في دورتين متتاليتين من مهرجان السينما الدولي بمراكش حظيت الممثلة المغربية بشرى أهريش بتغطية إعلامية مميزة حين ظهرت في النسختين التاسعة والعاشرة من المهرجان بملابس وُصفت بالمثيرة. حينها اختارت عمدا الوقوف أمام عدسات المصورين بطريقة قيل إنها طريقة إغراء. وإذا اعتدنا بدافع من الحداثة التي تعني “التقليد” في عُرف الكثيرين على استنساخ بعض ممارسات الآخرين في السينما والأدب والسياسة وغيرها، نستنسخ القشور لا الجوهر، الشكل لا المضمون، فلا بأس أن تقلّد الممثلة المغربية نجمات السينما العالميات، تقلّدهن في مشيتهن ولباسهن لا في إصرارهن الكبير على التعلم، وإغناء خزانة السينما العالمية بأدوار لا تُنسى على مدى التاريخ. وقد صرّحت بشرى أهريش آنذاك بأن سبب اختيارها للباسها في مهرجان السينما يرجع إلى رغبتها في أن “ تثبت للنجمات الأجنبيات أن الممثلات المغربيات قادرات على اتباع آخر أشكال الموضة”. وهو أمر مهم يحتاج أن ندافع عنه باستماتة أمام الغرب المتجبّر ونجماته الأنيقات المتكبرات، وبالتحديد النجمات اللواتي يخطفن الجوائز كل عام في مراكش من أمام أعين ممثلاتنا المغربيات، مثلما حصل هذا العام حين فاز بالنجمة الذهبية فيلم أخرجته امرأة من الدانمارك، وانتزعت ممثلة أمريكية جميلة جائزة أحسن دور نسائي، بينما تبقّى للمغربيات القفطان والاستعراض. في برنامج عتاب الذي تعدّه الإعلامية فاطمة الإفريقي اعترفت النجمة المغربية بأن لباسها كان سببا في تقديم عروض لها من المشرق لأجل المشاركة في أفلام عربية. و”إذا عُرف السبب بطُل العجب“. يقول العرب. ولكل دورة رجالها ونساءها. ففي الدورة الحالية بمراكش ظهرت للواجهة ممثلة أخرى تسير على هدي بشرى. إذ اختارت لطيفة أحرار أن تلبس قفطانا مغربيا “أصيلا” يُظهر أجزاء من جسمها. واستنتجت بعض الجرائد المغربية من ذلك، ومن الغلاف الأخير لمجلة نساء، أن الأمر يتعلق برسالة تحدٍّ لحزب العدالة والتنمية لكونهما يحملان معا جرعة زائدة من الجرأة. الجرأة التي لم تُسعف لطيفة حتى الآن سوى في ظهور اسمها على الصفحات الأولى للجرائد، وفي إجراء حوارات معها بانتظار أن تستضيفها يوما ما فاطمة الإفريقي لنعرف بقية الحكاية. والحكاية فيما يبدو أننا مقبلون على مرحلة لتصفية الحسابات. فحتى قبل تشكيل الحكومة الجديدة ثمة من التقط بعناية فائقة قفطان ممثلة وصورة عادية لغلاف مجلة عادي، وجعلهما مجالا خصبا للمزايدة، ولافتعال حروب هامشية. وسنشهد حتما مع الأيام بعد الأفلام المُستنسخة نشر قصائد أو روايات رديئة يدافع عنها أصحابها ضد قوى الظلام التي ستصادر حقهم في التعبير والرأي. حروب صغيرة لسنا في حاجة إليها “هنا” و”الآن، وبعد الآن. .2. نفت لطيفة أحرار أن يكون لباسها موجها لحزب بنكيران، وعبرت عن ذلك في حوار مع جريدة الأخبار المغربية قالت فيه أيضا: (اخترت قفطانا مغربيا أصيلا لاءم جسمي وأعجبني)، و( في الأخير هذه حرية شخصية)، و( نحن نعيش في بلد متنوع، نجد البنات بالتنورات القصيرة “الميني” و”الجينز” كما نجد أخريات بالحجاب وحتى بالنقاب.) وتلك أمور لا اختلاف عليها تحتاج إلى نقاش هادئ. فالحرية الشخصية تلتقي قسرا بحرية الآخرين؛ وهما أمران لا يتعارضان أو يصطدمان، بل يتكاملان. فإذا غلبت حرية الآخرين على حرية الشخص وجدنا أنفسنا أمام حكم الأقليات الدينية أو العرقية، أو حكم الحزب الوحيد والفكر الوحيد. وإذا طغت حرية الشخص على حرية الآخرين سقطنا تحت سلطة الحكم الفردي المطلق. لهذا السبب وُجدت القوانين والمؤسسات. فبدون مؤسسات حرة وقوانين حيقيقية تضمن حرية الفرد والجماعة وحدودهما يصعب الحديث عن حرية خالصة للأفراد. حتى بمنطق علم النفس لسنا تماما أحرارا يا أحرار. قال صاحبي: في كل ممارسة علينا أن نبحث عن السبب في مكان آخر بعيدا عن الخطاب. وقالت لطيفة الكل أثنى على القفطان، الزملاء قالوا لي تبارك الله عليك” جاك زوين” خصوصا أن جسدي جميل وليس فيه تجاعيد أو تضاريس أنا بحاجة لأن أخفيها). أما بخصوص البنات ذوات التنورات القصيرات والجينز، فذلك أمر لم يعد يخفى على أحد. وفي كل مكان تقريبا، وفي أصياف مدن مغربية نصادف من البنات من اخترن رفع خط المواجهة أكثر بكثير مما فعلته لطيفة. لكن الفرق بينهن وبين الممثلة المغربية أن فتياتنا يمثلن أنفسهن فقط، أما أحرار فهي صورة المغرب ووجهه. فإذا كان العلماء والمفكرون ضمير الأمة، فإن الممثلات والممثلين والشاعرات والشعراء والرسامات والرسامين والمخرجات والمخرجين هم وجه البلد وصورته؛ يبدعون فيشاهد الناس إبداعاتهم أويقرؤونها؛ لذلك عليهم أن يقدّموا الوجه المشرق والحيّ للأشياء؛ أي للفعل وللممارسة وللإبداع. فاعتبار المبدع والفنان والسياسي والمُستثمر وجوها للأمة يضع حدودا لحريتهم ويجعلها تقف أمام المسؤولية، والحرية مسؤوليةٌ في جوهرها. وبتعبير أدقّ؛ لاحظ صديق أن بعض مبدعينا رجالا ونساء، وإن اقتصر الأمر أحيانا على اللباس، يساهمون في تكريس الصورة النمطية للمرأة المغربية لدى الإخوة المشارقة، ولدى الإخوة الأعداء. أبني قصرا من الرمال 2 ثمة مدن كالدّوالي تنمو لتظلّلك مدن تدخلها لتدخلَك، تزورها لتسكنك مدن من أول باب تحضنك لتقتلك. * مراكش اقتربت.. مراكش ابتعدت.. مراكش اخطبوطا من إسمنت صارت، وسجنا صغيرا يضيق بنا، وجنة للغرباء. مراكش لم تعد مدينة. قال قلبي. ما الذي دهى النخيل وزرقة السماء في غيابك الطويل يا أبي؟ مراتع الطفولة بين يديك صارت حجرا فوق حجر.. حجرا على حجر.. في المساء نتغير قليلا، أنا والمدينة. في المساء نقبض على جمر أحلامنا، ورماد الأزمنة. وكل الأمكنة ملك يدي. مراكش أحلى المدن.. مراكش أشهى المدن.. منذ ألف سنة وزّعَت أشلاءها على النخيل والطغاة، وانتحرت.. مراكش أجمل المدن. صارت ظلا بلا نخيل وانكسرت. منذ ألف سنة وأنا أحبك من قبل أن أولد أحبك من قبل أن تدهسني حوافر الخيل، وحروب القبائل، وأحلام المرابطين على قلبي. سوط الشرطي في استعراضات الغبار يتلقّفني، وأيدي الأحبة في الأعراس والمآتم، ووجه أمي. منذ ألف سنة وأنت تسكنين سريري. تركتِ روحكِ على مخدة الحلم الأخير. تركتِ بقاياك في ملاءتي، وصوت المغني في الليل. نمتُ ما يكفي لتكبر سنبلتان على شفتيك. في الربيع سابقت الريح، واحتضنت خريف المدن الباردة، يدبّ فيها الحنين والهواء؛ أقصد المدن التي تترنم باسمك. غفوتُ قليلا لتزهر وردتان و تورق عيناك. ها أنذا الآن أتوحّد كي لا أبقى وحدي. أحبك منذ كنت نطفة فيك. * مُرٌّ هذا الزمان يا أمي. مرَّ ونحن في الجبّ ألف عام، نقتات على الحروب وما يخلفه الغرباء والطرق السيارة، وما تتركه السيوف والمحن. ألف عام وأنا أحبك، منذ خضوع النخيل على أطرافك، منذ أول حجر على أرضك، منذ أول السور وأبوابه حتى آخر الحدود، منذ رجالاتك السبع، منذ يوسف بين النخيل حتى يوسف في الضريح. نداعب النخيل في رئتينا ونمضي. لم نترك مكانا إلا زرناه: صهريج المنارة وحدائق أكدال. الكتبية. جامع الفنا. مسجد ابن يوسف. مقابر السعديين. قصر الباهية. قصر البديع. حديقة ماجوريل… كل المآثر، ومأثرة مراكش الفريدة ضريح يوسف بن تاشفين. وما صدقنا: ألف عام لم ينتبه إليك العابرون. على مرأى من شرطة السياحة وموقف الحافلات، مرميّا على قارعة الطريق والمقابر والضجيج و الغبار. وما صدّقنا: أحوال الدول من تاريخها، والتاريخ في مراكش ملقى على قارعة الطريق. * ولدتُ تحت برج الثور(3 ماي) وبنيت أحلامي كلها على قرني ثور. قلبي أسطوانة مشروخة هذا الليل قلبي منذور لأسراب الجراد، متروك لأنياب الريح. في الخارج مطر من حديد. تقول التي نما بين هدبيها قمر موشّى بالحزن: - ما جنة المعنى، ونحن التقينا هاربين، أنت من رتابة الوقت وفراغ الروح، وأنا من لظى السؤال وبأس الإسمنت والحديد؟ وما هذا الدّم الذي يتقطّر في الشوارع؟ …. …. - خذيني إلى أقرب زيتونة في قرية أمي، كي أستظل مني ثم اشنقيني. * أمزميز.. غجرية تنام على أقدام الأطلس، بين غابة الصنوبر والصفصاف، والثلج، والمطر، والنهر الذي يترقرق منذ الأزل سائحا بين أشجار الدّفلى وجنان التين والبرتقال. رئة المدينة وقلبها. كالممسوس كنتُ مشدوها، أتبع رائحة التراب، أسير نحو بابك الخرافي. يسبقني ظلي. يصعد الجدران قبلي. شيء ما يتآكل في أحشائي. شيء ما يعانق دمي في العروق. ( لْمْحْلاّتْ).. أبعد قليلا، أقرب إلى الروح قرية والديّ. فرح الطفولة تحت أشجار اللوز والزيتون و”أكناراي”، وكل هذا الحزن الذي يجّلل نبات الصبّار. ها نحن الآن في مراتع صباي، فاحضنيني كما كنتُ الآن