لم تكن زيارى الرئيس الموريتاني محمد ولد الغزواني إلى المملكة المغربية ، تقتصر فقط على التنسيق في المجالات الإقتصادية والتجارية فحسب، بل تتجاوز ذلك لتشكل منصة لتعميق التعاون في ملفات استراتيجية تؤثر بشكل مباشر على الاستقرار والنمو في المنطقة. لنعد بك عزيزي المتلقي، إلى تاريخ العلاقات المغربية الموريتانية ونقف على أنه ومند إستقلال موريتانيا في عام 1960، تطورت العلاقات بينها و المغرب في سياق متنوع ومليء بالتحديات والفرص. غير أنه رغم أن البلدين يشتركان في العديد من الروابط الثقافية والتاريخية، فقد شهدت هذه العلاقات فترات من التوتر، خاصة في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، على خلفية النزاع حول الصحراء المغربية . ومع ذلك، إتسمت العلاقات المغربية الموريتانية في السنوات الأخيرة، و خاصة منذ نهاية التسعينيات، بتقارب متزايد، بعد اعتراف موريتانيا بسيادة المغرب على صحرائه في عام 1979 واستئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين في 1985 بعد قطيعة طويلة . لقد شكلت قضية الصحراء المغربية دائمًا نقطة تلاقي مهمة في العلاقات بين البلدين، حيث دعمت موريتانيا بشكل متكرر موقف المغرب الثابت في الدفاع عن وحدته الترابية. لنعد وفي إطار توطئتنا التاريخية أعلاه الى الأبعاد وللرسائل الإستراتيجية لزيارة ولد الغنزواني في ضل ما إتسمت به من ذلك القاءات الهام والحميمي مع جلالة الملك محمد السادس، حيث تم الثباحث في العديد من القضايا الاستراتيجية ،كان أبرزها التعاون الاقتصادي والسياسي، بالإضافة إلى التنسيق المشترك في قضايا إقليمية ودولية مما جعلها تكتسب أهمية خاصة لعدة أسباب، أبرزها: 1. توحيد المواقف بشأن الصحراء المغربية: أكدت موريتانيا، من خلال تصريحات رئيسها، دعمها لجهود المغرب في إيجاد حل سلمي لهذا النزاع الإقليمي. وهذا الموقف يعكس توافقا استراتيجيا بين البلدين في هذا الملف، الذي يمثل أولوية أساسية في السياسة الخارجية المغربية. وفي وقت يشهد فيه الملف تحولات على الساحة الدولية، يعتبر الدعم الموريتاني دعما قويا للمغرب في صراعه مع الأطراف الأخرى بشأن سيادة المغرب على صحرائه. 2. تعزيز التعاون الاقتصادي: تلك الزيارة القصيرة فرصة كافية لتعزيز التعاون الاقتصادي بين البلدين في العديد من القطاعات مثل الطاقة والزراعة ، والتطرق إلى تنفيذ مشاريع استراتيجية مشتركة تعزز التكامل بين الاقتصاد المغربي والموريتاني، وهو ما يعكس رغبة البلدين في تطوير بنيتهما الاقتصادية بشكل منسجم ، فضلا على ما يعرفه زيادة الطلب على الموارد الطبيعية، مثل الغاز والطاقة الشمسية، فلزيارة ولد الغزواني حسب ما صرح به المهتمون بالسياسة الخارجية والعلاقات بين المغرب وموريتانيا دور كبير في دفع التعاون بين البلدين في هذا الاتجاه. 3. التعاون الإقليمي والدور المغربي في القارة الإفريقية: من خلال الزيارة ، يتضح أن هناك رغبة قوية من الجانبين لتعميق التعاون الإقليمي، خاصة في تعزيز الاستقرار الأمني في منطقة الساحل والصحراء. المغرب و الذي يسعى إلى تعزيز نفوذه في القارة الإفريقية، يرى في موريتانيا شريكا استراتيجيا في هذا المجال ،بالنظر إلى ما يمثله حجم التعاون في مجالات متعددة مثل الأمن، التعليم، والصحة من أهمية ، فالمملكة المغربية تسعى دوما إلى تعزيز الشراكات مع دول المنطقة لدعيم الأمن الإقليمي وتنمية القارة. الرسائل السياسية والاجتماعية: سنقف أولا على الرسالة إلى القوى الإقليمية: ففي وقت تشهد فيه العلاقات المغربية مع بعض القوى الإقليمية، مثل الجزائر، توترا مستمرا على خلفية قضية الصحراء المغربية، يمكن اعتبار زيارة الرئيس الموريتاني بمثابة رسالة دبلوماسية إلى هذه القوى الإقليمية. فمن خلال تعزيز علاقاته مع موريتانيا، يسعى المغرب إلى زيادة دعم الدول المغاربية لقضيته، وتحصين موقفه في مواجهة الضغوط السياسية الإقليمية والدولية. 2. الرسالة إلى الاتحاد الإفريقي: إن زيارة الرئيس ولد الغزواني إلى الرباط ، تجسد رغبة المغرب في تحفيز المزيد من الدول الإفريقية، خاصة تلك التي كانت محايدة أو مترددة في موقفها، لدعم قضية الصحراء المغربية داخل الاتحاد الإفريقي ، بالنظر إلى مكانة موريتانيا في القارة، بإعتبار أنها مؤهلة للعب دور محوري في تحريك الملف داخل الهيئات الإفريقية، وهو ما يعزز الموقف المغربي في هذه المنظمة القارية. 3. دعم سياسة الجوار المغربية الإفريقية: تمثل الزيارة كذلك تأكيد سياسة الجوار التي يوليها جلالة الملك محمد السادس أهمية خاصة ، هذه السياسة التي تهدف إلى تعزيز العلاقات مع جيران المملكة، مما يعكس تزامنا مع أهداف المغرب في تعزيز التعاون الإقليمي، ويعكس تطورا إيجابيا في سياسته الخارجية القائمة على بناء شراكات استراتيجية مع دول المنطقة. ختاما يا سادة ، إن الزيارة الأخيرة للرئيس الموريتاني محمد ولد الغزواني إلى المملكة المغربية تمثل خطوة هامة نحو تعزيز التعاون الاستراتيجي بين البلدين في مجالات متعددة، ولا سيما في قضية الصحراء المغربية، التي شكلت نقطة تلاقي بين المواقف السياسية للجانبين. فالزيارة عكست تلك الدينامية الجديدة في العلاقات المغربية الموريتانية، وتؤكد على الدور المركزي الذي تلعبه الدبلوماسية المغربية في الساحة الإفريقية، سواء على مستوى تعزيز مواقفها حول الصحراء أو على مستوى تعزيز التعاون الاقتصادي والأمني في المنطقة. ذ/ الحسين بكار السباعي محام وباحث في الهجرة وحقوق الإنسان.