التعليم عن بعد والحجر التربوي …إلى متى؟ يعيش العالم اليوم في حالة طوارئ وحجر صحي شامل على وقع اجتياح وباء كورونا المستجد « كوفيد 19» وهو اجتياح بل إعصار وبائي يهدد وجود الإنسان ، يفتك بجسمه وعقله وإحساسه كما انه يهدد حاضره ومستقبله … فقد اسقط عشرات الآلاف من الضحايا ومئات الملايين من المحتجزين في بيوتهم او في المشافي ، وشل الحياة وحركة المجتمعات ، وحاصر الأفراد والجماعات وحال بين تواصل الدول والأمم ، كما انه صاحبه زلزال عالمي من الهلع والخوف ضرب كل أرجاء الأرض مما حول هذا العالم إلى كرة تاجية موبوءة تصيب كل شبر وكل منطقة بالموت والجمود والعطالة والحجر.. من قبيل تعطيل المدارس والجامعات والمطارات والمراكز الرياضية والحدائق والمطاعم وأماكن العبادة وغيرها من المرافق الحيوية في محاولة للحد من انتشار الوباء والتحكم فيه ومواجهته . وعملت كل دول العالم باستنفار كامل لطواقمها البشرية وطاقاتها المادية لحماية مواطنيها ، وفي نفس الآن عملت على تفادى الشلل الاقتصادي والاجتماعي والتربوي ومحاولة التنفس – ولو اصطناعيا – تحت وطأ الفيروس للإبقاء على روح المقاومة والبقاء واستمرارية الحياة ، وتلافيا للشلل التام الذي قد يصيب بعض المرافق الحيوية وبموازاة مع مواجهة الفيروس قامت وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي والتكوين المهني والبحث العلمي بإطلاق منصات الكترونية و استغلال وتوظيف القنوات التلفزيونية لاستئناف الدروس عن بعد ،في محاولة منها لإكمال الموسم الدراسي رغم ظروف الجائحة . اذا كانت الوزارة قد وظفت كل ما لديها من موارد سمعية وبصرية ومنصات الكترونية وشاركها الآلاف من المدرسين في هذه العملية باستعمال الوسائط التقنية الحديثة(مقاطع الفيديو- التسجيلات الصوتية- الأقسام الافتراضية عبر Microsoft Teams…) فتحول التعليم عن بعد من أسلوب « التلقين « إلى أسلوب « تفاعلي « مصحوب بمؤثرات بصرية وسمعية تجعل من العملية التعليمية « الجامدة « عملية أكثر جذبا تساعد التلاميذ على الدخول الى المحتوى دون التوقف عند تحريك صفحات الأوراق . إذا كانت هذه الاستراتيجية القائمة على التعلم عبر الانترنيت تستنزف الكثير من الجهد والتحديات والإمكانات التي تواجه المدرسين والآباء واولياء الامور ، لكنها لا تحقق الإنصاف حيث انعدام تكافؤ الفرص يبلغ حدا غير مقبول ، ويزداد تفاقما في المناطق النائية حيث وسائل التواصل غير موجودة أو ضعيفة ، وكذا لدى الشرائح الاجتماعية الفقيرة اذ العديد من هؤلاء الأطفال لا يملكون مقومات الدراسة فضلا عن صعوبة اتصالهم بالأنترنيت أو عدم امتلاكهم للحواسيب المحمولة أو الثابتة بل منهم من لا يجد أي مساندة من وسطهم الاجتماعي والعائلي ولا من الجهات الوصية على النحو المأمول في حين يحظى الآخرون بكل ما سبق لذا يتعين تفادي اتساع هذه الفوارق أو تقليلها . إن أمام نظامنا التعليمي مهمة واحدة وهي التغلب على أزمة التعليم والتعلم التي أصابتها الجائحة بسكتة تربوية – توقف نبض الدروس الحضورية – مما يتطلب منا جميعا التصدي أولا للجائحة حماية لحياة اطفالنا وشبابنا ومواطنينا , ثم الحد من الآثار السلبية لهذه الجائحة على التعلم والتعليم المدرسي ما أمكن ، وبعدها الاستفادة من هذه التجربة للعودة إلى مسار تحسين التعلم بوتيرة أسرع . يجب على نظامنا التعليمي مثلما يفكر في التصدي لهذه الأزمة أن يفكر أيضا في كيفية الخروج منها وهي أقوى من ذي قبل وبشعور متجدد للمسؤولية من جانب جميع الأطراف الفاعلة فيها وبادراك واضح لمدى الحاجة إلى سد الفجوات في فرص التعليم وضمان حصول جميع التلاميذ على فرص تعليم جيدة ومتساوية . إن التعليم عن بعد الذي فرضته الجائحة هو نسق اعقد من التعليم التقليدي ، فهو يحتاج إلى نظام تعليمي أكثر كفاءة وإدارة تربوية ومدرسية متحررة ومستقلة بقراراتها . والمعروف أن الإدارة المدرسية التقليدية في نظامنا التعليمي تميل إلى المركزية والجمود بينما يكمن نجاح التعليم عن بعد في اللامركزية واللاتمركز والمرونة والاستقلالية اللازمين لتكامل عديد من المكونات المتباينة في نسق متكامل يسعى الى بلوغ غاية مشتركة . فعند تبني التعليم عن بعد يصبح مطلوبا مرونة القيادات التعليمية وهي في العادة أكثر جمودا وتمسكا بالسلطة واغترابا عن التعليم عن بعد ومحتواه التقني . ومن باب استخلاص النتائج الأولية للتعليم عن بعد ، بعد أكثر من شهرين ،لاحظنا عدة صعوبات ونقائص في التعليم عن بعد من قبيل : حاجة المدرسين إلى التدريب على استخدام الانترنيت والبرمجيات. حاجة المؤسسات إلى توفير بنية تكنولوجية تحتية ملائمة . حاجة مستخدمي الانترنيت إلى التوفر على سرعة عالية لنقل وتوصيل المعلومات –(التواصل مع الأقسام الافتراضية يحتاج إلى مستخدم الانترنيت بسرعة عالية دون تقطع في الصوت أو الصورة ) الحاجة إلى البرمجيات والتقنيات الخاصة بالأمن لأنه – على سبيل المثال لا الحصر – خلال أداء الامتحانات الالكترونية Line quizzes لا يضمن الأستاذ أن من يقوم بأداء الامتحان هو التلميذ نفسه وليس شخصا غيره . التكلفة المالية الباهظة للأجهزة والأدوات المستخدمة في نظام التعليم عن بعد. إن أثار التعليم عن بعد أكثر تشتتا من أثار التعليم التقليدي، ومن تم فهي اصعب في التقويم وتزداد هذه الصعوبة في البلدان التي يضعف فيها موضوع التقويم والامتحانات وتقل فيها مصداقية جهود التقويم. فالتقويم في هذا الصنف من التعليم أمر صعب ومركب لذلك يجب ان يتم التقويم من خلال فرق متكاملة تضم تربويين وخبراء في الموضوعات وفي التقنيات ووسائل الاتصال الحديثة والقياس وهو أمر مكلف ماديا وتقنيا وبشريا . ان تعدد القنوات في التعليم عن بعد ليس كالتعليم العادي ، فبدلا من مجرد « الثنائي « المدرس والتلميذ يقوم التعليم عن بعد على « الثالوث « مدرس عن بعد – مدرس الاستوديو- ومتعلم عن بعد وميسر الموقع الذي يتعامل فيه المتعلم عن بعد بجوانب العملية التعليمية عن بعد . فهل نمتلك في منظومتنا التعليمية كل هذه الموارد والتجهيزات والإمكانات والطواقم التقنية وهل نقدر على تحسين شروط التعليم عن بعد ؟ إذا كان هناك من درس نستفيده من دروس كورونا المستجد هو انه أن الأوان لتحقيق إصلاح تربوي تعليمي شامل عبر إعادة هيكلة الادارة على أساس اللامركزية واللاتركيز أو اللاتمركز وذلك من خلال نقل جل الاختصاصات من المركز الى الاكاديميات والمديريات الإقليمية والمؤسسات التعليمية مما قد يساعد على السرعة في التقرير والبث والتقييم والتنفيذ المطلوبة في كل العمليات الإصلاحية وهذا ما سيرفع الإدارة التربوية لتكتسب صفات العقلانية والحداثة . كم من الوقت انتظرنا للبحث عن سيناريوهات لإنهاء الموسم الدراسي بسبب قانون الطوارئ والحجر المنزلي وتوقيف الدروس الحضورية ؟ أليس هناك من يقدر على إبداع صيغ بديلة في جهات وأقاليم المملكة وبالذات في المناطق التي لم تتعرض لانتشار الوباء او قل فيها انتشار الوباء ؟ أليس بإمكان جهات مثل الداخلة والعيون وكلميم وسوس ماسة وتادلة بني ملال …ان تبرمج دروسا حضورية او تنظم امتحانات بكيفية من الكيفيات ؟ ان جائحة الوباء قد حكمت علينا اليوم بان نتأهب لمواجهة تحديات ما بعد كورونا وتحديات العولمة « الوبائية « والعولة الاقتصادية وهذا التحدي المزدوج لا يرحم كل من تهاون او تخاذل في الإعداد لاستراتيجية بديلة تواجه كل هذه التحديات ، ولقد صار لزاما علينا نحن ابناء مجتمعات العالم الثالث ان نعي بعمق بان مواجهة كل الأخطار البيئية والوبائية والاجتماعية والاقتصادية تتأسس في المقام الأول على ارساء منظومة تربوية وتكوينية تنشد لدى افرادها الكفايات الأساسية التي تفرضها متطلبات التنمية الثقافية والسياسية والاقتصادية مع ضرورة إرساء النموذج التنظيمي اللامركزي الذي باستطاعته ان يحدث التغييرات النوعية المنشودة . الحاجة الى التحرر من ارث التسيير المركزي الى نظام اللامركزية واللاتركيز طبقا لمقتضيات الدستور والقوانين المنظمة للجهات واعتبارا لضرورة ملاءمة التربية والتكوين للحاجات والظروف الجهوية والمحلية قامت سلطات التربية والتكوين بإقرار اللامركزية و اللا تركيز في قطاع التربية والتكوين، كما ورد ذلك في (الدعامة الخامسة عشرة من الميثاق الوطني للتربية والتكوين ) وتكرر ورودها في الفقرة 132 من الرؤية الاستراتيجية للإصلاح 2015/2030 هذه الأخيرة أكدت على (توطيد اللامركزية و اللا تركيز والتدبير بالنتائج وعلى أساس التكامل والتجاوب مع الدور الفعال للسلطات المركزية في بلورة الاستراتيجيات والتوجهات الوطنية الكبرى ..) هذا التوجه نحو اللامركزية و اللا تركيز الإداري هو سعي من المشرع الإداري والتربوي لتأصيل ثقافة الإشراك في التسيير والتنفيذ وتوسيع دائرتهما محليا وإقليميا و جهويا رغم انه تم إبقاء الصلة قائمة ومستمرة وقوية مع الإدارة المركزية في جوانب تتعلق بالسياسة العامة للمسالة التعليمية , وهذا ما يكرس ممارسة غير متجانسة وسليمة مع الشأن التربوي سواء تعلق الأمر بالجانب المعرفي والديداكتيكي أو الجانب القانوني والتنظيمي. وإذا كنا نرى جهودا قد بذلت من اجل تحديث المنظومة التعليمية وجهودا متواصلة لتكريس اللامركزية و اللاتمركز فانه على مستوى الإدارة التربوية والإدارة المدرسية لم يبدل جهد كبير على المستوى التشريعي والتنظيمي رغم أن هيئة الإدارة التربوية تشكل الركيزة الأساس لتنفيذ السياسات التعليمية بخططها وبرامجها ، فبقيت الإدارة المدرسية و الإدارة التربوية عموما على هامش المبادرات الإصلاحية وهامش التحفيز المادي والمعنوي سواء فيما يتعلق بإيجاد إطار ملائم للعاملين في الإدارة التربوية شانهم في ذلك شان نظرائهم في القطاعات الإدارية الأخرى آو الإنصاف في التعويض عن الأتعاب والأشغال الإدارية والتربوية ، كما أن هناك غياب في وضع سياسة محددة للتكوين المستمر, وهو الشيء الذي يؤثر سلبا على وضعية العاملين في الإدارة المدرسية ويحدث عطبا إنسانيا و تقنيا وإداريا و بيداغوجيا داخل الآلة المحركة للجسم التربوي العام , فبقيت إدارتنا التعليمية تعاني من أعراض تمنعها من المساهمة الفعالة في تطوير التعليم . ومن ابرز هذه الأعراض المزمنة التي ما تزال تنهكك الجسم الإداري والتربوي : 1- المركزية المطلقة حيث القرارات الكبيرة والصغيرة تؤخذ على مستوى الإدارة المركزية مما ساهم في ترسيخ نزعة تقديس النصوص وشخصنة السلطة وطاعة الموظفين للأوامر وتنفيذ التعليمات , فنجم عن ذلك تنامي الانحرافات في التسيير مما يثير الشك حول وجود إرادة سياسية وتربوية حقيقية لإصلاح الإدارة كتوطئة ومدخل لأجل إصلاح التعليم. 2- عدم حصر او تحديد المهام الجديدة للإدارة المركزية بعد صدور قانون إحداث الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين وتحديد مهامها واختصاصاتها وهو ما لم يرد في الميثاق الوطني للتربية والتكوين (وان كانت الإشارة فيها أن الأكاديميات تمارس ما يزيد عن 12 اختصاصا حسب المادة 162 ، مع اختصاصات أخرى إضافية جديدة ….) مما يتطلب الكشف عن المهام الجديدة للإدارة المركزية في إطار التحول المتجه إلى تطبيق اللامركزية . 3- تطبيق اللامركزية على المستوى الجهوي ظل معاقا بالبنيات القائمة التي لم يتم تشخيصها بالكامل وخاصة تقويم خبرات الفاعلين ، علاوة على القطائع المكرسة بين الفاعلين في مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية مما يجعل التنسيق بين هذه المجالات والقطاعات عملية صعبة . (-محمد فاوبار-) 4- انعزالية القرارات حيث التواصل يكاد ينعدم بين المصالح الإدارية إن عموديا أو أفقيا وبين الإدارة والمعنيين المباشرين بالقرار: فعموديا يتخذ القرار بدون استشارة القاعدة أو الحلقات الإدارية الوسيطة ولا يهتم قط بمشاركة المعنيين بالقرار خارج الإدارة الشيء الذي يترتب عنه عدم الاهتمام والسلبية والاتكالية. إن إصلاح الإدارة التربوية في نفس مستوى اصلاح المناهج والبرامج الدراسية ( فجهاز الإدارة هو المصفاة الكبرى التي تقوم بعمليات تقطيع وتنظيم انتقال المعلومات والمقررات التربوية من الأعلى إلى الأدنى ضمن اطر محددة تمر عبر سلسلة من المستويات الادارية ) – محمد فاوبار. وانطلاقا من اهمية دور الفاعلين في الإدارة التربوية في إنجاح أي مشروع اصلاحي اكد الميثاق الوطني للتربية والتكوين ومشروع الرؤية الاستراتيجية 15/30 على اختيار اللامركزية واللاتمركز كنهج اداري استراتيجي لإصلاح الإدارة التربوية ذلك لان : اللاتمركز اصبح يفرض نفسه كأسلوب ناجع في الإدارة التربوية وليس مجرد رغبة في التخفيف من أعباء الإدارة المركزية ، وهذه الأخيرة تعمل من سنة إلى اخرى في تفويض بعض الاختصاصات للمديرين الجهويين والاقليميين لتخفيف العبء عن موظفيها ومستخدميها او ربما بسبب تقلص الموارد البشرية في الإدارة المركزية بعد « الهجرة الجماعية « نحو التقاعد والمعاش التي فتحتها المغادرة الطوعية فأفرغت المكاتب الادارية والفصول الدراسية من الأطر الإدارية والتربوية مما يوحي ان عملية تفويض بعض الاختصاصات ما هي إلا تنازل وعطاء لتخفيف العبء على الإدارة المركزية وليس وفق استراتيجية وتنظيم اداري مقصود لذاته مما يجعلنا أمام وجه اخر للمركزية التي تحتفظ بالمهام الأساسية وتفوض ما هو شكلي وتنفيذي . إن مبدأ اللاتمركز يقتضي تفويض الصلاحيات والسماح باتخاذ المبادرات المسؤولة وفي مجالات معينة ومحددة حتى لا يسود التخبط والاضطراب في المسؤولية وفي المهام وحتى لا يحدث الانقسام بين المصالح المركزية من جهة والإدارات والمؤسسات والمصالح والمديريات الجهوية والاقليمية من جهة أخرى إن مبدأ اللاتمركز يقتضي تخويل مهام ذات الشأن المصيري إلى المصالح الخارجية الجهوية والاقليمية حتى لا تبقى هذه الأخيرة مجرد أداة منفذة للتعليمات او للقرارات الصادرة من المركز خصوصا وان هذه الإدارات الاقليمية او الجهوية أصبحت تراكم الخبرات والتجارب سنة بعد أخرى وتتابع وتعايش باستمرار كل الأوضاع والمستجدات التعليمية وهي دائما تواكب هذه الأوضاع وتبحث لها عن حلول مرضية أو مؤقتة إما بتنسيق مع الإدارة المدرسية أو مع السلطات المحلية أو مع المؤسسات التمثيلية المحلية أو مع الفروع النقابية وجمعيات الإباء وجمعيات المجتمع المدني وهذا ما اكسبها من الخبرة والنضج والدراية ما يعينها لتجاوز كل الصعاب والتحديات ويسمح لها بتحمل اختصاصات جديدة في مستوى التفكير والتخطيط والتنفيذ ان من مبادئ اللاتمركز تسهيل العمل وتبسيط المساطر وإعطاء الصلاحيات الضرورية لمن تناط بهم مهمة تنفيذ السياسة التعليمية من مديرين جهويين واقليميين ورؤساء المؤسسات ورؤساء المصالح والمكاتب مع توفير الوسائل والموارد والإمكانات للتنفيذ وضمان النجاح لكل القرارات والمخططات والمشاريع . إن اللاتمركز يفرض تفهما أوسع وتصورا اشمل لمفهوم التخطيط الاستراتيجي والسياسة التربوية عامة، إذ من شان هذا الفهم الجديد في تدبير الشأن التربوي ان يساعد على توزيع عادل للمهام مع تحمل المسؤولية والقيام بتنفيذها كما يفرضها أسلوب اللاتمركز وانه وان حاولت الإدارة المركزية نقل الكثير من المهام او تفويضها للمديرين الاقليميين والجهويين إلا أنه يلاحظ اعتماد أشكال وسلوكات متباينة أو متناقضة في التسيير والتدبير والإشراف تبعا «لاجتهادات» وانطباعات تغلب عليها الذاتية والخصوصية تارة أو تقوم بتدخلات إدارية عشوائية و قد تنبطح او تنحني وتستسلم أمام قوة هذا اللون النقابي او ذاك وأمام هذا المسؤول أو ذاك ، إضافة إلى نوعية الموظفين الذين يعينون أو يكلفون بتسيير المكاتب والمصالح وفي غياب التجهيزات والوسائل والموارد اللازمة … لذا لا بد لإنجاح وانطلاق اللاتمركز القيام أولا بتقويم الأساليب المتبعة في التسيير الإداري والتربوي ومدى صلاحية الكفاءات المعتمدة والموجودة. إن اللاتمركز الاداري يتطلب وضع استراتيجية شاملة محصنة بقوانين ومساطر تساعد المسؤولين الجهويين والإقليميين ورؤساء المؤسسات وتدعمهم مركزيا من كل المؤثرات الخارجية التي قد تحد من مبادراتهم وصلاحياتهم وتجاوز الإجراءات والقوانين المعتمدة مركزيا . وإجمالا يمكن القول إن الإطار التشريعي والتنظيمي في مجال التسيير والتدبير اللاممركز قطع اشواطا لا باس بها ، لكن هذا المجهود التشريعي والتنظيمي يحتاج إلى تأهيل متعدد المستويات للإدارة العمومية كلها ، والى اصلاح بنية المؤسسات العمومية ذاتها الامر الذي يقتضي حربا ثقافية على النزعة التسلطية في الأساليب الإدارية وتغييرا مستمرا في أساليب القيادة في التنظيمات الإدارية … واللامركزية هي الالية والأداة السياسية الكفيلة بتفكيك تمركز السلطة التربوية وتوزيعها على الجهات والإقليم وكل الوحدات الاجتماعية والتربوية المحلية والصغرى …فهل زمن ما بعد كورنا كفيل بتسريع وبلورة نهج اللامركزية واللاتركيز في قطاع التربية والتكوين ؟