رئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان عزيز غالي، تحدث عن كون تقرير المصير ذهبت إليه الدولة المغربية، قبل أن تتبناه المنظمة الحقوقية. كما أن الدولة المغربية فاوضت البوليساريو في مانهاست بالولاياتالمتحدةالأمريكية تحت رعاية الأممالمتحدة، ولذلك فالمنظمة الحقوقية، أصبحت تتبنى حلا متفاوضا عليه يُرضي جميع الأطراف. ولا ننسى أنه قال إن المفاوضات لا يجب أن تكون في إطار الحكم الذاتي. فهل قال عزيز غالي كل شيء حول هذا الملف؟ بداية نقول إن طرح ملف الصحراء، أصبح خاضعا لمنطقين لا ثالث لهما. منطق المواطن المغربي الذي يؤمن بأن الصحراء مغربية، ويناضل إلى جانب دولته، من أجل انتزاع هذا الحق في ظل واقع تتسيده الدول الكبرى التي لا تؤمن إلا بما يخدم مصالحها، وواقع إقليمي أفرز جارا يخدم مصالح الدول الاستعمارية. ومنطق آخر، تمثله جبهة الانفصاليين المدعومين ليبيا سابقا، وجزائريا حاليا. وهو منطق يتحدث عن الصحراء الغربية. ما قاله عزيز غالي عن كون الدولة المغربية هي من اعترفت بالاستفتاء وتقرير المصير، هو صحيح وثابت. لكن الحكاية لا تقف عند "ويل للمصلين". فالدولة كانت مضطرة لإعلان هذا الموقف وإن كان يخص جزأ من التراب المغربي، وقطعة من أرض الوطن. فبعد المسيرة الخضراء، تعرضت البلاد لحرب استنزاف، وفرت لها ليبيا القذافي وجزائر بومدين، الثروات البترولية لتمويلها بالمال والسلاح. وكانت هذه الفترة من التاريخ، تسيطر على أنظمت الحكم في القارة الافريقية العقيدة الاشتراكية، المدعومة من قبل الاتحاد السوفياتي. هذا الواقع، جعل العمل الديبلوماسي المغربي محاصرا وضعيفا، قياسا لما تتمتع به الجزائر من قوة ديبلوماسية مدعومة من الاتحاد السوفياتي. فالجزائر كانت متفوقة على المغرب عسكريا وديبلوماسيا. عسكريا باقتنائها أسلحة متطورة من الاتحاد السوفياتي، في المقابل كانت أمريكا متحفظة على تسليح المغرب، ولم توافق على تزويد المغرب بالسلاح، إلا بعد أن أدركت أن المعسكر الشرقي سيسيطر على منطقة شمال إفريقيا. في هذه الفترة، أدى المغرب ثمنا باهظا في أرواح شهداء الوحدة التراتبية. وديبلوماسيا، كان للجزائر حلفاء كثر في إفريقيا نظرا لسيطرة الانقلابات العسكرية المدعومة من قبل المعسكر الشرقي. وتتوج هذا التفوق الدبلوماسي بحصد الدولة المزعومة مقعدا في منظمة الاتحاد الإفريقي. لو كان المنتظم الدولي يُغلِّب المبادئ على المصالح، لما شغل المغرب نفسه لا بالمفاوضات، ولا بحل الحكم الذاتي. فالمغرب في صحرائه والصحراء في مغربها وانتهى الكلام. لكن أمام هذا الوضع الإقليمي والدولي، لم تكن الدولة المغربية تتمتع بحرية الاختيار، أو فرض وحدتها الترابية في المنتظم الدولي. بل كانت مرغمة على التماهي مع السياسة الدولية التي تحكمها لغة المصالح، بعيدا عن لغة المبادئ. فالمؤامرة كبيرة جدا، تبدأ من الجارة الجزائر وحليفها القذافي آنذاك، وتمتد إلى الدول الأعضاء في مجلس الأمن والتي تتحكم في قرارات العالم، وتهتم بمصالحها أولا وأخيرا. الدول المسيطرة على مجلس الأمن، والمتحكمة في القرار الدولي، وجدت في هذا النزاع، فرصة سانحة لاستدامة الصراع، وبالتالي خدمة مصالحها، باللعب على الحبلين. فيكون الرابح هو الدول الكبرى، والخاسر هو طرفي الصراع معا أي المغرب والجزائر. ونحن نرى كيف اضطر المغرب لصرف ميزانية المخططات الخماسية التنموية على هذا النزاع، مما تسبب في ارتهان البلاد للبنك الدولي، وخضوعه لبرنامج التقويم الهيكلي الذي أتى على قطاعات حيوية، من قبيل التعليم والصحة والشغل. الجزائر كذلك، صرفت موارد الجزائريين على هذا الصراع، فأصبحت توصف بالبلد الغني لشعب فقير. فأموال الغاز والبترول، استفاد منه الاتحاد السوفياتي آنذاك، في صفقات الأسلحة. وما تبقى صُرف على لوبيات الضغط في أمريكا والاتحاد الأوروبي، فقط لمعاكسة الوحدة التراتبية لبلادنا. والنتيجة، جزائر تعاني الأزمات، وفي المقابل، الدول المتحكمة في القرار الدولي، ازدادت غنى ورفاهية وتقدما. لو أراد المنتظم الدولي، إيجاد حل لهذا النزاع، لاعتمد قرار منظمة العدل الدولية منذ 1974، القاضي بوجود روابط تاريخية بين نظام الحكم في المغرب والقبائل الصحراوية، وهو اعتراف دولي كاف لفض النزاع. لكن هذا المنتظم الدولي، وجد في تهور النظام الجزائري، فرصة لخلق نزاع إقليمي يخدم مصالحه على حساب الشعبين المغربي والجزائري. وهكذا كان. فهِمت الدولة المغربية هذه اللعبة التي تحكم المنتظم الدولي، فقررت أن تمارس هي الأخرى المناورات التي تحمي مصالحها. فوافقت على خيار الاستفتاء، تفاديا للضغط العسكري، إلى جانب الضغط الديبلوماسي. لكن أيديولوجية منظمة عزيز غالي، اعتبرت أن النظام المغربي يستغل قضية الصحراء فقط لكسب الشرعية السياسية. وهو موقف بعيد كل البعد عن منطق تاريخ الصراع. بخصوص ما قاله عزيز غالي حول مفاوضات الدولة المغربية مع جبهة البوليزاريو، فهو يعلم أن الصراعات الإقليمية يتحكم فيها المنتظم الدولي، وأن هذا المنتظم تحكمه لعبة المصالح بعيدا عن المبادئ. فالمغرب ليس في جزيرة يمكنه اتخاذ القرار الذي يناسبه. المملكة المغربية جزء من هذا المنتظم الدولي، والمغرب يتفاوض في إطار الشرعية الدولية من أجل الدفاع عن وحدة أراضيه. وغريب أن يفسر عزيز غالي هذه المفاوضات بكونها اعتراف الدولة بالانفصاليين، وكأنه لا يفهم مؤسسات المنتظم الدولي ومن يتحكم فيها. أخيرا نقول، إن واقع الحال تغير، والديبلوماسية المغربية، اشتغلت بجد وكسبت من القوة ما جعلها تفرض واقعا جديدا على منتظم دولي لا يعترف إلا بالأقوياء. لذلك من حق المغرب أن يعلن الاقتراب من طي هذا الملف بعد أن انتقلت الديبلوماسية الجزائرية من موقف المهيمن إلى واقع الضعيف الشارد. في الوقت الذي أصبحت للمغرب ديبلوماسية قوية، وعرف بذكاء كبير، كيف يخدم قضية وحدته الترابية. وهو ما تأتى له باعتراف كل من الولاياتالمتحدةالأمريكية، وإسبانيا وألمانيا ومؤخرا فرنسا. كما أن الكثير من الدول التي كانت تدور في فلك الاتحاد السوفياتي، سحبت اعترافها بالجمهورية الوهمية، وطردت ممثلي الجزائر تحت مسمى البوليزاريو. فهل يعي عزيز غالي هذه الحقائق؟ وهل يعي أن المغرب استطاع تقوية موقعه الدولي، وهو ما سمح له بأن يطالب من المنتظم الدولي العمل على الطي النهائي لهذا الكلف في إطار السيادة الوطنية. لماذا لم تتبنى منظمة عزيز غالي الموقف الاسباني الذي أيد الحكم الذاتي؟ وهل المنظمة المغربية لحقوق الإنسان، تفهم الملف أكثر من اسبانيا المستعمر السابق للصحراء؟ ثم إذا كانت هذه المنظمة الحقوقية مغربية فعلا، فإن الأمر يستدعي أن تقف بجانب البلاد وليس بتبني مواقف الضفة الأخرى؟ حين تفرق الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بين الموقف من الصحراء المرتبطة بالوطن، وموقفها الأيديولوجي من النظام السياسي، سيصبح حديثها عن الصحراء المغربية، وليس الصحراء الغربية كما تزعم.