أنا مواطن يعيش في مدينة أكادير الهادئة. و بصفتي من الطبقة المتوسطة، فإني أعتبر نفسي مواطنا مستقرا لا أشكل أي إزعاج لأحد، ذلك أني أدفع كل ما بذمتي من فواتير و ضرائب و قلما طالبت بشيء من الحكومة. غير أني بدأت أنزعج من ظاهرتين تفشتا في حيينا. ذلك أن عمال النظافة لا يدخلون إليه لأنه حي جانبي لا يمر منه أي مسؤول. ثم إن ظاهرة الكلاب الضالة استفحلت إلى حد أن كلبة ولدت جرائها قرب بيتي و قد صارت تشكل تهديدا لبناتي و لأطفال الحي. لم أستطع تجاهل الظاهرتين، لأن الامر يتعلق بسلامة الصغار و صحتهم. دخلت الى صفحة الشكايات على الانترنت والتي وضعتها الحكومة رهن اشارة المواطنين، فوجدت في أولها مقتطفا من خطاب ملكي يأمر الإدارات أن تجيب عن شكايات الناس. شعرت براحة كبيرة، ذلك أنه أمر ملكي سامي و لا يعقل أن يتجاهله أحد. وضعت الشكاية ثم انتظرت فلم يجبني أحد. فقلت في قرارة نفسي، لعل المسؤولين لا يطلعون على الشكايات الرقمية، فقررت أن أقدم شكاية كلاسيكية. أخذت توقيعات الجيران، حتى لا يظن المسؤول أنها مشكلة شخصية، و انطلقت إلى مكتب الضبط بالبلدية. شكرني الموظف، و أثنى على فعلي و تمنى لو يقتدي المواطنون بما فعلت. عدت إلى بيتي مسرورا و ظللت أنتظر عمال النظافة كل يوم. كنت أسألهم و هم ينظفون الواجهة الرئيسية، فيخبرونني ألا أحد أمرهم بالدخول إلى حيينا. بعد شهرين، ذهبت غاضبا إلى مقر البلدية و طلبت مقابلة الرئيس، لأنني و أسرتي جميعا صوتنا له و من حقنا عليه أن يستمع لنا. أخبروني أنه غير موجود، واكتشفت أنه رئيس الحكومة أيضا و أنه مشغولا بأمور أكبر. تساءلت حينها عن سبب جمعه بين المسؤوليتين دون أن أجد جوابا. وجهني الموظف إلى أحد نواب الرئيس المسؤول عن النظافة وإلى رئيس المصلحة. والحق أن الرجل استجاب و أرسل حملة نظافة. لكن، و بعد مدة عاد الوضع إلى ما كان عليه من تراكم الازبال. لم أدخر جهدا صراحة و اتصلت عدة مرات لكن دون جدوى. لعل مسألة الازبال أن تكون أقل ألما، لأن ضررها على المدى البعيد. لكن معضلة الكلاب أشد خطرا، لأنها قد تهاجم في أي لحظة، خاصة وأنها افترست طفلة صغيرة قبل مدة في أحد أحياء المدينة. اتبعت نفس المسار و وضعت شكايات متعددة، لكنني اكتشفت ألا حل لهذه المعضلة، ذلك أن الكلاب بدأت بمهاجمة السياح على الشواطئ دون أن يتصدى لها أحد. ولحل مشكلة الكلبة التي ولدت في الحي، استأجرت أحد الخبراء في الكلاب و طلبت منه أن يبعدها هي و جرائها دون أن يؤذيهم و دفعت له 100 درهم و اعتبرتها صدقة مني على البلدية. و في أحد الأيام، خرجت من بيتي لأرى تراكم الأزبال في الحي، فما كان مني هذه المرة، إلا أن حملت المكنسة و بدأت أنا و بناتي في تنظيف المكان. لقد صرت أعمل ما يفترض بالبلدية أن تعمله. و في اليوم التالي، خرجت من بيتي لأجد دزينة من الكلاب رابضة في الحي، فألقيت عليها التحية. بعدها علمت بناتي كيفية التعامل إذا هاجمتهن الكلاب، فمن يعيش هنا، لابد أن يتعايش مع الحيوانات المفترسة. المهم أن البلدية قد نجحت في تهجيني وترويضي ما دفعني الى رفع الراية البيضاء. فبعد أخذ و رد و صراخ و نضال، ها أنا ذا استسلمت أخيرا فحملت المكنسة و صادقت الكلاب!!