إلى حدود مساء الأحد لا أحد يعرف أن المدينة على موعد ثقافي مناسباتيّ يتغيّأ الدعاية لقاعة عمومية مستحدثة من ركام سينيما صحارى ( سابقا).. ورغم ان راديو المدينة اشتغل باكرا صبيحة الإثنين يحمل أخبار الافتتاح الثاني لهذه القاعة على الساعة الثامنة مساءً..فهو في نفس الوقت ينبّه عموم الراغبين في الدخول إلى القاعة اشتراط الحصول على الگود او الرقم السري.. ولم يصل منتصف النهار حتى اشتغلت كل الارقام الهاتفية هنا.. وهناك.. مع استعراض لائحة المعارف القريبة إلى صناع هذا الگود السري.. وبدأت التدخلات والإحراجات...وأصبح مع مرور الوقت زوالاً الحصول على دعوة الحضور امتيازاً وحضوة ومكانة اجتماعية.. ومع اقتراب وقت الإفتتاح.. انطلقت عملية الحراسة المشدّدة مع متاريس ومراقبة دقيقة وعلى مرتين.. كان امتياز.. لأن لا حديث في الهاتف او مع الأصدقاء إلاّ عن هذا السؤال ( واش عندك شي دعوة الحضور اسي فلان) وكان أيضا سلطة في يد من يملكون عملية التوزيع وفي احترام تام الترابية من ذاك الأعلى الذي صنع الگود السري وهو يخاطبهم وباغلط الأيمان أن لا دخول إلاّ بالدعوة البيضاء.. ( ومني وجبد) هي التعليمات التي احترمت من طرف بقية الرؤساء أسفل القائمة مدنيّين وغيرهم.. وحافظ الجميع على السرّيّة تطبيقاً للأوامر والتعليمات.. وبدأت عملية توزيغ الغنيمة على الأوفياء والأقارب ( وهادوا دياولنا.. وهادوا خدامين معانا.. وهادوا كيصفقوا لينا..) وحيث أن الگود السرّي حصلت عليه من طرف الشاعر محمّد واگراگ أحد المبدعين الذين شاركوا في التحفة الفنية التى أطرها وقادها الصديق الموسيقار إدريس المالومي تحت عنوان ( تمغرا)…لأقف على حقيقة جدّ مؤلمة وغير مفهومة بل تخلق الكثير من الشكوك والإرتيات.. منها ان الگود السري / الدعوة إلى حفل الإفتتاح صادر عن الشركتين المكلفين بإنجاز اواش التهيئة الحضرية تحت إشراف الولاية طبعاً.. واستفسرت عن غياب الجماعة الحضرية صاحبة الملكية كما روّج لنا أثناء الإفتتاح الأول من طرف الرئيس السيد عزيز أخنوش.. لأجد ان هذه المؤسسة الدستورية لا تختلف عن محطة للإخبار والتنفيذ.. مما يدفع إلى توسيع النقاش العمومي حول حدود وصلاحيات هذه الشركات وهذا التوغل والتغول.. يدفع إلى هذا التراخي والتنازل عن اختصاصات ممثلي الساكنة داخل المجلس الحضري للمدينة.. يياذل أيضاً السلطة الولائية والوصية على الدفع بالمؤسسة كي تمارس سلطتها دفاعاً وتحصيناً لمشروعنا الديمقراطي والدفع به نحو التطوير والارتقاء به.. فالشركة مؤسسة ربحية موجودة تحت سلطة القانونية والمعنوية للجماعة الحضرية لأكادير.. وإن يتم تغييبها حتّى في الدعوة إلى حفل قاعة عمومية هي في ملكيتها أصلاً.. (اوكما يعتقد..) ففي الأمر ما يدعوا إلى الكثير من الإستغراب والغموض.. من نتائجه ان هذه السرية المفرطة في عملية توزيع الدعوات وبعلّتها.. حتّى شبّه الأمر بليلة القبض على الدعوة.. من نتائجه هذا الحضور الباهث جدّاً.. وبكراسي أغلببتها فارغة.. لأمتشف ان لا معنى لهذه السلطة والحزم والإستعلاء التي استعملها البعض قرب الباب وعلى جوانب القاعة كان الحضور وبقلته داخل فضاء لم يساعد بالمرّة على لحظة التتبع والتركيز لمختلف فقرات الحفل ساهم المنظمون أنفسهم على خلق الفوضى خلال تناوبهم على فتح باب القاعة وبما يحدث ذلك من تشويش على البروڨا الموسيقية.. إلى جانب الأجهزة الصوتية.. زاد من ذلك كلّه طبيعة كراسي التي لا تساعد على الجلوس لأكثر من نصف ساعة.. هي القاعة العمومية التي تم افتتاحها اليوم.. وقد لا نختلف على أيّ إسم لها.. الإ ان تسمّى سنيما صحارى.. ففي ذلك تحريف للذاكرة والتاريخ.. فكل المعالم تغيّرت بدءاً بالباب.. لم يبق من البناية إلاّ ذاك الدرج الإسمنتي الدائري المؤدي إلى قاعة ( البروجيكسيون) لم يتركوا غير هذا الرسم من معلمة ثقافية لم تعد قائمة اليوم.. وسنتحوّل كأجيال هذه المدينة تحت ضغط الذكرى والتذكر إلى البكاء والتحسر على الأطلال لحظة مرورونا هناك.. نبك ونتحسّر على قاعة تعلمنا فيها ابجديات قراءة الشريط السينمائي عبر الأندية السنيمائية منذ ثمانينات القرن الماضي.. نبك ونتحسّر على قاعة اختزلت الكثير من فرحنا الجماعي وشغبنا التلاميذي.. نبك ونتحسّر على حالة مدينة أسوأ ما يمكن ان يصيبها هي ان تدبّر من اشخاص لا تعني لهم اي شئ ولا يعرفون معنى الانتماء الى المكان وتاريخ المكان.. بل وان يصل إلى مستقبل المكان. وهم بهذه الصفة يستطيعون ان يقبلوا بهدوء تغيير معالم المكان.. وتذمير ذاكرته.. هي حسرتنا الجماعية في هذه المدينة .. يوسف غريب