أكد رئيس الحكومة سعد الدين العثماني، الثلاثاء 23 يناير بالرباط، أن الحكومة حرصت على تنزيل جملة من الإصلاحات البنيوية التي تصب في اتجاه دعم الحكامة الترابية. وأوضح العثماني، في معرض رده على سؤال محوري حول “الحكامة الترابية وانعكاساتها على التنمية المحلية” خلال الجلسة الشهرية المتعلقة بالسياسة العامة بمجلس المستشارين، أن هذه الإصلاحات شملت، على الخصوص، الإطار القانوني المنظم لتسيير الجماعات الترابية بمختلف مستوياتها، من خلال إقرار ترسانة متكاملة من القوانين التنظيمية المتعلقة بالجماعات الترابية ونصوصها التطبيقية، والتي تهدف في عمقها إلى إخضاع تدبير الشأن المحلي لقواعد الحكامة القائمة على مبادئ تتمثل في المساواة بين المواطنين في ولوج المرافق العمومية التابعة للجماعات الترابية؛ والاستمرارية في أداء الخدمات من قبل الجماعات وضمان جودتها؛ وتكريس قيم الديمقراطية والشفافية والمحاسبة والمسؤولية؛ وترسيخ سيادة القانون؛ والتشارك والفعالية والنزاهة. وأبرز رئيس الحكومة أن موضوع الحكامة الترابية يشكل أحد المرتكزات الأساسية للسياسات العمومية والبرامج الحكومية، اعتبارا للدور الذي تلعبه الجماعات الترابية كفاعل أساسي وشريك حقيقي في تدبير المجالات الترابية وتحقيق التنمية بمختلف أبعادها، وبالنظر أيضا إلى أهمية تدبير المرافق الترابية وارتباطها الوثيق بالمعيش اليومي للمواطن. واعتبر أن تصور الحكومة بخصوص تحسين الحكامة الترابية ينطلق من إيمانها الراسخ بضرورة تحقيق التناسق والانسجام بين السياسات القطاعية، وضمان الالتقائية مع مخططات وبرامج التنمية على المستوى الترابي، والتي يستوجب إعدادها وتنفيذها نهج مقاربة تشاركية بين مختلف الفاعلين والمتدخلين. وأضاف أنه من هذا المنطلق، فإن الحكومة تحرص على دعم وتعزيز الحكامة التراتبية على شتى المستويات، ومن خلال مختلف الآليات المتاحة، وأهمها تعزيز اللاتمركز الإداري، مشيرا إلى أن اعتماد ميثاق اللاتمركز الإداري وتنزيله يشكل رافعة أساسية لدعم الحكامة الترابية من خلال ضمان نجاعة أكبر في تدبير الشأن المحلي وتحقيق الالتقائية في السياسات العمومية وفي برمجة مختلف المشاريع القطاعية، وذلك في انسجام تام مع البرامج التنموية للجماعات الترابية. ولفت إلى أن مشروع ميثاق اللاتمركز الإداري، الذي سيتم وضعه في مسطرة المصادقة قريبا، يروم تنسيق تدخل الدولة على المستوى الجهوي والترابي، من خلال تمكين المصالح اللاممركزة الجهوية من جملة من الاختصاصات المهمة تتمثل أساسا في المساهمة في إعداد “برنامج عمل” الدولة على المستوى الجهوي، وتنشيط أنشطة المصالح اللاممركزة على مستوى العمالات والأقاليم؛ ومواكبة الجماعات الترابية في إعداد برنامج التنمية الجهوية والتصميم الجهوي لإعداد التراب، بتكامل وانسجام مع برنامج عمل الدولة على المستوى الجهوي؛ وتدعيم علاقات الشراكة بين الدولة والجماعات الترابية. وأبرز العثماني أن من ضمن الآليات أيضا لتعزيز الحكامة الترابية دعم برامج التنمية الجهوية، مضيفا أن هذا البرنامج يعد من أهم آليات الحكامة على المستوى الترابي، باعتباره منطلقا لتحقيق الاندماج والالتقائية بين التوجهات الاستراتيجية لسياسة الدولة والحاجيات التنموية على المستوى الجهوي، من خلال تنسيق الأعمال التنموية المقرر برمجتها أو إنجازها بتراب الجهة لتحقيق تنمية مستدامة ووفق منهج تشاركي. وأكد على أن الحكومة أولت أهمية قصوى لتسريع إعداد وتنزيل برامج التنمية الجهوية التي تحدد برمجة الأعمال التنموية المقرر برمجتها أو إنجازها بتراب الجهة على مدى ست سنوات للاستجابة لمختلف حاجيات الجهة من البنيات التحتية الأساسية وكذا مختلف المرافق العمومية والتجهيزات السوسيو-اقتصادية وغيرها. وذكر بأن 10 جهات لحد الآن، من أصل 12 جهة، صادقت على برامج التنمية الجهوية الخاصة بها فيما توجد البرامج التنموية المتبقية في طور الإعداد من طرف المجالس المعنية، مشددا على أن الحكومة عازمة على مواكبة تفعيل برامج التنمية الجهوية وفق آلية التعاقد بين الحكومة ومجالس الجهات في إطار عقود-برامج تحدد بشكل دقيق حقوق والتزامات كل طرف، والجدولة الزمنية لإنجاز البرامج التنموية ورصد الاعتمادات المالية الضرورية لذلك، بما يضمن تنزيل برامج تنموية تضمن التكامل والالتقائية بين الجهود المبذولة من قبل كل من الدولة والجهات. وأوضح أن التصميم الجهوي لإعداد التراب، باعتباره الوثيقة المرجعية للتهيئة المجالية لمجموع التراب الجهوي، يعتبر من ضمن الآليات أيضا لدعم الحكامة الترابية، مشيرا إلى أن هذا التصميم يهدف، على وجه الخصوص، إلى تحقيق التوافق بين الدولة والجهة حول تدابير تهيئة المجال وتأهيله وفق رؤية استراتيجية واستشرافية، بما يسمح بتحديد توجهات واختيارات التنمية الجهوية، وذلك من خلال وضع الإطار العام للتنمية الجهوية المستدامة بالمجالات الحضرية والقروية؛ وتحديد الاختيارات المتعلقة بالتجهيزات والمرافق العمومية الكبرى المهيكلة على مستوى الجهة؛ وتحديد مجالات المشاريع الجهوية وبرمجة إجراءات تثمينها وكذا مشاريعها المهيكلة. وفي إطار تنزيل مقتضيات المادة 89 من القانون المتعلق بالجهات، يقول السيد العثماني، حرصت الحكومة على إصدار المرسوم المتعلق بتحديد مسطرة إعداد التصميم الجهوي لإعداد التراب وتحيينه وتقييمه، مشيرا إلى أن مجالس الجهات شرعت فعليا في إعداد الدراسات المتعلقة بهذه التصاميم، حيث توجد أربع دراسات في مرحلة التشخيص أو التقرير النهائي، وثلاث دراسات في مرحلة الإعلان عن طلب العروض، وخمسة دراسات في مرحلة إعداد ملفات طلب العروض. وأكد أنه في إطار مواكبة نقل جملة من الاختصاصات والمهام إلى الجماعات الترابية، فإن إسهام الحكومة في إرساء حكامة ترابية جيدة يمر أساسا عبر دعم الجماعات الترابية في إرساء إدارتها وهياكلها التنظيمية، وتعزيزها بالموارد البشرية اللازمة لتمكينها من تدبير شؤونها وممارسة اختصاصاتها على أفضل وجه، وبالأساس على مستوى تعزيز الهياكل التنظيمية وتطوير أساليب التدبير الإداري، وعلى مستوى الموارد البشرية. وفي هذا السياق، قال العثماني إن الحكومة تعمل على تمكين الجماعات الترابية من الموارد البشرية المؤهلة للنهوض بأعباء الإدارة على المستوى الترابي، من خلال تفعيل آليات انتشار الموظفين، فضلا عن التفكير في اعتماد آلية التشغيل بموجب عقود، مضيفا أنه في إطار تأهيل الموارد البشرية للجماعات الترابية، فإن العمل ينصب حاليا على وضع الإطار الإجرائي لبرامج التكوين المستمر لفائدة منتخبي وموظفي الجهات قصد الارتقاء بمؤهلاتهم وقدراتهم في مختلف مجالات التدبير العمومي. وفي ما يتعلق بتدبير ممتلكات الجماعات الترابية كآلية لدعم الحكامة الترابية، يقول رئيس الحكومة، فإن الوزارة الوصية قد انكبت، من أجل تجاوز الصعوبات المطروحة، على إعداد مشروع قانون موحد يهدف بالأساس إلى إقرار قواعد تتوخى تحديث أساليب ومساطر تدبير وتعزيز الأملاك العقارية للجماعات الترابية والمحافظة عليها وتنميتها وتحسين مداخيلها، بشكل يتلاءم ومقتضيات الدستور الجديد والقوانين التنظيمية للجماعات الترابية، ويستجيب لمتطلبات التنمية المحلية. وسجل أنه في انتظار صدور هذا القانون، ستواصل الوزارة الوصية القيام بالمهام المنوطة بها في هذا الإطار، والمتمثلة أساسا في تقديم الاستشارات القانونية في كل ما يتعلق بتدبير أملاك العمالات والأقاليم والجماعات؛ و تنظيم دورات تكوينية لفائدة موظفي العمالات والأقاليم المكلفين بتدبير هذه الأملاك، وذلك بغية تقوية قدراتهم المهنية؛ وإعداد دليل عملي شامل ومفصل لمختلف المساطر الخاصة بتدبير أملاك الجماعات الترابية. كما ذكر العثماني بأنه تم سنة 2016 إحداث حسابين خصوصيين للخزينة، هما “صندوق التأهيل الاجتماعي” الذي يهدف إلى سد العجز في مجال التنمية البشرية والبنية التحتية، و”صندوق التضامن بين الجهات” الذي يتوخى ضمان التوزيع العادل للموارد بغية تقليص الفوارق بين الجهات، مضيفا أنه من أجل إرساء نظام حكامة جيدة لهذين الصندوقين الهامين، حرصت الحكومة على اعتماد المرسومين الخاصين بهما، واللذين ينظمان، على وجه الخصوص، معايير استفادة الجهات من صندوق التأهيل الاجتماعي ومعايير توزيع الموارد المالية لصندوق التضامن بين الجهات. وفي إطار مواكبتها للجماعات الترابية، يقول السيد العثماني، تعمل الحكومة على دعم ومتابعة برامج التأهيل الحضري والتنمية الاقتصادية والاجتماعية التي تشكل جزءا من الأوراش الكبرى التي تتوخى تحسين المشهد الحضري وجاذبية المدن، من خلال النهوض بالبنيات التحتية وتأهيل المرافق والتجهيزات العمومية، وغيرها. وأضاف أنه انسجاما مع مبادئ الحكامة الترابية، تعتمد هذه البرامج على تجاوز المقاربات التجزيئية للمشاريع من خلال إعادة هيكلة تدخلات الجماعات الترابية وإدراجها ضمن مقاربة شمولية تتوخى الاندماج والالتقائية، وذلك عبر بلورة برامج تنموية، متعددة السنوات، متماسكة ومتكاملة قائمة على الشراكة والتعاقد مع مختلف الفاعلين. وخلص إلى أن موضوع الحكامة الترابية، يشكل انشغالا أساسيا للحكومة من خلال تتبعها ودعمها المستمرين للجماعات الترابية في تدبير شؤونها. من جهتهم، سجل المستشارون على أن الدولة مدعوة، في ظل التحولات الاقتصادية والاجتماعية وحجم التحديات المطروحة، إلى تشجيع وتطوير الإدارة والحكامة الترابية من أجل تحقيق التنمية الشاملة المنشودة، داعين إلى القيام بمجموعة من الإصلاحات المتعلقة بالمجال الترابي وسن استراتيجيات عمومية مجالية وشاملة. وشددوا على أن تنزيل الحكامة الترابية يقتضي إدارة ناجعة والتوفر على الموارد البشرية الكفأة، داعين إلى ضرورة التسريع بإصدار ميثاق اللاتمركز الإداري الشامل الذي يتعين أن يتسم بخصائص القرب والانسجام والنجاعة وتقاسم الوسائل والتكامل بين مكونات الوحدات الترابية. كما دعا المتدخلون إلى ضرورة تقوية الحكامة المالية المحلية وتكريس استقلالية الجماعات الترابية، وكذا الحرص على التسريع بالمصادقة على مخططات التنمية الجهوية، معتبرين أنه لا وجود لتنمية بدون حكامة ترابية.