أي دور لنخبة اسمها "الأعيان"؟ وما علاقتها بالوعي المتزايد في بلادنا؟ دائما هي حاضرة في ساحات القرار، للتواصل والإقناع والإخبار.. وفي مواسم الانتخابات، "تجتهد" لترجيح كفة مرشحين يحظون بمساندة "الخريطة الانتخابية".. "أعيان" ذات وجهين: وجه مع المواطن، وآخر ضد المواطن.. وهذه صورة يتوجب أن نقرأها من جديد.. صورة تنبني على ألوان غير طبيعية.. وبتعبير آخر، تنبني على كذبة أعدتها وأخرجتها ووزعتها "فئة" من مهندسي ومنظري "الأعيان".. وأحدثت لها أصداء في أوساط معوزة تأمل أن تجد خلاصا، من خلال التزلف والتقرب من فئة "الأعيان".. و"الأعيان" كتلة أنجبتها السلطات التقليدية.. وهذه حالة مسترسلة على مر تاريخنا.. وقد رافقتنا جيلا بعد جيل.. ولحقتنا في محطات سوداء إلى ما يعرف ببلاد "السيبة"، وما زالت اليوم حتى وهي تقف حينا وتسقط أخرى، ولا تملك إلا ثروة حصلت عليها بقوة الريع والالتفاف على القانون.. وفي تاريخنا لعبت "مجموعة الأعيان" أدوارا يصل كثير منها إلى حضيض مشحون بالمستضعفين.. يحدث هذا حتى و"الأعيان" تسمية هي في حد ذاتها كذبة.. كذبة حولت بشرا عاديين، وفي أحيان أقل من عاديين، إلى أسياد متحكمين في رقاب البلاد والعباد.. هؤلاء "استغلوا" مواطنين.. ومواطنون - من جانبهم - صدقوا أن هؤلاء بشر فوق البشر.. وجماهير شعبية صدقت هذه الكذبة، فصار كثيرون يتخذونهم قدوة، وبالتي يمارسون معهم "عبادة" المال.. وتحول المال إلى أساس لكل القيم.. وأساطير يتم تناقلها في أحاديث الناس عن هذه الفئة التي تنهب خيرات البلد، بلا رقيب ولا حسيب.. ويقول في محاسبتها رئيس الحكومة: "عفا الله عما سلف!".. والناس يتحاكون.. ويتساءلون: "من أين لهؤلاء بكل هذه الثروة؟".. وهكذا تم ميلاد ثقافة المال! أصبح المال قدوة.. معبود الجماهير... والجماهير ترى.. وتحلم.. ثم تحلم بالمال الوفير.. لقد أفرغوا القلوب والعقول من المنطق والضمير، وشحنوها بعبادة المال.. ها قد انتشرت "ثقافة الأعيان" التي كرست في بلادنا قيمتين: "السلطة والمال".. وما زال "الأعيان" يحتلون كل المواقع الحساسة.. هم موجودون في زعامات الأحزاب.. وقيادات المجالس الجماعية.. والبرلمان.. والحكومة.. وكبريات الشركات.. وحتى في مواقع الحضيض، حيث هم يتاجرون في كل شيء، حتى في حقوق الحياة.. - هم حاضرون أينما كانت الثروات! إقطاعيون يتحكمون في السياسات، والمؤسسات المالية، والمسارات الاجتماعية.. ومن زمان، و"الأعيان" يستشارون في كل صغيرة وكبيرة من قضايا البلد.. والدولة تضفي عليهم هالة "الرفعة".. وكأنهم فوق القانون.. والبشر.. ومنزهون.. وبلا خطيئة.. - أثرياء يفعلون ما يريدون.. ويعالجون أخطاءهم بالعلاقات والرشاوى! "يساعدون" المقربين من خدامهم الفقراء.. وبتعبير آخر، يستولون على حقوق الفقراء، ثم "يتصدقون" عليهم بالفتات.. والفقراء لا يراد لهم إلا أن يكونوا في خدمة "الأعيان".. ونساء الفقراء، وأولاد وبنات الفقراء.. كلهم يخدمون "الأعيان".. و"الأعيان" يستغلون فئات معوزة من المجتمع، أحيانا أبشع استغلال.. نوع من "العبودية" المتوارثة أبا عن جد، لدى نخبة فوقية متحكمة في خيرات البلد، ومتسلطة على قطاعات حيوية، ومن ثمة على السياسات الحزبية والتعليمية والصحية، وعلى كل الأمن الغذائي... إقطاعيون اسمهم "أعيان".. حاضرون في كل المناسبات.. دينية.. وطنية.. سياسية.. وغيرها.. والدولة بكل مكوناتها تعتمد على "ثقافة الأعيان"، وتستشيرها لرسم خرائط الانتخابات وغيرها.. ولا يرتقي إلى أعلى سوى "أعيان" من ذوي الثراء الفاحش.. أولاء يرتقون إلى المواقع الحساسة.. مواقع القرب من سلطات القرار.. هؤلاء لا تسمع منهم أي انتقاد لسياسات الدولة.. هم أصلا لا يعرفون قيمة النقد في بناء البلد.. ويعادون كل فكر مستقل.. وكل ما هو ثقافة عامة لا تساندها السلطة.. هم مع السلطة.. دائما حول السلطة.. ويعادون كل من ينتقد السلطة.. ويجهرون بالعداء لأي فكر متقد.. ويكرهون الفلسفة.. يكرهون تطارح الافكار.. والأسئلة.. وكل تساؤل، في نظر "الأعيان"، هو عداء مكشوف لمصالحهم، وللمظلات الفوقية التي تحميهم.. مصالحهم يحمونها بتوسيع رقعة الفقر والجهل والخرافات والشعوذات.. وفي كل الأحوال، هم أعداء كل مفكر مستقل.. ولا يقبلون إلا من يدورون في أفلاكهم، ويجهرون بالولاء لهم، في الصغيرة والكبيرة، ويساندونهم في تصوراتهم وتخطيطاتهم ومؤامراتهم.. هكذا هم إقطاعيو الماضي والحاضر.. إقطاعيون يخططون لتكريس "عبودية" المستقبل.. وهم لا يعبدون إلا المال والسلطة! وهذه العقلية ما زالت تنتج في مجتمعنا الوصولية والانتهازية.. والنفاق والخداع على كل المستويات.. وتستميل أجيالا جديدة من المستضعفين، لضمان استمرار المال قيمة لكل القيم.. و"الأعيان" لا قيمة في حياتهم إلا المال! - ألم يحن الوقت لوضع حد لترجيح كفة "أعيان" منفوخ فيهم، خاويي العقل والضمير، على حساب التشارك الوطني؟ ألم يحن الوقت لتعامل الدولة مع المواطنين بدون حيف وتمييز؟ إن كل دولة تعتمد على نخبة ريعية في ظاهرها مع المواطنين والوطن، وفي عمقها هي استغلالية احتكارية انتهازية، هي دولة تظلم نفسها، وتظلم شعبها، وتحكم على مسيرة البلد بمزيد من الخلل.. - كفى من التلاعب بالألقاب الخاوية: إن كلمة "أعيان" هي من إفرازات ماض انتهى ومات.. "الأعيان" كذبة.. هي من أكاذيب التاريخ! ولم يعد لنا من خيار إلا أن نتخلص من نفايات الماضي، ونعيش بتشارك وطني، في مسيرتنا المشتركة، لمواصلة بناء المغرب الجديد.. [email protected]