يعتبر الهاتف النقال "البورتابل" من أبرز الاختراعات التي أدخلت تغييرات جوهرية في العالم ككل. هذه التغييرات انتقلت حتى إلى الحياة الشخصية للبشر، وغيَّرت كيفية معيشهم اليومي. فما قصة اختراع أول هاتف نقال؟ ومن كان ورائه؟ الهاتف النقال، الهاتف المحمول، الهاتف الخلوي أو "ج إس إم" أو "البورتابل"، كلها أسماء لمنتوج واحد ظهر للوجود بعد قرابة قرن من الزمان على اختراع أول هاتف ثابت في العالم، من قبل المهندس والمخترع الكندي غراهام بيل في 1876. هذا الاختراع فتح المجال لسيرورة كبيرة في الابتكار والتطور، تتوجت باختراع الهاتف النقال من طرف الأمريكي مارتان كوبير مدير الأبحاث والتطوير في شركة موتورولا الأمريكية. فبفضل تطور تقنيات الاتصال خلال القرن العشرين، استطاع كوبير من اختراع الهاتف النقال وإجراء أول اتصال من هاتف محمول في 3 أبريل 1973، وكان ذلك في شوارع نيويورك. بعد إجراء أول اتصال من هاتف نقال، لم يكن من الممكن طرح هذه التقنية في الأسواق لأن الأمر ما زال يحتاج المزيد من التطوير والأبحاث. هذه الأبحاث تطلبت استثمارات ضخمة ودامت عقدا من الزمن، حيث لم يُطرح الهاتف النقال للبيع في الأسواق سوى عام 1985. الهاتف المقترح آنذاك لم يكن عمليا، فقد كان طوله 25 سم ويزن 783 غراما وهو هاتف بطبيعة الحال لا علاقة له بالهاتف الحالي الذي يمكن أن نضعه بسهولة في الجيب. كما أن البطارية المستعملة لم تكن تسمح بأكثر من 60 دقيقة من المكالمات، وشحنها يتطلب أكثر من 10 ساعات، وسعره كان مرتفعا بشكل كبير يصل إلى 3995 دولارا أمريكيا. منذ طرحه في الأسواق في 1985، عرف الهاتف النقال دينامية في الابتكار والتطوير لم يعرفها أي منتوج آخر على مدار ما شهدته البشرية من منتوجات، منذ انطلاق الثورة الصناعية. إقبال البشرية على الهاتف النقال، جعله يعرف طفرة كبيرة في التطور وكأنه كائن حي، ما أن ينتهي الجيل القديم حتى يحل مكانه الجيل الجديد، كما هو حال أجيال الإنسانية. المتتبع لتطور الهاتف النقال عبر الزمن، سيلاحظ أن لكل عقد جيله من الهواتف الخلوية. فإذا كان عقد 1980 شهد الجيل الأول، فإن عقد 90 عرف ظهور الجيل الثاني، ثم سنوات 2000 شهدت ثورة كبرى همت العالم بأسره بظهور الجيل الثالث. نقول ثورة لأن العالم سيتغير بتأثره بالخدمات التي يتيحها الجيل الثالث، نذكر على الخصوص إمكانية التصوير وولوج الأنترنيت. وفي عقد 2010 سيعرف العالم ظهور الجيل الرابع وما يسمح به من صبيب عالي يستجيب لمتطلبات التطبيقات الجديدة التي غزت العالم. وفي عقد 2020 شرعت بعض الدول في اعتماد الجيل الخامس الذي يُنتظر منه أن يخلق ثورة جديدة في عالمنا المعاصر بملامح جديدة ومواصفات ثائرة. ومن الجدير الإقرار بأن الانتقال من جيل إلى جيل لا يعرف وتيرة متصاعدة كما هو متوقع، وإنما يتم في ظرف زمني قار. ويعود سبب ذلك إلى عدة عوامل، نذكر منها التعقيدات التكنولوجية التي تزداد بشكل تصاعدي من جيل لجيل، كما أن كل جيل يتطلب إنشاء محطات خلوية خاصة به وهو ما يعني التخلي عن تجهيزات المحطات القديمة وتعويضها بتجهيزات جديدة تلائم الجيل الجديد، وهو الأمر الذي يتطلب عدة سنوات. وفي الأخير نشير إلى أن من الضروري الإبقاء على خدمات جيل الهاتف النقال لبضعة سنوات لضمان المردودية المالية للمنتوج وبالتالي تفادي الخسائر، علما أن كل جيل يساهم في التكاليف المالية التي يتطلبها الجيل الجديد. فالجيل الثالث مثلا ساهم في تمويل شبكة الجيل الرابع. هكذا سيجعلنا الهاتف النقال نسافر في الزمن، وننتقل معه من جيل إلى جيل، لاكتشاف تطوره عبر التاريخ. سعيد الغماز