«دابا غادي نخرجو نديرو بوز ومن بعد نتناولو وجبة عشاء خفيفة» كانت هذه بشرى زفها فؤاد شويبة أحد أعضاء اللجنة التنظيمية لمن حج إلى القاعة الرئيسية. ليشهد إسدال الستار على أشغال المناظرة الأولى للسينما على الساعة السادسة مساء كما كان مبرمجا، «لكن لظروف طارئة وزير الاتصال سافر مع وزير الداخلية وغادي يكون هنا حتى الساعة الثامنة». سفر وزير الاتصال مصطفى الخلفي الفجائي إلى منطقة طوبقال كان للوقوف على ما تعرضت له المنحوتات الصخرية هناك من تدمير، إذ يعود تاريخها إلى 8000 سنة ما قبل التاريخ. وصلت الساعة الثامنة، ولم يظهر أثر للوزير، وظل الجميع ينتظر طلة الوزير وعودته من هذه الرحلة عبر الطائرة إلى منطقة إيكو. ولم بنطلق حفل الاختتام وتلاوة توصيات الأوراش التسعة (وليس ثمانية كما جاء في موقع وزارة الاتصال) حتى الساعة العاشرة ليلا، حضر حينها الوزير ورئيس اللجنة التنظيمية لهذه المناظرة ونائبه مدير المركز السينمائي المغربي نورالدين الصايل، ألم يكن حريا مثلا أن ينوب هذا الأخير عن رئيسه بدل ترك الجميع في حالة انتظار طويلة جدا. الأوراش انتهت من أشغالها في حدود الواحد زوالا، وعاد المقررون أو رؤساء الورش وعقدوا اجتماعا قصيرا بطلب من محمد بلغوات على الساعة الثالثة زوالا ناقشوا بشكل خاص توقيت تلاوة التوصيات، وما سيتلوه من فقرات تهم التكريم والتوقيع علي اتفاق بين وزارة الاتصال وهيأة من مهنيي القطاع السمعي البصري والسينمائي، غير أن حفل هذا التوقيع جرى تأجيله إلى موعد غير مسمى نتيجة وجود الرئيس المدير العام للشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة والمدير العام لدوزيم سليم الشيخ خارج أرض الوطن كما قال منشط الحفل رشيد الوالي. كم هائل من التوصيات أفرزتها نقاشات يومين لتسعة ورشات بعدما كانوا ثمانية، الممثلون بعد احتجاج نقابتهم المتمثلة في النقابة المغربية لمحترفي المسرح عن إقصائهم في الورشات أو اللجنة العلمية واقتنعت وزارة الاتصال بحجية طلبهم وشكلت لها ورشة، بل وبات لهم تمثيل داخل اللجنة الموكول لها صياغة الكتاب الأبيض. كل رؤساء الورشات أو مقرروها قرؤوا أهم توصياتهم وسترفع إلى اللجنة العلمية المشكلة من عشرين عضوا برئاسة عبد الله ساعف، وسيكون عليهم إعادة صياغتها على مدى ثلاثة أشهر وتقديمها في شكل كتاب أبيض شهر يناير القادم. كانت لحظات مؤثرة اختتمت بها الماظرة الوطنية للسينما أشغالها، حينما التقت وتذكرت رجال ونساء الظل في الفعل السينمائي، رواد الجيل الأول ممن أفنوا حياتهم خدمة لهذا الفن، وبعدما بلغوا من الكبر عتيا تنكر لهم الجميع، وخرجوا من هذه المهن كما دخلوها أول مرة، لا مال ولا اعتبار سوى ذكريات ظلت منحفرة في دواخلهم عن سنوات كان الحب لا المال المحرك الأساس للعمل الإبداعي. أول المكرمين كانت فاطمة العلوي اشتغلت في مهنة ذكورية الديكور، قادمة إليه من الفنون التشكيلية، وتركت بصمتها في العديد من الأفلام السينمائية كصلاة الغائب لحميد بناني، ولمستها في فن الديكور جالت كل مناطق المغرب. المكرمة الثانية نعيمة بوعناني جمعت بين الماكياج والملابس والديكور وقال المخرج حكيم بلعباس في حقها كلمة رقيقة، وكشف أنه بعد سنوات ركض طويلة وراء لقائه مع المخرج سيدي أحمد بوعناني كما سماه حتى ظن أن هذا اللقاء يوشك أن يكون سرابا، التقى مع نعيمة بوعناني، وتوسطت له في جلسة حثته أن يسرع ويستعجل فيها، وبالفعل كان هذا اللقاء الحلم واستمع حكيم إلى المخرج الراحل زهاء خمس ساعات. المكرم الثالث كان التقني حسن العاميري واحد من الكفاءات التقنية في المجال السينمائي، وقع على حضور متميز في أعمال وطنية ودولية، اشتغل موظفا في المركز السينمائي المغربي، وظل يحرص على تطوير مداركه من خلال حصوله على شواهد بمعاهد فرنسية. المكرم الرابع فخر الغازي رمز من رموز النضال زمن توهج الأندية السينمائية، ارتجل الناقد أيت عمر المختار كلمة كثف فيها خصائص هذا الرجل، ومساهماته الفاعلة في تجدير الفرجة السينمائية كطقس اجتماعي، إذ كان يعج بحركية لا مثيل لها، لا يتوقف عن التنقل بين أطراف المغرب ومناطقه النائية بداية سبعينيات القرن الماضي لا لشيء إلا لإيصال فيلم سوفياتي أو بلغاري أو بولوني في وقته لهذا النادي السينمائي أو ذاك. حالت وعكته الصحية دون حضور هذا الاحتفاء، وناب عنه ابنه في تسلم الدرع من طرف الكاتب العام لوزارة الاتصال رضوان بلعربي والمكرم الأخير با صالح العراسي قيدوم التقنيين المغاربة، بل والأب الروحي لعدد كبير منهمو كانت بدايته الأولى عام 1949، ورغم تقدمه في السن، إلا أنه يحافظ على ابتسامته، وكان سعيدا جددا بهذه اللحظة الإنسانية، إذ وقف جميع الحاضرين بالقاعة احتراما لهذا الرجل وصفقوا له طويلا قبل أن يتسلم درعه من طرف وزير الاتصال مصطفى الخلفي.