حكومتنا وفية لعقدة إقطاعية قديمة.. وحول "الإقطاعية التقليدية" تتمحور هذه العقدة، ليلا ونهارا، في دورات لامتناهية لعقارب الساعة الوطنية.. ودولتنا مطالبة بالتحرر من هذه العقدة الإقطاعية، في تعاملاتها مع الوطن والمواطن.. وهذه الدولة ليست عنا غريبة.. هي أنت وأنا ونحن.. كلنا الدولة بمؤسساتها وإداراتها وأحزابها ونقاباتها وجمعياتها ومدارسها وصحتها وأبناكها وزراعاتها وصيدها وسلطاتها ومخزنها وسياساتها، وحتى بتقاليد السيبة في شرايينها، كلنا هذه الدولة التي تطالبها شوارعنا بتغيير نفسها جملة وتفصيلا، والابتعاد عن الإقطاعية التي حكمت تاريخنا، وتسببت في استقدام "الحماية"، وفي استمرارية نفس السياسات العامة خلال عقود "ما بعد الاستقلال"، وأنتجت استعمارا داخليا وفيا للاستعمار الخارجي.. وبات ضروريا، وبصفة استعجالية، أن تنزل الدولة إلى الشارع لكي تعاينه وهو يتحرك بسلم وسلام، ويرفع مطالب اجتماعية مشروعة، منها تقليص الفوارق الاجتماعية، وتحقيق عدالة اجتماعية، وإحياء الطبقة المتوسطة، التي تتكون من مثقفين ومستخدمين وموظفين ومشاريع اقتصادية متوسطة، لإحداث التوازنات الضرورية في الاقتصاد والثقافة الانتخابية، وضخ النفس الفكري والمالي والأخلاقي والعملي في البلد، لحماية الدولة من رأس المال الريعي المتوحش، وبالتالي من خلل قد يشكل خطرا علي الجميع.. الحلول واضحة أمام الجميع، بدءا من حراك الشوارع، وصولا إلى بقية السلاليم العليا، فإلى حكومة ما هي بحكومة، ولكن إقطاعية في إقطاعية.. حكومة يبدو أن دورها يقتصر على تكريس العراقيل فيمسيرتنا الثقافية والإدارية والتنموية.. حكومة تبقي رؤوس القرار متشبثين بإبقاء ثروات البلد في كمشة أفراد.. هم يتحكمون في المال والأعمال وفي المناصب العليا، مع جعل الجهوية مجرد تأثيث، بدون أية مبادرة خاصة وأي قرار جهوي.. وهذه الجهوية، بجماعاتها ومؤسساتها، لا تستطيع صرف أي درهم، ووضع أي مشروع تنموي، إلا بعد ضوء أخضر من المركز: العاصمة الرباط.. - كل القرارات تأتي من العاصمة.. وعندما تصمت الرباط، تتوقف كل الملفات، وتشل كل المشاريع التنموية والاستثمارية والثقافية والتشغيلية والتوظيفية والقانونية وغيرها... كل السلطات متوقفة على الضوء الأخضر من الرباط.. وعندما تتحرك الرباط، تستيقظ الملفات الراكدة.. وعلى هذا المنوال، دأبت نخبنا السياسية والإدارية والمالية والمحسوبة على الديمقراطية، ومنها الجماعات التي يقال إنها منتخبة، والبرلمان والحكومة والعدالة وغيرها... كلها تنتظر الرباط.. وعندما تنام الرباط، ينام كل شيء، ويبقى اليقظان واحدا هو المجتمع المنشغل بالخبز اليومي، وعراقيل الإدارة، ومشاكل القضاء، وبالرشوة والعصابات وأباطرة المخدرات وغيرها.. وليست في البلد أسرة فقيرة واحدة تستطيع أن تعيش أسبوعا واحدا بدون مدخول.. وفي غياب الكفاية من الموارد، الفقر يشل الجميع، ويحرم الأغلبية الساحقة من احتياط معيشي.. - التفقير منهجية.. سياسة عامة.. ومشاكل الفقراء كثيرة.. متنوعة.. متعددة.. بلا حدود.. ووحدهم الميسورون يعيشون حياة متوازنة.. والأغلبية الساحقة مغلوبة على أمرها.. ومؤسسات الدولة تنتظر قرارات من الرباط.. وتقتصر أدوار الأحزاب والنقابات على إلهاء الناس بأحلام مستقبلية، وبأن "الآخرة خير للمتقين".. ودور الإدارات، بما فيها المحاكم، هو تمديد الملفات إلى ما لا نهاية.. ودور السلطات العمومية هو الزجر والقمع والابتزاز.. ودور المحافظة العقارية والوكالة الحضرية، وغيرها من المؤسسات العقارية، هو اصطياد العقارات الجيدة لتحضيرها لكبريات الشبكات المالية.. عصابات تتحكم في كل شيء.. في أراضي الفقراء.. وفي رقاب من لا حول لهم ولا قوة.. وتبقى عقلية الإقطاعية القديمة، حاضرة في حياتنا اليومية، وفي حالات كثيرة، من المهد إلى اللحد.. ورئيس الأوركسترا على الصعيد الجهوي هو سيادة الوالي.. دوره هو تنويم الملفات، وانتظار أوامر الرباط.. ألم يحن الوقت للتخلص من الإقطاعية الجديدة المستفحلة في الإدارات العمومية، والتي تعرقل مسيرة البلاد؟ ولا داعي لأي كلام عن الحكومة.. هذه في منتهى السبات.. بلا عقل.. ولا أية مبادرة.. تأكل وتشرب وتطلق الريح.. ويمكن الجزم بألا وجود للحكومة، حتى في الرباط! ولكن وجودها مثل غيابها.. غيابها غياب معلن.. ووجودها ليس وجودا.. سمه ما شئت إلا الوجود! [email protected]