بقلم لحسن أمقران – أنمراي-(*) تنجداد. ردا على سؤال شفوي حول “إدراج الأمازيغية في البرامج التربوية قال محمد الوفا وزير التربية الوطنية، إن الوزارة اتخذت مجموعة من التدابير تحضيرا للدخول المدرسي 2013/2012، والتي من شأنها تسريع وتيرة تعميم تدريس الأمازيغية أفقيا وعموديا بسلك التعليم الابتدائي. جدير بالذكر أن الاحصائيات الرسمية حول تدريس اللغة الأمازيغية بالمؤسسات التعليمية تقول أن هناك “تطورا ملحوظا” منذ انطلاقته في الموسم الدراسي 2004/2003، حيث تقول أنه تم الشروع في تدريس اللغة الأمازيغية ب317 مؤسسة تعليمية ليبلغ حاليا أزيد من 4000 مؤسسة. والذي يظل في نظرنا المتواضع مجرد لغة خشبية تجترها الوزارة لتمويه المغاربة والتستر على الفشل الذريع لهذا المشروع المجتمعي الطموح الذي لايستحيي بعض المعادين له من التصدي لبعض المحاولات و الاجتهادات -على قلتها- في سبيل تدريس حقيقي للغة الامازيغية. اذا بعد سنوات طويلة من الحذر تارة، والحظر تارة أخرى، وجدت الدولة المغربية نفسها أمام خيار وحيد يتمثل في ضرورة فتح صفحة جديدة في تعاطيها مع القضية الامازيغية، مع ما يقتضيه التعاطي الجديد من التريث حينا والتسويف أحيانا أخرى. هذا التعاطي الجديد والذي نسميه في هذا المقام ب”المصالحة” رغم نسبيتها، خاصة أن من النخبة الامازيغية من يرفض الصيغة الحالية لتسوية الملف، ثم لأن عقليات داخل دواليب الدولة نفسها لم تستسغ بعد هذه المصالحة، مما جعل انحسار السلوكات القديمة ضعيفا، ثم لأن حدة الصراع بعد ما سميناه “مصالحة” اشتدت عوض أن تخف. لقد كانت العشرية الأولى من الألفية الثالثة بداية مرحلة البناء الديمقراطي الشامل بالمغرب بدون منازع، وذلك بالنظر الى الخطوات غير المسبوقة التي تمت في معالجة الكثير من الملفات التي تراكمت منذ الاستقلال. لقد كانت الامازيغية إحدى هذه الملفات التي تأجل النظر فيها لعقود طويلة، قبل أن يفتح العهد الجديد الباب على مصراعيه أمام مصالحة وطنية مع الذات. إن تدريس الامازيغية وإدراجها في المنظومة التربوية مشروع مجتمعي طموح لا تستقيم بدونه مسألة إنصاف الامازيغية والتي كان إنشاء المعهد الملكي للثقافة الامازيغية بمثابة الحلقة الأولى من مسلسل مصالحة أعقبها إدراج الامازيغية في النسيج التعليمي، معلنا بذلك انطلاق الحلقة الثانية من هذا المسلسل الذي يعتبر قرارا تاريخيا يؤشر إلى انعطاف تاريخي في سياسة الدولة تجاه الامازيغية. لقد جاء القرار السياسي المتعلق بادراج الامازيغية في المنظومة التربوية في سياق انتقال العرش وما رافق ذلك من طموحات وتطلعات الى مستقبل أحسن لدى فئات عريضة من المجتمع المغربي، والتي تلمست رغبة أكيدة لدى العاهل الجديد في القطع مع اختلالات الماضي ورأب صدوعه لخلق الاجواء الضرورية لبناء مجتمع حداثي وديمقراطي يتجاوز كل الطابوهات المفتعلة والانتقال الى الديمقراطية. لقد كان طرح الامازيغية في هذا الوقت بالذات استمرارا للتوجه الجديد للنظام، والذي فتح باب المراجعة والمساءلة والنقد والحوار، فجعل الامازيغية تبعا لذلك احدى أهم مقومات الوطنية وأسس السيادة و الشرعية، هذا في الوقت الذي تجاوزت فيه الامازيغية منطق صراع الوجود لتصبح محل نقاش علمي وسياسي وارثا رمزيا تستحيل التنمية البشرية في غيابه. يتأسس مشروع تدريس الامازيغية على ثلاث مرجعيات كبرى: حقوقية، فكرية و سياسية. أ – المرجعية الحقوقية : في المرجعية الحقوقية في تدريس الامازيغية نجد أن قرار التدريس هذا يستند على ما ورد في بعض الاتفاقيات والعهود الدولية التي وقع عليها المغرب وصادق عليها، يتقدمها الاعلان العالمي لحقوق الانسان لسنة 1948 الذي تنص مادته السادسة و العشرون على أن لكل شخص الحق في التعلم، ويجب أن يكون التعليم في مراحله الاولى و الاساسية على الاقل بالمجان، وأن يكون التعليم الأولي الزاميا كما ينبغي أن يعمم التعليم الفني و المهني و أن يتم القبول للتعليم العالي على قدم المساواة التامة للجميع وعلى أساس الكفاءة. كما تنص المادة نفسها على أنه يجب أن تهدف التربية الى انماء شخصية الانسان انماء كاملا، والى تعزيز احترام الانسان والحريات الاساسية وتنمية التفاهم و التسامح والصداقة بين الشعوب والجماعات العنصرية والدينية، والى زيادة جهود الامم التحدة لحفظ السلام(1). من جهة أخرى، نجد الاتفاقية الخاصة بمحاربة الميز في مجال التعليم لسنة 1960 والتي توضح مادتها الاولى أن التمييز يقصد به كل ميز أو استبعاد أو قصر أو تفضيل على أساس العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي سياسي أوغير سياسي، أو الاصل الوطني أو الاجتماعي أو الحالة الاقتصادية أو المولد، يقصد منه أو ينشأ عنه الغاء المساواة في المعاملة في مجال التعليم أو الاخلال بها. وفي المادة الرابعة من ذات الاتفاقية، تتعهد الدول الاطراف في هذه الاخيرة أن تضع وتطور وتطبق سياسة وطنية تستهدف، عن طريق أساليب ملائمة للظروف والعرف السائد في البلاد، دعم تكافؤ الفرص والمساواة في المعاملة في أمور التعليم(2). من جهة أخرى، تعتبرالاتفاقية الدولية المتعلقة بالقضاء على كل أشكال الميز العنصري لسنة 1969 أحد أهم النصوص التي يستند عليها قرار تدريس الامازيغية بالمغرب، ذلك أن الفصل الخامس منها يقضي أن تتعهد الدول المشاركة طبقا للالتزامات المبينة في الفصل الثاني من الاتفاقية بأن تمنع كل أشكال الميز العنصري وتقضي عليها، كما تتعهد بأن تتخذ على الفور تدابير فعالة ولاسيما في ميادين التعليم والتربية والثقافة والتكوين للتمكن من محاربة الافكار المؤدية الى الميز العنصري ومن تيسير التفاهم والتسامح و المودة بين الامم والمجوعات العنصرية أوالقومية ومن تحقيق الاهداف والنهوض بالمباديء المنصوص عليها في ميثاق الاممالمتحدة والاعلان العالمي لحقوق الانسان و اعلان الاممالمتحدة بشأن القضاء على جميع أشكال الميز العنصري وكذا في هذه الاتفاقية كما يقول فصلها السابع(3). كما يستند قرار تدريس الامازيغية على الاتفاقية المتعلقة بحقوق الطفل لسنة 1989 و التي تنص مادتها الثانية على أن الدول الاطراف تحترم الحقوق الموضحة في هذه الاتفاقية و تضمنها لكل طفل يخضع لولايتها دون أي نوع من أنواع التمييز، بغض النظر عن عنصر الطفل أو والديه أو الوصي القانوني عليه أو لونهم أو جنسهم أو لغتهم أو دينهم أو رأيهم السياسي أو غيره، أو أصلهم القومي أو الاثني أو الاجتماعي ،أو ثروتهم أو عجزهم، أو مولدهم أو أي وضع آخر. كما تقتضي جعل المعلومات والمبادئ الارشادية ،التربوية والمهنية متوفرة لجميع الاطفال و في متناولهم حسب ما تنص عليه المادة الثامنة و العشرون من الاتفاقية(4). ب – المرجعية الفكرية : في المرجعية الفكرية استند قرار ادراج الامازيغية في التعليم الى أدبيات و مواقف ونظريات الفاعلين الامازيغ من الجمعويين والاكاديميين والمبدعين الذين راكموا تجربة أكثر من ثلاثة عقود في العمل الثقافي الامازيغي، والذي انبثق من العمق التاريخي المغربي، نخبة تنوعت مشاربها وتخصصاتها التي همت معظم العلوم الانسانية من التاريخ الى الانتروبولوجيا، ومن اللسانيات الى الاداب، الى جانب العلوم السياسية. هذه النخبة اذا أرست توجهات و مواقف جاءت الخطب الملكية لبلورتها بشكل رسمي. والى جانب ذلك، نجد شبه اجماع وطني في الأدبيات الاساسية للاحزاب السياسية والجمعيات المدنية والمنظمات الثقافية والحقوقية في اطار النقاش العمومي حول مسألة انصاف اللغة والثقافة الامازيغيتين في المجال التربوي والبحث العلمي والدسترة وكافة مناحي الحياة العامة، حفاظا على مظاهر هوية المغرب الثقافية. ج – المرجعة السياسية فيما يتعلق بالمرجعية السياسية، فهي تتضمن قرارات غاية في الأهمية بالنظر إلى سياقها ثم كذلك اذا ما قورنت بقرارات مماثلة اتخذت سابقا لكن لم يفعل منها شيء. ويأتي في مقدمة العناصر التي تستند عليها هذه القرارات، كون وحدة المملكة المغربية مبنية و عبر التاريخ على تعدد الأعراق والأصول والثقافات واللغات، وما محاولة بنائها على عنصر واحد أوحد الا تجربة تحكم على نفسها بالفشل. من جهة أخرى تضرب الامازيغية بجذورها العميقة في تاريخ المغرب، مما يجعل منها عنصرا جوهريا في الهوية الوطنية والشخصية الثقافية المغربية، هذا بالإضافة إلى كونها مسؤولية وطنية لكل المغاربة لا تقتصر على هذا أو ذاك، ولا يختص بها طرف دون آخر، فهي ترتبط بمشروع المجتمع الحداثي الديمقراطي الذي يعتبر الاساس و العمق الثقافي حجر الزاوية فيه. وللتذكير،لا يعتبر تطوير الامازيغية واحترامها انغلاقا أو رجوعا الى الوراء كما يخيل الى الذين يرون في ذلك نزعة ماضوية، بل تمسكا بأصالة وعراقة أهم مكون للهوية المغربية. ان كل هذه العناصر تدفعنا الى القول بضرورة تعميم النهوض بالامازيغية في كافة القطاعات التربوية والسوسيو- ثقافية و الإعلامية وكذا في الشأن المحلي و الوطني. ان ما سلف ذكره يعتبر أهم ما تستند اليه المرجعية السياسية في تدريس الامازيغية و التي تتمثل في قرارات وتوجيهات ملكية يتقدمها الخطاب الملكي لثلاثين يوليوز2001 و الذي نص على احداث معهد ملكي للثقافة الامازيغية يتولى مهام صياغة واعداد ومتابعة عملية ادماج الامازيغية في نظام التعليم بجانب القطاعات الوزارية المعنية(5)، علاوة على النهوض بالثقافة الامازيغية. بعد خطاب العرش، جاء خطاب “أجدير” التاريخي يوم السابع عشر من أكتوبر 2001 الذي أكد على كون الامازيغية مكونا أساسيا للثقافة الوطنية، وتراثا ثقافيا زاخرا شاهدا على حضورها في كل معالم التاريخ والحضارة المغربية(6) . وفي الاخير نجد الظهير المنشيء للمعهد الملكي للثقافة الامازيغية الذي حدد من بين مهام هذه المؤسسة المشاركة بتعاون مع السلطات الحكومية والمؤسسات المعنية في تنفيذ السياسات التي يعتمدها جلالة الملك من اجل ادراج الامازيغية في المنظومة التربوية وضمان اشعاعها في الفضاء الاجتماعي والثقافي والاعلامي الوطني والجهوي والمحلي. لقد تبنت هذه المرجعيات الثلاث اذا نهجا جديدا في التعاطي مع الثقافة و تعليم اللغات بدلا عن المنظور الفكري الاحادي الذي لا يعترف بالنسبية ويقصي التفكير التعددي الواقعي والانساني، وذلك عبر ترسيم مفاهيم طالما تنكر لها الفكر السائد بالمغرب، والذي كان يستثني لغة الام من خريطة اللغات في التعليم. في الاخير، نذكر وزيرنا أن تدريس لغتنا بمدرستنا ليس جميلا من أي جهة كانت، وأنه مهما استمر التماطل سينجلي ليل الأمازيغية .النصوص و المراجع موجودة متوفرة، يكفي الجد والحزم في التعاطي مع المسألة بعيدا عن المواقف السياسوية الضيقة، لينكشف للعالم “الاستثناء المغربي” الحقيقي. ملاحظة: سنعرض في القادم من الأيام لقراءة في منهاج اللغة الامازيغية، معيقات تدريسها ثم لكيفية انقاذ تدريس اللغة الامازيغية. الهوامش: الاعلان العالمي لحقوق الانسان الاتفاقية الخاصة بمحاربة الميز في مجال التعليم الاتفاقية الدولية المتعلقة بالقضاء على كل أشكال الميز الاتفاقية المتعلقة بحقوق الطفل نص الخطاب الملكي بمناسبة عيد العرش بتاريخ 30 يوليوز 2001 نص خطاب جلالة الملك بأجدير في 17 أكتوبر 2001