لم يكن الزوج، المتهم، على دراية أن ما يخطط له تجاه زوجته التي عاشرته مدة تزيد عن عشرين سنة، وخلفوا أبناء ذكورا، سيؤدي ثمنه غاليا، وسيكون مصيره في آخر أول حلقات القضية، السجن النافذ، الذي أفقده الحرية، ويقضى دقائقه وساعاته وأيامه بالسجن الفلاحي بتارودانت، قادما إليه من مدينة ابن جرير حيث كان يؤدي عمله اليومي، بعد حكم ابتدائي صدر عن ابتدائية تارودانت، بعد متابعته بتهمة التزوير، طبقا للفصل 366 من القانون الجنائي المغربي. تفاصيل القضية بدأت تفاصيل القضية بوضع شكاية لدى النيابة العامة بالمحكمة الابتدائية بمدينة تارودانت. أشارت المشتكية التي تعتبر زوجة للمشتكى به على سنة الله ورسوله ، وجاء في الشكاية أن الزوج سبق له أن قام بصنع إقرار حدد فيه مدخوله الشهري في مليون سنتيم. وهي الوثيقة التي ضمها إلى مقاله المعروض على أنظار المحكمة الابتدائية في موضوع التعدد، وبعد عدة جلسات حضرها الزوجان، حيث كان يتم النظر في الطلب. وقبل أن تصدر هيأة المحكمة بقضاء الأسرة قرارها القاضي بقبول أو رفض طلب الزوج وحقه في التعدد، قام بوضع مقال آخر يرمي من خلاله إلى توقيع طلاق للشقاق، وهذه المرة بالمحكمة الابتدائية بمراكش بدل مدينة تارودانت، بصفته يقطن بحي «جليز» بمراكش، عكس الحقيقة التي تثبت مقر سكناه بالجماعة القروية «تيسراس» بإقليم تارودانت بدل عمالة مراكش. كما ضمنه إقرار آخر يؤكد فيه على أن راتبه الشهري في حدود أربعة آلاف درهم، وكلها وثائق من صنعه شخصيا وتتناقض مع الحقيقة. كانت هذه المعطيات كافية لتحرك غضب الزوجة تجاه زوجها، خاصة بعدما عملت كل ما في وسعها قصد الإبقاء على شمل العائلة مجتمعا. لكن مجهوداتها باءت بالفشل. وأمام هذا الوضع، ونظرا لما عانته من زوج قالت إنه استغل سذاجتها، وحصل من خلالها على موافقتها بالتعدد. ولأن هدف المشتكى به كان هو السعي لتضليل العدالة من أجل حرمان الزوجة الأولى من حقوقها في النفقة، حرصت على تقديم الشكاية، مؤكدة على متابعته قضائيا. استناد على المعطيات التي ظهرت إبان مناقشة الملف في جلسة علنية بالقاعة «رقم 1» بالمحكمة الابتدائية بتارودانت الأسبوع الماضي، وحضرها المشتكى به في حالة اعتقال مؤازرا بدفاعه، وتخلفت عنها المشتكية وناب عنه دفاعها، الذي قال إن الزوجة المشتكية عاشت فترات عصيبة مع الظنين الذي هو في نفس الوقت زوجها وأب أبنائها، بدأها حسب ما راج أثناء مناقشة الملف باستغلال الزوج سذاجة زوجته، وجهلها وقادها صوب المحكمة الابتدائية، بدعوى أنه يرغب في إنجاز بعض الوثائق المتعلقة بالدفاتر الصحية للأبناء، لكنها فوجئت بقاضي الأسرة يسألها إن كانت راضية على الموافقة للزوج من بالتعدد والزواج بامرأة ثانية. كان رد الزوجة هو الرفض المطلق، الشيء الذي جعل الزوج يتخذ مواقف سلبية ضدها كما جاء في شكايتها. لم يقف عند هذا الحد، بل قام، في محاولة منه بعد أن أحس بأنه غير مسموح له بالتعدد من طرف المحكمة، وقبل صدور أي قرار عدلي، لجأ إلى محاولة توقيع طلاق للشقاق، كما حرمها من المتعة الجنسية وأهملها دون مصروف، حيث ظلت إلى فترة طويلة تعيش هي وأبناءها على مساعدة أشقائها. وهي كلها عوامل دفعت بها اللجوء إلى القضاء، مشيرة في تصريحاتها المدلى بها لدى الضابطة القضائية أنه لم يرغمها على الموافقتة له بالزواج من امرأة ثانية، بل اعتمد في الوصول إلى مبتغاه الطرق الملتوية ونهج التحايل في تطبيق مسطرة الطلاق. أنجز الزوج وثيقة الإقرار، التي أظهر من خلالها أن راتبه الشهري يصل إلى ما مجموعه مليون سنتيم للحصول على التعدد، فيما جاء الإقرار الثاني الذي اعتمد في مسطرة الطلاق على أم مدخوله في حدود أربعة آلاف درهم، كل ذلك من أجل حرمان زوجته وأبنائها من حقها في النفقة. كانت الزوجة قد أشارت إلى أن المشتكى به لما رغب في الحصول على الموافقة بالتعدد، أكد أمام العدالة أنه يملك ثلاثة منازل بالجماعة القروية التي يقطنها بتارودانت، إضافة إلى كونه يتوفر على منزل آخر بمراكش وآخر بابن جرير، فيما أكد عدم امتلاكه للمنازل المذكورة في مسطرة الطلاق. أثناء الاستماع إلى المتهم وتدوين تصريحاته، وفي رده عليها والدفاع عن نفسه، نفى الزوج المتهم كل التهم المنسوبة إليه، موضحا أن ما تدعيه زوجته بصفتها مشتكية، لا أساس له من الصحة، وأن المشتكية لازالت زوجته على سنة الله ورسوله، وإن كانت تقطن بعيدة عنه. ونظرا لكون عمله بمدينة ابن جرير، وأمام الوضعية التي يعيشها بسبب بعد المسافة بينه وبين أفراد أسرته، سبق له أن طلب منها الالتحاق به، ولم الشمل تحت سقف واحد بالقرب من مقر عمله. لكن الزوجة المشتكية ظلت متمسكة بموقفها الرافض لفكرة الإقامة بابن جرير، ورفضها لاقتراحه. ونظر لتشبث الزوجة بالبقاء بالدوار، فاتحها في السماح له بالزواج من امرأة ثانية تملأ عليه الفراغ الذي يعيشه وهو يزاول عمله بمدينة أخرى غير المنطقة التي يعيش فيها أبناؤه، وهو الاقتراح الذي قابلته الزوجة المشتكية بصدر رحب حسب تصريحاته، مؤكدا على وقوع اتفاق بينهما في شهر يوليوز من سنة 2011، كما هو مدون بمحضر المفوض القضائي أثناء زيارته لها بدوار «بوتركة». إلا أنها عادت وتراجعت عن هذا الاتفاق أمام قاضي الأسرة بالمحكمة الابتدائية بتارودانت أثناء مناقشة الملف المتعلق بالتعدد. وبعد انتهاء الجلسة رافقته إلى مدينة ان جرير بعد أن أقنعته أنها سترافقه إلى هناك والاستقرار معه، وهناك عاشا سويا مدة طويلة، قبل أن يفاجأ بزوجته تتقدم بشكاية ضده تتهمه فيها بالخيانة الزوجية. أمام الإجراء، ونظرا لكونه أصبح غير مستقر نفسيا مع الزوجة، وجد نفسه حسب تصريحاته مجبرا على الإسراع بانجاز وثيقة الطلاق. أما فيما يتعلق بالتخلي عن زوجته وأبنائه وتركهم تحت رحمة أخوالهم، فقد نفى المتهم ذلك، مشيرا إلى أن زوجته وأبناءه لايزالوا يعيشون معه تحت سقف واحد، أما فيما يتعلق بالوثائق موضوع النزاع والمتعلقة بالإقرارين، فقد أكد المعني بالأمر كونه كان وراء صنعها. تصريحات أعاد تأكيدها المشتكى به مرة أخرى أما النيابة العامة. ونظرا لقناعة النيابة العامة بكون تهمة التزوير واردة، قررت متابعة المتهم بالمنسوب إليه، وإحالته على السجن الفلاحي. حكم الإدانة وبعد عدة جلسات، قررت هيأة الغرفة الجنحية التلبسية بالمحكمة الابتدائية بحر الأسبوع الماضي، اعتبار القضية جاهزة، رغم أن المشتكية تخلفت عن الحضور رغم التوصل، في حين ناب عنها دفاعها، وحضرها المتهم مؤازرا بدفاعه. وبعد مناقشة الملف الذي أخذ ما يكفي من الوقت، استطاع كل من دفاع المتهم ودفاع المشتكية مناقشته من كل حيثياته. أما المتهم فبدوره لم ينف صنعه للوثائق موضوع النزاع، مشيرا إلى أن تلك الوثائق تتضمن وقائع صحيحة عكس ما جاء في اتهامات المشتكية، مؤكدا على وضعيته المادية غير مستقرة، خاصة أن مهنته كتاجر مسير، لا مجال للشك في أن مدخوله الشهري لا يستقر على حال، حيث وصل قبل سبعة أشهر مضت إلى مليون سنتيم. لكن مع مرور الوقت واقتراب العطلة الصيفية، انخفض مدخوله بشكل كبير، حدده في أربعة آلاف درهم. وهو ما تزامن مع دخوله وزوجته مرحلة الطلاق. أما فيما يتعلق بتهمة التحايل على القانون، خاصة التناقض القائم بين الإقرارين، حيث اتهمته الشكاية أنه في مرحلة التعدد ضخم مدخوله الشهري، في حين في مرحلة الطلاق، أفاد أن راتبه الشهري أقل بكثير من مدخوله إبان مرحلة التعدد. وهو الأمر الذي دفع الزوج المشتكية إلى الإشارة أن إقدامه على ذلك راجع لسوء نيته قصد حرمانها وأبنائه من النفقة. اتهام نفاه الزوج، مقرا في تصريحاته أن ظروف عمله كانت السبب في هذا التفسير الخاطئ، وأن الحقيقة هو ما أدلى به حول ظروف وأسباب تحرير الإقرارين. وبعد ذلك أعطيت الكلمة للدفاع ثم ممثل النيابة العامة. النيابة العامة، رأت أن ما صرح به المتهم مخالف للواقع، وأن الإقرارين المدلى بها في الملف، خير دليل على أن هناك تحايل، وأن فصل المتابعة الذي توبع به المتهم يؤكد بالملموس أن المتهم متورط، ويجب معاقبته على فعلته حتى يكون عبرة لمن سواه، متلمسة من هيأة المحكمة تطبيق القانون بمؤاخذة الظنين بالمنسوب إليه والحكم عليه طبقا لفصل المتابعة. فصول المتابعة الفصل 366 من القانون الجنائي المغربي يعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى سنتين وغارمة من مائتين إلى ألف درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط، ما لم يكون الفعل جريمة أشد، من: 1 صنع عن علم إقرارا أو شهادة تتضمن وقائع غير صحيحة. 2 زور أو عدل، بأية وسيلة كانت، إقرارا أو شهادة صحيحة الأصل. 3 استعمل عن علم إقرارا أو شهادة غير صحيحة أو مزورة.