بعد التوقيع بالأحرف الأولى على اتفاق الصخيرات في يوليوز الماضي، سيلتئم الفرقاء الليبيون مجددا ، بحر الأسبوع الجاري في هذه المدينة الساحلية المجاورة للعاصمة الرباط و ذلك لاحتضان مراسم التوقيع على اتفاق سياسي حول تشكيل حكومة وحدة وطنية وإخراج الأزمة الليبية من نفق مسدود عمر طويلا. وسيشكل هذا الاتفاق خطوة تاريخية وحاسمة بالنسبة لمستقبل ليبيا في اتجاه إخراج البلاد من نزاع مسلح وسياسي دام لأكثر من ثلاث سنوات وكانت له تداعيات اقتصادية واجتماعية وخيمة. والأكيد ، أيضا ، أن التوقيع على هذا الاتفاق يتوج جهودا ما فتئت تبذل منذ حوالي سنة ، بين لقاءات ماراطونية ومفاوضات مكثفة جرت تحت رعاية بعثة الأممالمتحدة للدعم في ليبيا ( مانول) ، لاسيما في ألمانيا وسويسرا وتونس والمغرب. وقد استضاف المغرب جولات عديدة من المحادثات بين الأطراف الليبية، ولم تدخر السلطات ، على مستوى عال ، أي جهد من أجل تسهيل وضمان نجاح هذه المحادثات. وهو الجهد الذي تمت الإشادة به أكثر من مرة سواء من قبل منظمة الأممالمتحدة عبر أمينها العام ومبعوثه إلى ليبيا، أو من قبل القوى الدولية ، ولاسيما الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي . ولم يفت الوفد الليبي ، الذي شارك يوم الأحد الماضي في المؤتمر الدولي لروما حول ليبيا ، التعبير عن " امتنانه " للمغرب عن الجهود التي يبذلها منذ زهاء سنة من أجل تشجيع الحوار بين الفرقاء الليبيين. وقال السيد صلاح المخزوم ، المسؤول ببرلمان طرابلس في تصريح باسم الوفد الليبي، " نعرب عن امتناننا للمغرب، ملكا، وشعبا، وحكومة، لجهوده منذ حوالي سنة من أجل توفير مناخ ملائم للحوار والتوافق بين الليبيين ". وأضاف " لا يمكننا إلا أن ننوه بالعمل الذي قام به المغرب من أجل التقريب بين مواقف الأطراف الليبية "، مشيرا إلى أن " هذه الجهود أثمرت في الأخير عن اتفاق في غاية الأهمية والذي سيوقع في مدينة الصخيرات بدعم من المجموعة الدولية ". وقد تميز المؤتمر الدولي حول ليبيا ، الذي انعقد بروما ووجه فيه النداء إلى الوقف الفوري لإطلاق النار وتشكيل حكومة وحدة لوضع حد لحالة الانفلات التي تشهدها البلاد ، بإعلان عودة الفرقاء الليبيين إلى طاولة المفاوضات بالصخيرات للتوقيع بها على اتفاق مشترك حول تشكيل حكومة وحدة وطنية ، كخطوة أولى نحو إيجاد مخرج سياسي للأزمة التي تقطع أوصال هذا البلد منذ سقوط نظام معمر القذافي سنة 2011. وقد جاء هذا الإعلان على لسان وزير الشؤون الخارجية والتعاون، السيد صلاح الدين مزوار، الذي أكد خلال هذا الاجتماع، أن الاتفاق المنشود سيمكن هذا البلد المغاربي من " المرور إلى مرحلة إعادة البناء وإرساء مؤسسات قادرة على ضمان استقراره في ظل التلاحم الوطني والحفاظ على وحدته ". وأضاف السيد مزوار أن المغرب ، الذي " لعب دورا هاما جدا " في تسهيل التقارب بين الأطراف المتنازعة ، يظل واثقا في قدرة الليبيين على تجاوز خلافاتهم ، والتوصل إلى حل يضمن ويحفظ لهم وحدة بلادهم ومستقبلها ، مؤكدا أن المغرب "واكب الليبيين ، ويواصل مواكبتهم في بناء مؤسساتهم والحفاظ على وحدة بلدهم" . وبحسب الملاحظين ، فإن هذا الاتفاق جد مهم بالنسبة لليبيا كما بالنسبة لمنطقة حوض المتوسط وشمال إفريقيا ، نظرا لانتشار شبكات الهجرة السرية التي تبعث بآلاف المهاجرين نحو أوروبا ، وتفشي التجارة اللا مشروعة بكل أصنافها. وأبرزوا أن التوقيع على هذا الاتفاق يستمد أهميته أيضا من كون ليبيا أصبحت في طور التحول إلى قاعدة خلفية للمجموعات الإرهابية كتنظيم (داعش) الذي يزرع الرعب في البلاد ويهدد بتوسيع نشاطه الإرهابي في البلدان المجاورة. لقد أصبح بالأهمية بما كان أن يقدم المجتمع الدولي ، وعلى رأسه مجلس الأمن الأممي، دعما حقيقيا لحكومة الوحدة الوطنية الجديدة التي ستنبثق عن هذه المحادثات ، وأن يتخذ تدابير صارمة لحمل كافة الأطراف المعنية على احترام بنود الاتفاق ، ويعمل على مواكبة هذه الحكومة في فترتها الانتقالية .