في إطار الحراك الشعبي الذي يشهده الشارع العربي والاتجاه العام إلى تغيير الأنظمة الحاكمة بدرجات تتراوح بين الاصطدامات الدموية وتبني التغيير السلمي الذي اختارته بلادنا مجسدا في الخطاب الملكي لتاسع مارس من هذه السنة والداعي إلى تعديل دستوري يساير تطلعات الشعب المغربي وضرورات المرحلة التاريخية ممثلة في حركة 20 فبراير، ارتأينا أن نساهم في هذا النقاش حول مضامين الدستور المأمول في جانب يعتبر من أهم انشغالات المواطن والمتعلق بالإلزام الضريبي، ذلك أن مفهوم المواطنة اليوم يعتبر لصيقا بمساهمة المواطن في النفقات العمومية بواسطة الأداة الجبائية، شريطة أن يكون الاقتطاع الضريبي مرتكزا على مجموعة من المبادئ تحقق التوازن بين امتيازات الإدارة وحقوق دافعي الضريبة، وبالتالي لابد من التساؤل والبحث في مضامين دستور 96 عن القواعد التي تحمي الملزم المغربي وتضمن حقوقه؟ لذلك سنستعرض في محور أول لحقوق الملزم ذات المصدر الدستوري ثم سنين محدوديتها وأخيرا سنقترح ما يمكن تعديله تماشيا مع متطلبات المرحلة التاريخية التي تجتازها بلادنا. القواعد الضريبية ذات القيمة الدستورية يعتبر الدستور القانون الأساسي للدولة حيث يحدد المبادئ والقواعد الدستورية التي يجب على مختلف السلط احترامها وعدم الحياد عن روحها، كما يحدد أيضا اختصاصات هذه السلط ومن بينها الاختصاص الحصري للبرلمان في المجال الضريبي، ذلك أن الدستور المغربي الأخير المعدل بواسطة استفتاء 1996/9/13 شأنه في ذلك شأن الدساتير السابقة، قد نص في الفصل 17 بأن «على الجميع أن يتحمل كل على قدر استطاعته، التكاليف العمومية التي للقانون وحده الصلاحية لإحداثها وتوزيعها حسب الإجراءات المنصوص عليها في هذا الدستور» كما جاء في الفصل 50 بأن البرلمان يصوت على قانون المالية وفق الشروط المنصوص عليها في القانون التنظيمي. من خلال قراءة مضمون المادة 17 أعلاه التي تضمنت القواعد الدستورية في المجال الضريبي والتي احتوتها أغلب القوانين الأساسية المطبقة حاليا في دول العالم (1)يمكن أن نستخلص المبادئ التالية : أ) مبدأ المساواة أمام الضريبة :ويعني أن التشريع الضريبي يجب أن يطبق نفس المقتضيات على الأشخاص الذين يوجدون في وضعيات متشابهة وهو متفرع عن مبدأ المساواة أمام الأعباء العامة الذي يجد سنده في المبدأ العام الذي يؤكد على مساواة كل المواطنين أمام القانون «المنصوص عليه في المادة الخامسة من دستور 1996». ب) تحديد الضريبة وفق المقدرة التكليفية الملزمة وهي تجسيد للقاعدة الكامنة في المادة 17 من الدستور المغربي التي تلزم الجميع بالمساهمة في الأعباء العامة كل حسب استطاعته، ومعنى هذا أن الالتزام الضريبي يحدد بناء على المقدرة التكليفية وليس على أساس المقابل الذي قد يستفيد منه الملزم من خدمات ومنافع والتي ترتبط بالرسم أكثر من ارتباطها بالضريبة بالمفهوم العام . ج) مبدأ ضرورة الضريبة: nécessité de l'impôt ويجد سنده في القوانين الأساسية التي تنص على ضرورة الموارد الضريبية لتمويل النفقات العامة مما يضفي الشرعية على مسطرة مراقبة الدخول ومحاربة الغش الضريبي دون المس بالحريات الفردية . د) سنوية الضريبة : annualité de l'impôt لقد سبقت الإشارة إلى أن القانون المالي يحتوي القانون الضريبي مادامت كل المقتضيات الضريبية باستثناء قانون الإطار للإصلاح الضريبي (أبريل 1984) نتعرف عليها بمناسبة مناقشة وصدور قانون المالية السنوي, حيث تناقش المقتضيات الضريبية ضمن مناقشة موارد الميزانية في زمن وجيز قد لا يتعدى شهرا أو أقل في بعض الحالات، وهوما دفع مجموعة من الباحثين إلى انتقاد هذا التوجه بحيث يتعلق الأمر بإصلاحات مهمة كحالة إعداد كتاب المساطر الجبائية مثلا في إطار قانون المالية لسنة 2005 أوإعادة هيكلة مدونة التسجيل في إطار قانون المالية لسنة 2004 على ضوء المستجدات القانونية التي عرفها قانون أعمال وكذلك تدوين المدونة العامة للضرائب 2007 . أضف إلى ذلك قاعدة الترخيص السنوي لجباية مختلف الضرائب والرسوم (المادة الأولى من كل قوانين المالية). لكن التوجهات الحالية للسياسة الاقتصادية، من خلال مقاربة هذه المبادئ مع السياسة الجبائية المتبعة حاليا من طرف معظم الدول في إطار عولمة المقتضيات الضريبية المرتبطة بظاهرة العولمة الاقتصادية، يتضح أن بعض المبادئ (وخاصة الأول والثاني) لم تعد تتكيف مع توجهات المشرعين في المادة الضريبية والتي تعتمد أساسا على مبادئ إعادة توزيع الثروة بواسطة الأداة الضريبية وبالتالي إقرار أسعار تصاعدية، كما فرضت ظروف التنمية الاقتصادية تطبيق سياسة جبائية انتقائية تراعي اختلاف ظروف الملزمين وخصوصيات الأنشطة المهنية، وكذا منح امتيازات وتشجيعات ضريبية لحث المقاولات على الاستثمار في المناطق النائية، مما يفسر الاستثناءات أوالنفقات الضريبية التي تكلف ميزانية المغرب أكثر من 28 مليار درهم سنويا في شكل إعفاءات دائمة ومؤقتة أوتخفيضات أوتطبيق أسعار مخفضة بغض النظر عن فعاليتها، وبالتالي فإن هذه التوجهات الحديثة من شأنها أن تخل بالمبدأين السالفي الذكر بمفهومهما الضيق.(2) لكن الوقوف عند نسبية هذه المبادئ الدستورية وتجاوزها بفعل اتجاهات السياسة الجبائية الحالية، لا يعني بأي حال من الأحوال أن المعايير الدستورية فقدت قيمتها في بلورة التشريع الضريبي بل بالعكس وبفعل تعزيز مراقبة دستورية القوانين في الكثير من البلدان وخاصة فرنسا أصبح القانون الضريبي يخضع لتأطير دستوري خلال العقدين الأخيرين، ذلك أن عدم الاهتمام سابقا بالمصادر الدستورية يرجع إلى هيمنة مبدأ الموافقة على الضريبة باعتبار أن الشعب عبر ممثليه في البرلمان هوالمختص حصريا لتحديد قاعدة أي ضريبة والترخيص بتنفيذها. إن الاتجاه الحالي المتمثل في «دسترة القانون الضريبي» constitutionnalisation du droit fiscal حسب تعبير الأستاذ ل. فيليب(3) جعله يسري وفق المبادئ الكامنة في الكتلة الدستورية، مما ساهم في حماية الحريات الأساسية والحد من سلطات الإدارة الضريبية, وخير مثال على ذلك قرار المجلس الدستوري بفرنسا (4) الذي ألغى الإجراءات التي كانت واردة في قانون المالية لسنة 1984 والرامية إلى السماح لأعوان الإدارة الضريبية بتفتيش وحجز منازل الملزمين في إطار مسطرة المراقبة الضريبية، وقد استند المجلس الدستوري في قراره هذا على مقتضيات الفصل 66 من الدستور الفرنسي (1958) الذي أوكل للقضاء السهر على احترام الحريات الفردية وحق الملكية وعدم انتهاك حرمة المنازل, وبالتالي يجب الحصول على إذن السلطة القضائية قبل القيام بأي تفتيش أوحجز للمساكن. كما يمكن التنويه أيضا في هذا الصدد باجتهاد المحكمة الدستورية العليا بجمهورية مصر العربية وخاصة القرار الصادر بتاريخ 1993/12/06(5)الذي ألغى القانون رقم 229 لسنة 1989 المتعلق بفرض ضريبة على مرتبات العاملين المصريين في الخارج, نظرا لافتقارها للمقومات والأسس الواقعية وخاصة ضرورة وجود توافق بين الضريبة ومقدار الدخل الخاضع لها. حيث أحدث هذا القانون مبلغا للضريبة الواجب أداؤه بصورة قارة حسب درجة العامل، كما تفرض فقط على العمال المنتمين للدولة والقطاع العام الذين يوجدون في وضعية إعارة أوإجارة ، دون غيرهم من العمال الذين ينتمون إلى القطاع الخاص، مما يخل بمبدأ المساواة أمام الضريبة حسب حيثيات حكم المحكمة الدستورية المذكور الذي اعتبر أن القانون الملغى يتضمن تمييزا تحكميا ومخالفا لنص المادة 40 من الدستور المصري. أما في المغرب فإن الاجتهاد القضائي في المادة الضريبية ضعيف عموما وشبه منعدم على مستوى مراقبة دستورية التشريع الضريبي. بحيث لا نعثر إلا على القرار الوحيد الصادر عن المجلس الدستوري بتاريخ 16 /10 /1994 والقاضي بإلغاء الرسم الذي كانت تعتزم الحكومة تطبيقه على استعمال الصحون المقعرة Antennes paraboliques رغم أن هذا القرار قد اتسم بنوع من القصور من حيث التعليل والذي اعتمد على عيوب مسطرية لم تحترمها الحكومة، دون مناقشة المضمون، ذلك أن إمكانية اللجوء إلى المجلس الدستوري ممنوحة للملك، للوزير الأول ورئيسي المجلسين، كما يتطلب الحصول على ربع أعضاء أحد المجلسين وهو نصاب لا يتوفر إلا للأحزاب السياسية الممثلة داخل البرلمان، بحيث كانت ومازالت المجموعة المهنية للأبناك تندد بالتمييز في سعر الضريبة على الشركات المرتفع أي 37 حاليا و35 ٪ سابقا المطبق على الأبناك وشركات القرض عوض 35 سابقا و30 ٪ حاليا المطبق على باقي الشركات معتبرة هذا التمييز مخلا بمبدأ المساواة أمام الضريبة مادام التضريب يستهدف الشركات بغض النظر عن طبيعة نشاطها، وهناك أمثلة عديدة تحتاج إلى إعادة قراءة المدونة العامة للضرائب . وعلى كل حال، فإن تلك المبادئ الأساسية المستقاة من الدساتير وتصاريح حقوق الإنسان مازالت تحتفظ بقيمتها ومرجعيتها كمصدر من مصادر القانون الضريبي رغم تعارضها في بعض الحالات مع توجهاته الحديثة، حيث ما فتئت الأحزاب السياسية والمنظمات العمالية وجمعيات حقوق الإنسان تنادي باحترام مبادئ العدالة الضريبية والمساواة أمام الأعباء العامة وضرورة إعادة توزيع الثروة بواسطة الأداة الجبائية وكذا عدم انتهاك الحقوق والحريات الفردية وحق الدفاع المعترف بها للملزمين من طرف المشرع الضريبي. غير أن أهم المبادئ الدستورية التي أثارت اهتمام الباحثين على المستويين الفقهي والقضائي هومبدأ الاختصاص الحصري للبرلمان في مجال التشريع الضريبي باعتباره سندا لمبدأ الموافقة على الضريبة من طرف الأمة عبر ممثليها في البرلمان باعتباره تجسيدا للشرعية الضريبية légalité fiscale وبالتالي لابد من توضيح مدى الاختصاص الضريبي للبرلمان وحدوده. الهوامش : 1)) الفصل الأول من دستور الولاياتالمتحدة لسنة 1787 المعدل سنة 1913 – المادة 23 من الدستور الإيطالي لسنة 1947 – الفصل 105 من الدستور الألماني – الفصل 98 من الدستور الياباني لسنة 1956 -المادة 34 من الدستور الفرنسي لسنة 1958 المادة 3 من الدستور السويدي لسنة 1974 – المادة 106 من الدستور البرتغالي والمادة 133 من الدستور الإسباني أما بالنسبة لبريطانيا فهناك ميثاق (أكير) لسنة bill of Rights 1689 Pétition de droits 1628-1215 (2) J. JACQUES BIENVENU : Droit fiscal PUF 1991 P. 19 (3) Loic Philip : Droit fiscal constitutionnel Edition Economia 1995 P.2 (4) قرار صادر بتاريخ 1983/12/29 (5) عبد المجيد الشواربي: موسوعة الضرائب منشأة المعارف 1997 ص 599 (6) le droit fiscal L.TROTABAS et J. M. Cotteret 7é édit. Dalloz 1992 P.69 (7) Voir G. ARDANT histoire de l'impôt Fayard 1972 (8) Cité par L. TROTABAS opcit