حكيم زياش ينتقل رسميا إلى نادي الدحيل القطري    الملك يهنئ العاهل فيليبي السادس    بايتاس: "شيطنة" الحكومة لن تخدم محاربة الفساد .. ومعدل المديونية 69%    إسرائيل تعلّق الإفراج عن 110 أسرى    الملك يعزي ملك السعودية في وفاة الأمير محمد بن فهد بن عبد العزيز آل سعود    الوداد يتعاقد مع الحارس مهدي بنعبيد    بلاغ من طرق السيارة يهم السائقين    ساعات من الأمطار الغزيرة تغرق طنجة .. والعمدة يدافع عن التدابير    الاتحاد الوطني للشغل يطالب بتوسيع حق الإضراب وتقليص آجاله وحذف الاقتطاع    قتلى في اصطدام طائرة ركاب بمروحية عسكرية قرب واشنطن    مقتل "حارق القرآتن الكريم" رميا بالرصاص في السويد    صافرات الاستهجان تلاحق مبابي بسبب حكيمي    زخم دبلوماسي متنامٍ: بلجيكا تعزز دعمها لمبادرة الحكم الذاتي بالصحراء المغربية ضمن توجه أوروبي متزايد    عصام الشرعي مدربا مساعدا لغلاسكو رينجرز الإسكتلندي    عاجل.. الوزير السابق مبديع يُجري عملية جراحية "خطيرة" والمحكمة تؤجل قضيته    مارين لوبان: من يحكمون الجزائر يخفون الحاضر.. لديهم اقتصاد مدمر، وشباب ضائع، وبلد في حالة تفكك    قرعة دوري أبطال أوروبا غدا الجمعة.. وصراع ناري محتمل بين الريال والسيتي    بوريطة: نعمل على جعل معبر الكركرات ممرًا استراتيجيًا للنقل البري    الجزائر في مواجهة عزلة دبلوماسية متصاعدة جراء تداعيات ملف الصحراء المغربية    بورصة البيضاء : تداولات الإفتتاح على وقع الإرتفاع    وفاة الكاتب الصحفي والروائي المصري محمد جبريل    عيد الربيع: الصين تحتفل بحلول سنة الثعبان    استقرار أسعار الذهب    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الخميس    المغرب يحقّق أرقامًا قياسية في صادرات عصير البرتقال إلى الاتحاد الأوروبي    ""تويوتا" تتربع على عرش صناعة السيارات العالمية للعام الخامس على التوالي    افتتاح السنة القضائية بطنجة: معالجة 328 ألف قضية واستقبال أكثر من 42 ألف شكاية خلال 2024    "ماميلودي" يعير لورش إلى الوداد    على ‬بعد ‬30 ‬يوما ‬من ‬حلول ‬رمضان.. ‬شبح ‬تواصل ‬ارتفاع ‬الأسعار ‬يثير ‬مخاوف ‬المغاربة    الاحتياطي الفدرالي الأمريكي يبقي سعر الفائدة دون تغيير    حاجيات الأبناك من السيولة تبلغ 123,9 مليار درهم في 2024    الشرع يستقبل أمير قطر في دمشق    مع الشّاعر "أدونيس" فى ذكرىَ ميلاده الخامسة والتسعين    وزارة الأوقاف تُعلن عن موعد مراقبة هلال شهر شعبان لعام 1446 ه    نيمار يتنازل عن نصف مستحقاته للرحيل عن صفوف الهلال    الجيش الإسرائيلي يعلن تسلّم الرهينة الإسرائيلية في قطاع غزة آغام بيرغر    كيوسك الخميس | الداخلية تتجه لتقنين تطبيقات النقل    أمير قطر يصل لدمشق في أول زيارة لزعيم دولة منذ سقوط بشار الأسد    توقعات أحوال الطقس اليوم الخميس    مجلة الشرطة تسلط الضوء في عددها الجديد على الشرطة السينوتقنية (فيديو)    جائزة الملك فيصل لخدمة الإسلام 2025 تكرّم جهود بارزة في نشر المعرفة الإسلامية    طنجة: تساقطات مطرية غزيرة وسيول جارفة تغرق عددا من الأحياء الشعبية (فيديو)    المغرب التطواني يتعاقد مع مدير رياضي تداركا لشبح السقوط    معهد التاريخ يبرز عالمية المغرب    جائزة عبد الله كنون تكرّم الإبداع الفكري في دورتها الثانية عشرة حول "اللغة العربية وتحديات العولمة"    مركز الإصلاح يواجه الحصبة بالتلقيح    6 أفلام مغربية ضمن 47 مشروعا فازت بمنح مؤسسة الدوحة للأفلام    الفنان المغربي علي أبو علي في ذمة الله    الطيب حمضي ل"رسالة 24″: تفشي الحصبة لن يؤدي إلى حجر صحي أو إغلاق المدارس    أمراض معدية تستنفر التعليم والصحة    المؤسسة الوطنية للمتاحف وصندوق الإيداع والتدبير يوقعان اتفاقيتين استراتيجيتين لتعزيز المشهد الثقافي بالدار البيضاء    المَطْرْقة.. وباء بوحمرون / الحوز / المراحيض العمومية (فيديو)    علاج غريب وغير متوقع لمرض "ألزهايمر"    أربعاء أيت أحمد : جمعية بناء ورعاية مسجد "أسدرم " تدعو إلى المساهمة في إعادة بناء مسجد دوار أسدرم    غياب لقاح المينانجيت في الصيدليات يعرقل سفرالمغاربة لأداء العمرة    أرسلان: الاتفاقيات الدولية في مجال الأسرة مقبولة ما لم تخالف أصول الإسلام    المجلس العلمي المحلي لإقليم الناظور يواصل برامجه التكوينية للحجاج والمعتمرين    ثمود هوليود: أنطولوجيا النار والتطهير    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تأملات في العتبات قراءة في كتاب " شُتنبرات من الماضي "
نشر في أكادير 24 يوم 18 - 00 - 2024


ذ. مبارك أكَداش (*)
تعتير العتبات ذات أهمية في تلقي أي مؤلف مهما كان موضوعه، فهي ذات بعد تواصلي مع المتلقي، وهي التي تغري بالقراءة والولوج في عوالم النصوص التي تسكن خلفها، وعتبات الكتاب هي النوافذ الرئيسية التي تمكن القارئ من النفاذ إلى الغرف المعنوية التي تكمن فيها، فكما أن لكل بيت عتبات من باب رئيسي ونوافذ و وواجهات و ممرات تهوية وغيرها فكذلك للكتاب عتبات أهمها العنوان، والذي يعتبر بابا يفضي إلى ردهاته وغرفه، وواجهة بألوانها وصورها وغلاف خارجي بما يحمله من تعريف بالمؤلف ومقتطفات منتخبة من نصوصه الداخلة ومن مقدمات أشبه ما تكون في بالبهو أو غرفة الاستقبال في المساكن، تستضيف القارئ وترحب به وتقدم له بعض المفاتيح لدخول عوالمه.
فأول عتبة تسترعي انتباه القارئ في الكتاب الذي بين أيدينا، عتبة العنوان، والتي تتكون بدورها من جزئين، عنوان رئيسي، وعنوان فرعي، العنوان الرئيسي مكتوب بالنبط العريض وبلون أسود في خلفية بيضاء تعطيه بروزا وإثارة" شتنبرات من الماضي" وتحتها بخط ذي حجم أقل من الأول، وبلون يميل إلى البني، لون الأوراق اليابسة المتساقطة في فصل الخريف في عز شتنبرات كل سنة، "مذكراتي من 1966 إلى 1983"
شتنبرات، جمع شتنبر بما تحمله الكلمة من دلات زمنية، زمن الخريف وزمن الدخولات المدرسية العصرية، بعد قضاء العطلة والتهيؤ إلى سنة دراسية جديدة بما تحلمه في نفس التلاميذ من تثاؤب ومن نفظ غبار الراحة التي ألفوها في العطلة وشراء ملابس وأدوات الدخول المدرسي، وما تعنيه للأسر الفقيرة من مصاريف يضربون لها ألف حساب، شتنبرات يودعها مؤلف على أبواب التقاعد، لم تعد تعني عنده إلا ذكريات أغلبها مؤلم، كمن يجني العسل وسط لسعات النحل، عسل طلب العلم ولسعات نسائم شتنبر الباردة، ولسعات الاستيقاظ الباكر ولسعات تأديب المدرسين والفقر وغيرها من اللسعات وما أكثرها على طفل فقير يتيم يدرس بعيدا عن أسرته.
هذه الشتنبرات لها دلالات عميقة في الذاكرة التي لا تنسى، ذاكرة طفل صغير، وأحداث الطفولة يستحيل نسيانها، تسكننا ونعيشها في شخصتنا وأحلامنا، هذا الطفل سيحال على التقاعد في آخر السنة، سيودع تلك الشتنبرات بحلوها ومرها، يذكرنا بنص مدرسي عنوانه "أبو الوليد بائع الحلوى بالسميد" ذلك الموظف الذي تقاعد ولكي تبعده زوجته اخترعت له وظيفة أخرى هو أن يبيع الحلوى إلى أطفال المدارس.
الشتنبرات بالنسبة للأستاذ عبد الله العسري، غدت من الماضي، الطفل الذي كانه، وستعود أيضا من الماضي لذلك الأستاذ الذي كانه، سيودع كتابة المذكرة اليومية، واستقبال فوج من شغب الأطفال كل شتنبر ليرافقهم إلى آخر السنة، وزيارة المفتش، والخروج المبكر مهما كانت الظروف الجوية، بردا أو شتاء.
وفي العنوان الفرعي " مذكراتي من 1966 إلى 1983″، إنها كتابة استرجاعية، استند فيها الأستاذ عبد الله على ذاكرة شاخت في سبيل طلب العلم والتدريس، من منتصف الستينات إلى بداية الثمانينيات، مرحلة هامة من تاريخ المغرب الحديث، مغرب حديث الخروج من فترة الاستعمار، فترة التحولات الكبرى في البلد، اجتماعيا وثقافيا وسياسيا، فترة كانت صعبة على النظام، اشتد فيها الصراع السياسي، بين النظام والتيارات اليسارية، عرف فيها المغرب عدة محاولات انقلابية، ومن الناحية الثقافية، ما يزال المغرب يضع رجلا في العهد القديم ورجلا أخرى في الحداثة، مازالت البوادي تعيش وضعيتها التقليدية، الجيل الذي تربى في هذه الفترة عاش الحياة الاجتماعية التقليدية بكامل جوانبها، وتفتح على الحداثة من خلال المدرسة العصرية الوليدة آنذاك، والتي كان أغلب أطرها من الأجانب خاصة الأطر الفرنسية، فترة كان المغرب لازال يلبس جلباب الماضي، وبين الفينة والأخرى يمد يديه ببعض التغييرات.
الأستاذ عبد الله العسري جنس مؤلفه ضمن المذكرات بما يحمله هذا الجنس في الكتابة السردية من دلالات على التأريخ، فالعديد من الأعلام في التاريخ المغربي المعاصر وبعد قضاء عمر في النضال بمختلف أشكاله، ثقافيا أو وظيفيا او سياسيا، ينهي مشوراه بكتابة مذكراته، وقد اغتنت الساحة مؤخرا بالعديد من المذكرات والتي تشبه شهادة كاتبها على عصره "وقد تزايد الطلب الاجتماعي على التاريخ وتم البحث في حفريات الذاكرة بكثافة إما رغبة في فهم الماضي، أو بغية التصالح معه ومسح وصمات العار التي لحقت بالبعض منه أو تجاوز حالات الحزن والحداد بالوصول إلى نهايات سعيدة " (1) وما أظن الأستاذ العسري إلا من هذا الصنف الأخير، وهو الرغبة في توثيق تلك المعاناة التي عاشها جيل الستينات، معاناة الفقر واليتم وصعوبة الظروف.
والعتبة الأخرى هي عتبة الغلاف من خلال الرسومات والأولوان التي يحملها، من خلال البؤرة ذات الخلفية البيضاء التي تتوسط واجهة الغلاف الأمامية، يحيط بها فضاء ذو لون خريفي لتطل علينا أغصان تنفض أوراقها التي تكدست أسفل الصفحة، وأنت تتأمل في ذلك المنظر تحس في عظامك برعشة رياح الخريف القارسة، بما تحلمه من دلالات تجعلك تعيش مع المؤلف ظروف ولادة نصه قبل أن تلج إلى ردهاته.
وعلى ظهر الكتاب تلوح لك عتبتان ريئسيتان، التعريف بالمؤلف ومقتطف الشتنبرات.
التعريف بالمؤلف :
من مواليد 1961 بضاحية الصويرة، التي تلقى بها تعليما أوليا وابتدائيا زاوج بين التعليم الأصيل والعصري، لينتقل بعدها إلى مدينة تزنيت وإلى منطقة أيت باها ثم إنزكان لينهي مشوراه بالحصول على الباكالوريا وينهي مشواره التعليمي بجامعة القاضي عياض بمراكش .
باحث مهتم بالشعر الأمازيغي السوسي، وله الكثير من المقالات المنشورة في عدة منابر وطنية ورقية وإلكترونية
مارس الصحافة ويعتبر من قيدومي الكتابة الصحافية بالمنطقة.
أما الفقرة التي اقتبست من أحد الشتنبرات فهي تفصح عن شخصية الاستاذ العسري وكفاحه من أجل طلب العلم رغم الظروف التي لا تساعد، لولا إصراره، وتكيفه مع الظروف الصعبة وصبره عليها.
وإذا تجاوزنا عتبات الغلاف الخارجي بدفتيه تستقبلنا الصفحات الأولى بعتبتين رئيسيتين، هما الإهداء والتقديم.
لابد لمن عاش في تلك الظروف في فترة الستينيات، أن يظل وفيا لمن كان الجسر الذي مهد له سبل طلب العلم، المعلمين والأساتذة الذين تلقى علي أيديهم المبادئ الأولى ومفاتيح العلوم، وكذا جيل الأقران الذين جلس وإياهم في مقاعد الدرس وتقاسموا جميعا متاعب الدراسة والإيواء في دور الطالب والداخليات التي استقبلتهم في فترات الستينيات والسبعينيات.
وفي التقديم تحس بالدوافع التي أخرجت هذا العمل، فمن غير أن نكسر على القارئ متعة القراء، هي فعلا ظروف صعبة، التي قاساها الأستاذ، فلولا مشيئة الله والمساندة التي لاقاها من بعض الخيرين وإصراره وصبره لكان له مسار آخر، قد لا نتنبأ له "فتسمية هذا العصف بشتنبرات نابع من المعاناة التي أقاسيها كل شتنبر من أدوات وواجبات للتسجيل وملبس وتنقل وبحث عن مأوى … وهذا في سن مبكر من العمر، مع ذلك كان الصمود وتحمل كل الصعاب لاستكمال ما استطعنا من الدراسة هو المسيطر على الوجدان، وقد حاولت الاقتصار على الأحداث التي كادت تبعدني عن الدراسة في وقت مبكر " (2).
على العموم كتاب "شتنبرات من الماضي" تجربة في الكتابة المذكراتية تستحق لكاتب ضمنه عصارة تجربة حياتية بقيت تحفر في قلب صاحبها حتى أودعها الورق، وخيرا فعل نمتنى له مسيرة علمية حافلة بالعطاء، خاصة ونحن نعلم أن له كتابات كثيرة لم تر النور بعد
(1) الذاكرة والتاريخ، عبد العزيز الطاهري، دار أبي رقراق، الرباط، ط 2 ، 2023، ص 9
(2) شتنبرات من الماضي، عبد الله العسري، ص 6.5
———————–
*الأستاذ مبارك أكَداش / طالب باحث في سلك الدكتوراه بكلية الآداب بجامعة ابن زهر – أكادير .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.