أخطر مادة، على الإطلاق، في مرسوم النظام الأساسي لموظفي التربية والتكوين المثير للجدل والمرفوض من كل فئات رجال ونساء التربية والتكوين، هي المادة الثالثة، التي غالبا ما لا ينتبه إليها القارئ لنص المرسوم رقم 2.23.819 الصادر في 20 من ربيع الأول 1445(6أكتوبر2023) في شأن النظام الأساسي الخاص بموظفي قطاع التربية الوطنية. يقول نص هذه المادة : "تسري على الموارد البشرية أحكام النصوص التشريعية والتنظيمية المُطبّقة على موظفي الدولة، التي لا تتعارض مع مقتضيات هذا المرسوم"، وتكمن خطورة هذه المادة في : أ – تُخِلّ بتراتبية القوانين في التشريع المغربي، حيث تجعل مرسوم هذا النظام الأساسي، وهو مرسوم لا يحتّل سوى الدرجة يحتل الدرجة الخامسة في سُلّم القواعد القانونية للدولة المغربية بعد الدستور والظهير الشريف والقانون التنظيمي والقانون العادي: الدستور كأسمى قانون يصدر عن استفتاء شعبي. الظهير الشريف يصدر عن الملك. القانون التنظيمي يصدر عن البرلمان وفق مسطرة تشريعية خاصة به. القانون العادي يصدر عن البرلمان وفق مسطرة تشريعية خاصة به. فالمرسوم يصدر عن المجلس الحكومي. وبذلك تغتصب القاعدة القانونية الدنيا(التي هي المرسوم)، السلطة التشريعية للقاعدة القانونية العليا( الدستور – الظهير الشريف –القانون التنظيمي- القانون العادي). ويمكن توضيح ذلك من خلال تقسيم المادة الثالثة من مرسوم هذا النظام الأساسي إلى شطرين: "تسري على الموارد البشرية أحكام النصوص التشريعية والتنظيمية المُطبّقة على موظفي الدولة: "التي لا تتعارض مع مقتضيات هذا المرسوم: فهي تنص في الشطر الأول على أن الموارد البشرية لوزارة التربية الوطنية تسري عليها أحكام كل النصوص التشريعية، وهذه الأخيرة بلغة القانون تشمل الدستور والظهائر والقوانين التنظيمية والقوانين العادية والمراسيم والمقررات التنظيمية، وهذا الشطر عادي جدّا يحترم مبدأ تراتبية القوانين. ولكن هل كلّ أحكام هذه النصوص التشريعية والتنظيمية (الدستور والظهائر والقوانين التنظيمية والقوانين العادية والمراسيم والمقررات التنظيمية) تسري على موظّفي وزارة التربية الوطنية ؟ يجيب الشطر الثاني من المادة الثالثة من مرسوم النظام الأساسي باستثناء "التي لا تتعارض مع مقتضيات هذا المرسوم". هكذا يضع الشطر الثاني من المادة الثالثة من مرسوم حكومي للنظام الأساسي هذا المرسوم فوق كل القوانين والتشريعات(الدستور والظهائر والقوانين التنظيمية والقوانين العادية والمراسيم والمقررات التنظيمية)، خارقا بذلك مبدأ تدرّج القوانين وتراتبيتها، الذي ينصّ عليه الدستور في مادته السادسة. ب – تعتبر المادة 42 من مرسوم هذا النظام الأساسي التطبيق العملي لهذا الخرق بوضع مرسوم النظام الأساسي نفسه فوق أحكام كل التشريعات والقوانين والمقررات التنظيمية، حيث يُعتبر أول ضحية لها هو القانون الأساسي للوظيفة العمومية، وهو بالمناسبة ظهير شريف، رقم 008-58-1 بتاريخ 4 شعبان 1377 (24 فبراير 1958)، والذي يحدّد سنّ التوظيف في 45 سنة على الأكثر، من خلال هاتين المادتين: المادة 42 تنصّ على : "يشارك في المباريات المنصوص عليها في المادتين 34 و35 أعلاه المترشحون البالغون من العمر 30 سنة على الأكثر في تاريخ إجراء المباراة، وتخضع ملفات ترشيحهم لانتقاء أولي.." المادة 43 التي تنص على: "تفتح المباراتان المنصوص عليهما في المادتين 36 و37أعلاه . في وجه المترشحين البالغين من العمر 18 سنة على الأقل و40 سنة على الأكثر في تاريخ إجراء المباراة". كما أن الخطورة الأكبر تكمن كذلك في القرارات السلطة الحكومية أو المراسيم التي تحيل عليها بعض مواد مرسوم هذا النظام الأساسي، والتي لم تصدر بعد، مثل ما تنص عليه المواد التالية: – "يحدد نماذج بطاقات التنقيط واستمارات وتقارير التقييم والشبكات المحدد لمؤشرات عناصر التقييم وكيفيات إجرائه، بقرار للسلطة الحكومية المكلّفة بالتربية الوطنية تؤشر عليه السلطة الحكومية المكلفة بالوظيفة العمومية." ( المادة 52 من المرسوم) – "يتم تدقيق وتفصيل المهام المنصوص عليها في هذا المرسوم إو إسناد مهام أخرى للمعنيين، بقرار للسلطة الحكومية المكلّفة بالتربية الوطنية" ( المادة 67 من المرسوم) -"تحدد مدة التدريس الأسبوعية لأطر التدريس بقرار السلطة الحكومية المكلفة بالتربية الوطنية، تؤشر عليه السلطة الحكومية المكلفة بالوظيفة العمومية."( المادة 68 من المرسوم). – "تستفيد الموارد البشرية من رخصتها السنوية المحددة في 22 يوم عمل. خلال عطلة نهاية السنة الدراسية التي تحدد بقرار للسلطة الحكومية المكلفة بالتربية الوطنية:.( المادة 70 من المرسوم). فهذه القرارات والتي قد تكون مراسيم، والتي يحيل عليها مرسوم هذا النظام، والتي لم تصدر بعد، بإمكانها أن تفرغ معظم مواد مرسوم هذا النظام الأساسي، من محتواها، وتسحب منه ما قد يبدو حاليا بأنه مكتسبات بالنسبة لنساء ورجال التربية والتكوين. ويبدو بأن الحكومة ووزارة التربية الوطنية تتهربّان من إرفاق هذه القرارات أو المراسيم بهذا المرسوم حاليا، لما قد تثيره من ردود أفعال مرتقَبة، وما يؤكّد ذلك هو أن مرسوم هذا النظام الأساسي يفصّل ويدقّق في بعض القضايا التي تخدم الوزارة والحكومة، في الوقت الذي تحيل فيه بعض القضايا التي في صالح نساء ورجال التربية والتعليم على قرارات وربما مراسيم لم تصدر بعد. دون الحديث عمّا يمكن أن يتعرّض له هذا النظام الأساسي من تعديلات وترقيعات سَتُدخَلُ عليه كمواد مكرّرة في القادم من الأيام والسنوات، كما حدث مع مرسوم النظام الأساسي لسنة 2003، الذي صارت فيه التعديلات التي أُدخِلت عليه كمواد مكرّرة أكثر من مواد النص الأصلي للمرسوم.