انعقاد الاجتماع ال 22 للجنة العسكرية المختلطة المغربية-الفرنسية بالرباط    بوريطة يرحب بقرار وقف إطلاق النار في لبنان ويدعو إلى احترامه مع ضرورة حل القضية الفلسطينية    الطالبي العلمي ورئيسة البرلمان الأوربي يتفقان على خارطة طريق لإعادة إحياء العلاقات بين البرلمانين المغربي والأوروبي        انقلاب أبيض بكوريا الجنوبية.. فرض الأحكام العرفية وحظر جميع الأنشطة البرلمانية والحزبية    الوداد البيضاوي يعلن تعيين بنعبيشة مديرا تقنيا للنادي    حوادث السير تخلف 16 قتيلا في أسبوع    تعبئة الموارد المائية مسألة استراتيجية بالنسبة للمغرب وموضع اهتمام وتتبع شخصي مستمر من طرف جلالة الملك (رئيس الحكومة)    مديرية الجديدة توضح في بلاغ رسمي توازن الوضعية التعليمية بمدرسة الروداني    أخنوش يمثل جلالة الملك في قمة «المياه الواحدة» في الرياض    التوفيق: ترميم المساجد أغلى من بنائها    البواري: القطاع الفلاحي يواجه تحديا كبيرا ومخزون السدود الفلاحية ضعيف        الفنان المغربي المقتدر مصطفى الزعري يغادر مسرح الحياة    نحو تعزيز الدينامية الحزبية والاستعداد للاستحقاقات المقبلة    إسرائيل تهدد ب "التوغل" في العمق اللبناني في حال انهيار اتفاق وقف إطلاق النار    حكومة أخنوش تقرر إعفاء معاشات المتقاعدين من الضريبة على الدخل    "الاعتداء" على مسؤول روسي يعزز دعوات تقنين النقل عبر التطبيقات الذكية        طائرة خاصة تنقل نهضة بركان صوب جنوب أفريقيا الجمعة القادم تأهبا لمواجهة ستينبوش    دبي توقف إمبراطور المخدرات عثمان البلوطي المطلوب في بلجيكا    الأمم المتحدة: كلفة الجفاف تبلغ 300 مليار دولار سنويا    مطالب بفتح تحقيق في التدبير المالي لمديرية الارتقاء بالرياضة المدرسية    رحيل الفنان المغربي مصطفى الزعري    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأربعاء    الفنان المسرحي الكبير مصطفى الزعري ينتقل إلى جوار ربه    التامني: استمرار ارتفاع أسعار المواد البترولية بالمغرب يؤكد تغول وجشع لوبي المحروقات    حدث نادر في تاريخ الكرة.. آشلي يونج يواجه ابنه في كأس الاتحاد الإنجليزي    النقابة المستقلة لأطباء القطاع العام تستمر في إضرابها الوطني للأسبوع الثالث على التوالي    أكادير…توقيف شخص يشتبه ارتباطه بشبكة إجرامية تنشط في تنظيم الهجرة غير المشروعة    تصريحات مثيرة حول اعتناق رونالدو الإسلام في السعودية        رحيل أسطورة التنس الأسترالي نيل فريزر عن 91 عاما    جبهة دعم فلسطين تسجل خروج أزيد من 30 مدينة مغربية تضامنا مع الفلسطينيين وتدين القمع الذي تعرض له المحتجون    حماس وفتح تتفقان على "إدارة غزة"    أمريكا تقيد تصدير رقائق إلى الصين    المضمون ‬العميق ‬للتضامن ‬مع ‬الشعب ‬الفلسطيني    فن اللغا والسجية.. الفيلم المغربي "الوترة"/ حربا وفن الحلقة/ سيمفونية الوتار (فيديو)    مزاد بريطاني يروج لوثائق متسببة في نهاية فرقة "بيتلز"    فريق طبي: 8 أكواب من الماء يوميا تحافظ على الصحة    فيديو: تكريم حار للمخرج الكندي ديفيد كروننبرغ بالمهرجان الدولي للفيلم بمراكش    مؤتمر القاهرة الوزاري لتعزيز الاستجابة الإنسانية في غزة .. المغرب يؤكد استعداده للانخراط في أي جهد دولي يهدف لتهيئة الظروف الملائمة لإحياء مسار السلام    مزور: التاجر الصغير يهيمن على 80 في المائة من السوق الوطنية لتجارة القرب    أسعار الذهب ترتفع مع تزايد التوقعات بخفض الفائدة الأمريكية    مهرجان مراكش للسينما يواصل استقبال مشاهير الفن السابع (فيديو)    وزيرة: ليالي المبيت للسياحة الداخلية تمثل 30 مليون ليلة    برلين.. صندوق الإيداع والتدبير والبنك الألماني للتنمية يعززان شراكتهما الاستراتيجية    القضاء يحرم ماسك من "مكافأة سخية"    شعراء وإعلاميون يكرمون سعيد كوبريت    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    دراسة: تناول كميات كبيرة من الأطعمة فائقة المعالجة قد يزيد من خطر الإصابة بمرض الصدفية    وجدة والناظور تستحوذان على نصف سكان جهة الشرق وفق إحصائيات 2024    فقدان البصر يقلص حضور المغني البريطاني إلتون جون    التغيرات الطارئة على "الشامة" تنذر بوجود سرطان الجلد    استخلاص مصاريف الحج بالنسبة للمسجلين في لوائح الانتظار من 09 إلى 13 دجنبر المقبل    هذا تاريخ المرحلة الثانية من استخلاص مصاريف الحج        







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أزمةُ أخلاقٍ سياسية!
نشر في هسبريس يوم 30 - 06 - 2018


هي أزمةُ قيم..
أزمةُ أخلاقٍ فيها سياسية واقتصادية وغيرُها... وعلى رأسها الحُرية.. والديمقراطية.. والتشارُكية.. والعدالةُ الاجتماعية...
أزمةُ أهدافٍ نحلمُ بتحقيقِها لفائدة بلدِنا، من أجل الصالحِ العام..
ولكن أحزابَنا ونقاباتِنا وحكومتَنا وغيرَها، تُفسّر الملفَّ بطريقةٍ معاكسة..
وقد مرت في تاريخ بلدِنا نزاعاتٌ استَخدمت فيها الدولةُ أسلحةً نارية، وماتَ فيها أطفالٌ وشبابٌ ونساءٌ ورجالٌ وعَجَزَة، وأُحرقت الأرضُ وما عليها...
ومسؤولونا الحاليُّون يَعتقدون أن العُنف الرسمي سيَنجح، حتى هذه المرة، ويُرْغِمَ الاحتجاجات، وما رافقَتها من مُقاطعاتٍ لموادِّ الأسعار الغالية، على التوقفِ والرضوخ للواقع، حتى وهو واقعٌ مُرّ، ولا يُحتمَل..
«اجتهاداتُهم» تقُودُهم إلى التحدي..
والشارع مُصرٌّ على المطالبةِ بحقوقِه الاجتماعيةِ المشروعة، مهما كلَّفَ ذلك من ثمَن..
وهذه الحقوقُ من أهمّ القيم التي تَستحق التضحية، وعلى رأسها وظيفةُ القيم السياسية في بناء الوطن، على أساس ضبطِ العمل السياسي، وتقييمِ ومراقبةِ المردوديةِ لمؤسساتِ الدولة، تحت أضواءِ القضاء..
ومسؤولونا يَستَصْدِرون المزيدَ من القوانين الرادِعة للحُرية السياسية، وللحقوقِ الاجتماعية، بما فيها إشكاليةُ التعليم والصحةُ والشغلُ والعدالةُ والمعاشاتُ والأخلاقياتُ وغيرُها...
والفوضَى في كل مكان..
واللصوصُ فيهم كبارٌ وصغار..
الكبار يَنهبون.. والصغار يقطعون الطرُق..
وأمام المحاكمِ سَماسرة.. وفي داخل المحاكم ملفاتٌ بلا حدود، وفيها ما يَنتظرُ سنواتٍ وسنوات..
وأينما اتَّجهَ المرءُ في خضم السياسةِ الحكومية، يجد أمامه عراقيلَ تَحُدُّ من حقوقه..
والدولةُ لا تقوم بواجبِها تُجاهَ عامةِ الناس..
وهذه اللامبالاة، ناتجةٌ عن أزمةٍ أخلاقيةٍ عميقة..
الكبيرُ يأكل الصغير..
وقانونُ الغاب يَسرِي على العاجز، والمعوَّق، والمريض، وكلِّ ضعيف، أو مُستضعَف..
وفي كل الحالات، هي أزمةُ قيمٍ سياسية تقودُ إلى كارثةٍ في التعاملِ الإنساني..
والدولةُ لها قِيَمُها.. والمجتمعُ يطعنُ في قيمِ الدولة..
الدولة لها مصالحُها.. وتُوليها كلَّ الأولويات..
وهذا لا يعني تهجُّما على الدولة.. ولا مساسًا بهيبةِ الدولة..
ولكن الدولةَ اعتادت على طريقةٍ لم تتخَلَّ عنها، وهي سياسية، واقتصادية، وتعليمية، وصحية، وتشغيلية، وإدارية، في التعامل مع الشأنِ الاجتماعي.. وبنَتْ قوانين، على هذه الطريقة، وسياسةً عامةً تُشاركُ فيها المؤسسات، وتُواظب في نهجِها الأحزابُ والنقاباتُ وغيرُها...
سياسةٌ ترى فئاتٌ شاسعةٌ من المجتمع بأنها مُجحِفة، لا تُراعي فيها إلا مصالحَ طبقةٍ غنية، وفئاتٍ من الإقطاعية التقليدية، ومن الأعيان، والمُقرّبين من السلطة..
وهذه السياسةُ اغتالت الطبقةَ المتوسطة، ولم يتبقَّ أيُّ حاجز بين الفقراءِ والأغنياء..
وتَبقى في البلد فئتان: أثرياء وفقراء..
طبقتان، إحداهُما في أعلى، والأخرى بالأسفل..
واندَثرت القيمُ السياسيةُ التي ظهرَت ملامحُها في فجر الاستقلال، وصارت تلوحُ في الأفق الوطني، وتزرعُ الأملَ في جعلِ ثرواتِ البلد في خدمةِ العدالة الاجتماعية..
ولكن وقَعت أحداث، ونزاعات، ومحاولاتٌ للتكالبِ على السلطة، ودَخلت السلطةُ المركزيةُ في نزاعٍ مفتوح مع فئاتٍ من المجتمعِ المقهور..
وانقرضَت أحلامُ الفقراء في عدالةٍ وديمقراطية..
ودخلت على الخطّ أحزابٌ مغربية، وجهاتٌ من الخارج، وحدثَ خللٌ سياسي في البلاد، ولم تعُد الحياةُ اليومية إلا أكثرَ صعوبة: الفقراءُ يزدادون فقرا، والأثرياءُ يزدادون ثراءا..
وتحولت البلادُ إلى إقطاعيةٍ كُبرى..
والتعليمُ ينهار.. والمعرفةُ لا تُنتجُ إلا تقنيِّين، أطباءَ ومهندسين، جلُّهم يَرحلون إلى الخارج، في إطار هجرةِ الأدمغة..
والتعليمُ لا يُنتجُ كفايةً من المهارات..
والعلومُ الإنسانية تتقهقرُ في إعدادِ رجالاتِ الدولة..
ووصلنا لمرحلةِ إلغاءِ الفلسفة، وتقزيمِ الحقوق، والاتصال، والآداب، وما تبَقَّى من العلوم الإنسانية..
وازداد الفسادُ الإداري والسياسي والاجتماعي...
وبرزَ أباطرةُ المخدرات، وأباطرةُ الرشاوى، والتهريبِ بكل أنواعه، وشبكاتِ الأدوية، وشركاتِ الأغذية وغيرها..
ولم تعد البلادُ في مِلكيةِ أبنائِها..
والسياسةُ العامةُ للدولة ضيَّقت الخناق على البادية، وحوَّلت أراضٍ شاسعةً إلى زراعةِ الممنوعات.. وسَلمت أراضٍ أخرى كثيرة إلى وُزراءَ ووُجهاءَ ومقرَّبين من السلطة..
وأصبح على كلّ من يبحث عن عيش كريم، أن يتقرَّب من مراكزِ القرار..
والسلطةُ المركزية هي تُغْنِي من تشاء، وتُفقر من تشاء، وتُوصل إلى البرلمان أو الحكومة أو أيِّ مركز، وطبعا إلى الجماعاتِ المحلية، حتى أشخاصًا لا يقرأون ولا يكتُبون..
وتكدست الثروةُ الوطنية في قبضةِ المقرَّبين من السلطة، وهؤلاء يتمُّ إحضارُهم في مراكزِ القرار: فتراهم في البرلمان، وفي الجماعات، وفي أندية كرة القدم، وفي كبريات الشركات، وفي البر والبحر...
هم في كل مكان..
والثروةُ التي يملكون، لا يستطيعون حتى تحديد رَصيدِها..
وعلى هذه السياسة، واصلت البلادُ تعامُلها مع التناقضاتِ التي تقُض مضاجعَ الأغلبية الساحقة من المواطنين..
والانتخاباتُ دائما مُزوَّرة..
والديمقراطيةُ دائما في مرحلة التجربة..
والسياسةُ الاقتصادية تواطأت مع الخطابِ الديني، ومع الأضرحةِ والخرافات والإشاعاتِ وعملياتِ التجهيل والتكليخ، وهذه تمتصُّ من ميزانية الدولة ما لا تَصرفه على التعليم العمومي..
ولم تتصور الأحزابُ ومن معها أن هذه التفاوُتات الاقتصادية الرهيبة تقودُ حتما إلى انفجارٍ اجتماعي..
ولم تصدِّق الجهاتُ المسؤولةُ أن المجتمعَ قد بدأ ينفجر..
والانفجارُ انطلقَ من الريف..
ولم تتَّخذ الحكومةُ أجراءاتٍ استباقيةً لحلِّ المشاكلِ الاجتماعية الرهيبة في الحسيمة..
كان هذا التقاعسُ خطئًا جسيما..
وأضافت إليه خطئا أخطر، وهو نعتُ الريف بالانفصاليين.. ثم إعمالُ الزجر لحل مشاكلَ اجتماعيةٍ بسيطة..
لم تَستخدم العلاجَ الطبيعي..
استخدمت الكيّ..
وأكثر من ذلك، قتَلت شبابًا في الحراكِ الاجتماعي المسالم..
ولم تَزد بعثاتُها، إلى عين المكان، إلا استفزازًا لبنات وأبناء الريف..
واعتَقلت نشطاءَ المسيراتِ الاجتماعية التي كانت تطالب بالتعليم والصحة والشغل...
وأصدرت في حقهم أحكاما لا يتصوَّرها عقل..
والمشكلُ في أساسه ليس صعبًا على بلد هو أصلا غنيّ.. يملكُ ثرواتٍ في البرّ والبحر، وله موقعٌ استراتيجي عالمي..
والوضعُ يتأزمُ أكثر فأكثر..
والدولة لا تريدُ الحل.. أيَّ حل..
فيها من ينصحون بمزيدٍ من الزجر، حفاظا على هيبةِ الدولة..
والناسُ واعون..
ويُردّدون أن هيبةَ الدولة لا تَكمُن في العصا والجَزرة، بل في العدالة الاجتماعية..
والوضعُ لم يتغيّر..
والأزمةُ قد تتعقّد أكثر، وقد يُصبحُ الانفجارُ شاملا، إذا لم تتنبَّه الدولةُ إلى خطورةِ التنافر الحاصل بين سياسةٍ ردعيةٍ تقليدية، وقيمٍ حضارية لا مفرَّ منها..
والسياسيون لا يريدون للمواطنين البسطاء مشاركةَ سياسية، ومُراقبةً مالية، لحمايةِ الحقوق من سطوة السلطةِ الوصيّة، ومن أي تجييشٍ لمن يَحكمون باسم السياسة والدينِ والأخلاق، وهيبةِ الدولة..
صراعٌ مفتوح بين حُكام ومحكومين: عقليةٌ تطمحُ لسيادةِ العقل والمصلحةِ العامة.. وأخرى تَستهويها «سيادةُ الرغبات»..
والنتيجةُ التي نحن فيها: قيمٌ اقتصاديةٌ لا تُراعِي إلا مصالحَ كبرياتِ الشركات..
ومعها «قيمٌ» لا يَهمُّها لا إبداعٌ ولا ابتكارٌ ولا فنٌّ رفيع.. يهمُّها فقط تحويلُ الفنون إلى استثماراتٍ وبيعٍ وشراء..
وما زلنا في خندقِ الصراع بين التفاؤلِ والتشاؤم..
هل نتطور؟ أم نتقهقر؟ متى تَكونُ دولتُنا جادّةً في إخراجِ البلاد من النَّفَق؟
وهل تظهرُ القيمُ التي نبحثُ عنها في سلوكاتِ مؤسساتِ الدولة؟ هل يتمُّ بناء السياسة العامة على أساسِ احترام الإنسان؟
هل يكون الإنسانُ في سياساتِنا محوَرًا لاستراتيجياتِ الدولة؟
هل يكونُ مسؤولو هذه الدولة قُدوةً في الأمانة، والالتزام بالمسؤولية؟
أين الإنسانُ في سياسات الدولة؟
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.