سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
إشكالية الدعاوى المرفوعة ضد المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب بعد تنفيذ الظهير الشريف رقم 1.23.53 بإحداث الشركات الجهوية بمقتضى القانون رقم 83.21
تعد خدمات الكهرباء والماء الصالح للشرب من أبرز الخدمات الأساسية التي تقدمها الدولة للمواطنين. وفي المغرب، كان المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب ONEE) ) هو الجهة المسؤولة عن تدبير هذه الخدمات على مستوى المملكة. إلا أنه مع دخول قانون رقم 83.21 حيز التنفيذ بموجب الظهير الشريف رقم 1.23.53، تم إحداث الشركات الجهوية لتولي هذه المهام على المستوى المحلي. ومع هذه التحولات الهيكلية، أثيرت عدة إشكاليات قانونية حول الدعاوى المرفوعة ضد المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب، خاصة فيما يتعلق بمسؤولية المكتب والشركات الجهوية الجديدة عن الالتزامات والعقوبات المرتبطة بخدماتها. وهو ما يطرح تساؤلات حول المسؤولية القانونية و الترتيبات القانونية الانتقالية. هذا المقال يهدف إلى مناقشة هذه الإشكالية القانونية، مع محاولة تقديم بعض الحلول الممكنة. الإطار القانوني: إحداث الشركات الجهوية المتعددة الخدمات. صدر القانون رقم 21.83 الذي نص على تفويض تقديم خدمات الماء والكهرباء إلى الشركات الجهوية المتعددة الخدمات. وكانت هذه الشركات مسؤولة عن توزيع الكهرباء والماء الصالح للشرب في بعض المناطق الجغرافية، مما يعني أن المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب لم يعد يتحمل المسؤولية الوحيدة في هذا المجال في مختلف أنحاء المملكة. بموجب هذا القانون، تم توزيع المسؤوليات بين المكتب الوطني و الشركات الجهوية، حيث استمرت المسؤولية القانونية للمكتب الوطني في بعض المناطق، بينما انتقلت إلى الشركات الجهوية في مناطق أخرى. إشكالية تحديد المسؤولية في الدعاوى المرفوعة ضد المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب. من أهم الإشكاليات القانونية التي أفرزها هذا التحول، هو تحديد الجهة المسؤولة عن الدعاوى القضائية المرفوعة ضد المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب قبل إحداث الشركات الجهوية. هذه الإشكالية تتجسد في عدة نقاط: الدعاوى المرفوعة ضد المكتب الوطني قبل إحداث الشركات الجهوية. إذا كانت الدعاوى القضائية قد تم رفعها ضد المكتب الوطني قبل صدور القانون رقم 21.83، فالسؤال الذي يطرح نفسه هو: هل تظل هذه الدعاوى صحيحة أم يجب أن تُرفع ضد الشركات الجهوية المتعددة الخدمات بعد إحداثها؟ المسؤولية عن الأضرار: في حال وقوع أضرار ناجمة عن سوء تقديم الخدمات قبل إحداث الشركات الجهوية، هل تبقى المسؤولية على عاتق المكتب الوطني، أم يجب نقل المسؤولية إلى الشركات الجهوية التي تلتزم بتقديم نفس الخدمات في نفس المناطق؟ التعاقدات السابقة: إذا كانت هناك عقود مبرمة بين المكتب الوطني والزبائن قبل إنشاء الشركات الجهوية، كيف يتم التعامل مع هذه العقود؟ وهل تظل هذه العقود سارية المفعول بعد تحول الخدمات إلى الشركاتالجهوية؟ الإشكالية القانونية الناتجة عن التوزيع الجغرافي للمسؤولية. من المتعارف عليه أن الشركات الجهوية قد حلّت محل المكتب الوطني في بعض المناطق، بينما استمر المكتب الوطني في تقديم الخدمات في مناطق أخرى. هذه الازدواجية في المسؤولية بين المكتب الوطني والشركات الجهوية قد تخلق تداخلًا قانونيًا في تحديد الجهة المسؤولة عن الأضرار أو المخالفات المرتكبة قبل إحداث الشركات الجهوية. هل يتم محاكمة المكتب الوطني أم الشركات الجهوية؟ قد يكون هناك غموض في تحديد الجهة المسؤولة عن الأضرار في المناطق التي كانت تابعة للمكتب الوطني سابقًا وتم نقلها إلى الشركات الجهوية بعد تطبيق القانون رقم 21.83. مع صدور الظهير الشريف رقم 1.23.53 بإحداث الشركات الجهوية بمقتضى القانون رقم 83.21 بشأن تحويل اختصاصات المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب إلى الشركات الجهوية، يظهر تساؤل قانوني حول ما إذا كان المكتب الوطني لا يزال مسؤولًا عن الدعاوى المرفوعة ضده قبل تاريخ تأسيس الشركات الجهوية، أو إذا كانت هذه المسؤولية قد انتقلت إلى هذه الشركات. من خلال التساؤل المطروح أعلاه نجد أن المسؤولية القانونية الخاصة بالمكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب قبل تحويل المهام إلى الشركات الجهوية تظل قائمة في ظل استمرارية الحقوق والالتزامات الناشئة عن العقد المبرم مع المكتب أو العقوبات المفروضة عليه، حتى وإن تم نقل المهام إلى الشركات الجهوية. لذلك، إذا كانت الدعوى قد رفعت ضد المكتب قبل إنشاء هذه الشركات، يبقى المكتب مسؤولًا عن الفصل فيها، ولا يتم تحويل المسؤولية إلى الشركات الجهوية التي بدأت نشاطها بعد التأسيس. أما فيما يخص صلاحية الشركات الجهوية في مواجهة الدعاوى الجديدة من خلال التحول إلى نظام الشركات الجهوية، تساءل البعض عن مدى صلاحية الشركات الجديدة في مواجهة الدعاوى المرفوعة ضدها بعد توليها المهام الموكولة إليها. بالرجوع إلى أحكام القانون رقم 83.21 نجد أن الشركات الجهوية، أصبحت تعتبر ككيانات مستقلة تحمل الصلاحية الكاملة للتعامل مع الدعاوى الجديدة المتعلقة بالخدمات التي تقدمها. بناءً عليه، يمكن للمواطنين رفع الدعاوى ضد الشركات الجهوية مباشرة في حال حدوث نزاعات بشأن التزويد بالخدمات أو في حال أي ضرر ناتج عن استخدام تلك الخدمات. كما أن الشركات الجهوية تتحمل كامل المسؤولية في إطار هذه الدعاوى باعتبارها الجهة المخولة بإدارة هذا القطاع محليًا. وقد نجد أيضا تنازع الاختصاص بين القضاء الإداري والقضاء التجاري في ظل تحول اختصاصات المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب إلى الشركات الجهوية، يتساءل البعض عن مدى تأثير ذلك على اختصاص المحاكم في النظر في الدعاوى المرفوعة ضد المكتب أو الشركات الجهوية، سواء تعلق الأمر بالقضاء الإداري أو التجاري. فنجد أن القانون المغربي يشير إلى أن النزاعات المتعلقة بتوفير الخدمات العامة، بما في ذلك الماء والكهرباء، تكون من اختصاص القضاء الإداري عندما تكون الشركة الجهوية تباشر مسطرة نزع الملكية من أجل المنفعة العامة التي خولها القانون رقم 83.21 في المادة 4 منه، وأيضا عند وجود مصلحة عامة أو إذا كانت القضية تتعلق بإلغاء قرارات إدارية أو الطعن في شرعية التدابير الإدارية المتخذة من قبل الجهة المتدخلة. من جهة أخرى، نجد أيضا القضاء التجاري في الحالات التي تتعلق بالعقود التجارية أو النزاعات المالية المتعلقة بتعاملات الشركات الجهوية مع المستهلكين التجاريين أو المؤسسات التجارية، يجب أن يكون الاختصاص للمحاكم التجارية على سبيل المثال، إذا كانت الشركة الجهوية متورطة في نزاع تجاري مع تاجر بسبب فواتير كهرباء أو مياه، فإن هذه الدعاوى يجب أن تُرفع أمام المحكمة التجارية، وبالتالي من الممكن أن يتم النظر في القضايا من خلال اختصاصات مزدوجة حسب نوع القضية المطروحة. دور الجهات الرقابية في ضمان تنفيذ أحكام القضاء تثير التعديلات الهيكلية الناتجة عن القانون رقم 83.21 تساؤلات حول مدى فعالية الجهات الرقابية في تنفيذ الأحكام القضائية ضد الشركات الجهوية، خاصة إذا كانت تلك الأحكام تتعلق بتعويضات أو استحقاقات مالية لمصلحة الأفراد. فنجد أن المؤسسات الرقابية المعنية بتنظيم قطاع الماء والكهرباء ستظل مسؤولة عن مراقبة تنفيذ أحكام القضاء، خصوصًا فيما يتعلق بتطبيق العقوبات أو إصدار التعويضات في حالات التقاعس أو التسبب في ضرر. وبالتالي، يقع على عاتق الشركات الجهوية احترام الأحكام القضائية، وتلتزم الجهات المعنية بتوفير الآليات القانونية والإدارية المناسبة لضمان التنفيذ الفعلي لتلك الأحكام. الحلول المقترحة لتسوية الإشكاليات المطروحة أعلاه: أولا: توضيح العلاقة القانونية بين المكتب الوطني والشركات الجهوية. من أجل حل هذه الإشكالية، يجب تحديد العلاقة القانونية بين المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب و الشركات الجهوية المتعددة الخدمات بشكل دقيق. وذلك من خلال إعادة النظر في قوانين الانتقال وتحديد بوضوح من المسؤول عن الأضرار التي تم ارتكابها قبل إحداث الشركات الجهوية.ذ ثانيا: إعداد آلية قانونية لإدارة الدعاوى المرفوعة ضد المكتب الوطني والشركات الجهوية. من الضروري وضع آلية قانونية واضحة تحدد كيفية التعامل مع الدعاوى المرفوعة ضد المكتب الوطني في ظل وجود الشركات الجهوية المتعددة الخدمات. يمكن أن تكون هذه الآلية عبارة عن إجراءات انتقالية تنظم التحويل التدريجي للمسؤولية بين المكتب الوطني والشركات الجهوية. ثالثا: إصلاح التشريعات المتعلقة بالمسؤولية. يجب مراجعة وتعديل التشريعات المتعلقة بمسؤولية الشركات الجهوية في تقديم خدمات الماء والكهرباء. ذلك يتطلب تحديد مسؤولية الشركات الجهوية عن الأضرار التي قد تحدث بعد انتقال الخدمات إليها، وكذلك تحديد مسؤولية المكتب الوطني في حال وقوع أضرار تتعلق بالفترة السابقة لإحداث الشركات الجهوية. كمايجب وضع آلية واضحة للتعامل مع العقود المبرمة بين المكتب الوطني و الزبائن قبل إحداث الشركات الجهوية. ينبغي أن تشمل هذه الآلية إجراءات انتقالية لضمان استمرار الحقوق والالتزامات المترتبة على هذه العقود. وفي الأخير تظل إشكالية الدعاوى المرفوعة ضد المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب بعد إصدار الظهير الشريف رقم 1.23.53 وتنفيذ القانون رقم 83.21 مثار جدل قانوني بين مختلف الأطراف المعنية. من الواضح أن التحول إلى الشركات الجهوية يتطلب من القضاة والجهات الحكومية المعنية إيجاد توازن دقيق في تحديد المسؤوليات، سواء على مستوى المسؤولية عن الأفعال السابقة أو التزامات الشركات الجهوية الجديدة. وفي النهاية، يظل ضمان حماية حقوق المواطنين ومواصلة تقديم الخدمات بجودة عالية الهدف الأساسي للمنظومة القانونية في هذا القطاع الحيوي. أيمن منصوري /باحث في سلك الدكتوراه بكلية العلوم القانونية والسياسية جامعة ابن طفيل القنيطرة