تمتلك التجربة المسرحية المغربية مع المسرحيين الشباب قدرتها على خلق حوار فعال ومميز بين نص المؤلف، سواء كان نصا أصليا للفرجة أو كان مقتبسا كما أنها تمتلك القدرة على الربط بينها وبين المتلقي زمن العرض المسرحي بكل ما يملكه من قدرة على إنطاق الأحياز، والشخصيات، والعلامات التي تؤثث الصور واللقطات والمشاهد، التي تعتزم هذه التجربة بناءها للانضمام إلى الفعالية المسرحية المغربية بالجديد. هذه التجربة التي تمكنت من توسيع دائرة الاشتغال على الفضاءات والاشتغال على معاني الشخصيات والاشتغال على دلالات اللغة الخفيفة التي تبعد الرتابة على المتلقي زمن تلقي الفرجة،وذلك بفضل السينوغرافيا التي صارت إبداعا للفضاءات والألوان والأبعاد والحركات، فصارت تسهم في إبداع ما يمكن إبداعه بإيقاعات الحوار والتشخيص، والإلقاء، والتقمص، للمساهمة في إحداث انقلاب فني في مستويات إدراك زمن النص وبهائه . هؤلاء الشباب وإن اختلفت ثقافاتهم وتباينت مرجعياتهم المسرحية، ومهما تقاربت مهاراتهم،فهم يعطون التجربة المسرحية المغربية حداثتها حين بدأت تعلن عن ميلاد تجريب مسرحي دخل في رهان حقيقي مع المختلف الذي كانت تراهن عليه تجربة مسرح الهواة في المغرب،التي كتبت تاريخ هذه التجربة اعتمادا على ما كانت تقوم به الفرق المسرحية، حين تجرب السياسي في الفني،وتجرب الفني لكتابة عمر التجربة في مختبرات راكمت بها خصوصيات بناء الفرجة بهذا السياسي. ومن بين المسرحيين الذين دخلوا عالم الإخراج المسرحي من باب الدراسة والتخصص، والتجريب المسرحي، وأسهموا بنتاجهم المسرحي في هذه التجربة، وأثروا خبراتهم بالمساهمة في التربصات، والتداريب المسرحية داخل المغرب وخارجه، وشاركوا في المسلسلات التلفزية، المخرج محمود بلحسن الذي كرس تجريبه المسرحي لخدمة مشروعه في الإخراج، القائم على تمكين النص المسرحي المغربي من أن يكون أكثر قرباً من البنية اللغوية الشعبية،ويكون أكثر قرباً من الحوار الدرامي الدارج،ويكون أكثر قدرة على بناء المضمون الذي تبنيه حكايات هذه النصوص. مع تنامي الاهتمام باختيار مرجعيات عبثية أو واقعية مباشرة بخطابها المألوف، وصورها، وأحداثها، لترسيخ المسرح الذي رسم توجهه بهذه الاختيارات، توجه المخرج محمود بلحسن إلى اختيار آخر، وتوجه نحو تجربة أخرى، وسار نحو شكل آخر لمعنى مسرح أراد به الابتعاد عن كآبة اللحظة، وكأنه يؤسس فرحاً بالضحك، ويكتب بالسخرية زمن الترويح عن النفس وهو يبني عروضه بمسرح الصالون ويتجاوز زمن القنوط والضياع والرتابة ويوثق علاقته بالكوميديا وبالمواقف الضاحكة والخطابات الماكرة التي تلعب بالمواقف، وبالمتناقضات، والمفارقات والأهواء، والرغبات، والميولات والأمزجة. وفي مسرحية «المزروب» المقتبسة عن مسرحية «un jeune home pressé» ليوجين لابيش، يراهن محمود بلحسن على هذه السخرية، وعلى الكوميديا، ويراهن على أسلوب السخرية اللاذعة أحيانا والمرة أحيانا أخرى، موظفا خبراته وكفاءته في الإخراج المسرحي، وهو ما جعله يبدأ من نص لا بيش، ليصل إلى زمن الفرجة المغربية بلغة مغربية أصيلة، بها أسس زمن الفرجة بضحك هو التصوير الكاريكاتوري الذي يقدم المواقف، ويقوم بالتلاعب بهذه المواقف، والحالات واللغة، ويشاكس ويواسي بالسخرية جروح الشخصيات التي كانت تنسى مرارة الحالات وهي تتحول من فعل إلى فعل، ومن نقيض إلى نقيض، وتنتقل من حل إلى عقد، ومن عقد إلى حلول وإلى ضياع تقودها إلى متاهات الطمع والزواج. لقد نقل محمود بلحسن نص لابيش من سياقه الثقافي الفرنسي وخلصه من خصوصيات الأزمنة والأمكنة التي حكمت وجود الشخصيات فيه،لكنه بقي أمينا للفودفيل وتابعاً لما تمليه من شروط على صياغته. عندما كتب المخرج محمود بلحسن كل القناعات والرغبات المتخفية وراء الصرامة، ووراء الخطابات الساخرة في خطابات عرض «المزروب»، وعندما وضع نص لابيش معدلا في سياقه المغربي، فقد مكن الأمكنة، والشخصيات، واللغة كي تحافظ على روح النص، وتبقى وفية للحكايات، وتظل قريبة من شكل بناء التحولات في المواقف والأمزجة، أما اللغة الدارجة، فكانت هي النص المنطوق الذي يزيد من متعة تلقي الفرجة، وكانت مفردات اللعب، والتمثيل، والرقص الساخر، وكانت جماليات توظيف الإنارة في الديكور القار بأمكنته المتعددة مفردات محكومة بالتنسيق، والتكامل، بالإيقاع السريع الهادف إلى إبعاد الملل على المتلقي، لأن طبيعة بناء الفودفيل، وبناء السخرية، كانت بناء مشدودا إلى كتابة النص وكتابة الإخراج، والتمثيل، للوصول إلى متعة تلقي كل هذه المفردات. (بتصرف)