تم الكشف عن الاختلالات والاختلاسات التي تعرفها بعض الوداديات السكنية، وسط مطالب بالتصدي للخروقات ومعاقبة المتورطين. في هذا السياق، تطرقت الندوة التي عقدت بمدينة أكَادير، يوم السبت المنصرم، إلى مجموعة من الاختلالات والتجاوزات التي ارتكبتها مكاتب الوداديات السكنية وتسببت في السنوات الأخيرة في تأجيج وتصاعد الاحتجاجات من قبل ضحايا الوداديات السكنية في العديد من مدن جهة سوس ماسة. وشخصت الندوة التي نظمها فرع الهيئة المغربية لحقوق الإنسان بأكادير، وشارك فيها خبراء وأساتذة أكاديميون متخصصون في هذا المجال، الوضعية الراهنة للوداديات السكنية ووقفت بالتدقيق على أسباب هذه الانحرافات وانتهت بتقديم الحلول لمواجهة الانحرافات من جهة، وسبل إنصاف الضحايا واستعادة حقوقهم المهضومة من جهة أخرى. وهكذا اجمع المؤطرون والمتدخلون على وجود مجموعة من الخروقات المرتكبة من قبل لوبيات العقار والمنعشين العقارين الذين ينشئون تجزئات في قالب وداديات على مرأى ومسمع من السلطات المختصة مع نهج سياسة الاحتيال والتدليس، حيث يعمد المكتب إلى تخصيص أرقام القطع الأرضية في أسماء لأشباح ويبيعونها عن طريق التحويل بأثمان خيالية. فضلا على عدم التصريح الحقيقي بالأثمنة الحقيقية لاقتناء الأراضي من مالكيها وذلك بتواطؤ مع بائع الأرض، بحيث يتم اقتناء البقع الأرضية بأثمان بخسة وفي المقابل يتم التصريح للمنخرطين بأثمان خيالية، مما يساهم في رفع أرباح المسؤولين على الوداديات دون وجه حق، وذلك وفق منطق ما بات يسمى "السوق السوداء. وذكرا لمتدخلون في ذات الندوة إلى أن جل الوداديات السكنية ينتحل مسيروها صفة تجار غايتهم الربح السريع والاسترزاق على حساب كاهل جيوب المنخرطين من جهة وعلى حساب مال الدولة من جهة أخرى. وذلك عبر كتابة عقدين للبيع مع البائع: الأول يحمل ثمنا منخفضا مصرح به لدى السلطات المعنية ومكاتب التسجيل والمحافظة العقارية وتكون فيه المستحقات ضئيلة احتيالا وتهربا من أداء المستحقات القانونية لصندوق الدولة . والعقد الثاني يكون وهميا بين نفس البائع والمشتري يحمل ثمنا مرتفعا يبلغ في بعض الأحيان إلى أضعاف أضعاف الثمن المصرح به لدى المصالح المختصة وهذا يدلى به للمنخرط حتى يؤدي ثمن انخراط مرتفع. ومن الخروقات المرتكبة التي ذكرتها الندوة عدم عقد الجموع العامة السنوية منذ التأسيس كما ينص على ذلك القانون الأساسي، وذك للتهرب من المحاسبة والمساءلة، زيادة على تثبيت لوائح اشهارية فوق الملك الجماعي تتضمن تصاميم وهمية ووعد بالبيع وذلك كله تحت أعين السلطات لجلب المنخرطين. وعدم تجديد المكاتب المسيرة للوداديات بالرغم من انتهاء فترة ولايتها، وإجبار المنخرطين على التوقيع والمصادقة على التزام تتم صياغته من طرف أعضاء المكتب المسير، بحيث يتعهد من خلاله المنخرط بالالتزام التام بالقانونين الأساسي والداخلي للودادية وكذا مقررات الجموع العامة والاستثنائية ويحدث هذا دون أن يطلع المنخرطون عن القانونين الأساسي والداخلي. كما يتم استغلال الرصيد المالي من دفعات المنخرطين في الودادية في وجهات استثمارية بعيدة عن المشروع الذي من أجله تجمع هده الأموال،إذ يلجأ رؤساء بعض الوداديات إلى استعمال أرصدة المنخرطين في مضاربات عقارية أخرى لا علاقة لها بمصالحهم ومن دون علمهم. بل تلجأ بعض الوداديات إلى النصب والاحتيال بإشهار حسابات علنية وإخفاء أخرى سرية لا علم للمنخرطين بوجودها، زيادة على تكييف وإعادة صياغة القانون الأساسي للودادية بطريقة تكفل تحصين أعضاء المكتب المسير من آي متابعات قضائية لضمان عدم محاسبتهم. وتتم عملية تسجيل المنخرطين بمزاجية ودون أي ضوابط حيث في الكثير من الحالات يستوجب على الشخص الذي يريد الانخراط، دفع مقابل مادي لبعض السماسرة حتى يتم تسجيله ضمن لائحة المستفيدين من التجزئة السكنية. وهكذا عبر التحايل تتم استفادة عينة دون سواها من البقع الأرضية والتي في غالب الأحيان تمتلك سكنا أو أكثر، هدفها الوحيد هو إعادة بيع هذه البقع بعد عملية التسليم النهائي وفق سعر السوق العقارية، في حين يتم تغييب وإقصاء فئات عريضة من المواطنين التي هي في حاجة ماسة إلى سكن . كما يستفيد أعضاء المكتب المسير لبعض الوداديات السكنية مجانا من البقع الأرضية الممتازة الموجودة على أحسن الواجهات، بل يتمكن البعض من أعضاء هذه المكاتب من الاستفادة بحوالي 10% من القيمة الإجمالية لإنجاز المشروع. وختم المتدخلون في هذه الندوة التي حضرها العشرات من ضحايا الوداديات السكنية بأنه تمت إحالة عدد كبير من ملفات الوداديات السكنية على القضاء في العديد من المدن المغربية مما جعل هذا القطاع يعيش أزمة حادة تنذر بالسكتة القلبية بسبب جشع لوبيات "مافيا" العقار التي راكمت أموالا خيالية عبر أساليب احتيالية خطيرة. و استخلصوا إلى أنه في ظل غياب إجراءات رادعة لمثل هذه الخروقات، يبقى القضاء و السلطات المحلية هي الأطراف المعنية بالدرجة الأولى بإيجاد حلول منصفة للمنخرطين ضحايا جشع لوبيات العقار، بهدف بحفظ حقوق الدولة في استخلاص الضرائب و المستحقات من الذين يتخذون من الوداديات مطية لتحقيق أهدافهم الجشعة . وفي الأخير انتهت الندوة بإصدار مجموعة من التوصيات من بينها: خلق دليل قانوني لكل من يريد أن ينخرط في الوداديات السكنية حتى يكون على بينة من امره ويعرف حقوقه وواجباته، وخلق لجنة دعم ضحايا الوداديات السكنية بجهة سوس ماسة . وإعمال القانون من طرف السلطات القضائية؛ والتعجيل بتنفيذ الاعتقال الفوري لكل المفسدين العقاريين الذين يتسترون وراء غطاء الوداديات السكنية مع تشديد العقوبة في حقهم والحرص على تأمين مصالح المنخرطين من خلال تتبع خيوط مجمل المعاملات المالية بالوداديات والعمل على استرداد أموالهم بالكامل . واعتماد الشفافية في عمليات تأسيس الوداديات السكنية الجديدة مع إخضاع الأشخاص الراغبين في الانخراط فيها لتأطير يتوخى من ورائه الحفاظ على مصالح كافة الأطراف المعنية، وضع قانون خاص بالوداديات السكنية يقضي بعدم السماح لكل منخرط الإستفاد من السكن في إطار ودادية سكنية ما. وإجبار الوداديات على عقد الجموع العامة السنوية وتجديد المكاتب المسيرة كلما انتهت فترة ولاياتها كما ينص على ذلك القانون الأساسي ،حتى يتمكن منخرطو هذه الوداديات من محاسبة ومساءلة هياكلها المسيرة. ومحاسبة مغتني هذه الوداديات خاصة الموظفين بقطاع الوظيفة العمومية وإجراء افتحاص على حساباتهم ضمانا لحقوق المنخرطين مع تفعيل قانون من أين لك هذا؟ . ومنع المنعشين العقارين الذين يحدثون تجزئات سكنية في قالب وداديات من أجل الاستفادة من بعض الامتيازات الخاصة على المستوى الضريبي والعقاري . ومراجعة قانون الجمعيات فيما يخص الحقوق وشفافية التدبير المالي والاداري مراجعة قانون الالتزامات والعقود والقانون الجنائي، عبر تشديد العقوبة في حق أعضاء مكاتب الوداديات السكنية المتورطين في الاختلاس . هذا وتجدر الإشارة إلى أن هذه الندوة أطرها حسن بوغشي باحث في المالية العمومية و السياسات الضريبية وكاتب جهوي للنقابة الوطنية الديمقراطية للمالية، والأستاذ بكار السباعي محام بهيئة اكَادير والعيون عضو اللجنة الجهوية لحقوق الانسان بأكادير، و الأستاذين محمد النوحي وابن رضوان المختار عن التنسيقية الوطنية لضحايا الوداديات السكنية.