ندعي حب الله و نحن ما أتتنا آية من كتابه إلا واجهناها برواية أو قول لأبن تيمية أو تأويل لابن كثير .لقد سمى الله نفسه الحق و ما جائنا حق يتعارض مع ظننا إلا اتبعنا الظن و طرحنا الحق جانبا بعد أن نكون قد شوهنا وجهه أو مسخناه بدعوى أن السلف أفهم لكتاب الله من الخلف و أقدر على الإستنباط و القياس . سمى الله نفسه الرحمان الرحيم فكان شعارنا الخالد الغلظة على خلقه و تجنب الرحمة ماستطعنا إلى ذلك سبيلا . سمى الله نفسه الغفور فكان ديدننا ألا نسامح أبدا ما حيينا بدعوى أن كرامتنا فوق كل اعتبار . سمى الله نفسه الودود فاتخذنا الود عدوا, إلا من أكره وقلبه مطمئن إلى البغض و الكره و سواد القلب . سمى الله نفسه السلام , فكنا أقرب الناس إلى الحروب من أجل شيء أو لا شيء . ندعي حب الرسول صلى الله عليه و سلم و نحن أبعد ما يكون البعد عن أخلاقه و سنته .لم يكن صلى الله عليه و سلم طعانا ولا لعانا فصارت كلمات اللعن و الطعن أول ما نعلم أبنائنا حتى قبل ولوجهم صفوف الدراسة .كان رحمة اللعالمين فصرنا أكبر نقمة على العالم و العالمين .كان يبشر الناس بالجنة و ييسر لهم طريقها, و ينذر الناس من العذاب و يبين لهم سبله و يعينهم على تجنبها, و يعفو عن زلاتهم و يعذر ضعفهم , فقمنا بوضع العراقيل و السدود أمام من يريد الدخول في دين الله, بعد أن حولناه ملكية خاصة لشيوخنا يفتون فيه كيف شاؤوا و يحللون و يحرمون و نحن على آثارهم مهتدون و لفتاويهم متبعون و مسلمون . ندعي أننا أمة واحدة و نحن أشتات مشتتة لا يربط بينها غير الشعر و الشعير أو ما بين الفخدين . إن تألمت امرأة سورية أو لبنانية هرولنا لنجدتها, لا كالمعتصم يجند جيشا من أجل امرأة, بل كهارون الرشيد يضيف حريما إلى حريمه, فالتعدد جائز شرعا, وفي أوقات الأزمات يصبح واجبا و جهادا في سبيل الله , و إن رأينا صومالية أو سودانية تقترب من الموت جوعا نشرنا صورتها في الفيسبوك و دعونا الله أن يرحمها و قلنا أن العين بصيرة و اليد قصيرة ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها و العبرة بالنيات . و إن رأينا قصف إسرائيل لغزة و فلسطين , لعنا أمريكا و حرقنا علمها و دعونا من على المنابر أن يجمد الله الدماء في عروق بني أسرائيل و يزلزل الأرض تحت أقدام اليهود و يلعنهم فهم حفدة القردة و الخنازير . ندعي أننا أمة وسط ونحن لا نكون أمام مفترق طرق إلا سلكنا أوعرها و لا نكون أمام اختيارات إلا اخترنا أشقها على النفس و أضرها بالغير . ندعي أننا خير أمة أخرجت للناس و نحن لا نكف عن الدفاع عن المنكر و رفض المعروف . ما سمي المعروف معروفا حتى كان معروفا لدى جميع خلق الله بالفطرة التي فطر الله الناس عليها , و نحن نفصله على هوانا كيف نشاء ونجعله ضيقا حرجا كأننا أصبحنا في جهنم حتى قبل الحساب . وما سمي المنكر منكرا حتى نكره كل خلق الله بالفطرة التي فطر الله الناس عليها, فجئنا نحن فأبدعنا و اخترعنا و تفننا في التحريم حتى كاد يطغى على نعم الله و لم نترك موسيقى ولا عزفا ولا تصويرا ولا أي جميل و معروف إلا نكرناه و احتسبنا الأجر عند الله بعد صب اللعنات على المخالفين و طردهم من رحمة الله شر طرد . لقد قلبنا كل شيء قلبا و قالبا و لم ندع أي فسحة لأي تراجع و من يجرؤ على المراجعة أو إعادة النظر يسقط في الردة لا محالة والعياد بالله , و يتوجب قتله حماية لدين الله و للأمة .وعندما عجزنا عن المساهمة في الحضارة بما يفيد الناس,رمينا الناس بالجهل و الكفر و الضلال و كل من سولت له نفسه نقد تصرفاتنا وضعناه في خانة أعداء الله و رسوله كأننا الله أو كأننا رسوله . إننا نكذب على الله و على رسوله و على أنفسنا و على العالم بادعائنا الغيرة على دين الله فكل واقعنا يكذبنا : تقصف إسرائيل غزة بأحدث أسلحة الفتك والإبادة و يصور كل شيء و يقدم على شاشات التلفزة كأبشع ما رأت البشرية في تاريخها و لا نجد ردا غير الدعاء و التظاهر و حرق الأعلام . و بمجرد توقف القصف للأبرياء العزل يتوقف التظاهر و البكاء و الدعاء مع أن الحصار لا زال يفتك بذلك الشعب المحبوس في سجن مفتوح يسمى ظلما غزة .إننا بهذا السلوك نبين للعالم أن غيرتنا ليست إلا على أنفسنا و أننا لسنا ضد قتل المسلمين و تجويعهم إذا كان ذلك بعيدا عن أعيننا . و كذلك موقفنا من الرسوم الدانمركية ,لم يكن غضبنا إلا لكونهم لم يحترموا مليار مسلم و ليس لأنهم سخروا من الرسول و إلا فبمادا نفسر تهكمنا على الله و على الرسول و الملائكة و الجنة و النار في نكتنا الشعبية .ثم ألا ترون أننا نغضب للإسائة اللفظية أكثر من غضبنا لمقتل نفس ظلما , أليس هذا أكبر انقلاب للموازين . وهنا تحضرني قصة يقال أنها و قعت لرجل من أهل العراق اعتمر وحدث أنه قتل ذبابة في الحرم فذهب يسأل عن حكم ذلك عند أحد الفقهاء فقال له : ويحكم يا أهل العراق تقتلون الحسين بن علي وتسألون عن حكم قتل الذبابة في الحرم؟! ألسنا نكرر هذه القصة و نحن نحسب أننا نحسن صنعا أو لا نشعر حتى . رحم الله أمة ضحكت من موتها الأمم . أما الجهل فهو أهون سعيد براتك