يحاول هذا المقال تناول موضوع تعليم " المهارات الثقافية والفنية skills Culture and Art"، التي تم تعميمها بكل المسالك الجامعية بالمغرب ابتداء من الموسم الجامعي 2024- 2025. وسيشمل قولنا النظر في بعض ما يتعلق بالعملية التعليمية – التعلمية لهذه المهارات، وما يرتبط بها : العدة المعرفية، والهندسة البيداغوجية المعتمدة في تخطيط عمليات التعليم والتعلم(النقل الديداكتيكي، والمعينات الديداكتيكية، والوسائل التعليمية، وإجراءات التقويم التربوي…)، وتدبير ممارسة الفعل التربوي في فضاء الدرس الجامعي. كل ذلك بغرض عرض مقترح جديد لتعليم هذه المهارت. يتعلق الأمر بمقاربة سياق الاحتضان الرسمي لهذا الوافد الجديد في نظام الدراسة الجامعية عبر توطينه في دفتر الضوابط البيداغوجية الوطنية لسلك الإجازة، بعد المصادقة على المخطط الوطني لتسريع تحول منظومة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار) 2030(PACTE ESRI.(وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، ENSSUP، 2023 ). مقصونا هو محاولة لرصد إمكانات تعليم هذه المهارات وتشخيص بعض العوائق والإكراهات قصد تجاوزها، واقتراح مداخل بيداغوجية ممكنة لتجويدها، حتى تحقق الكفايات المنتظرة من تعليمها. تحقيق هذا المطلب يستند إلى التساؤلات التالية: ما هي دلالات المهارات الثقافية والفنية؟ وفي أي سياق تم إدراجها في النظام البيداغوجي الجامعي المغربي؟ وما العوائق التي يمكن أن تحول دون تحقيق أهدافها؟ وهل توجد بعض المقترحات لتجاوز صعوبات تدريسها؟ مقاربة هده التساؤلات تقتضي الإشارة إلى أن تعليم هذه المهارات بالمغرب يتصف بالتعميم؛ فهي تعتبر مجزوءة أفقية ومستعرضة، مثل كل مكونات ما اصطلح عليه " مهارات القوة([1]) Power skills "، أي أنها مشتركة بين كل المسالك والتكوينات، ولا تقتصر على تخصص معين، وليست محصورة في تكوين واحد، فكل طالب ملزم بدراستها وتحصيل معدل مقبول لاستيفائها، لأنها عنصر أساسي في التقويم الإجمالي والإشهادي([2]). لا ينبغي أن نفهم أن هذه المهارات كانت مغيبة، أو منعدم تداولها في الفضاء الجامعي، فهي كانت موجودة بدرجات متباينة، حيث أن الجامعة كانت تنفتح على الشأن الثقافي والفني في إطار أنشطة موازية تكميلية، تنظم لفائدة بعض الطلبة بشكل اختياري، وتصنف ضمن إشعاع الجامعة وانفتاحها على محيطها، كالمهرجان الدولي للمسرح الجامعي بالمغرب، الذي وصل إلى دورته السادسة والثلاثون في سنة 2024، أو فعالية " القانون عبر الفن " الذي أشرفت عليه جامعة ابن زهر سنة 2022- 2023، وجامعة عبد المالك السعدي سنة 2023، أو مهرجان " الإبداع الثقافي الطلابي" الذي تنظمه كلية الآداب والعلوم الإنسانية ظهر المهراز بمدينة فاس سنة 2022، حيث أن مثل هذه الأنشطة كانت تهدف إلى تشجيع الفكر والإبداع لدى الطلبة، وتحفيز مواهبهم… وأحيانا، كانت هذه المهارات تدرج كمسالك جامعية متخصصة مدرجة في مؤسسات للتعليم العالي العمومي، كالمدرسة الوطنية للفنون الجميلة أو كليات اللغات والفنون أوالمعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي، ويمكن كذلك أن نجدها مبرمجة في بعض التكوينات والشعب المرتبطة بالعلوم الإنسانية والاجتماعية والأدبية، كوحدات او كمجزوءات دراسية خاصة، مثل انثربولوجية الثقافية أو السيميولوجيا أو الجماليات والفنون أو دروس التاريخ … رغم حضور هذه المهارات في الجامعة المغربية بطرق شتى ودرجات مختلفة، فإن قرار إدخالها لزوما الى التنظيم البيداغوجي وتعميمها على مختلف أصناف الإجازة لتشمل كل الأقطاب الدراسية، سواء المسالك الأدبية والإنسانية والشعب العلمية والتقنية وحتى التخصصات المهنية، يسجل لحظة مفصلية في القرار التربوي للسلطة المشرفة على التعليم العالي بالمغرب، فبالإضافة لكون إدماج هذه المهارات في التعليم العالي يكمل ويغني الوضع الثقافي والفني السائد سابقا، فهو يمثل قطيعة إبستمولوجية معه، فدرس المهارات الثقافية والفنية ليس ترفا فكريا أو عنصرا مكملا فقط، بل سيمثل توجها جديدا على مستوى الموضوع والمنهج، حيث يفترض أن تحدد مضامينه ومناهج تطبيقه، والاختيارات البيداغوجية لتقويم الكفايات والمكتسبات. هذا ما توضحه السطور الموالية. 1 – أهمية تعليم المهارات الثقافية والفنية. تظهر أهمية الثقافة والفنون ورهان تعليمهما من خلال عدة شهادات كونية ووطنية، حيث تعتبران رافعتين للتنمية الكلية والشاملة، ودعامتين للرفاهية والرقي الاجتماعي، كما لهما دور حيوي في ازدهار الخيال البشري والإبداع والتعبير عن الهوية الفردية والجماعية، مما يعزّز حس الاستكشاف والفضول، ويضاعف إمكانيات الخلق والإبداع، ويفتح أفاقا اجتماعية واقتصادية لجميع الطلبة، وخصوصاً في مجال الصناعات الثقافية والإبداعية. ويمكن تلخيص هذه الأهمية من خلال الأمثلة التالية: 1.2 – تعليم الثقافة والفنون في توجه اليونسكو: قررت الدول الأعضاء في اليونسكو " وضع إطار لتعليم الثقافة والفنون من أجل تعزيز الانتفاع بهما وشمولهما للجميع ".( منظمة الأممالمتحدة للتربية والعلوم والثقافة، Unesco، 2024) ولتحقيق هذا الطموح حددت اليونسكو مجموعة من التوجيهات، منها: – إدخال تعليم الثقافة والفنون إلى الفضاء المؤسساتي، وإضفاء الطابع الرسمي على منظومتهما، والإعلاء من شأنها، في الحياة العامة، وفي الحياة المدرسية؛ – إذكاء الوعي بشأن قيمة تعليم الثقافة والفنون لتحقيق التنمية الشاملة من خلال إدراجه في نظم التعليم، والإقرار بأنه جزء لا يتجزأ من عملية توفير التعليم الجيد؛ – إيلاء حيز هام للثقافة والفنون في المناهج الدراسية، وتخصيص ما يلزمهما من وقت ومساحة في الجداول الزمنية للحصص، وتوفير الموارد الكافية والمستدامة لهما؛ – الاعتراف بالفنون كمجال معرفي قائم بذاته من خلال إصدار شهادات خاصة بالمهارات والكفاءات الثقافية والفنية للمهنيين والعاملين في مجال الثقافة والفنون؛ – النهوض بإضفاء الطابع المهني على منظومتي الثقافة والفنون، والاعتراف بالمهارات الثقافية والفنية والإبداعية وتقديرها؛ – تنويع مهنة التدريس، وإعادة النظر في عملية إعداد المدرسين، وتنمية قدراتهم المهنية لتشمل تعليم الثقافة والفنون. في المغرب، نجد نفس هذه الاختيارات في توجيهات المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، الذي كشف عن أهمية تدريس المهارات الثقافية والفنية في علاقتها بالشباب، ومنها: 1.2- أهمية الثقافة في إدماج الشباب في توجيهات المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي([3]): ركز هذا المجلس على خمسة محاور كفيلة بالنهوض بإدماج الشباب عن طريق الثقافة(المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، CESE 2012): * منح الثقافة مكانة جديدة في وعينا الجماعي، وخاصة عن طريق وضع مشروع وطني ثقافي؛ * وضع هدف إدماج الشباب عن طريق الثقافة في قلب السياسات العمومية، وخاصة عبر تثمين الجهة باعتباره إطارا للعمل الثقافي والفني، ووضع سياسة ثقافية منسجمة لصالح الشباب المغاربة المقيمين بالخارج؛ * إدماج الشباب عن طريق الثقافة، وتحويل المدرسة إلى فضاء يسعى إلى تطوير المؤهلات الإبداعية لدى الأطفال والشباب؛ * إنشاء وتطوير مسالك التكوين في مجال العمل الثقافي، وخلق التقارب والتكامل بين المؤسسات التربوية وفضاءات القرب الثقافية والفنية؛ * خلق نظام للتفوق يشجع المواهب ويجعل منها مرجعا ونموذجا يحتذي به الشباب، والنهوض بنظام تربوي للشباب، يتكفل به الشباب نفسه. هذا الطموح تم تفصيله مع موقف النموذج التنموي الجديد بالمغرب. كما يتضح في الفقرة الموالية: 1.3 – رهان تعليم الثقافة والفنون في تقرير لجنة النموذج التنموي الجديد. اعتبرت لجنة النموذج التنموي الجديد بالمغرب، في تقريرها العام، أن الثقافة مدعوة إلى أن تغدو رهانا عالميا بالغ الأهمية في مجال الصعود الاقتصادي والسيادة.(النموذج التنموي الجديد، 2021، 112). وقصد دمج الثقافة في بيئة المنظومة التربوية المغربية، تقترح اللجنة الإجراءات التالية: * إدراج النقاشات والمناظرات الثقافية، التي تمكن من صقل ملكة النقد والجدل والحوار والانفتاح على الغير، في المنظومة التربوية؛ * برمجة تعلمات اختيارية مرتبطة بالفنون في المناهج الدراسية، وبتطوير شعب فنية، وإنشاء وتنشيط الفضاءات الثقافية. هذا الطرح سبق للقانون الإطار أن ركز عليه، كما سيتضح: 1.4 – رهان تدريس الثقافة والفنون في الرؤية الستراتيجية والقانون الإطار 51.17. لم تغفل الرؤية الإستراتيجية (2015-2030) أهمية إدراج التربية الثقافية في التدريس، حيث دعت إلى " اعتبار التربية الثقافية العامة، أحد المحاور للمناهج الدراسية الحديثة، وكفاية عرضانية إستراتيجية، وترسيخ الثقافة الوطنية بكل مكوناتها المختلفة، وتعزيز حضورها داخل المقررات الدراسية، مع احترام المعايير البيداغوجية والعلمية في هذا الصدد.(المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، CSEFRS، 2015) قصد تحقيق الاندماج الثقافي للمتعلم، وتيسير اندماجه وتفاعله الإيجابي مع محيطه، اقترح القانون الإطار (51.17) إدماج البعد الثقافي في البرامج والمناهج والتكوينات والوسائط التعليمية، بما يكفل تعر يف الأجيال القادمة بالموروث الثقافي الوطني بمختلف روافده وتثمينه، والانفتاح على الثقافات الأخرى، وتنمية الثقافة الوطنية. (القانون الإطار 51/17، 2019، المادة 5) إضافة لهذه التوجهات الكبرى حول أهمية تعليم الثقافة والفنون، نصادف تجارب دولية متعددة ومتنوعة، في مجال الاهتمام بتعليم هذه المهارات، ومن أمثلة ذلك، نذكر بعض ما يميز التجربة الفرنسية. 1.5 – التربية الفنية والثقافية: مثال التجربة الفرنسية: تعتبر المبادرة الفرنسية واحدة من التجارب المتميزة في مجال التربية الفنية والثقافيةEducation Artistique et Culturelle المعروفة اختصارا ب EAC، والتي تشمل كل مراحل التعليم من التعليم الأولي وصولا للتعليم الجامعي. وقصد تعميم وترسيخ هذه التربية، عملت السلطات التربوية الفرنسية، Haut Conseil de l'éducation artistique et culturelle (HCEAC) ،France, 2016)، عبر عدة شراكات، على القيام بعدة إجراءات، منها: * تقنين الإطار المرجعي الضابط لأنشطة هذه التربية، وإدراجها في الزمن الفعلي للدراسة، وصياغة ميثاق التربية الفنية والثقافية عبر مجموعة من المبادئ، ورسم خارطة طريق لتنفيذها؛ * خلق الآليات للتحسيس بأهمية التنوع الثقافي والفني بالوسط التعليمي، مع استحضار الأبعاد الثقافية والتثاقفية في العملية التعليمية – التعلمية؛ * بناء تصور للتربية الفنية والثقافية، وصياغة أدوات أجرأته على مستوى الممارسة؛ * التعاون مع كل المتدخلين والشركاء في نجاح هذا المشروع؛ * تحديد أهداف وغايات مشروع التربية الفنية والثقافية، وتدقيق تخطيط التعلمات المدرسة؛ * خلق قنوات للتواصل بين الفنانين والمبدعين والمتعلمين، وجعل المهارات الفنية والثقافية متاحة للجميع، خاصة الأطفال والشباب؛ * تشجيع الممارسة الفنية والثقافية عبر الورشات التطبيقية والإبداعية، و تدريس بعض المعارف عبر الفن؛ * التأسس لثقافة بناء المشاريع وإقامة الشركات في العمل الجماعي والجمعوي. ييتبين من خلال هذه الأمثلة أن قرار تدريس المهارات الثقافية والفنية بالجامعة المغربية، ابتداء من الموسم الجامعي 2024 – 2025، له أسس معرفية ومبررات بيداغوجيا، مما يفسر منح تأشيرة المرور لهذا الوافد الجديد للإقامة في النظام الجامعي ضمن حقيبة " مهارات القوة " power skills، المعتبرة كمهارات ضرورية لطلب اعتماد كل مسلك جامعي، ولكل إجازة جامعية. وسعيا لتوضيح مقتضيات تعليم المهارات الثقافية والفنيةّ، في ثوبها المغربي، نبسط الملاحظات التالية: 2 – تعليم المهارات الثقافية والفنية بالجامعة المغربية: ملاحظات حول الملف الوصفي. تضمن مشروع الملف الوصفي، الذي اقترحته الوزارة الوضية، لطلب اعتماد الإجازة الجامعية الجديدة عدة إجراءات تنظيمية منها الأطر البيداغوجية الخاصة بكل مسلك، سواء من حيث الكفايات والأهداف الخاصة بكل مجزوءة أو بكل وحدة دراسية، وكذلك الغلاف الزمني المخصص لها، وطرق النقل الديداكتيكي لانجازها، إضافة الى وسائل تقويم التحصيل بها، علما أن هذا الملف الوصفي هو مجرد مشروع مقترحات توجيهية من الوزارة الوصية، تم إسناد تعديلها وتفصيلها وإعداد صياغتها النهائية للفرق البيداغوجية، لكل مسلك أو شعبة، علما أن المصادقة النهائية عليها تتم من طرف جهات مكلفة بهذه المهمة داخل الجامعة ومؤسساتها. (ENSSUP، مذكرة وزارية، 2024) داخل هذا الإطار، تمت صياغة ملف مجزوءة المهارات الثقافية والفنية. ويمكن تقريب مضمون هذا الملف الوصفي، كما عرضته الوزارة، والتعليق عليه كما يلي: أ – لغة التدريس: قدمت الصيغة الأولية لمشروع المجزوءة باللغة الفرنسية، وتم في البداية حصر لغة التدريس في الفرنسية، لكن تم تدارك الأمر لاحقا، بتوجيه شفهي، بالدعوة لتدريسها باللغة العربية لزوما، أو بالتناوب للغوي بين العربية والفرنسية اختيارا. ب – زمن الدرس: تم تخصيص الفصل الثالث من السنة الجامعية الثانية كزمن لانجاز المجزوءة، بغلاف زمني من 45 ساعة من التدريس الفعلي و03 ساعات مخصصة للتقويم، علما أن 70 في المائة سيقدم بتقنية التعليم عن بعد، و30 في المائة تعليم حضوري. لكن تم تغيير هذا التوجيه ليصبح 70 في المائة يقدم حضوريا، و30 في المائة بتقنية التعليم عن بعد. ج – المضامين: اقترح الملف الوصفي المحاور الأساسية في تناسب مع الهدف العام للمجزوءة والذي يتلخص في تكوين هوية وطنية للطالب وتوسيع مداركه الثقافية والفنية والاطلاع على التراث الوطني، مع تفتحه على المحيط والإشعاع فيه والتفاعل معه. ولهذا الغرض، تم تحديد بعض الكفايات، منها : * تعميق المكتسبات والمعارف والمهارات المتعلقة بتاريخ المغرب؛ * اكتساب المعارف الأساسية في المجالات الثقافية والفنية الكونية والوطنية والجهوية والمحلية؛ * التعرف على العناصر المكونة للتراث الثقافي والفني المغربي, وينتظر، بعد إتمام تدريس المجزوءة، أن يكون الطالب(ة) قادرا(ة)على: * فهم تاريخ المغرب، واستثماره في الزمن الراهن وللمستقبل. * الانتماء إلى التراث الثقافي والفني المغربي، في تعدده وغناه. * تنمية الذكاء الفني: الوضوح والدقة في التعبير والقدرة على الحوار، والاعتراف بالغير. * المساهمة في ابتكار منتوج فني: فردي وجماعي، وإحياء التراث الثقافي المغربي. * الانفتاح على مختلف الثقافات والفنون بروح التسامح والتعاون. بناء على هذا التصور، تمت صياغة المحاور التي يمكن أن تشكل الأعمدة التي يتأسس عليها مضمون المجزوءة. وتدور هذه المحاور على الثالوث المفاهيمي: التاريخ والثقافة والفنون. هذه المفاهيم هي الضابط في صياغة المحتوى الدراسي، الذي تضمن، باستعمال أسلوب عام، محورين واسعين، توردهما كما جاء في الملف الوصفي، وذلك كما يلي: – المحور الأول: تاريخ المغرب، وتم تقسيمه إلى المكونات التالية: وصف جغرافي للمغرب – التحقيب – المغرب المتعدد. – المحور الثاني: الفن والتراث الثقافي بالمغرب. وخصص له : التعبير الفني: من الأمس إلى اليوم – التراث المادي واللامادي.. الواضح أن المبادرة المقترحة لصياغة الملف الوصفي لمجزوءة المهارات الثقافية والفنية، مع اقتراح تصورات وتوجيهات بيداغوجية ومنهجية، لها أهميتها في الدرس الجامعي، كما ستكون لها انعكاسات على تكوين الطالب ومساهمته الإيجابية في المجتمع. وإذا كان اقتراح إدراج هذه المهارات في التعليم العالي هو قرار محمود، لكونه ولد من رحم توجهات كبرى ذات حمولة معرفية وتربوية ( قرار اليونسكو- الرؤية الإسترتيجية والقانون الإطار- النموذج التنموي الجديد)، فإن تطبيقها السليم ستكون له أثار ايجابية. لكن بعض العراقيل بدأت تقف حجر عثرة أمام تعليمها حسب المطلوب والمنتظر. وبالفعل، وقبل بداية تنفيذ عملية تدريس المجزوءة، ظهرت بعض العوائق التي يمكن أن تعترض الإنجاز السليم، بتطابق مع الأهداف المقصودة من تعليم هذه المهارات. هذا ما تلخصه الملاحظات التالية:. 3 – درس المهارات الثقافية والفنية: اكراهات وعوائق: مثل كل مشروع جديد، كان من الطبيعي أن تعترض تطبيق مشروع تدريس المهارات الثقافية والفنية بالجامعة المغربية بعض الصعوبات، منها : – قلة الأطر التربوية المتخصصة والمؤهلة للإشراف على تدريس هذه المهارات، حيث أن تعميم تعليم هذه المجزوءة على جميع المسالك الجامعية، يتطلب توفير العدد الكافي من الأطر التربوية للقيام بهذه المهمة، خاصة أمام ظاهرة ارتفاع عدد الطلبة بالجامعة المغربية، والمترتبة عن إستراتيجية توسيع العرض الجامعي، علما أنه يمكن تجاوز هذا الوضع بتكوين أساسي ومستمر للأطر المتخصصة لتدريس هذه المجزوءة. – غياب إطار مرجعي خاص بتدريس هذه المهارات، إطار يفصل موضوعاتها و يحدد مناهج تدريسها. – غياب أبحاث ودراسات محكمة، يعتمد عليها لتطبيق سليم لهذا الدرس في الوسط الجامعي المغربي. هذه العوائق سببت في بروز ظاهرة مصاحبة لتعميم تعليم هذه المهارات، حيث طفت إلى السطح سلوكات تخالف أهدافها: كالتهافت والترامي على تعليم هذه المجزوءة من طرف أشخاص غير متخصصين في الدرس البيداغوجي. هذا ما يظهر في توظيف قنوات التواصل الاجتماعي لتسجيل حصص فيديو حول بعض محاور المجزوءة، ونشر محتويات لمكوناتها عبر تأويل ذاتي([4]). وتكفي نظرة سريعة على هذه المبادرات الفردية والشخصية، التي اكتسحت القنوات الرقمية، للكشف عن كونها تخالف الهندسة البيداغوجية، وتبتعد عن الأهداف المحددة لتدريسها، وذلك من عدة وجوه: * ما ينشر، عبر قنوات التواصل الاجتماعي، من مواد، ذات علاقة بالمجزوءة، يقدم بالدارجة المغربية أو باللسان الفرنسي مما يتنافى مع الملف الوصفي الذي تطلب، في صياغته النهائية، اعتماد اللغة العربية لزوما أو التناوب اللغوي، بين العربية والفرنسية اختياريا في التدريس. * لا تظهر الحدود الفاصلة بين العدة المعرفية والإطار البيداغوجي والمنهجي في ما يقدم عبر هذه القنوات، علما أن مثل هذا التأويل الشخصي يكون أحيانا لأغراض تجارية وربحية. * إن المضمون المقدم عبر هذه القنوات، لا يمكن، في اعتقادي، أن يوصل للمطلوب، فهو يعتمد على سرد الوقائع التاريخية، عبر مجموعة من الحصص التعليمية، فمثلا في تقديم تاريخ المغرب يتم اعتماد التاريخ الكرونولوجي، من ما قبل التاريخ مع التدرج بذكر جميع الدول التي تعاقبت على حكم المغرب حتى الفترة المعاصرة. إن الاستناد لهذه المقاربة يسقط في تكرار ما سبق للطالب أن تعلمه، قبل ولوج الجامعةّ؛ فدروس التاريخ، ومنه تاريخ المغرب، سبق أن درسها الطالب، واجتاز فيها الفروض والامتحانات، في كل المستويات الدراسية، من الابتدائي والثانوي بسلكيه: الإعدادي والتأهيلي. لهذا، فتبني منهجية الجرد والسرد، رغم أنه تقوي الذاكرة، فلن تحقق المنتظر من تناول تاريخ المغرب، كعنصر ومحور من درس المهارات الثقافية والفنية. يضاف لهذا، أن تقديم مفاهيم الثقافة والفنون بتم بطريقة إلقائية تقريرية، بما تتضمنه من إشكال الوصف والتركيز على نقل المعلومات وتعريف بعض المفاهيم التقليدية، دون استحضار الأسس النظرية المؤسسة للمحور كالتثاقف والتعدد الثقافي والإبداع والفاعلية. كما أن الإفراط في الجمود على البعد المعرفي لا يوصل للمطلوب، ولا يحقق المقصود من تدريس هذه المهارات، كما أنه يغفل المكتسبات السابقة للطالب، حيث سبق له أن درس مفهوم الثقافة والفن في درس الفلسفة بالثانوي ألتأهيلي، ناهيك عن تخصيص مجال الفن والثقافة كوحدة دراسية في مادة اللغة العربية في الثانوي الإعدادي والتأهيلي، دون إغفال تدريس التربية الفنية بكل مستويات التعليم الابتدائي. فكيف يمكن تجاوز هده العوائق؟ تجنب هذه الصعوبات يقتضي أن يتصف درس المهارات الثقافية والفنية بالحيوية، بناء على توظيف البيداغوجية النشيطة بشكل يجعل هذا الدرس مفعما بالحياة، ومحفزا لاندماج الطالب داخل جماعة دينامية متعاطفة ومتماسكة. ومن بين الاقتراحات التي تجعل الدرس كذلك، نذكر: 4 – بعض المقترحات لتجاوز بعض صعوبات تدريس المهارات الثقافية والفنية. يمكن رسم بعض الإمكانات المقترحة لتجاوز الصعوبات السابقة بالتركيز على ثلاث مفاهيم: التاريخ والثقافة والفنون، كما يلي: أ – تدريس التاريخ كمهارة ثقافية: المعلوم أن لدرس التاريخ انعكاسات ايجابية على الحياة بصفة عامة، وعلى تكوين شخصية الطالب، وبناء هويته، وتوسيع، مداركه، وأفقه الفكري، وتقوية انتمائه الوجداني. فالتاريخ " فن عزيز المذهب([5]) جم الفوائد شريف الغاية، إذ هو يوقفنا على أحوال الماضين من الأمم في أخلاقهم، و الأنبياء في سيرهم…"(ابن خلدون، المقدمة، 2004، 14)، كما أن إدراج درس التاريخ، وخاصة تاريخ المغرب، اختيار ستكون له منافع وأثار ايجابية. لكن إذا كان التاريخ يمثل ضرورة لخدمته للحياة، فإنه يشكل في الآن نفسه عقبة، حيث أن الحضور الطاغي للتاريخ يضرّ بالحياة، ويضعف الشخصية الفردية والجماعية( (Nietzsche, 1907, 117، أما الاستعمال الإيجابي والمنتَج للتاريخ بالنسبة للحياة، فيستدعي التحرر من المرض التاريخي، الذي تسببه التخمة التاريخية، والتحرر من الإفراط في دراسة الماضي، والجمود على التاريخ التقليدي والأثري. وللاستفادة من منافع التاريخ ينبغي، في التعامل مع الماضي، الانفتاح على الحاضر واستشراف المستقبل. وإدا كان أحد أهداف تدريس المهارات الثقافية والفنية هو ضمان المحافظة على الموروث الوطني والذاكرة الجماعية وتثمينهما، فإن الحفاظ على الوجوه النافعة لدرس التاريخ يقتضي الابتعاد عن أساليب جرد الوقائع وسرد الأحداث الماضية. صحيح ان لا تاريخ بدون ماض، لكن تدريس التاريخ يمكن ان يتم بمبادرات أخرى أكثر فائدة. هذا ما أشارت إليه لجنة النموذج التنموي الجديد التي اقترحت " تكريس المقاربات العلمية والموضوعية من أجل تفادي التوظيف غير المناسب للمعطيات التاريخية، … وتطوير مسلسلات سمعية بصرية، أفلام وألعاب تتمن الموروث الغني لتاريخ المغرب.(النموذج التنموي الجديد، 2021، 113) ب – درس الثقافة والفنون: نحو براديغم جديد. إن التحرر من التصور التقليدي لتدريس المهارات الثقافية والفنية يبرر بما يلازمه من عيوب منها: * كونه يركز على الكم، ويحصر التعلم في نقل المعرفة دون غيرها، حيث يملأ ذاكرة الطالب بالمعلومات بطريقة أفقية يكون فيها المتعلم دائما في وضع المتلقي السلبي. * يحول الطالب إلى مستهلك للمادة الدراسية دون المساهمة في بنائها، فيكون، أثناء تعلمه، منفعلا لا فاعلا، ومبتلعا للمعرفة لا منتجا لها. هذا ما يستدعي " الانتقال من منطق تربوي يركز على المُدرس وأدائه ومقتصرا على تلقين المعارف للمتعلمين ألى منطق آخر يقوم على تفاعل هؤلاء المتعلمين، وتنمية قدراتهم الذاتي، وإتاحة الفرص أمامهم للابتكار واكتساب المهارات، والتشبع بقيم التعايش مع الآخرين، في التزام بقيم الحرية والمساواة واحترام التنوع والاختلاف"(خطاب ملكي، 2012). بمعنى أخر يجب استبدال درس الحفظ والتذكر ببراديغم Paradigme مغاير يعتمد مبدأ " تعلم التعلم Apprendre à apprendr (Harouchi, 2020، وهذا ما يستلزم أيضا تغيير التقويم التقليدي المعروف ب " الباشوطاج " Bachotageالذي يركز على كم المعلومات، ويطلب من المتعلم ردها يوم الامتحان، مما ينعكس سلبا على التكوين الجيد للطالب. عامة، يتطلب الدرس الموفق للمهارات الثقافة والفنية استثمار أدبيات وتقنيات البيداغوجيات النشيطة التي تركز على المتعلم، بكونه محور العملية التعليمية التعلمية، تلبي حاجاته وميوله وقدراته، حيث أن من مميزاتها: توفر فضاء للتعلم الذاتي في إطار من الاستقلالية والفاعلية، كما أنها تعطي دلالة للتعلمات، باعتمادها على مقاربات بيداغوجية متنوعة؛ كاستثمار بيداغوجية الخطأ في التعلم، والعمل الجماعي، والعمل بالمشاريع. ذلك ما تلخصه الفقرات التالية: 5 – مشروع مقترح بيداغوجي لدرس المهارات الثقافية والفنية. يستند هذا المقترح إلى ملاحظتين: * كون مشروع الملف الوصفي المقترح، من طرف الوزارة الوصية، لمجزوءة المهارات الثقافية والفنية لم يصغ الإطار المرجعي لتدريسها. * لم يفصل الملف في المحاور التي يمكن أن يشملها هذا التدريس. بناء عليه، يمكن لبناء تصور مغاير لمشروع تدريس هذه المهارات أن يستفيد، في المقام الأول، من توجيهات "اليونيسف" في تعليم الثقافة والفن، ويسترشد بالنموذج التنموي الجديد، ويستثمر مقتضيات القانون الإطار 51/17، وكذلك التجارب الأخرى، كتدريس التربية الفنية والثقافية EAC، المشار إليها سابقا، خاصة ما يتعلق بفكرتين: توفير الحد الأدنى من البنية التحتية للمشروع، ومباشرة الإنجاز الفعلي لدرس هذه المهارات، بإشراك كل المتدخلين. قصد المساهمة في تفعيل هذا المشروع، نقدم هذه المقترحات على مستوين: * – مقترحات عامة، وتضم العناصر التالية: أ – التعاضد: اعتماد العدالة المجالية بين المؤسسات الجامعية، والتقليص من الفوارق باعتماد مبدأ التعاضد، أي "وضع آلية لتحقيق التعاضد في الموارد والممتلكات والتجهيزات المرصودة أو الموضوعة رهن إشارة مؤسسات التربية والتعليم والتكوين والبحث العلمي على الصعيد الترابي، بما يمكن من حسن استعمالها واستغلالها المشترك من قبل هذه المؤسسات". (القانون الإطار51/17، المادة40)، حيث أن تعزيز مهارات القوة يتطلب تعاضد استعمال الموارد البيداغوجية وتقاسم أفضل الممارسات بين الجامعات)[6](.(ENSSUP، 84،2023) ب – الشراكة: تبادل الخبرات والتجارب، كما ورد في القنون الإطار 51/17، الذي دعا إلى تشجيع الحكومة: " لسياسة الشراكة والتعاقد في إنجاز برامج ومشار يع البحث العلمي، بين مؤسسات التعليم العالي والبحث العلمي وهيئات ومؤسسات القطاع لخاص." (القانون الإطار،المادة 51) ج – التمويل: " توفير الوسائل اللازمة لتمويل منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، وتنويع مصادره، ولا سيما تفعيل التضامن الوطني والقطاعي. (القانون الإطار، المادة46) * اعتماد مقاربة تكاملية غير تجزيئية في تدريس المهارات على مستوى التخطيط والتدبير والتقويم، أي عدم الفصل بين مكون التاريخ وباقي مكونات المجزوءة المرتبطة بمجالات الثقافة والفنون. * التركيز على البعد العملي التطبيقي في التعامل مع تدريس هذه المهارات، كالاشتغال على ورشات فنية( جداريات أو مسرح أو موسيقى…) أو عبر تنظيم موائد مستديرة، أو الاشتغال في فضاءات خارج المؤسسة الجامعية، في إطار الشراكة. * الأخذ بعين الاعتبار الزمن الفعلي حول برمجة تدريس هذه المهارات، واستثمار الذكريات والأعياد الوطنية والعالمية لربطها بمحاور المجزوءة. * توسيع فضاء ممارسة هذه الأنشطة، عبر ستثمار البنيات المحلية والجهوية، كالمسرح والسينما وبعض فضاءات الفنون التشكيلية في إطار الشراكة مع الهيئات المنتخبة وفعاليات المجتمع المدني. * تقديم تصور لتدريس هذه المهارات بناء على إطار مرجعي واضح معرفيا وبيداغوجيا. * مستوى المقترحات البيداغوجية الخاصة: لما تمت برمجت تدريس المهارات في الفصل الثالث من سلك الإجازة، الذي يمتد من شهر شتنبر إلى نهاية شهر يناير، اي خمسة أشهر الأولى من السنة الدراسية، فإن بناء المجزوءة يمكن أن يشمل بعض الأنشطة التالية: 1 – يمكن لبعض الأحداث التاريخية والثقافية والفنية، والتي تصادف الفصل الثالث، المخصص لتدريس المهارات الثقافية والفنية ( من شتنبر إلى نهاية يناير)، أن تشكل وضعيات تعليمية لإنجاز مكونات هذه المجزوءة، ومن ذلك مثلا: أ – ثلاثة أحداث وطنية كبرى ذات علاقات وطيدة بتاريخ المغرب: * 06 نونبر(ذكرى المسيرة الخضراء) . * 18 نونبر ( عيد الاستقلال). * 11 يناير(ذكرى توقيع وثيقة المطالبة بالاستقلال) هذه الأحداث الكبرى، التي تشكل مفخرة للمغاربة، تستحق بالفعل أن تنقل إلى الأجيال الشابة، لكن بنظرة جديدة، وبأسلوب حيوي وبيداغوجية نشيطة، مثلا خلال تقديم دروس في تاريخ المغرب تتمم الاستعانة بأشرطة وثائقية وأفلام سينمائية، وخلق نقاشات تاريخية بين الطلاب والأساتذة، دون نسيان الإشعاع والانفتاح على المحيط الجامعي. كمثال نقترح تناول دروس التاريخ، والمفاهيم والقضايا في تاريخ المغرب، بتصورات وخيارات أخرى، مثلا: * خلق شراكات مع فرع المندوبية لسامية للمقاومة وأعضاء جيش التحرير، ومع بعض المشاركين في المسيرة الخضراء، محليا أو جهويا، لتأطير وتنشيط ندوات وموائد مستديرة حول ذكرى المسيرة الخضراء، وعيد الاستقلال، وذكرى تقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال. * رسم جداريات من طرف الطلبة داخل المؤسسة وفي محيطها، بتعاون مع السلطات المنتخبة والمحلية، والمجتمع المدني والخواص للإ سهام في تفعيل هذه الأنشطة. * تنظيم أنشطة فنية ذات الأثر الإيجابي كملحمة المسيرة، بمشاركة الطلبة. * إضفاء طابع الراهنية على هذه الأحداث، بالانفتاح على مفاهيم جديدة، مثلا الحكم الذاتي لقضية الصحراء المغربية، والعلاقات الدبلوماسية المغربية مع دول افريقيا: ( فتع قنصليات وسفارات للعديد من الدول بمدن الصحراء المغربية، دون نسيان الإشارة إلى اعتراف الدول العظمى بمغربية الصحراء، مثلا موقف الولاياتالمتحدةالأمريكية وقرار فرنسا…), * تجاوز النظرة التذكارية الضيقة للأحداث التاريخية الوطنية. مثلا اعتبار حدث المسيرة ليس جامدا وإنما مستمرا، فشعار المسيرة اليوم أصبح هو " وتستمر المسيرة "، حيث أن المقصود من هده الأحداث هو المسيرة التنموية في إطار الوحدة الوطنية، كما تشهد عليه التنمية المستدامة للمملكة المغربية، على كل المستويات، في كل ربوع الوطن، كالتنمية المستدامة للأقاليم الجنوبية للمملكة المغربية. * تنظيم معارض للصور والوثائق ولكل ماله علاقة بالأحداث التاريخية بالمغرب، بمساهمة كل المهتمين والمتدخلين، وإشراك الطلبة في الإعداد والتنظيم. أما تقريب مفهوم الثقافة ومشتقاتها، في تدريس المجزوءة، فينبغي أن يتجاوز النظرة السطحية و النظرة التبسيطية و المبتذلة، فليست الثقافة أو التعدد الثقافي أو المثاقفة… مفاهيم مجردة، بل لها أسس تنبني عليها، كما لها مجالات تطبق فيها… .ونقترح بعض الإمكانات لتدريس هذه المفاهيم بطرق عملية، ومن ذلك: * استثمار التقسيم الجغرافي الجهوي، كمدخل لتناول التعدد والتنوع الثقافي في مغرب متعدد. ولما كان طلبة الجامعة يتفرعون عن روافد من مختلف جهات المغرب، فإن هذا المعطى يمكن أن يساعد في تناول تكامل الثقافات الوطنية و التداخل مع ثقافات أخرى خارجية. * توطيف بعد الأعياد الوطنية لتنمية المهارات الثقافية والفنية للطالب، مثلا: * ترسيخ ثقافة الاعتراف من خلال اليوم العالمي للمدرس (05 أكتوبر). * التعريف بثقافة حقوق الإنسان، والإعلان العالمي التنوع الثقافي ( 10 دجنبر). * التذكير نبد ثقافة العنف ضد المرأة ومسألة النوع( 25 نونبر). * مكافحة كل أشكال العنف والتنمر في المدارس، ومنها التنمر الإلكتروني(كل أول يوم خميس من شهر نونبر). * ثقافة التربية الدامجة اليوم العالمي للاعاقة (05 دجنبر). * الإحتفال بليلة رأس السنة الأمازيغية (13 يناير)، كعيد وطني رسمي، والذي بدأت عدة جهات، تحتفل به منذ سنة 2023، كمكون للهوية الوطنية المغربية، وكمجسد للثقافة المحلية والجهوية والوطنية والفنون الشعبية القديمة والمعاصرة. ولما كانت الفنون تنوع وتعدد، عالميا ووطنيا وجهويا ومحليا…، فإن الإلمام بها نظريا وممارسة يكون صعبا. لهذا فإن تعليمها يتطلب اعتماد تقنيات بيداغوجية، حسب الإمكانات المتوفرة وحسب الحاجيات، وفق اختيارات تحقق أهداف المجزوءة، بشكل يساهم في تقوية الانتماء الثقافي، والتربية على الإبداع والتنشئة المتوازنة. ونظرا لكون مجال الفنون واسع وغني، باعتبارها أسلوب حياة، فان تعليمها يجب ان يجمع بين مداخل نظرية وتدريبات عملية، عبر الورشات والممارسة، والقيام بزيارات للمتاحف، وتنظيم تظاهرات في الفنون التشكيلية، كالمعرض والمسابقات الفنية في الرسم والصورة ورسم جداريات .. ومختلف أصناف الإبداع في مجال الفن التشكيلي، ف" التعلم بالعمل يحتل، في الأنشطة الفنية بكل مكوناتها، حيزا مهما في بناء التعلمات وترسيخها. هذا يقتضي ربط التعلم بما هو ملموس وعيني، وبالتالي ربط المعارف والمفاهيم بالتوظيف الفعلي والتطبيق العملي".([7]) ولتجنب التية في عوالم الفن، وبسسب المقتضيات البيداغوجية، نقترح أن يتضمن درس المهارات الفنية، إطلالة على عالم الفن العالمي والمغربي، والتعرف على إبداعات فنية، وعلى بعض الفنانين المغاربة، القدامى والمعاصرين. ولأجل ذلك يمكن تقديم دروس نظرية، وتنظيم أنشطة داخل المؤسسة، ودعوة بعض الفنانين للمشاركة في تأطير نقاشات حول الفنون، وإفادة الطلبة في بعض الّأنشطة الفنية التطبيقية، حتى في علاقتها بالتكنولوجية الحديثة والرقمنة([8]). خاتمة: حاولنا أن نقارب تعليم المهارات الثقافة والفنون، المعمم في المؤسسات الجامعية بالمغرب. وبعد أن تبين لنا دور الثقافة والفن في تنمية الإنسان والرقي بالفرد والمجتمع، قدمنا لمحة عن الملف الوصفي لمجزوءة هذه المهارات، والذي اقترحته الوزارة الوصية مع مطلع الموسم الجامعي 2024-2025, ولقد ظهر أن بعض صعوبات بدأ ت تواجه تطبيق هذه المجزوءة بشكل سليم، سواء تعلق الأمر بالأطر المرجعية، أو الخيارات البيداغوجية… على مستوى التخطيط والتدبير والتقويم. بعد رصد بعض الصعوبات، اقترحنا مشروع تصور أخر، يمكن أن يفتح أفاقا أوسع لهذه الممارسات الجديدة، ويجود من أدائها. المراجع: * المملكة المغربية، الميثاق الوطني للتربية والتكوين، 1999, * المملكة المغربية، المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، الرؤية الإستراتيجية، CSEFRS، 2015 – 2030. * المملكة المغربية، المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، إدماج الشباب عن طريق الثقافة، 2012. الخطاب ملكي لصاحب الجلالة محمد السادس، 20 غشت 2012. * المملكة المغربية، القانون الإطار 51/17، 2019، الجريجة الرسمية عدد 5623. * المملكة المغربية، وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، ENSSUP، 2023. * المملكة المغربية، النموذج التنموي الجديد، 2021. * المملكة المغربية، النموذج التنموي الجديد، 2021. * المملكة المغربية، وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار (حصيلة منجزات سنة2022- 2023، وآفاق سنة2023-2024. * المملكة المغربية، وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار (مذكرة 1159/04 ، تاريخ 12/06 / 2024 و المذكرة الوزارية رقم 1097/04، بتاريخ 03 يونيو 2024. * منظمة الأممالمتحدة للتربية والعلوم والثقافة، Unesco، تقرير حول تعليم الثقافة والفن، 2024. * . ابن خلدون، عبد الرحمان، المقدمة، تحقيق مصطفى الشيخ مصطفى، مطبعة دار الأرقم، 2004. – Haut Conseil de l'éducation artistique et culturelle (HCEAC), France, 2016) – Harouchi, Abderrahim, Apprendre à apprendre, Le Fenne, 2020 ; – Friedrich Nietzsche, De l'utilité et de l'inconvénient des études historiques pour la vie, Traduction par Henri Albert, Mercure de France, 1907. [1] – تتضمن " مهارات القوة ": منهجية العمل الجامعي، و المهارات الرقمية، والمهارات الثقافية والفنية، ومهارات التنمية الذاتية أو المهارات الناعمة، ويمكن أن تلحق بها المهارات اللغوية؛ اللغات الأجنبية. [2] – مثلا الحصول على معدل أقل من 10/20 لن يمكن إطلاقا النجاح في التقويم الإشهادي، وبالتالي لا يمكن للراسب في مجزوءة اللغات الأجنبية أن يحصل على الشهادة الجامعية، علما أن النقطة المحصل عليها لا يكن تعويضاها بنقط من مجزوءات أخرى.[2] [3] – يلاحظ هذا التقرير، الخاص بإدماج الشباب عن طريق الثقافة، المتبنى بالإجماع خلال الدورة العادية للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي في 23 فبراير 2012 ، غياب إستراتيجية ثقافية شمولية تعبد الطريق أمام إدماج الشباب. ولم تسمح هذه الوضعية بتثمين التراث الثقافي للبلد في تنوعه وغناه، وتطوير مشروع جامع كفيل باستنفار المؤهلات الإبداعية والفنية لدى الشباب، أو مشروع تربوي قادر على الانتهال من الثقافة لتكريس قيم الاجتهاد والمبادرة والمواطنة. ( عن موقع الإلكتروني للمجلس) – يكفي للتأكد من هذه الظاهرة كتابة عبارة " تعليم المهارات الثقافية والفنية بالمغرب " على موقع " يوتوب " حتى تظهر فيديوهات من هذا النوع.[4] – " في فضل علم التّاريخ وتحقيق مذاهبه والإلمام لما يعرض للمؤرخين من المغالط وذكر شيء من أسبابها" [5] [6] – وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، حصيلة منجزات سنة 2022 – 2023، وآفاق سنة 2023 -2024 – عالم التربية الفنية للتعليم الإبتدائي، كتاب مدرسي، منشورات إديسوفت، متوفر ومنشورعلى موقع وزارة التربية الوطنية المغربية.[7] [8] – نظمت كلية علوم التربية، جامعة محمد الخامس بالرباط، ندوة دولية حول " التربية الفنية والثقافية والرقميات: رهانات وتحولات "، من 28 إلى 30 نونبر 2023.