التربية والإدارة في خدمة المجتمع الإدارة وأي إدارة , ما هي إلا انعكاس لنظام الحكم في أي مجتمع من المجتمعات باعتبارها- الإدارة- أداة ترجمة وتنفيذ السياسات التي تقررت على مستوى الحكومات أو من طرف مؤسسات الدولة , ومن تم فان أي نظام في العالم يطبع الإدارة بطابع ملائم للسياسة العامة للدولة انسجاما مع الرأي القائل (الدولة هي التي تحدد أهداف الدولة ) -إميل دوركهايم- لذا فان(الإدارة قائمة على تنفيذ أهداف النظام السائد في المجتمع بكل قوة وصرامة) وينطبق هذا الرأي كذالك على الإدارة التربوية التي تعني (الكيفية التي يدار بها التعليم في دولة ما وفق إيديولوجية المجتمع والاتجاهات الفكرية والتربوية السائدة ) د- عرفان عبد العزيز سليمان . إن الإصلاحات السياسية تلقي بظلالها وأثرها البليغ الذي يطبع بصماته مختلف الحياة العامة في إطار الحديث عن تنمية مندمجة يعتبر فيها الإنسان المحرك المحوري لمطامح التغيير الرامية إلى تأثيث الفضاء المؤسساتي بإدارات قادرة على ترجمة وتفعيل منطوق الإصلاح وتبليغه إلى جميع شرائح المجتمع من خلال واجهات مؤسساتية تختص كل واحدة منها بالمناخ الخاص بها . ولقد ظهرت في العقود الماضية نظريات عن الإدارة بمفهومها العام , حددت بعض خصائصها وسماتها من طرف باحثين أمثال فريديك تيلور , وهنري فيول, و هارنيجتون ومؤداها أن الإدارة قائمة على التخطيط ,والتنظيم, والرقابة ,والتنبؤ أو التوجيه أو الإشراف والتوظيف … الخ , ويشيرون إلى أن (الإدارة تعمل كما تعمل الآلة الكبيرة المعقدة التي تتحكم في حركتها مبادئ وقوانين معينة )د – محمد عدنان النجار. ومن بين الأسس والمبادئ العامة اللازمة في كل عمل إداري : السلطة – النظام – التخطيط – وحدة التوجيه –خضوع مصلحة الفرد للمصلحة العامة – مركزية القرار والتشريع – التسلسل الإداري – تقسيم العمل…و هي عمليات ضرورية لأي نوع من أنواع الإدارة في المجالات والميادين المختلفة. واليوم أصبحت الإدارة علما قائما بذاته , علم له حدوده ومناهجه, له قوانينه وأدواته , مما يوفر لها الفعالية والسرعة في إدارة وتدبير الأعمال الاقتصادية والاجتماعية والتربوية …وتعتبر الإدارة التربوية من احدث أنواع هذه الإدارات ومن أخطرها في نفس الآن , لأنها تتجه نحو التكوين وتأهيل الموارد البشرية عبر أجيال من المواطنين وإعدادهم للمستقبل …وهذا ما دفع بالدول المتقدمة في الشرق والغرب إلى ايلاء هذا المجال أهمية بالغة منذ الأربعينيات من القرن الماضي حين تم إنشاء مدارس ومعاهد وكليات متخصصة في ميدان إدارة التربية لضمان فعالية اكبر في التنظيم والتسيير والتدبير الإداري التربوي . الإدارة التربوية هي نظام فرع من الإدارة العامة للدولة والمجتمع وتعني العمليات التي يدار بها نظام التربية والتعليم في مجتمع ما وفق إيديولوجية الدولة والنظام والمجتمع , وحسب الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية وصولا لتحقيق أهداف المجتمع في تربية النشء و إعدادهم للحياة ولصالح المجتمع وتوفير القوى البشرية اللازمة لدفع حركة الحياة فيه. و إذا كانت الإدارة التربوية تتقاسم الخطوط مع الإدارة بشكل عام لأنها جزء من الإدارة العامة , و لهما نفس المقومات فيما يتعلق باتخاذ القرارات وتنفيذها إلا أن الإدارة التربوية تستقل عن القطاعات الإدارية الأخرى لكونها كما أسلفنا الذكر : أ- تستهدف تأهيل الإنسان قصد الاندماج في الحياة العامة مع القيام بأعمال التكوين و التاطير والبحث التربوي والعلمي. ب- تستهدف صناعة الفرد وفق المعايير الأخلاقية والحضارية والدينية التي يتوخاها المجتمع وتسعى إليها الأمة. ج- تستعين بالمقومات والقيم الحضارية الكبرى لأجل حماية المجتمع من الانسلاخ من هويته الوطنية واللغوية والثقافية. د- تستمد قوانينها وأصولها ومناهج عملها من الفلسفات التربوية والنظريات العلمية والعملية في ميدان الإدارة والتسيير . وبذالك تستقل الإدارة التربوية في أهدافها عن الإدارة العامة (رغم التشابه في الإطار العام ), فتستمد مادتها وفلسفتها من الخبرات والتجارب التربوية وتعنى بالممارسة والطريقة التي توضع بها أهداف ومرامي التربية موضع التنفيذ والتطبيق كما تسهر على احترام (مبادئ النظام التربوي وتطبيق مقتضياته ….وتتنوع مهامها المتمثلة في التاطير والتنشيط والمراقبة والتسيير وربط الصلة بين المؤسسات ومحيطها الاجتماعي والثقافي ……وهي القادرة على خلق مناخ تطبعه الحيوية ويسوده التعاون و التفاهم لجعل كل هياكل المؤسسة تتحرك في تناسق وانسجام لتحقيق الأغراض المنشودة …) محمد خديري وللإدارة التربوية مستويات ثلاث : – المستوى المركزي , و المتمثل في الوزارة الوصية على قطاع التربية الوطنية . – المستوى اللا مركزي متمثلا في الأكاديميات الجهوية والمديريات الإقليمية . – المستوى إلا جرائي وهو المتمثل في الإدارة المدرسية و هي الإدارة المسؤولة على سير العملية التعليمية والتي تعمل تحت إشراف الإدارة التربوية وتقوم بتنفيذ السياسة التعليمية , كما أنها مجبرة على التقيد بالمناهج والقوانين والمذكرات الصادرة من أعلى سلطة تقريرية في قطاع التربية والتكوين الإدارة التربوية مواطن الضعف وتحدي تطوير الممارسات كان جان جاك روسو يرى أن أي إصلاح للمجتمع ولمؤسساته الاجتماعية ينبغي أن ينطلق من إصلاح نظام التربية ,فالعالم الجديد الذي نود بناءه هو في حاجة إلى إنسان جديد ولاشك أن المدرسة هي السبيل لإنتاج هذا الإنسان الجديد ليكون وسيلة للتطور والتغيير. ومن الحكم المأثورة عن المربي (ايرازميس) الذي عاش في القرن السادس عشر انه قال (سلمني إدارة التربية ردحا من الزمن أتعهد لك أن اقلب وجه العالم بأسره). لقد اجمع المختصون على أن الإدارة التربوية عنصر هام في أداء المهام التربوية ,وعليها يتوقف نمط أداء المؤسسة التعليمية وكفايتها , و الإدارة التربوية الناجحة هي التي تأخذ بأهم منطلقات الإدارة المتمثلة بالعناية بالعنصر البشري وإحلاله المكانة التي تناسبه , و الأخذ بمبدأ المشاركة في شتى جوانب العمل الإداري لاسيما فيما يتصل بوضع الأهداف ورسم السياسات والخطط واتخاذ القرارات والأخذ بالبعد المستقبلي. ويعتبر تطوير هذه الإدارة التربوية شرطا ضروريا لتحسين فعالية التعليم والرفع من مرد وديته , وقد وعت بذالك البلدان المتقدمة فسارعت إلى القيام بإصلاحات جذرية في إدارتها التعليمية لكن هذا الوعي لم يتبلور في إصلاحات مماثلة ببلدنا. وإذا كنا نرى جهودا قد بدلت من اجل تحديث المنظومة التعليمية وجهودا متواصلة لتكريس اللامركزية و اللاتمركز فانه على مستوى الإدارة التربوية والإدارة المدرسية لم يبدل جهد كبير على المستوى التشريعي والتنظيمي رغم أن هيئة الإدارة التربوية تشكل الركيزة الأساس لتنفيذ السياسات التعليمية بخططها وبرامجها , فبقيت الإدارة المدرسية و الإدارة التربوية عموما على هامش المبادرات الإصلاحية وهامش التحفيز المادي والمعنوي سواء فيما يتعلق بإيجاد إطار ملائم للعاملين في الإدارة التربوية شانهم في ذالك شان نظرائهم في القطاعات الإدارية الأخرى آو الإنصاف في التعويض عن الأتعاب والأشغال الإدارية والتربوية , كما أن هناك غياب في وضع سياسة محددة للتكوين المستمر, وهو الشيء الذي يؤثر سلبا على وضعية العاملين في الإدارة المدرسية ويحدث عطبا إنسانيا و تقنيا وإداريا و بيداغوجيا داخل الآلة المحركة للجسم التربوي العام , فبقيت إدارتنا التعليمية تعاني من أعراض تمنعها من المساهمة الفعالة في تطوير التعليم . ومن ابرز هذه الأعراض المزمنة التي ما تزال تنهكك الجسم الإداري والتربوي : 1- المركزية المطلقة حيث القرارات الكبيرة والصغيرة تؤخذ على مستوى الإدارة المركزية مما ساهم في ترسيخ نزعة تقديس النصوص وشخصنة السلطة وطاعة الموظفين للأوامر وتنفيذ التعليمات , فنجم عن ذالك تنامي الانحرافات في التسيير . 2- عدم الكشف عن المهام الجديدة للإدارة المركزية بعد صدور قانون إحداث الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين وتحديد مهامها واختصاصاتها وهو ما لم يرد في الميثاق الوطني للتربية والتكوين (وان كانت الإشارة فيها أن الأكاديميات تمارس ما يزيد عن 12 اختصاصا حسب المادة 162 ,مع اختصاصات أخرى إضافية جديدة ….) مما يتطلب الكشف عن المهام الجديدة للإدارة المركزية في إطار التحول المتجه إلى تطبيق اللامركزية . 3- تطبيق اللامركزية على المستوى الجهوي ظل معاقا بالبنيات القائمة التي لم يتم تشخيصها بالكامل وخاصة تقويم خبرات الفاعلين ,علاوة على القطائع المكرسة بين الفاعلين في مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية مما يجعل التنسيق بين هذه المجالات والقطاعات عملية صعبة . -محمد فاوبار- 4- انعزالية القرارات حيث التواصل يكاد ينعدم بين المصالح الإدارية إن عموديا أو أفقيا وبين الإدارة والمعنيين المباشرين بالقرار: -فعموديا يتخذ القرار بدون استشارة القاعدة أو الحلقات الإدارية الوسيطة ولا يهتم قط بمشاركة المعنيين بالقرار خارج الإدارة الشيء الذي يترتب عنه عدم الاهتمام والسلبية على المستوى المحلي . -وأفقيا تتخذ المصالح الإدارية قراراتها بدون تنسيق فيما بينها مما يؤدي إلى تعارض القرارات في بعض الأحيان والى البطء في الانجاز .(المكي المروني) 5- الاستمرار في قرارات الانتداب في المهام الإدارية ,كما هو الشأن حاليا في قطاع التربية والتعليم ,مما يعتبر معه الموظف الذي يعمل في الإدارة التربوية مجرد إطار تعليمي مكلف بمهمة إدارية , ويمكن إقالته منها لأي سبب وفي أي ظرف تراه الإدارة يفضي إلى ذالك . ومن سلبيات هذا القانون المنظم للانتداب في المهام الإدارية أن رؤساء المؤسسات التعليمية : أولا- لا يتصرفون كقوة مصححة ومعالجة من موقع الأسانيد المعرفية والتربوية التي تؤطرهم لأي خلل واعوجاج وشائبة من شانها المس بمصداقية الخطاب التربوي إما خوفا على “منصبهم” و”امتيازاتهم” أو تجنبا من استفسار آو توبيخ بسبب الاجتهاد “الفقهي ” المجانب للصواب في العمل الإداري الشاذ . ثانيا – يحتمون ويتذرعون بالتطبيق الجاف للإجراءات التنظيمية والقانونية في منطوقها السلبي فتتحول هذه المسلكيات إلى مشجب يعلق عليه هذا المدير أو ذاك , وهذا ما يجعل القيمين على تدبير الشأن الإداري التربوي لا يتبصرون الأسلوب العلاجي المناسب للخلل والظاهرة التربوية فتصطدم إرادة التغيير في بعدها العام مع الممارسة ذات الرؤية المحافظة التقليدية. ثالثا – لا يملكون الاستقلالية في معالجة وضبط كل الظواهر السلبية, فلا يستطيعون الاستجابة لحاجات التطور التربوي السريع مع استمرار غموض المهام المنوطة بالمسؤولين التربويين المحليين مما يولد ضعف الأفراد والقيادات الإدارية . رابعا- كثرة المهام وتعددها وقلة الوسائل, ومن بين المهام المسندة لمدير الثانوية على سبيل المثال لا الحصر: التدبير التربوي – ك : -الإشراف على الأنشطة التربوية والاجتماعية والرياضية والفنية بالمؤسسة . -الإشراف على تطبيق المناهج والبرامج التربوية وتتبعها. -الإشراف على تطبيق واحترام جداول الحصص وتدبير الزمن المدرسي . -وضع برمجة فروض المراقبة المستمرة وتتبعها . -السهر على تنظيم الامتحانات الاشهادية والتجريبية و رآسة مراكز الامتحان والتصحيح. التدبير الإداري- ك : -الإشراف على التدبير التربوي والإداري والمالي للمؤسسة ومراقبة العاملين بها في إطار احترام النصوص التشريعية والتنظيمية والمذكرات والمنشورات الجاري بها العمل. -تنظيم عمليات تشكيل مجالس المؤسسة ورأستها والإشراف على أعمالها وأنشطتها وتتبعها واتخاذ الإجراءات والتدابير اللازمة لتطبيق مقرراتها. -تنظيم عمليات تشكيل مكاتب جمعيات المؤسسة ( الجمعية الرياضية – ج .دعم مدرسة النجاح – …) -السهر على إحصاء ومسك واستعمال وتوظيف الوسائل التعليمية والمعدات الديداكتيكية بالمؤسسة وصيانتها والمحافظة عليها . 6-غياب الفواصل النسبية بين السياسي والتربوي على مستوى ضبط أنشطة الإدارة التربوية وكذا توظيف العلاقات اللامؤسسية , مما يبين ضعف بناء العلاقات الإدارية والمجتمعية على أساس القانون . مع غياب منظور شمولي للإدارة التربوية كمكون ومتغير رئيسي ومركزي في عملية إصلاح التدبير التربوي يعتمد الرؤية الثاقبة المتشبعة بالروح الإنسانية. هذه الأعراض و الاختلالات و الأزمات التي أصابت جسم الإدارة صنف الباحث علي سدجاري بعضا منها في أربعة مظاهر وهي: أزمة التكيف , وأزمة الهوية ,وأزمة المؤسساتية, وأزمة الشرعية ليستخلص ان بنية الإدارة تعاني من غموض ملحوظ في أدوارها ومواقعها ومن قصور آلياتها المؤسسية .ولمعالجة هذه الاختلالات والإشكالات دعا إلى إعطاء اللامركزية و اللا تركيز أقصى الأبعاد الممكنة عن طريق نقل الاختصاصات ووسائل العمل من الإدارات المركزية إلى المستويات الدنيا بصفة تدريجية وحثيثة وحازمة لتحقيق الجودة. و مع هذه الاختلالات كيف يمكن الارتقاء بهذه الإدارة التربوية في ظل مؤسسات تعليمية ومنظومة تربوية تحبل بأنواع شتى من التناقضات أوصلتها إلى الفشل؟ وكيف نرتقي بالإدارة التربوية إلى مستوى الجودة ؟ الجودة “تخفيض مستمر للخسائر وتحسين مستمر للعمل الجاد” طبقا لمقتضيات الدستور والقوانين المنظمة للجهات واعتبارا لضرورة ملائمة التربية والتكوين للحاجات والظروف الجهوية والمحلية قامت سلطات التربية والتكوين بإقرار اللامركزية و اللا تركيز في قطاع التربية والتكوين, كما ورد في (الدعامة الخامسة عشرة من الميثاق الوطني للتربية والتكوين ) وتكرر في الفقرة 132 من الرؤية الإستراتيجية للإصلاح 2015/2030 التي أكدت على (توطيد اللامركزية و اللا تركيز والتدبير بالنتائج وعلى أساس التكامل والتجاوب مع الدور الفعال للسلطات المركزية في بلورة الاستراتيجيات والتوجهات الوطنية الكبرى ..) هذا التوجه نحو اللامركزية و اللا تركيز الإداري هو سعي من المشرع الإداري و التربوي لتأصيل ثقافة الإشراك في التسيير والتبليغ وتوسيع دائرتهما محليا وإقليميا و جهويا رغم انه تم إبقاء الصلة قائمة ومستمرة وقوية مع الإدارة المركزية في جوانب تتعلق بالسياسة العامة للمسالة التعليمية , وهذا ما يكرس ممارسة غير متجانسة وسليمة مع الشأن التربوي سواء تعلق الأمر بالجانب المعرفي الديداكتيكي أو الجانب القانوني والتنظيمي. فتحديد(الأهداف , وعمليات التخطيط لتوظيف الوسائل ما تزال تتم في الغالب بطريقة عمودية من الأعلى –المركز- نحو الأسفل –المستوى الجهوي والمحلي- من الإدارة ثم نحو المؤسسات التعليمية دون مراعاة أولويات تلك المؤسسات أو تقديم إجابة عن حاجاتها الآنية والمتكررة المرتبطة بالصيانة والترميم والتجهيز) المجلس الأعلى للتعليم “التقرير السنوي”2008 لذا طالب المجلس الأعلى بتوسيع دائرة التشارك والاستشارة سعيا وراء توظيف أوفر وأعمق لتجارب الخبراء والممارسين للشأن الإداري محليا و جهويا للنهوض بدور التوجيه والدعم والمراقبة والتسيير مع ما يستدعيه ذالك من تفويضات واسعة ومقننة لصالح الأكاديميات والمديريات الإقليمية والمؤسسات التعليمية خصوصا هذه الأخيرة – المؤسسة التعليمية- والتي تعتبر حلقة أساسية إلى جانب المؤسسات الجهوية والمركزية نظرا لكونها مكون لا محيد عنه فهي تشتغل إلى جانب شركاء آخرين داخل المؤسسة التعليمية وخارجها سعيا وراء تأهيل العنصر البشري, وهذا ما لا يمكن أن يتأتى إلا إذا كانت إلا دارة التربوية و المدرسية- خصوصا -تعتمد الجودة في الحكامة والديمقراطية في تحقيق الإنصاف وتكافؤ الفرص والمقاربة التشاركية في إرساء آليات التعاقد بين مختلف الفاعلين وشركاء المؤسسة . انتقال الجودة من سوق المبادلات التجارية إلى سوق المبادلات الرمزية إن الجودة لم تعد مفهوما منحصرا في أسواق المبادلات المالية التي تتصارع فيه الشركات والمصانع لضمان الريادة في السيطرة على قانون ولعبة التسويق , بل انتقل المفهوم إلى المجال التعليمي فحظيت عمليات إصلاح الإدارة التربوية باهتمام كبير و حظي موضوع الجودة بجانب كبير من هذا الاهتمام إلى الحد الذي جعل المفكرون يطلقون على هذا العصر عصر الجودة باعتبارها إحدى الركائز الأساسية لنموذج الإدارة الجديدة , و الذي تولد لمسايرة المتغيرات المعاصرة مع محاولة التكيف معها , فأصبح المجتمع ينظر إلى الجودة و الإصلاح التربوي باعتبارهما وجهين لعملة واحدة بحيث يمكن القول أن الجودة هي التحدي الحقيقي ومفهوم إدارة الجودة هي فلسفة إدارية حديثة ترتكز على عدد من الأسس : الديمقراطية: ومسالة الديمقراطية لم تحظ بالعناية والاهتمام الكافيين بالمؤسسات التعليمية نظرا لكون إدارتنا التربوية تتحكم فيها علاقات أفقية تتواصل فيما بينها بمدى تطبيق القوانين و الإجراءات التنظيمية مع حضور طفيف للجانب التربوي الذي لا يعدو أن يكون مناسباتيا فقط , مما جعل هذا التدرج الإداري المؤسساتي يفسح المجال لممارسات تنعدم فيها الاستشارة الداخلية بالمؤسسات وتوسيع دائرة التشارك بحيث أصبحت الديمقراطية مفهوما غريبا ومرفوضا من شانه الكشف عن سوءات بعض القيمين على تدبير الشأن التربوي. ولبلوغ المبتغى الديمقراطي يتعين اعتماد مبدأ التأهيل لهذه الوظيفة بناء على مواصفات ومقاييس …مع الوعي بأهمية وأحقية الديمقراطية ومبدأ التشارك والتشاور والتوافق في تدبير الشأن التربوي حتى تجد النصوص القانونية نفسها في روح التغيير الغنية بالآراء المتباينة التي لا يضمنها الاستفراد في الرأي . من شان هذا النهج الديمقراطي في التدبير زرع قيم المواطنة وحقوق الإنسان والتسامح مع إقبار السلوكيات اللا مدنية كالغش والعنف والإضرار بالبيئة و بالملك العام داخل المؤسسات التعليمية ومحيطها . التجديد: إن علوم التربية تتطور بسرعة فائقة يصعب معها في دوامة حياتنا المعاصرة ملاحقة كل جزئياتها وعناصرها لا لعجز عضوي أو لموانع ذاتية و إنما لأسباب موضوعية كثيرة لكن هذه الصعوبات والعوائق لا يجب أن تمنعنا من ضرورة تحديث وتجديد المنظومة التربوية عبر تغيير فلسفة وبنية وأوضاع الإدارة التربوية والإدارة المدرسية خصوصا إن التغيير والتحديث والتجديد نعني به استيعاب فلسفة الجودة في المجال التربوي وبناء أسس الإدارة التربوية الحديثة القادرة على: تدبير المشكلات التربوية – تنظيم قواعد التدخل الإداري والتربوي – التنظيم العقلاني لمجال التسيير الإداري و المالي . التواصل : على الإدارة التربوية تعزيز مختلف جوانب الاتصال والتواصل داخل النظام والتنظيم المدرسيين حتى تكون الإدارة قريبة من مصدر المشكلات التعليمية في مختلف مظاهرها المادية والمالية والبشرية والاجتماعية والمعرفية. -وعلى الإدارة المدرسية تفعيل أساليب المشاركة والتحفيز والتعاون داخل التنظيم المدرسي عبر إنشاء (فرق العمل) تسند لهذه الفرق والوحدات مهام وبرامج تنجزها في المواقع التي تطرح فيها المشكلات المادية والتربوية والمعرفية وهذا النوع من التنظيم الإداري ينخرط فيه الكل من الإداري إلى المدرس إلى العون إلى التلميذ إلى الشريك متواصلين فيما بينهم وموزعين الأدوار بشكل متناسق لتحقيق الروح التشاركية وتحميل الجميع مسؤولية الرفع من مستوى تنشئتنا . الاستعانة بنظم المعلوميات : ويقصد بها إدارة الخدمات عبر تطبيق الأسس العلمية والتكنولوجية في إدارة الأفراد واختيار الأطر التنظيمية اللازمة لإدارة هذه الأعمال والخدمات وعبر تحديد مواصفات الوظائف التي سيقومون بها وأساليب الإشراف وتقييم الأداء الوظيفي مع تنمية العلاقات الإنسانية. وان إدخال التكنولوجيا الحديثة في النظام التعليمي والإداري خصوصا يعتبر ثورة تربوية في أفق بناء مدرسة الارتقاء بالفرد والمجتمع ,وان إدماج هذه التكنولوجيا يعتبر قضية أساسية , وليس مجرد استئناس لان التكنولوجيا من العناصر الأساسية للإصلاح ولمواجهة تحديات عصر العمل الرقمي .(انظر الرافعة العشرون المعنونة بالانخراط الفاعل في اقتصاد ومجتمع المعرفة – الرؤية الإستراتيجية للإصلاح 2015/2030 ) الحكامة: ونعني بها -إقرار اللاتمركز و اللا تركيز الإداري . -تكريس قيم الشفافية في التدبير. -وضوح المرجعيات القانونية وشفافيتها وانسجامها في التطبيق, وتبسيط المساطر والإجراءات وخصوصا في مجال التدبير المالي للمؤسسة. -تحسين وسائل التواصل والرفع من جودة الخدمات . -تفعيل آليات المراقبة والتقييم والتتبع . -إشراك كل الفاعلين الإداريين والتربويين والشركاء في الهياكل الإدارية التي تعنى بالشأن التربوي . هكذا إذن يعتبر إصلاح الإدارة التربوية في نفس مستوى إصلاح البرامج والمناهج الدراسية ,,,, فجهاز الادارة التربوية هي المصفاة الكبرى التي تقوم بعمليات تقطيع وتنظيم انتقال المعلومات والمقررات التربوية من القمة الى القاعدة ضمن اطر محددة فهل أنصفنا رجال ونساء هيئة الإدارة التربوية ؟ وهل يعلم المسؤولون درجة المسؤوليات والمهام التي يتحملها القيمون الإداريون في المؤسسات التعليمية ويقومون بها بإخلاص و أناة لأجل إقامة مدرسة الإنصاف والجودة والارتقاء ؟ فكفى من التهميش وكفى من الحيف إن ابتغينا تحقيق رهان الجودة وتسريع حركية الإصلاح . ذ: محمد بادرة مدير ثانوية – الدشيرة الجهادية