أعربت المنظمة الوطنية لحقوق الإنسان ومحاربة الفساد عن بالغ استنكارها ورفضها القاطع لمشروع قانون المسطرة الجنائية، واعتبرته انتكاسة خطيرة وتهديدًا صريحًا لمكتسبات الدستور والتزامات المغرب الدولية. وفد أصدرت المنظمة الحقوقية بيانا استنكاريا، توصلت أكادير 24 بنسخة منه، و هذا نصه الكامل : بيان استنكاري في ظل التطورات الخطيرة التي تشهدها الساحة الوطنية بخصوص مشروع قانون المسطرة الجنائية الذي أدلى به السيد عبد اللطيف وهبي، وزير العدل، والذي يقضي بمنع جمعيات المجتمع المدني من التقدم بشكايات تتعلق بملفات الفساد ونهب المال العام، تعرب المنظمة الوطنية لحقوق الإنسان ومحاربة الفساد عن بالغ استنكارها ورفضها القاطع لهذا التوجه، وتعتبره انتكاسة خطيرة وتهديدًا صريحًا لمكتسبات الدستور والتزامات المغرب الدولية. أولاً: تراجع خطير عن المكتسبات الدستورية تأتي تصريحات وزير العدل وما تضمنه مشروع القانون بمثابة تحدٍ واضح لنصوص الدستور المغربي لسنة 2011، الذي منح المجتمع المدني دورًا محوريًا في إعداد السياسات العامة والمشاركة في مراقبة الشأن العام. إن محاولة تحجيم دور الجمعيات والمنظمات في محاربة الفساد يمثل خرقًا لمبدأ الديمقراطية التشاركية الذي نص عليه الدستور، ويؤكد بوضوح تجاهل السلطات التنفيذية لروح هذا الدستور الذي جعل من المجتمع المدني شريكًا أساسيًا في البناء الديمقراطي وفي مكافحة الفساد. ثانياً: تصرف مخالف للالتزامات الدولية لقد صادق المغرب على العديد من الاتفاقيات الدولية التي تهدف إلى تعزيز الشفافية ومكافحة الفساد، وأبرزها اتفاقية الأممالمتحدة لمكافحة الفساد، التي أُقرت سنة 2005. وتُعد هذه الاتفاقيات بمثابة تعهد رسمي من المغرب أمام المجتمع الدولي بالالتزام بآليات مكافحة الفساد عبر إشراك المجتمع المدني في هذه المعركة الحاسمة. إن تصريحات وزير العدل تتناقض بشكل صارخ مع روح هذه الاتفاقيات، وتهدد بإضعاف جهود المغرب على الصعيد الدولي في ما يتعلق بالنزاهة والشفافية. ثالثاً: محاربة الفساد مسؤولية جماعية إن الفساد لا يمكن حصره في نطاق السلطة الرسمية وحدها، بل هو مسؤولية جماعية تتطلب تضافر جهود جميع الفاعلين، بما في ذلك الحكومة، القضاء، والمجتمع المدني. ولا يمكن القبول بتبريرات واهية تتعلق بخوف وزير العدل من استغلال الجمعيات لهذا الحق في "تصفية حسابات" أو "ابتزاز". إن هذا الطرح غير مقبول، ويعكس عدم ثقة الوزارة في نزاهة المجتمع المدني، وهو ما يطرح تساؤلات حول دوافع هذا القرار وما إذا كان يهدف إلى حماية أطراف فاسدة من المحاسبة. رابعاً: رفض تكميم الأفواه نرفض بشدة سياسة تكميم الأفواه التي تتجلى في هذا المشروع الذي يسعى إلى إسكات المجتمع المدني ومنعه من أداء دوره الرقابي المشروع. إن منع الجمعيات من المساهمة في كشف الفساد والتبليغ عن الجرائم المالية ليس فقط انتهاكًا للدستور، بل هو أيضًا محاولة لتكميم الأصوات الحرة التي تعمل من أجل تعزيز الشفافية والحكم الرشيد. إن حرمان المجتمع من آلية محورية لمكافحة الفساد سيساهم في تفاقم مشكلات الإدارة العامة، ويضعف الثقة في مؤسسات الدولة. خامساً: الحكومة المغربية بدلًا من تفعيل منظومة التبليغ عن الفساد بدل أن تقوم الحكومة المغربية بتفعيل المنظومة الوطنية للتبليغ عن الفساد وفقًا للمواصفات الدولية، نجدها تتجه نحو التضييق على المجتمع المدني. إن المنظومة الوطنية للتبليغ عن الفساد تعاني من قصور كبير، حيث إنها بعيدة عن المواصفات المعيارية التي اعتمدتها مجموعة من التشريعات الدولية. وتفتقر إلى توفير الحماية للمبلغين عن الفساد وأقاربهم وأفراد أسرهم. سادساً: ضرورة إصلاح منظومة التبليغ عن الفساد تدعو المنظمة الحكومة إلى بذل جهود تشريعية ومؤسساتية وإجرائية لإذكاء الدينامية المطلوبة في منظومة التبليغ عن الفساد، والانخراط الفاعل للمعنيين بمكافحة هذه الظاهرة. حيث خلصت المنظمة إلى أن الواقع الحالي للتبليغ عن الفساد يتميز بعزوف وإحجام المواطنين، ناتج عن سيادة مظاهر الخوف وصعوبة الحصول على أدلة إثبات كافية، إضافة إلى تدني منسوب الثقة في نجاعة المؤسسات المعنية. سابعاً: تحديات وإكراهات منظومة التبليغ إن السبل والآليات القانونية والمؤسساتية المتاحة في مجال التبليغ عن الفساد تعاني من مجموعة من الإكراهات التي تشكل كوابح حقيقية لضمان انخراط واعٍ ومسؤول لكافة المعنيين. كما أن الحماية القانونية التي ينص عليها القانون رقم 37.10 (قانون حماية الضحايا والشهود والمبلغين) لا تسري على جميع المبلغين عن أفعال الفساد المنصوص عليها في القانون الجنائي، مما لا يتجاوب مع مقتضيات الاتفاقيات الدولية ذات الصلة. ثامناً: توسيع مفهوم الفساد تدعو المنظمة الوطنية لحقوق الإنسان ومحاربة الفساد إلى توسيع مفهوم الفساد المشمول بحماية المبلغين عنه، بحيث يستوعب مختلف تمظهرات الفساد، سواء كانت جرائم ضرر أو جرائم خطر، وسواء تعلق الأمر بأفعال يعاقب عليها القضاء الزجري أو المالي أو التأديبي. كما نلفت الانتباه إلى أن القانون 37.10 لم يمد الحماية القانونية إلى أفراد أسر المبلغين وأقاربهم، على غرار ما أتاحه لفئة الضحايا والخبراء والشهود، في تفاوت غير مستساغ بين فئات يجب أن تتمتع بحماية متساوية. تاسعاً: نداء إلى أعلى سلطة في البلاد نطالب أعلى سلطة في البلاد بالتدخل العاجل من أجل إرجاع الأمور إلى نصابها، وضمان احترام المغرب لالتزاماته الدستورية والدولية. إن مكافحة الفساد هي ركيزة أساسية في بناء دولة القانون والمؤسسات، وبدونها لن يتمكن المغرب من تعزيز صورته كمحطة جذب للاستثمارات الأجنبية، ولن يثق أحد في حكامة وشفافية الإدارة المغربية. إن استدامة الفساد واستفحال سوء التدبير سيؤديان إلى فقدان الثقة في المؤسسات، ويهددان الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي للمملكة. في الختام تؤكد المنظمة الوطنية لحقوق الإنسان ومحاربة الفساد أنها ستظل على الدوام مدافعة عن حقوق المواطنين في محاربة الفساد وتعزيز الشفافية. ولن تتوانى عن اتخاذ كافة الإجراءات القانونية والميدانية للدفاع عن حق المجتمع المدني في التبليغ عن الجرائم المالية، والمشاركة الفعالة في مراقبة الشأن العام