنها إنها تشبه الصندوق الخاص بعود الكبريت». وتحدث إدريس أعبدوالله، أحد أبناء دوار حروضات، رافقنا في الجولة التي قمنا بها في الدوار ونواحيه، عن موضوع نزع الملكية باستفاضة، متحسرا على أوضاع عائلته، التي تشبه باقي العائلات المتأزمة ماديا ونفسيا، تفاصيل رواها إدريس بكل دقة، مستندا في كلامه إلى الأوراق والمراسلات والشكايات التي يحملها في محفظته السوداء. وأشار المتحدث إلى أن السكان ما يزالون مصدومين من هذا القرار، في مواجهة شركات كبرى لم تعر الساكنة ووضعهم الاجتماعي أي اهتمام، فحددت التعويضات والمبالغ المالية دون الاستناد إلى أي معايير موضوعية. تشتيت عائلي اعتادت معظم العائلات على العيش مجتمعة. وحسب المتضررين، فسيتم تشتيت شملهم وتفريقهم، زيادة على أن المنطقة تعرف عدة إشكاليات ستحول -حسب الملاك- دون نجاح المشروع، ففي الوقت الذي يتم منع السكان من البناء فوق أراضيهم، هناك دواوير صفيحية مجاورة يقولون إنها ما زالت تعرف انتشارا مهولا للبناء العشوائي، على مرأى ومسمع السلطات المحلية. ويعيش الكثير من السكان الذين التقيناهم على ما يزرعون، وهم من محبي تربية الأبقار والدواجن، بحكم طبيعة المنطقة الخضراء، أما بالنسبة إلى المطلين على البحر فهم يعيشون على تجارة الأغراس شتاء وعلى بيع المواد الغذائية في المحلات التجارية التي يملكونها في جانب الشاطئ صيفا، وسيغلق نزع الملكية -في نظرهم- أبواب الرزق، التي كانت مفتوحة في وجههم وسيدمّر أسرهم وسيفرقها، حسب تصريحات بعضهم. لم يسلم صاحب محل تجاري على الشاطئ، هو الآخر، من الضرر، فالثمن الذي أعطي لمحله التجاري، المُحفَّظ والمسجل في السجل التجاري، حدد في 14 مليونا. وقال المعني إنه عندما تقصى حول ثمن المحلات لتجارية التي تقام في نفس المنطقة تم إخباره أن الثمن هو ثلاثة ملايين سنتيم للمتر المربع، علما أن رخصته تجارية، يضيف المتحدث، متسائلا كم سيمنحون لمن لديه رخصة مؤقتة.. وإضافة إلى ذلك، يقول إن هناك حوالي 49 متضررا في مثل «حالته» لم يُرضِهم التعويض الممنوح لهم من أجل بيع المحلات المجاورة للبحر، والتي تدر عليهم أموالا مهمة في فصل الصيف. ويطالب أصحاب المحلات التجارية بإدماجهم في المشروع بأثمنة رمزية أو بتنقيلهم إلى محلات شعبية أخرى يستطيعون فيها الاستمرار في مزاولة عملية التجارة، التي لا يتقنون غيرها. ولا يهُمّ المشكل الملاك وأصحاب الشركات والمحلات التجارية فقط، بل هناك العديد من السكان اكتروا مساكن في تلك الأراضي بثمن ينسجم مع مستواهم الحياتي والمعيشي. وقالت سيداة من الساكنة: «نحن نمتلك السكن ولا شيء غيره». وصرح ساكن آخر بأنه يعيش قلقا متواصلا بسبب توصله بقرارات للإفراغ من طرف مالك المسكن الذي يكتريه، ويؤكد أنه ليست لديه قدرة مادية تُمكّنه من الانتقال إلى مسكن آخر، خاصة أنه متزوج وأب لطفلتين. أدخلنا أحد السكان إلى منزله، الذي هو عبارة عن فيلا مكونة من طابقين، تتعدى مساحتها 300 متر مربع، قائلا: «أنا خْسرتْ فهادْ الدارْ دم جوفي، واخّا يْعطوني 200 مليون ما نْخرج منها، يْقْتلوني عادْ ياخدوها بالثمن اللّي بغاو»، متسائلا، بتهكم: «واش حْنا بقر يبيعو فينا ويشريو»؟.. وقال «حسن» (اسم مستعار) رجل متقاعد، 65 سنة، يملك منزلا كبيرا محددة مساحته 324 مترا مربعا، بصوت قوي: «أنا زدت وكبرتْ هْنا، ولدتْ هنا، ولادي تزادو هنا،.. كيفاش باغينّي هاد الناس نتخلى عْلى تاريخي ونخرج؟ فين غانمشي؟».. في منزله، الذي شيّده على مساحة كبيرة من أرضه وأرض أجداده، صممه بشكل تقليدي معاصر، بأربع صالونات وغرفتين للنوم ومطبخين، ليتم منحه في الأخير 55 مليون سنتيم كتعويض، لم يتقبل حسن ذلك «فين غانلقى هاد التّيساعْ؟ المحطة ها هي حْداك، المحمدية ها هي حداك.. غادي يخرجونا، هذا ماشي قانون، نتخلاو على بلادنا ونمشيو لبلاداتْ الناس؟ ماشي معقول.. هاد الأراضي هي ملكي، من حر مالي، ماشي أرض مسترجعة».. وكانت «هذا ظلم» آخر ما ختم به «حسن» حديثه. الغازي الخموري شاب في الثلاثينات من العمر، سطح صوته في جلسة شاي أعدتها إحدى الأسر للحديث عن الموضوع بشكل مفصل، أوضح أن جميع سكان المنطقة متعلقون بالأرض ولا شيء غيرها.. اعتبر أن المشروع من ضمن المنخرطين فيه الوكالة الحضرية للدار البيضاء، واعتبر نفسه وريثا جديدا يريد أن ينصفه القانون، كما أنصف أبناء العائلات التي سيفوت لها المشروع جزءا من الأراضي لإنشاء منتجعات سياحية. قال إنه يريد الزواج ويتساءل أين سيسكن؟.. طالب رئيس الحكومة في حديثة بمحاسبة الجميع، معتبرا أن ما يعانونه اليوم هو بمثابة «تهجير»، مؤكدا أنه «لا يمكن أن تنمى منطقة زناتة على حساب أبنائها ولا يمكن أن تتحقق المنفعة العامة على حساب المنفعة الخاصة». ودفاعا عن حقوقهم، عاد المواطنون للاحتجاج، من جديد، رافضين السعر الذي يقولون إنه فُرض عليهم ولم تتم استشارتهم فيه، لا من قريب ولا من بعيد، والمتمثل في 200 درهم للمتر المربع، زيادة على الشقق السكنية التي اقتُرِحت عليهم كبديل لمساكنهم، بالنظر إلى ضيق مساحتها، ومن أجل ذلك نظموا وقفة احتجاجية أمام باشوية عين حرودة، مطالبين ب«إنقاذهم من الضياع»، مؤكدين أن «جهات تريد تشريدهم وطمس هويتهم، من أجل تفويت هذه الأراضي لمجموعات عقارية كبرى وإعادة بيعها بالثمن المتعارف عليه في السوق، وهو 10000 درهم للمتر المربع». للنساء رأي خرجت جميلة من منزلها في ذلك الصباح لتتحدث عن هذا «الهم» كما تسميه، وحكت: «أصبحنا مهددين، نعيش وكأننا سنرحل»، وتتابع، بلغة بدوية: «عمي عندو دار كبيرة وثلاثة ديور ومعمل عطاوه 70 مليون.. أش غيدير؟ راه تفقص، يتضارب مع المخزن؟».. سيدة أخرى، في السبعين من عمرها، ترهقها المدينة وتتعبها السلالم، تقطن في ضيعة كبيرة تعتبر السكن في شقة مع الجيران بمثابة «انتحار»، فقد تعودت على حياة «الطبيعة» وعلى العيش وسط الأبقار والدجاج و«شم رائحة الأرض»، التي تؤكد أنها مصدر عيشهم ولا تستطيع فراقها حتى تموت، متسائلة: «فين غاندير الفلاحة؟ في الحْيوطْ»؟!.. كررت نفسَ الحديث إحدى الفتيات، عضو في جمعية شباب زناتة الجديدة، موضحة أن نزع الملكية كان بالنسبة إلى الساكنة «مفاجئا» وأن التعويضات التي تم منحهم إياها «جد هزيلة»، مضيفة أنهم بحكم الموقع الذي يوجدون فيه، فإن قيمة الأرض جد مرتفعة، لكنها تقول ساخرة: «لا يمكن أن نشتري بلتعويضات التي منحت لنا حتى «براكة» في الصحراء».. وتابعت المواطنة، التي تقطن رفقة عائلة كبيرة بالقرب من شاطئ زناتة: «نعيش هنا منذ أكثر من 300 عام، حيث عاش أجدادنا، فنحن سكان المنطقة الأصليون، نريد أن يتم تعويضنا ببقع نستفيد منها، فنحن «نموت» على أرضنا ومن لا يموت على أرضه لا يمكن أن يموت على وطنه».. احتشدت النساء، في حديث يطول سرده وشرحه، معتبرات أن «نزع الملكية سيدمر أسرهن وسيشتت عشهن العائلي الذي حرصن لسنوات على بنائه»، خاصة أن أزواجهن لا حيلة لهم، فهم يعيشون من الأرض أو من البحر أو يشتغلون في تلك الشركات التي حطت رحالها في تلك المنطقة، وبعضها مهدد بالرحيل. وحرصت حتى النساء اللواتي ينتمين إلى الدواوير المجاورة للمنطقة التي قمنا بزيارتها في زناتة -بلدية عين حرودة، على الإدلاء بشهاداتهن ورأيهن في الموضوع، لا يخفن ولا يهبن أحدا، وهن مصرات، سواء تعلق الأمر ب»مواصلة كفاحهن حتى يظفرن ببقع أرضية ومحلات تجارية وعلى تعويض يلائم مساحات أراضيهن من الهكتارات»، وحتى اللواتي يمتلكن السكن هددن بالبقاء في مساكنهن، إذا لم ينصفهن التعويض المرتقَب الحصول عليه. مطالب الملاك يطالب معظم المواطنين الذين تحدثت إليهم «المساء» ببقع أرضية ويرفضون الشقق، التي لا تتعدى مساحتها 48 مترا مربعا. وستذهب الشقق التي يتم بناء بعضها، وفق ما قالوا، لأصحاب دور الصفيح وسيتم بيعها الكبيرة منها، حسب ما يشاع، بحوالي 3750 درهما للمتر المربع الواحد. وأكد المتضررون أنه «سيتم سلبهم أراضيهم تحت ذريعة المنفعة العامة»، كما اعتبروا أن نزع ملكية الأراضي الذي صادق عليه المجلس البلدي، حيث اعتُبِرت هذه الأراضي فارغة من السكان، مما حرمهم من حقهم في التعويض الذي تفرضه قيمة الأرض وموقعها الإستراتيجي. كما استغرب السكان أن الشركات الكبيرة المتواجدة في المنطقة لم يطلها قرار نزع الملكية، مؤكدين في تصريحاتهم أن «هناك تمييزا واضحا شاب هذه العملية». تختلف درجات معاناة المواطنين، فهناك من يمتلكون أراضيّ تقدر بالهكتارات ولم يستوفوا ثمنها الحقيقي، ومنهم من يمتلكون مساكن فقط، لكنها كبيرة من حيث المساحة، يقطن بها أبناؤهم المتزوجون وأطفالهم، ومنهم من اكتروا هذه المساكن لمدة طويلة بثمن رمزي، وهم كذلك معنيون بقرار نزع الملكية. ستتضرر حوالي 3000 ساكن -حسب الشهادات التي استقيناها- إذا لم تستجب إدارة صندوق الإيداع والتدبير والأملاك المخزنية لمطالب الملاك والسكان على حد سواء. وإذا كانت الشرائح المعنية بالنزع تختلف، فحتى التعويضات المقدمة لهم تختلف، وهي تتراوح ما بين مليوني سنتيم و80 مليون سنتيم، حسب تقديرات المتضررين، وهي تعويضات هزيلة جدا، في نظرهم. ويطالب المتضررون بالزيادة في الثمن المقترّح لشراء الأرض، ليناسب السعر الذي يباع به حاليا المتر المربع في سوق العقار، وبالزيادة في ثمن التعويض وإعادة النظر في الاقتراحات التي وضعتها لجنة التقويم، وكذا الشأن بالنسبة إلى لجنة تطبيق التهيئات. كما يطالبون بتخصيص بقع أرضية ذات شروط ومواصفات تجارية ومهنية لأفراد العائلات التي ستنتزع منها أراضيها، باعتبارها المصدر الوحيد لعيشهم، وتخفيض ما يسمى «ضريبة الأرباح» إلى نسبة 3 في المائة وضمان السكن للشباب المتزوجين المقيمين مع أسرهم، بتخصيص بقع سكنية لهم، مع إعطاء الأولوية لسكان وملاك الأراضي المنزوعة ملكيتها في ما يتعلق بمساحة الشقة، لأنه لا يعقل، في نظرهم، أن يكون مالك معين يملك عقارا مساحته خمسة أو عشرة هكتارات وتمنح له شقة لا تتجاوز مساحتها 45 مترا. كما يطالب الملاك بوقف المتابعات القضائية وقرارات الإفراغ التي طالت بعض السكان، من بينهم أصحاب الشركات ومعامل توجد في المنطقة الصناعية، الذين توصلوا بإنذارات بالإفراغ، مع أن الأولوية يجب أن تعطى لتسوية النزاعات والخلافات بين السكان والسلطات المعنية، قبل تنفيذ أي إفراغ من هذا القبيل، وتحديد إدارة معينة كمخاطب وحيد مع السكان أو من ينوب عنهم من المحامين وغيرهم في كل ما يتعلق بإجراءات الاستفادة من السكن، بدلا من ترك الأمر لإحدى الشركات، والتي شرعت -كما قال إدريس، وهو أحد قاطني دوار حروضات- في الاتصال بالسكان وتوزيع مطبوعات، عبارة عن التزام خاص بكيفية الاستفادة من السكن مكتوب باللغة الفرنسية، عليهم، مشترطة، في المطبوع الذي وزعته، أن يدفع كل مستفيد مبلغ 100 ألف درهم لإخلاء مسكنه الحالي قبل تسليمه مفتاح السكن، وهو إجراء أثار استغراب السكان، لأن المفروض هو تسوية الخلافات والمشاكل المعرقلة لمشروع مدينة زناتة الجديدة. وإذا كانت الجهات المشرفة على المشروع تقول إنه «من أجل المنفعة العامة ومن أجل إنشاء منطقة صناعية وسياحية، إضافة إلى دور سكنية»، فإن المتحدثين نفوا ذلك، موضحين أن هناك مسعى إلى الاستحواذ على الأرض بشكل لا تربطه أي علاقة بالمنفعة العامة، بل غايته تجارية محضة، تستهدف بناء إقامات سكنية، دون مراعاة مصالح السكان، البالغ عددهم أكثر من 3000 عائلة، والذين ورثت غالبيتهم الأرض عن آبائهم وأجدادهم، يضيف إدريس، مؤكدا أن «موقع المنطقة الإستراتجي، باعتبارها مطلة على البحر، جعلها محط أطماع سماسرة العقار، الذين لا يرحمون أحدا». شركات تنتظر الرحيل تم إخبار «محمد ت.»، وهو صاحب شركة للثوب، بقرار نزع ملكية الأرض التي يتواجد عليها معمله، الذي يقوم ب«طحن» الثوب. وبرر القرار الممنوح له والقاضي بنزع ملكيته، الإجراء بأن «هدف المشروع الذي سيقام فوق الأرض هو المصلحة العامة». وقال «محمد ت.» إن قيمة التعويض لم تعجبه، فقد تم منحه 290 درهم للمتر، في أرض قيمتها الحالية محددة في 10000 درهم للمتر المربع. ومنذ ستة أشهر و»محمد ت.» يتلقى قرارات الإفراغ، وتأتي القوات العمومية من أجل تنفيذ ذلك بالقوة، لولا تدخل العمال والجمعيات وبعض الساكنة، وفي الأخير، يقول إن وعودا قدمت له من طرف الشركة، بأنه سيتم منحه بقعة أرضية في المنطقة الصناعية وبأن «القضية ما زالت في المحكمة». وإلى جانب معمل الثوب، تراصّت عمارات وشقق على مساحة مهمة من الأراضي التي نُزِعت ملكيتها وأقيم فيها مشروع لشركة تدعى «المنصور». وقال أحد السكان إن نصف هذا المشروع سيخصص لإعادة إيواء دور الصفيح، كما يقال، ونصفه سيباع للمواطنين، ودليل ذلك -يضيف المواطن- أن الشركة وضعت هاتفها رهن إشارة المواطنين الراغبين في اقتناء الشقق، مما يعني أن الهدف من المشروع ليس المنفعة العامة بقدْر ما يصب في صالح «لوبيات العقار». ما يزال الحي الصناعي، الذي وُعِد «محمد ت.» بأنه سيتمتع ببقعة ضمنه، لم يُهيَّأ بعد، معتبرا أن «قرار نزع الملكية جاء من أجل مصلحة من أقروه، والمسألة فيها بيعْ وشْرا ماشي المنفعة العامة.. يشريو الأرض بثمن طايْح ويبيعوها بثمن طالع».. اشترى معظم الملاك أراضيهم وحفّظوها ولديهم جميع الأوراق التي تثبت ملكيتهم هذه الأراضي، لكن قرار «نزع الملكية من أجل المنفعة العامة» فاجأهم، فأغلبهم استثمروا في الأرض أموالهم بعد تقاعدهم. ويشغل صاحب المعمل الذي تحدثت إليه «المساء» حوالي عشرة عمال، ويؤكد أنه إذا تم تنقيله ومنحه أرضا لبناء مصنع جديد، فإنه سيحتفظ بالعمال وإذا لم يتم إنصافه فإن العمال سيتشردون، لا محالة، بعده خصوصا أن لديهم مساكن وأراضي معنية كذلك بنزع الملكية. ولم يخف مدير شركة للخشب في عين حرودة تذمره، بدوره، من قرار نزع الملكية، معتبرا أن المشروع لا أساس ولا دراسة له، مضيفا: «هاد المشروع.. جاوْ وخبطوه»، مؤكدا أن عددا من العمال سيتم تشريدهم: «هذا المشروع دشنه الملك، نعم، ولكنْ نحن نريد المصلحة للجميع، المصلحة للمستثمرين الذين أرادوا الاستثمار في هذا المشروع والمصلحة لأصحاب الشركات التي قضت أعواما في هذه الأرض». وأضاف المتحدث نفسُه: «أنا لدي حوالي 70 عاملا، والإشاعة التي أطلقت على نزع الملكية تسببت في ركود في التجارة، حيث «غاب» المواطنين والتجار الذين كانوا يتعاملون مع الشركة منذ خروج هذا القرار.. لقد تضررنا منه كثيرا». 20 سنة من الجهد والتعب قضاها مدير شركة الخشب من أجل إنجاح هذه الشركة، وبين عشية وضحاها، «قال ليك أجي سير فحالك.. فين غانمشيو؟».. وحتى التقديرات التي قُدِّرت لم تنصفه، معتبرا أنه «ليست هناك أي جهة يمكن الحديث معها في الموضوع»، حتى إنه قال إنه سيصبح مشردا، مثله مثل العمال. كما اعتبر صاحب شركة الخشب أن «قرار نزع الملكية يشوبه الغموض»، وتابع، غاضبا: «هاد الناس تْسلّْطو علينا».. لم يكلفوا أنفسهم عناء القيام بأي عملية حسابية، واضعا، في كلامه، مقارنة بين الوضع في المغرب وفرنسا، التي يقول إن «نزع ملكية فيها يتم بشروط وقوانين، حيث يتم نزع ملكية 100 هكتار ليتم تجهيزها من أجل بناء مستشفى أو مدرسة، ولكن في المغرب، حددت الهكتارات في 2000 هكتار، وحتى اليوم لم يعرفوا من أين يبدؤون ولا كيف سيتم إنهاء هذه «المهزلة»، حسب المتحدث نفسه. زناتة الجديدة «التصميم الذي رأيته شيء خرافي».. الحديث لأحد شباب المنطقة، الذي رأى في مشروع شيئا يشبه ما يراه في الإمارات وفي دول الخليج، معتبرا أنهم ليسوا ضد مشروع يحسن من جودة منطقتهم، بقدْر ما يريدون تعويضات تتلاءم ومصالحهم، التي يجب أن تعطى لها الأهمية. وكان لأحد أصدقائه رأي آخر، فقد قال إنهم إذا كانوا هم كشباب قد تمتعوا بشاطئ زناتة منذ صغرهم، فإنه «سيأتي يوم سيتم حرمانهم من ذلك، ومن أراد ذلك عليه أن يدفع الثمن». وسيشمل نزع الملكية -حسب الملاك- 2000 هكتار، من حدود مدينة المحمدية حتى البرنوصي إلى عين السبع، في الدارالبيضاء، وسيخصص المشروع مساحات مهمة من الأراضي لما هو صناعي ولوجستيكي ومساحات لبناء أقامات وشقق سكنية، أما المساحات المطلة على البحر فإنها ستخصص -حسب شهادات الساكنة- لبناء فنادق ومقاه «هاي كلاس»، وسينجز المشروع في أربعة أشطر، حسب مستوى التصفية العقارية للأرض، إذ إن 500 هكتار فقط هي التي تملكها الدولة حاليا، والباقي في يد الخواص. الإعلان عن المنفعة العامة التي تقتضي تهيئ منطقة زناتة في بلدية عين حرودة حتى تصبح جديدة وعصرية، جاء -حسب مصدر جمعوي- وفق المرسوم الصادر في ال28 من فبراير سنة 2006، والذي يقضي ب»إنجاز مدينة جديدة على مساحة 2000 هكتار، تستوعب حوالي 500 ألف نسمة في أفق 2030». وتم تكليف شركة «سي دي جي»، التابعة لصندوق الإيداع والتدبير، بالإشراف عليه، غير أن المصدر ذاته يقول إنه «لا علاقة للمشروع، لا من قريب ولا من بعيد، بالمنفعة العامة وأنه تم استغلال سذاجة المواطنين وأميتهم وتخويفهم بقوة المخزن، لضمان خروجهم من الأرض بأقل التكاليف».
شركة تهيئة زناتة : 60 في المائة من المشروع عبارة عن فضاءات خضراء أوضح مصدر من شركة تهيئة زناتة، التابعة لمؤسسة صندوق الإيداع والتدبير (طلب عدم ذكر اسمه أو صفته) أن شركة تهيئة زناتة هي عبارة عن إدارة تم خلقها عن طريق مرسوم من أجل تدبير مشروع المدينةالجديدة ودورها يقتصر في إعداد الدراسات وإنجاز تهيئة للمدينة، موضحا أن نزع الملكية قامت به الدولة وفقا للقانون المتعلق بذلك ووفق برتوكول موقع من طرف جميع الوزارات المعنية، وعلى رأسها الوزير الأول، مضيفا أن هذا القرار تم تنفيذه ابتداء من سنة 2006، باعتبار خصوصية المنطقة، التي تعرف انتشارا واسعا لدور الصفيح وعدد من الوحدات الصناعية، المقامة بشكل عشوائي، وأن من شأن زحف البناء العشوائي أن يلحق بالدولة العديد من الخسائر، مضيفا أن نزع الملكية جاء من أجل المصلحة العامة، وفقا للقوانين الجاري بها العمل، من أجل إيواء ساكنة دور الصفيح وتهيئ المنطقة بشكل يتلاءم مع التطورات التي يعرفها المغرب المعاصر. وأكد المتحدث أن 60 في المائة من مشروع زناتة الجديد هو عبارة عن فضاءات خضراء وأنه سيرقى بالمنطقة سياحيا، مشيرا إلى أن المشروع في حد ذاته سيتسبب في خسارة الدولة 300 مليون سنتيم، على اعتبار أن قاطني 4000 شقة جديدة سيؤدون جزءا منها فقط، في حين تتحمل الدولة تبعات التكاليف الأخرى. وقال المصدر ذاته، في اتصال هاتفي ل»المساء» به، إنه موظف مع الدولة وليس مستثمرا حتى يدافع عن المشروع، موضحا أن لجنة متخصصة قامت بتحديد الأثمنة المتعلقة بتلك الأراضي وفق الثمن المتعارَف عليه في سوق العقار، وإن إدارة الشركة هي التي قامت بإنجاز تصور للمشروع. أما بالنسبة إلى الملاك الذين تضرروا من نزع ملكية أراضيهم، فيقول المصدر ذاته إن سبعة عائلات هي فقط التي تملك هكتارات من الأراضي في تلك المنطقة وأن القضاء بت في الأحكام المتعلقة بهم وأصدر تعويضات مناسبة تتوافق مع حجم ضررهم، وهي التعويضات التي قال إنها تتفاوت حسب مساحات الأراضي. وأكد المتحدث أن المشروع ذو طابع اجتماعي، هدفه الاحتفاظ بمناصب الشغل من خلال المنطقة الصناعية التي سيتم إحداثها، مؤكدا أن غالبية الوحدات الصناعية المتواجدة في المنطقة لا تملك رخص صناعية، نافيا أن تكون المنطقة المطلة على البحر مكانا لأحداث فنادق أو منتجعات سياحية، بل ستكون عبارة عن «كورنيش» وفق المتحدث نفسه.