أفرزت نتائج الإحصاء العام للسكان والسكنى الذي أعلنته المندوبية السامية للتخطيط مؤخرًا أخبارًا غير سارة للأحزاب السياسية بالمغرب، مؤشّرةً على تغييرات مهمة ستؤثر على خارطة الانتخابات المقبلة. فمع زيادة أعداد السكان في بعض الجماعات، أصبح من المرجح أن تشهد عدد من الدوائر الانتخابية الانتقال من نظام الاقتراع الفردي إلى نظام الاقتراع باللائحة، وهو ما يشكل تحديًا جديدًا للأحزاب التي كانت تفضل العودة إلى نظام الاقتراع الفردي، متجنبةً التجربة المستمرة منذ عقدين في نظام الاقتراع النسبي باللائحة. يبرز هذا التغيير، الذي سيلزم الأحزاب بإعادة انتشار قاعدتها الانتخابية، كتحدٍ مزدوج: فمن جهة عليها مواجهة احتمالات خسارة معاقلها الانتخابية التقليدية، ومن جهة أخرى، يجب أن تتكيف مع طبيعة النظام الانتخابي الجديد الذي يتطلب إعادة ترتيب هياكلها واستراتيجياتها، لا سيما أن نظام الاقتراع باللائحة يتطلب توسيع التحالفات والتركيز على مرشحين أكثر شمولية وأعلى كفاءة. وتبرز الحالة في إقليم مديونة كمثال واضح على تأثير هذا التغيير، حيث أشارت مصادر من "جريدة الصباح" إلى أن ثلاث جماعات رئيسية في هذا الإقليم ستخضع للتحول إلى نظام الاقتراع باللائحة، وهي جماعات الهراويين وتيط مليل وسيدي حجاج واد حصار، التي يتجاوز عدد سكان كل منها 50 ألف نسمة. هذه الجماعات التي كانت تعتمد على نظام الاقتراع الفردي، ستحتاج الآن إلى مرشحين يعكسون تركيبة السكان ويحظون بقبول واسع لتحقيق النجاح في الانتخابات المقبلة. يرى المحللون أن هذا التغيير سيحمل معه تحديات تنظيمية واستراتيجية عميقة، حيث سيجد المرشحون أنفسهم مطالبين ببناء قاعدة شعبية واسعة عوض الاعتماد على الولاءات التقليدية والمحلية التي كانت تغنيهم عن التفاعل مع عموم الناخبين. وقد يعني هذا أيضًا أن الأحزاب ستكون مطالبة بتبني خطابات وبرامج أكثر شمولية، تتجاوز المصالح الضيقة للمجموعات المحلية، مما قد يدفع باتجاه سياسي أكثر نضجًا وتجاوبًا مع قضايا المواطنين. على صعيد آخر، قد يواجه هذا التغيير مقاومة من بعض الفاعلين السياسيين الذين يعتبرون أن نظام اللائحة يضعف دور الأعيان والزعامات المحلية، ويجعل من الصعب عليهم الفوز بالمقاعد بسبب ضرورة تحقيق توافق أوسع. كما أن الانتقال إلى نظام اللائحة قد يُحدث انقسامات داخلية في صفوف الأحزاب نفسها، حيث سيتعين على قادة الأحزاب إيجاد طرق جديدة لتلبية مطالب القواعد الانتخابية التي باتت تخشى من فقدان تمثيلها المباشر في ظل نظام اللائحة. ورغم أن نظام الاقتراع باللائحة قد يُعد خطوة نحو تعزيز الديمقراطية التمثيلية وتوسيع نطاق المشاركة السياسية، فإن الأحزاب أمامها عمل شاق في تعزيز تواجدها وتوسيع قواعدها الانتخابية لضمان المنافسة العادلة في ظل هذه المتغيرات الديمغرافية.