يبدو أن الحديث عن تقوية دور الجماعات الترابية في الوقت الراهن، يشبه محاولة بناء بيت على أرض مليئة بالوحل. فالواقع المرير الذي تعيشه العديد من الجماعات اليوم، يكشف عن وجود متطفلين على الشأن الداخلي لهذه الجماعات، متطفلون يجمعون بين المال والجاه، يتخفون تحت عباءة "الأعيان"، ليساهموا في زعزعة استقرار العملية السياسية داخل هذه المجالس. نعم، لا أحد ينكر أن للأعيان دورًا مهمًا في المجتمعات، وأن هناك علاقة جدلية تنظم تفاعلهم مع الهيئات المنتخبة. ولكن، عندما يصبح هؤلاء الأعيان هم الرؤساء الفعليون للمجالس، وعندما يتحول دور المنتخبين إلى مجرد ديكور أمام هؤلاء المتسلطين، يصبح من حقنا أن نسأل: إلى أين نحن ذاهبون؟ لماذا يتهافت الأعيان في مدن وقرى معينة للسيطرة على المجالس الجماعية؟ هل أصبح الهدف من المشاركة في الانتخابات هو حماية المصالح الشخصية فقط؟ أم أن هناك مصالح أكبر تتجاوز حدود الأعيان والمنتخبين؟ وهل يمكن للإعلام أن يجرؤ على تسليط الضوء على هذه التجاوزات؟ الأمر أشبه بمسرحية هزلية، حيث يقف الأعيان في الخلف كمدبرين حقيقيين، بينما يظهر المنتخبون على المسرح كممثلين يؤدون أدوارًا لا تعبر عن حقيقتهم. وهنا تبرز إشكالية النخب الضعيفة والانتهازية، التي تحولت إلى أدوات لخدمة مصالح الأعيان، متناسية دورها الحقيقي في خدمة المواطنين وتنمية الجماعات. لقد حان الوقت لنقول كفى لهذه الفوضى. كفى لإهدار الزمن التنموي بسبب هذه التجاوزات. كفى لاستمرار هذا السيناريو العبثي الذي يجعل من الجماعات الترابية أدواتا في أيدي قلة من المتسلطين. الزمن الآن يتطلب شجاعة وجرأة لإعادة ترتيب البيت الداخلي، والابتعاد عن كل من يسعى لاستغلال النفوذ لخدمة مصالحه الشخصية على حساب الصالح العام. نعم، يجب تقوية دور الجماعات الترابية، ولكن هذه القوة لن تتحقق إلا بإبعاد المتطفلين، وتنظيف الساحة من هؤلاء الأعيان الذين يعيثون فسادًا في الأرض. والآن، قبل أن نستفيق على واقع أسوأ، علينا أن نبدأ بالتحرك، ليس فقط بالكلمات، بل بالأفعال. عبدالله بن عيسى لأكادير24