الإعتراف بالخطأ فضيلة. لكن هذه الفضيلة من الممكن أن تجلب على أصحابها الكثير من المشاكل المغيبة عن ذهنهم في لحظات الاعتراف التي تعقب وخز الضمير. تنتهي قصة البعض بالقطيعة، بينما يعيش آخرون حالات من التوتر، واهتزاز الثقة، مما يجعل من خطوة الاعتراف بالخطأ أشبه بالمقامرة التي تتحمل الربح أو الكثير من الخسارة. «لا.. أعتقد أن هناك حدودا للصراحة، وليس كل شيء قابل للاعتراف أو النقاش» تقول مريم التي ترى أن طبيعة علاقتها مع زوجها مبنية على الحب والاحترام، غير أنها لا تفكر في الوصول بها لأقصى درجات الصراحة والاعتراف ببعض الأخطاء التي من الممكن أن تعصف بحياتها الزوجية، معتبرة أن رحابة صدر الأزواج تتحول إلى خناق قد ينهي العلاقة أو يوترها. لم تشأ مريم أن تكشف عن بعض أخطائها التي قررت الاحتفاظ بها بعيدا عن الزوج، مكتفية بإدراج قصة ابنة عمتها التي انتهى زواجها بسبب اعترافها بخطإ قديم اعتبرته بمثابة المزحة التي ستشارك فيها زوجها. كان الاعتراف ثقيلا جدا حين عادت ابنة عمة مريم رفقة زوجها نحو بيتهما ليلا بعد زيارة إحدى صديقاتها العائدات من لبنان. كان الزوجان يتبادلان الحديث عن آثار النعمة البادية على الصديقة التي اقتنت مسكنا فخما بمحاذاة شاطئ عين الذياب. فجأة قررت الزوجة أن تقر بأنها كانت السبب المباشر لما وصلت له صديقتها، لأنها كانت تقوم بمهمة كتابة جميع الرسائل التي أوقعت بالعريس اللبناني في شباك صديقتها الخجولة التي ما كانت تستطيع دخول التجربة لولا مساعدة صديقتها. أبدى الزوج تفهمه وهو يستمع لتفاصيل الزوجة، التي كانت تعترف بخطئها لأنها ساهمت في خداع الزوج الذي أغرته مهارة مراسلته. استطاع الزوج أثناء استماعه لبوح الزوجة أن ينتزع منها التوقيت التي بدأت فيه المراسلة، ليكتشف أنها كانت في فترة الخطوبة. « أعتقد أنها كانت خطوة غبية، لأن الاعتراف بمثل هذا الخطأ جر عليها الكثير من المتاعب، حيث طالب منها زوجها إطلاعه على الحساب الذي كانت تستعمله، وحين أخبرته أنه لم يعد بحوزتها لأنه كان مجرد شيء عابر اتهمها بأنها تخفي المزيد من الأخطاء، كما أنه بدأ يستفسر عن فحوى الرسائل التي كانت تكتبها، لاعتقادها أنها ما كانت أبدا لتوقع رجلا ما دون استعمال أساليب الإغواء والإغراء ولو كتابة» تقول مريم التي ترى في قصة ابنة عمتها مثالا حيا عن ضرورة الاحتفاظ بتفاصيل بعض الأخطاء، مع اعتقادها أن الإحساس بالذنب لا يعني دائما الاعتراف، «اللي بقا فيه الحال على شي حاجا دارها، خصو يطلب السماحة من الله بلاما يقولها لشي واحد واخا يكونو والديه» تقول مريم الحريصة على مداراة أخطائها. ترمي أمواله في القمامة على عكس مريم التي تبدي الكثير من الحرص، لم تتأخر نعيمة في الاعتراف بين يدى زوجها بالخطإ الذي ارتكبته عن غير قصد. حاولت الزوجة أن تخرس نداء ضميرها وهي ترى زوجها يجوب في البيت كالمجنون بحثا عن الكيس البلاستيكي الذي وضع فيه ماله. شاركته البحث في كل الزوايا، إلى أن استسلم الزوج لقدر الله معلنا أن الخيرة فيما اختاره الله. تشجعت الزوجة أمام تسليم الزوج الذي لم يوجه لها أي اتهما، مكتفيا بإبداء استغرابه في كونه متأكد من جلب الكيس البلاستيكي الذي يضم مبلغ 40 ألف درهم التي كانت دينا بحوزة شقيقه الأكبر، وللمزيد من الإيضاح أخبر الزوج زوجته بأنه كان يلف الكيس داخل الجاكيت الأسود. «شعرت أنني صعقت عندما سمعت موضوع الجاكيت، لأنني تذكرت أنني وضعتها في كيس، وطلبت من ابني أن يأخذها لصندوق القمامة، لأنها كانت متسخة جدا، وقد سبق لي أن خطتها لمرات عديدة» تقول نعيمة التي اعتادت أن ترمي بملابس زوجها الرثة كلما توصلت بملابس جديدة من شقيقتها بفرنسا. تحينت نعمية فرصة خلود زوجها للنوم، لتتجه نحو صندوق القمامة، «كنت أبدو كالمجنونة وأنا أبحث وسط الأزبال.. مللي شافتني جارتي قلت ليها كنقلب على الراس ديال ماكينة العاصير حيت لحتو مع الزبل، وهي تقوللي محال تلقايه راه دازو الدراري اللي كيجمعو الخضرا وغادي يكونو خداوه» تقول نعمية التي أيقنت أن الغنيمة التي حصل عليها “منقبو الأزبال” كانت أكبر من أن يستوعبها العقل. لم تستطع نعيمة التكتم طويلا أمام مشهد زوجها الذي يخبرها عند عودته أنه يحاول البحث في الأماكن التي ارتادها أثناء حمله للمبلغ. «راني لحت الفلوس مع الزبل» كانت تلك هي الجملة التي أخرجت الزوج عن طوعه ليدخل في نوبة غضب انتهت بضرب الزوجة، وإرسالها إلى بيت والديها. «وصفني بالغدارة لأنني كنت أتصرف كمن لا يعلم بحقيقة الموضوع» تقول نعيمة التي لم تعتب على زوجها فعلته، «حيت كون كان شي راجل آخر كون قال لمراتو أنها سرقاتهم ليه، ولكن هو غير بقا فيه الحال حيث خليتو كيقلب وأنا عارفا بأن الفلوس مشاو». شعرت نعيمة بالكثير من الندم عندما كانت ببيت أسرتها، حيث عمدت والدتها إلى وضع الكثير من السيناريوهات المحتملة أمامها، من قبيل اهتزاز ثقة زوجها التي ربما لن تحظى بها مرة أخرى، مع إمكانية توجيه الاتهام بالسرقة لها أو لأحد أفراد أسرتها… كانت فرضيات الأم كثيرة، «شعرت أن اعترافي بخطئي غير المقصود كان خطئا كبيرا، خاصة أنني لم أبادر إلى مصارحته بمجرد أن بدأ في البحث، لأن الحادثة أربكتني كثيرا، ولم أكن أعلم رد فعله بالضبط» تقول نعيمة التي عادت لبيت زوجها بعد قطيعة دامت أشهرا. إعتراف ابنة العم تجاوزت القطيعة الأشهر لتصبح سنوات بالنسبة لعائلة أمل. الخطأ كان بسيطا. لحظة اعتراف عصفت بكل اللحظات الجميلة التي جمعت بين بنات العمومة اللواتي حاولن تجاوز مشاكل الكبار ليحافظن على بقاء لحمة العائلة بعد أن عصفت باستقرارها مشاكل الأمهات. حرص الأبناء على تبادل الزيارات مما فرض أمرا واقعا على الأمهات اللواتي فشلن في استدراج الأبناء لتبني مواقفهن العدائية من بعضهن البعض، أو هذا ما كان يبدو عليه الأمر في البداية قبل أن يعصف اعتراف ابنة عم أمل بهدوء العلاقة. تحكي أمل بنبرة من خبر معنى الخيانة من قريب، «كنا نعتقد أننا نجحنا في الابتعاد عن صراع أمهاتنا الذي اعتبرناه تافها وبدون مبرر، غير أن ابنة عمي كانت تتحيز لوالدتها في الوقت الذي كنا نعتقد أنها أكثر تحضرا من أن تدخل في هذه الحسابات الضيقة» لم تعلم أمل عند عودتها للبيت سبب الدموع التي رأتها في عيني ابنة عمها. كانت كلمات الجدة كالصاعقة وهي تخبر أمل أنها حين عمدت إلى تقديم غطاء سرير مزخرف بالطرز الرباطي لحفيدتها كهدية لزفافها، استغلت الفرصة لتستفسر الفتاة عن مدى صدق الكلام الذي يروج حول أخذها لبعض الأغراض من بيت عمها، لتسلمها إلى والدتها بغرض السحر. انهارت الفتاة معترفة بخطئها بعد أن زلتزلتها عبارات جدتها وهي تخبرها بأنها لا تفرق بين أحفادها، وبأن زوجة عمها هي من سهرت على طرز الغطاء لأنها تعاملها كابنة لها، على عكس والدتها التي تكن العداء للجميع بدون مبررات. رجحت العاطفة كفة الضمير لتعترف الفتاة. بررت موقفها بكونها كانت تحت ضغط الأم التي وضعتها بين خياري السخط والرضى، فاختارت رضى والدتها، كما أنها كانت تعتقد أن الأمر لن يشكل أي أذية لأسرة عمها. «لقد شكل الأمر صدمة لي. كنت أعتقد أننا مثل الإخوة، وأن لا مكان للغدر بيننا… تبريراتها معندها حتى معنى، واش مها إلى قالت ليها لوحي راسك في البحر غادي تلوحو. مبقيتش كنحمل فيها الشعرة هي وخوتها» تقول أمل التي ترى أن فتح باب بيتهم أصبح من المحال أمام “عائلة السحارا” حسب توصيفها. اشتد غضب أمل عند التساؤل حول إمكانية عودة الأمور إلى مجاريها، «مستحيل. أشعر بالغبن، ولا أعتقد أن مجرد اعترافها بخطئها كفيل بأن يمحو من ذاكرتنا ملامحها وهي تتبادل معنا الكلام الضحكات التي كانت تبدو صادقة لدرجة تجعلني أكذب الواقعة بيني وبين نفسي»، تقول أمل التي قررت أن الحل الوحيد لعدم الوقوع في المزيد من المشاكل هو القطيعة التامة مع أبناء عمومتها، حتى أولئك الذين لم يثبت أنهم ألحقوا الأذى بوالدتها من قريب أو بعيد. سكينة بنزين