توقعات أحوال الطقس لليوم السبت بالمملكة    هل يفوز برشلونة بدوري أبطال أوروبا؟ .. الذكاء الاصطناعي يجيب    "كان" الفتيان.. كوت ديفوار ثالثا    بالأرقام.. وزير الفلاحة يفند مزاعم "المعارضة" بشأن استنزاف الفلاحة السقوية للثروة المائية    القنصل العام الفرنسي يزور مركز التقاء الشباب بحي القصبة بطنجة ويؤكد استعداده لدعم التعاون الثقافي والاجتماعي    تكريم عمر أمرير بمعرض الكتاب.. رائدٌ صان الآداب الأمازيغيّة المغربية    مستشار الرئيس الأمريكي: واشنطن تتحرك لإغلاق ملف الصحراء وإعادة العلاقات بين المغرب والجزائر    مغربية الصحراء تكتسب زخما دوليا غير مسبوق    الشارقة تضيء سماء الرباط: احتفاء ثقافي إماراتي مغربي في معرض الكتاب الدولي 2025    المغرب يسير نحو طفرة عسكرية نوعية عبر اقتناء دبابات K2 الكورية    يتسع ل5000 طالب.. أشغال بناء المركب الجامعي بالحسيمة تصل مراحلها النهائية    احتفالية "رمز الثقافة العربية ل2025" تكرم الشاعر بنيس والفنان الفخراني    ‪ بكتيريا وراء إغلاق محلات فروع "بلبن" الشهيرة بمصر‬    هل يقود مغربي سفينة "الملكي"؟ أنس لغراري الرجل الخفي الذي قد يرأس ريال مدريد سنة 2029    مدرب شباب قسنطينة يشكر المغاربة على حسن الاستقبال قبل مواجهة بركان    الناصري ينفي التهم الموجهة إليه في قضية "إسكوبار الصحراء" ويكشف تفاصيل عن لطيفة رأفت وتاجر المخدرات "المالي"    احوال الطقس .. امطار وثلوج مرتقبة بمنطقة الريف    عمر مورو: مشاريع البنيات التحتية لكأس إفريقيا 2025 تسير بوتيرة متقدمة بمدن الشمال    وفد رفيع من سفارة رومانيا بالمغرب يزور ENCG طنجة ويوقع بروتوكول تعاون أكاديمي    حين تصبح معلوماتك سلعة .. من يحمي المغاربة من تسريبات البيانات؟    الأبيض والأسود من تقرير دي ميستورا: إن موعدهم نونبر؟ -3-    عمر هلال: العودة إلى الصحراء المغربية مشروطة بالإحصاء الإسباني لعام 1974    الحوامض المغربية تلج السوق اليابانية    مقتل صحراويين في مخيمات تندوف : ائتلاف حقوقي يطالب بتحقيق دولي ضد الجيش الجزائري    شرطة البيضاء توقف مواطنا نرويجيا    حادثة سير مميتة تودي بحياة شخص بإقليم الدريوش    خلال 2024.. المركز الجهوي للاستثمار بجهة الشمال وافق على مشاريع استثمارية بقيمة 85 مليار درهم قد تخلق حوالي 70 ألف فرصة شغل    ناصر بوريطة يواصل جولة دبلوماسية ناجحة لتعزيز دعم أوروبا لمغربية الصحراء    من الرباط.. السفير الصيني بالمغرب لي تشانغ لين : الصين تعتزم عقد مؤتمر عالمي جديد للمرأة خلال هذا العام    وفاة الفنان المصري سليمان عيد    تزايد حالات السل اللمفاوي يسائل ضعف مراقبة سلاسل توزيع الحليب    بيان توضيحي لولاية أمن أكادير بشأن ادعاءات واهية لمنظمة    مهرجان "جازابلانكا".. 26 حفلا موسيقيا يحييها 180 فنانا    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    "حماس" تدعو إلى إنهاء حصار غزة    دعم إنتاج الأعمال السينمائية.. الكشف عن مشاريع الأفلام المستفيدة برسم الدورة الأولى من 2025    بيانات تكشف ارتفاع الإصابة بالتوحد وكذلك زيادة معدلات تشخيصه    واشنطن بوست تدق ناقوس الخطر: البوليساريو شريك لإرهاب إيران في إفريقيا    أكادير يحتضن مؤتمر التنظير عنق الرحم وجوف الرحم والجهاز التناسلي    شي جين بينغ وهون مانيت يتفقان على تعزيز الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين الصين وكمبوديا    الارتفاع العالمي لسعر الذهب ينعكس على محلات المجوهرات في المغرب    إطلاق الشعب المتخصصة في فنون الزجاج بالمعهد المتخصص في الفنون التقليدية بمكناس، في سابقة على المستوى الوطني    شركة للطيران تمتنع عن نقل ثلاثة جثامين لمغاربة مقيمين بهولندا    الدورة التاسعة إياب من بطولة القسم الوطني الممتاز لكرة السلة : .ديربي محلية بالعاصمة بين الفتح والجيش    أولمبيك خريبكة يوضّح واقعة محاولة انتحار أحد لاعبيه    رغم التأهل.. فليك غاضب من أداء لاعبي برشلونة أمام دورتموند ويطالب بمزيد من الانضباط    روبيو: على أوروبا أن تقرر ما إذا كانت مستعدة لإعادة عقوبات إيران    ممثلون عن اليهود في بريطانيا يدينون العدوان الإسرائيلي في غزة    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الجمعة    مهرجان "تيم آرتي" يختار مواهب الراب الشابة في دورة جديدة    مجلس الأمن يدعو إلى وقف دائم لإطلاق النار وعملية سياسية شاملة في السودان    استشهاد 15 فلسطينيا في غارة إسرائيلية جديدة على غزة    توظيف مالي لأزيد من 46 مليار درهم من فائض الخزينة    وزارة الصحة تخلّد اليوم العالمي للهيموفيليا وتطلق حملة تحسيسية وطنية لمكافحة هذا المرض    قصة الخطاب القرآني    المجلس العلمي للناظور يواصل دورات تأطير حجاج الإقليم    أجواء روحانية في صلاة العيد بالعيون    طواسينُ الخير    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في زمن كورونا :اللامركزية واللاتمركز …علاج ووقاية من الحجر التربوي
نشر في أكادير 24 يوم 17 - 05 - 2020


1 التعليم عن بعد والحجر التربوي …الى متى؟
يعيش العالم اليوم في حالة طوارئ وحجر صحي شامل على وقع اجتياح وباء كورونا المستجد " كوفيد 19″ وهو اجتياح بل اعصار وبائي يهدد وجود الانسان ، يفتك بجسمه وعقله واحساسه كما انه يهدد حاضره ومستقبله … فقد اسقط عشرات الالاف من الضحايا ومئات الملايين من المحتجزين في بيوتهم او في المشافي ، وشل الحياة وحركة المجتمعات ، وحاصر الافراد والجماعات وحال بين تواصل الدول والامم ، كما انه صاحبه زلزال عالمي من الهلع والخوف ضرب كل ارجاء الارض مما حول هذا العالم الى كرة تاجية موبوءة تصيب كل شبر وكل منطقة بالموت والجمود والعطالة والحجر.. من قبيل تعطيل المدارس والجامعات والمطارات والمراكز الرياضية والحدائق والمطاعم وأماكن العبادة وغيرها من المرافق الحيوية في محاولة للحد من انتشار الوباء والتحكم فيه ومواجهته .
وعملت كل دول العالم باستنفار كامل لطواقمها البشرية وطاقاتها المادية لحماية مواطنيها ، وفي نفس الآن عملت على تفادى الشلل الاقتصادي والاجتماعي والتربوي ومحاولة التنفس – ولو اصطناعيا – تحت وطأ الفيروس للإبقاء على روح المقاومة والبقاء واستمرارية الحياة ،
وتلافيا للشلل التام الذي قد يصيب بعض المرافق الحيوية وبموازاة مع مواجهة الفيروس قامت وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي والتكوين المهني والبحث العلمي بإطلاق منصات الكترونية و استغلال وتوظيف القنوات التلفزيونية لاستئناف الدروس عن بعد ،في محاولة منها لإكمال الموسم الدراسي رغم ظروف الجائحة .
اذا كانت الوزارة قد وظفت كل ما لديها من موارد سمعية وبصرية ومنصات الكترونية وشاركها الالاف من المدرسين في هذه العملية باستعمال الوسائط التقنية الحديثة(مقاطع الفيديو- التسجيلات الصوتية- الاقسام الافتراضية عبر Microsoft Teams…) فتحول التعليم عن بعد من اسلوب " التلقين " الى اسلوب " تفاعلي " مصحوب بمؤثرات بصرية وسمعية تجعل من العملية التعليمية " الجامدة " عملية اكثر جذبا تساعد التلاميذ على الدخول الى المحتوى دون التوقف عند تحريك صفحات الاوراق .
اذا كانت هذه الاستراتيجية القائمة على التعلم عبر الانترنيت تستنزف الكثير من الجهد والتحديات والامكانات التي تواجه المدرسين والاباء واولياء الامور ، لكنها لا تحقق الانصاف حيث انعدام تكافؤ الفرص يبلغ حدا غير مقبول ، ويزداد تفاقما في المناطق النائية حيث وسائل التواصل غير موجودة او ضعيفة ، وكذا لذى الشرائح الاجتماعية الفقيرة اذ العديد من هؤلاء الاطفال لا يملكون مقومات الدراسة فضلا عن صعوبة اتصالهم بالأنترنيت او عدم امتلاكهم للحواسيب المحمولة او الثابتة بل منهم من لا يجد اي مساندة لا من وسطهم الاجتماعي والعائلي ولا من الجهات الوصية على النحو المأمول في حين يحظى الاخرون بكل ما سبق لذا يتعين تفادي اتساع هذه الفوارق او تقليلها .
ان امام نظامنا التعليمي مهمة واحدة وهي التغلب على ازمة التعليم والتعلم التي اصابتها الجائحة بسكتة تربوية – توقف نبض الدروس الحضورية – مما يتطلب منا جميعا التصدي اولا للجائحة حماية لحياة اطفالنا وشبابنا ومواطنينا , ثم الحد من الاثار السلبية لهذه الجائحة على التعلم والتعليم المدرسي ما امكن ، وبعدها الاستفادة من هذه التجربة للعودة الى مسار تحسين التعلم بوتيرة اسرع .
يجب على نظامنا التعليمي مثلما يفكر في التصدي لهذه الازمة ان يفكر ايضا في كيفية الخروج منها وهي اقوى من ذي قبل وبشعور متجدد للمسؤولية من جانب جميع الاطراف الفاعلة فيها وبادراك واضح لمدى الحاجة الى سد الفجوات في فرص التعليم وضمان حصول جميع التلاميذ على فرص تعليم جيدة ومتساوية .
ان التعليم عن بعد الذي فرضته الجائحة هو نسق اعقد من التعليم التقليدي ، فهو يحتاج الى نظام تعليمي اكثر كفاءة وادارة تربوية ومدرسية متحررة ومستقلة بقراراتها . والمعروف ان الادارة المدرسية التقليدية في نظامنا التعليمي تميل الى المركزية والجمود بينما يكمن نجاح التعليم عن بعد في اللامركزية واللاتمركز والمرونة والاستقلالية اللازمين لتكامل عديد من المكونات المتباينة في نسق متكامل يسعى الى بلوغ غاية مشتركة . فعند تبني التعليم عن بعد يصبح مطلوبا مرونة القيادات التعليمية وهي في العادة اكثر جمودا وتمسكا بالسلطة واغترابا عن التعليم عن بعد ومحتواه التقني .
ومن باب استخلاص النتائج الاولية للتعليم عن بعد ، بعد اكثر من شهرين ،لاحظنا بعض عيوب التعليم عن بعد من قبيل :
* حاجة المدرسين الى التدريب على استخدام الانترنيت والبرمجيات.
* حاجة المؤسسات الى توفير بنية تكنولوجية تحتية.
* حاجة مستخدمي الانترنيت الى التوفر على سرعة عالية لنقل وتوصيل المعلومات –(التواصل مع الاقسام الافتراضية يحتاج الى مستخدم الانترنيت بسرعة عالية دون تقطع في الصوت او الصورة )
* الحاجة الى البرمجيات والتقنيات الخاصة بالأمن لأنه خلال اداء الامتحانات الالكترونية Line quizzes لا يضمن الاستاذ ان من يقوم بأداء الامتحان هو التلميذ نفسه وليس شخصا غيره .
* التكلفة المالية البالغة للأجهزة والادوات المستخدمة في نظام التعليم عن بعد.
ان اثار التعليم عن بعد اكثر تشتتا من اثار التعليم التقليدي، ومن تم فهي اصعب في التقويم وتزداد هذه الصعوبة في البلدان التي يضعف فيها موضوع التقويم والامتحانات وتقل فيها مصداقية جهود التقويم. فالتقويم في هذا الصنف من التعليم امر صعب ومركب لذلك يجب ان يتم التقويم من خلال فرق متكاملة تضم تربويين وخبراء في الموضوعات وفي التقنيات ووسائل الاتصال الحديثة والقياس وهو امر مكلف ماديا وتقنيا وبشريا .
ان تعدد القنوات في التعليم عن بعد ليس كالتعليم العادي ، فبدلا من مجرد " الثنائي " المدرس والتلميذ يقوم التعليم عن بعد على " الثالوث " مدرس عن بعد (مدرس الاستوديو) ومتعلم عن بعد وميسر الموقع الذي يتعامل فيه المتعلم عن بعد بجوانب العملية التعليمية عن بعد . فهل نمتلك في منظومتنا التعليمية كل هذه الموارد والتجهيزات والامكانات والطواقم التقنية وهل نقدر على تحسين شروط التعليم عن بعد ؟
اذا كان هناك من درس نستفيده من دروس كورونا المستجد هو انه أن الاوان لتحقيق اصلاح تربوي تعليمي شامل عبر اعادة هيكلة الادارة على اساس اللامركزية واللاتركيز او اللاتمركز من خلال نقل جل الاختصاصات من المركز الى الاكاديميات والمديريات الاقليمية والمؤسسات التعليمية مما قد يساعد على السرعة في التقرير والبث والتقييم والتنفيذ المطلوبة في كل العمليات الاصلاحية ، وهذاما سيرفع الادارة التربوية لتكتسب صفات العقلانية والحداثة .
كم من الوقت انتظرنا للبحث عن سيناريوهات لا نهاء الموسم الدراسي بسبب قانون الطوارئ والحجر المنزلي وتوقيف الدروس الحضورية ؟
هل ليس هناك من يقدر على ابداع صيغ بديلة في جهات واقاليم المملكة وبالذات في المناطق التي لم تتعرض لانتشار الوباء ؟
اليس بإمكان جهات مثل الداخلة والعيون وكلميم وسوس ماسة وتادلة بني ملال …ان تبرمج دروسا حضورية بكيفية من الكيفيات ؟
ان جائحة الوباء قد حكمت علينا اليوم بان نتأهب لمواجهة تحديات ما بعد كورونا وتحديات العولمة " الوبائية " والعولة الاقتصادية وهذا التحدي المزدوج لا يرحم كل من تهاون او تخاذل في الاعداد لاستراتيجية بديلة تواجه كل هذه التحديات ، ولقد صار لزاما علينا نحن ابناء مجتمعات العالم الثالث ان نعي بعمق بان مواجهة كل الاخطار البيئية والوبائية والاجتماعية والاقتصادية تتأسس في المقام الاول على ارساء منظومة تربوية وتكوينية تنشد لدى افرادها الكفايات الاساسية التي تفرضها متطلبات التنمية الثقافية والسياسية والاقتصادية مع ضرورة ارساء النموذج التنظيمي اللامركزي الذي باستطاعته ان يحدث التغييرات النوعية المنشودة .
2 الحاجة الى التحرر من ارث التسيير المركزي الى نظام اللامركزية واللاتركيز
طبقا لمقتضيات الدستور والقوانين المنظمة للجهات واعتبارا لضرورة ملائمة التربية والتكوين للحاجات والظروف الجهوية والمحلية قامت سلطات التربية والتكوين بإقرار اللامركزية و اللا تركيز في قطاع التربية والتكوين, كما ورد في (الدعامة الخامسة عشرة من الميثاق الوطني للتربية والتكوين ) وتكرر في الفقرة 132 من الرؤية الاستراتيجية للإصلاح 2015/2030 هذه الاخيرة أكدت على (توطيد اللامركزية و اللا تركيز والتدبير بالنتائج وعلى أساس التكامل والتجاوب مع الدور الفعال للسلطات المركزية في بلورة الاستراتيجيات والتوجهات الوطنية الكبرى ..)
هذا التوجه نحو اللامركزية و اللا تركيز الإداري هو سعي من المشرع الإداري والتربوي لتأصيل ثقافة الإشراك في التسيير والتنفيذ وتوسيع دائرتهما محليا وإقليميا و جهويا رغم انه تم إبقاء الصلة قائمة ومستمرة وقوية مع الإدارة المركزية في جوانب تتعلق بالسياسة العامة للمسالة التعليمية , وهذا ما يكرس ممارسة غير متجانسة وسليمة مع الشأن التربوي سواء تعلق الأمر بالجانب المعرفي والديداكتيكي أو الجانب القانوني والتنظيمي.
وإذا كنا نرى جهودا قد بدلت من اجل تحديث المنظومة التعليمية وجهودا متواصلة لتكريس اللامركزية و اللاتمركز فانه على مستوى الإدارة التربوية والإدارة المدرسية لم يبدل جهد كبير على المستوى التشريعي والتنظيمي رغم أن هيئة الإدارة التربوية تشكل الركيزة الأساس لتنفيذ السياسات التعليمية بخططها وبرامجها , فبقيت الإدارة المدرسية و الإدارة التربوية عموما على هامش المبادرات الإصلاحية وهامش التحفيز المادي والمعنوي سواء فيما يتعلق بإيجاد إطار ملائم للعاملين في الإدارة التربوية شانهم في ذلك شان نظرائهم في القطاعات الإدارية الأخرى آو الإنصاف في التعويض عن الأتعاب والأشغال الإدارية والتربوية , كما أن هناك غياب في وضع سياسة محددة للتكوين المستمر, وهو الشيء الذي يؤثر سلبا على وضعية العاملين في الإدارة المدرسية ويحدث عطبا إنسانيا و تقنيا وإداريا و بيداغوجيا داخل الآلة المحركة للجسم التربوي العام , فبقيت إدارتنا التعليمية تعاني من أعراض تمنعها من المساهمة الفعالة في تطوير التعليم . ومن ابرز هذه الأعراض المزمنة التي ما تزال تنهكك الجسم الإداري والتربوي :
1- المركزية المطلقة حيث القرارات الكبيرة والصغيرة تؤخذ على مستوى الإدارة المركزية مما ساهم في ترسيخ نزعة تقديس النصوص وشخصنة السلطة وطاعة الموظفين للأوامر وتنفيذ التعليمات , فنجم عن ذلك تنامي الانحرافات في التسيير مما يثير الشك حول وجود ارادة سياسية وتربوية حقيقية لإصلاح الادارة توطئة من اجل اصلاح التعليم.
2- عدم حصر او تحديد المهام الجديدة للإدارة المركزية بعد صدور قانون إحداث الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين وتحديد مهامها واختصاصاتها وهو ما لم يرد في الميثاق الوطني للتربية والتكوين (وان كانت الإشارة فيها أن الأكاديميات تمارس ما يزيد عن 12 اختصاصا حسب المادة 162 ,مع اختصاصات أخرى إضافية جديدة ….) مما يتطلب الكشف عن المهام الجديدة للإدارة المركزية في إطار التحول المتجه إلى تطبيق اللامركزية .
3- تطبيق اللامركزية على المستوى الجهوي ظل معاقا بالبنيات القائمة التي لم يتم تشخيصها بالكامل وخاصة تقويم خبرات الفاعلين ,علاوة على القطائع المكرسة بين الفاعلين في مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية مما يجعل التنسيق بين هذه المجالات والقطاعات عملية صعبة . -محمد فاوبار-
4- انعزالية القرارات حيث التواصل يكاد ينعدم بين المصالح الإدارية إن عموديا أو أفقيا وبين الإدارة والمعنيين المباشرين بالقرار:
–فعموديا يتخذ القرار بدون استشارة القاعدة أو الحلقات الإدارية الوسيطة ولا يهتم قط بمشاركة المعنيين بالقرار خارج الإدارة الشيء الذي يترتب عنه عدم الاهتمام والسلبية
ان اصلاح الادارة التربوية في نفس مستوى اصلاح المناهج والبرامج الدراسية ( فجهاز الادارة هو المصفاة الكبرى التي تقوم بعمليات تقطيع وتنظيم انتقال المعلومات والمقررات التربوية من الاعلى الى الادنى ضمن اطر محددة تمر عبر سلسلة من المستويات الادارية ) – محمد فاوبار.
وانطلاقا من اهمية دور الفاعلين في الادارة التربوية في انجاح اي مشروع اصلاحي اكد الميثاق الوطني للتربية والتكوين ومشروع الرؤية الاستراتيجية 15/30 على اختيار اللامركزية واللاتمركز كنهج اداري استراتيجي لإصلاح الادارة التربوية ، لان :
* اللاتمركز اصبح يفرض نفسه كأسلوب ناجع في الادارة التربوية وليس مجرد رغبة في التخفيف من اعباء الادارة المركزية ، وهذه الاخيرة تعمل من سنة الى اخرى في تفويض بعض الاختصاصات للمديرين الجهويين والاقليميين لتخفيف العبء عن موظفيها ومستخدميها او ربما بسبب تقلص الموارد البشرية في الادارة المركزية بعد " الهجرة الجماعية " نحو التقاعد والمعاش التي فتحتها المغادرة الطوعية فأفرغت المكاتب الادارية والفصول الدراسية من الاطر الادارية والتربوية مما يوحي ان عملية تفويض بعض الاختصاصات ماهي الا تنازل وعطاء لتخفيف العبء على الادارة المركزية وليس وفق استراتيجية وتنظيم اداري مقصود لذاته مما يجعلنا امام وجه اخر للمركزية التي تحتفظ بالمهام الاساسية وتفوض ما هو شكلي وتنفيذي .
* ان مبدا اللاتمركز يقتضي تفويض الصلاحيات والسماح باتخاذ المبادرات المسؤولة وفي مجالات معينة ومحددة حتى لا يسود التخبط والاضطراب في المسؤولية وفي المهام وحتى لا يحدث الانقسام بين المصالح المركزية من جهة والادارات والمؤسسات والمصالح والمديريات الجهوية والاقليمية من جهة اخرى
* ان مبدا اللاتمركز يقتضي تخويل مهام ذات الشأن المصيري الى المصالح الخارجية الجهوية والاقليمية حتى لا تبقى هذه الاخيرة مجرد اداة منفذة للتعليمات او للقرارات الصادرة من المركز خصوصا وان هذه الادارات الاقليمية او الجهوية اصبحت تراكم الخبرات والتجارب سنة بعد اخرى وتتابع باستمرار كل الاوضاع والمستجدات التعليمية وهي دائما تعايش هذه الاوضاع وتبحث لها عن حلول مرضية او مؤقتة اما بتنسيق مع الادارة المدرسية او مع السلطات المحلية او مع المؤسسات التمثيلية المحلية او مع الفروع النقابية وجمعيات الاباء وجمعيات المجتمع المدني وهذا ما اكسبها من الخبرة والدراية ما يهيئها لتجاوز كل الصعاب والتحديات ويسمح لها بتحمل اختصاصات جديدة في مستوى التفكير والتخطيط والتنفيذ
* ان من مبادئ اللاتمركز تسهيل العمل وتبسيط المساطر واعطاء الصلاحيات الضرورية لمن تناط بهم مهمة تنفيذ السياسة التعليمية من مديرين جهويين واقليميين ورؤساء المؤسسات ورؤساء المصالح والمكاتب مع توفير الوسائل والموارد والامكانات للتنفيذ وضمان النجاح لكل القرارات والمخططات والمشاريع .
* ان اللاتمركز يفرض تفهما اوسع وتصورا اشمل لمفهوم التخطيط والسياسة التربوية عامة اذ من شان هذا الفهم الجديد في تدبير الشأن التربوي ان يساعد على توزيع عادل للمهام مع تحمل المسؤولية والقيام بتنفيذها كما يفرضها اسلوب اللاتمركز
وانه وان حاولت الادارة المركزية نقل الكثير من المهام او تفويضها للمديرين الاقليميين والجهويين الا انه يلاحظ اعتماد انماط متباينة او متناقضة في التسيير والتدبير والاشراف تبعا لاجتهادات وانطباعات تغلب عليها الذاتية والخصوصية تارة او تقوم بتدخلات ادارية عشوائية و قد تنبطح او قد تنحني امام قوة هذا اللون النقابي او ذاك اضافة الى نوعية الموظفين الذين يعينون او يكلفون بتسيير المكاتب والمصالح وفي غياب التجهيزات والوسائل والموارد اللازمة … لذا لا بد لإنجاح وانطلاق اللاتمركز تقويم الاساليب المتبعة في التسيير الاداري والتربوي ومدى صلاحية الكفاءات المعتمدة والموجودة
* ان اللاتمركز الاداري يتطلب وضع استراتيجية شاملة محصنة بقوانين ومساطر تساعد المسؤولين الجهويين والإقليميين ورؤساء المؤسسات وتدعمهم مركزيا من كل المؤثرات الخارجية التي قد تحد من مبادراتهم وصلاحياتهم وتجاوز الاجراءات والقوانين المعتمدة مركزيا

ذ:محمد بادرة – الدشيرة الجهادية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.