تحتضن باريس النسخة 33 من الألعاب الأولمبية. وإذا أردنا إعطاء تعريف لهذه الألعاب نقول إنها أحداث رياضية دولية تشمل مسابقات رياضية صيفية وشتوية، يشارك فيها رياضيون يمثلون مختلف دول العالم. قد يعتقد البعض أن هذه الألعاب تعود بدايتها لعهود قريبة كما هو حال كأس العالم في كرة القدم. تعود جذور الألعاب الأولمبية إلى حقبة غابرة في تاريخ اليونان، وهو ما جعلها مرتبطة بالأساطير اليونانية. تقول هذه الأساطير إن أصل الألعاب الأولمبية يعود إلى هِرَقْلِيس الرجل القوي والمفتول العضلات الذي يتغلب بسهولة على منافسيه. هذه المكانة التي يتمتع بها هرقليس، جعلت هِيرَا إلهة الزواج والإنجاب تكرهه بشدة، فقامت ذات يوم وهو نائم بأمان وسلام إلى جانب زوجته وأبنائه، بالتسلل إليه ولمست جبهته فأصيب بمرض جعله يتوهم أن كل من حوله هم أعدائه يجب القضاء عليهم. هذا المرض جعل هرقليس يندفع دون وعي وهو في ثورة شديدة نحو أبناءه ففتك بهم وقتلهم جميعا. أَثِينَا إلهة الحكمة والقوة شعرت بالعطف عليه فضربت رأسه بحجرها المقدس ليتعافى. ما قمت به أثينا، جعل هيرقليس يتعافى من شرور هيرا، ويستفيق من مرضه. لكنه اشتد به حزن كبير على مقتل أطفاله، ما جعله ينفي نفسه بعيدا ويهيم شريدا حتى انتهى به المطاف في معبد دِلْفَى. وهناك شرع يجلس على ركبتيه ويتضرع للآلهة لتغفر له ذنوبه. عندما بلغ لهيرا أن زيوس حاكم جبل الأولمبيوس وكبير الآلهة، يعتزم السماح لهرقليس على قتل أبنائه، لجأت إلى حيلة جديدة لتزيد من متاعب هرقليس الذي تكرهه كرها شديدا. فقامت بإقناع زيوس بأن يجعل هرقليس خاضعا ليُورِيسِيثُوشْ ملك أرجوس وأن يمتثل لكل ما يكلفه به من أعمال. عندما قبل زيوس مقترح هيرا، لجأت إلى الملك يوريسيثوش وملأت رأسه بأفكار عجيبة تتحدث عن 12 عملا من أشق الأعمال يجب إنجازها وإلا فسيكون مصير الملك الموت والهلاك. ويجب القيام بتلك الأعمال دون الإخفاق في أي واحدة منها لكي ينجو الملك. خاف الملك على نفسه فأسند تلك الأعمال إلى هرقليس بعد أن وضعه زيوس تحت تصرفه. أكمل هرقليس تلك الأعمال بتفوق ونجاح. عادت روح الحياة للملك يوريسيثوش، فيما قام هرقليس ببناء ملعب أولمبي تكريما لزيوس الذي عفا عنه. ثم قام بالسير في خط مستقيم مسافة 200 خطوة وأطلق على هذه المسافة ستاديون وهو أصل مصطلح ستاديوم الذي يُطلق على الملعب بالإنجليزية. خطوات هرقليس أصبحت وحدة قياس المسافة وهكذا ظهرت الألعاب الأولمبية سنة 776 قبل الميلاد. لم تكن الألعاب الأولمبية في العهد اليوناني تقتصر على المنافسات الرياضية، بل تتعدى الرياضة إلى أبعاد دينية وثقافية وسلمية. يتجلى البعد الديني في تقديم الأضحية والقرابين لزيوس وفق طقوس خاصة إلى جانب الألعاب الرياضية. البعد السلمي يتجلى في إيقاف جميع الحروب والمعارك خلال مدة الألعاب الأولمبية ليتمكن المتصارعون من بلوغ مكان الألعاب وهم في حماية زيوس كما تقول تلك الأساطير. ويتجلى البعد الثقافي في كون المؤرخون والشعراء والنحاتون يخلدون انتصارات الفائزين من خلال القصائد والتماثيل التي تجسد قوتهم وعضلاتهم المفتولة. هذه الأبعاد افتقدتها الألعاب الأولمبية في وقتنا الحاضر حيث تنظم المسابقات والعالم يشهد العديد من الحروب التي تهدد السلم. تجدر الإشارة إلى أن الألعاب الأولمبية كانت تقام كل أربع سنوات وتجمع بين الألعاب الصيفية والألعاب الشتوية. ومنذ 1992 أصبحت الألعاب تنظم كل سنتين في الأعوام الزوجية بتناوب بين الألعاب الصيفية والشتوية. خلال تاريخ تنظيمها، عرفت الألعاب الأولمبية العديد من الأحداث المثيرة لعل أبرزها حدثان. يعود الحدث الأول لأولمبياد برلين 1936، وهي الدورة التي أراد هيتلر توظيفها لإثبات تفوق العرق الآري. لكن عكس متمنيات هتلير، اكتسب العداء الأمريكي ذو البشرة السمراء جيسي أوينز، شعبية منقطعة النظير حيث فاز بأربع ميداليات، فحطم نظرية تفوق العرق الآري. الحدث الثاني يعود لدورة 1968 في المكسيك. ستعرف هذه الدورة حدثا غير مسبوق حين قام الأمريكيان ذوي البشرة السمراء تومي سميث صاحب ذهبية 200 متر، وجون كارلوس صاحب برونزية 200 متر، برفع أيديهم مبرزين القفازات السوداء وأدارا ظهريهما للعلم الأمريكي أثناء ترديد النشيد الوطني، وذلك استنكارا للنظام العنصري السائد في بلدهما آنذاك. البطل الأسترالي الذي احتل المركز الثاني ساندهما في حركتهما الاحتجاجية فقام بنفس الشيء إلى جانبهم على منصة التتويج. هكذا إذا كانت الألعاب الأولمبية عبر التاريخ، قبل أن تتحول إلى مجرد منافسات رياضية فحسب، فاقدة لبعد السلم والتسامح ونبذ الحروب.