ما أن تغيب الشمس ويرخي الليل سدوله حتى تتحول ساحة الطاكسيات بإنزكان إلى ساحة حرب بين السماسرة من جهة وجيوب المواطنين المغلوبين على أمرهم من جهة أخرى. حرب تستعمل فيها كافة التكتيكات والحيل والمكائد للوصول إلى جيوب الركاب. فالكورتي يصبح هو الكل في الكل وهو الآمر والناهي وهو الذي يعتبر نفسه صاحب الحلول. ومن أراد له الكورتي أن يصل وجهته فسوف يصلها أما من لم ينصع لتعليماته ولجشعه فمصيره الانتظار. الكورتي لا يريد من يسأل عن التعريفة التي تتم الزيادة فيها قبل أن يصل وقت تطبيقها كما هو مقرر لدى السلطات . سائقو الطاكسيات يرجحون كفة الكورتية ويصطفون إلى جانبهم . فهم على علم بأن الركاب سيتفرقون ويذهبون إلى حال سبيلهم وينسونهم بمجرد بلوغهم وجهتهم. لذلك فالسائقون يحرصون على ان تكون علاقتهم بالكورتية جيدة حيث أنهم إلى جانب هذه الفئة التي ربما لا توجد إلا في المغرب وبهذا العدد الهائل حيث لا يخلو ميدان من السماسرة، يشكلون عصابة الحراميين الذين يدوسون على الأخلاق ولا يهمهم إلا مصلحتهم الآنية ضاربين بعرض الحائط كافة القوانين المتعلقة بالنقل العمومي وكذا لائحة التسعيرات المختومة من المصالح المختصة والملصقة على الواقية الأمامية لكل سيارة أجرة. عدد من سائقي الطاكسيات بعد الغروب يعمدون إلى عدم ركن سياراتهم في الأماكن المخصصة لهم حسب الوجهة التي يغطون خلال النهار. بل يبقون في مكان بعيد وينتظرون مكالمة هاتفية من الكورتي الذي يذهب إلى الساحة ويتربص بالمسافرين ويقترح عليهم مرافقته إن كانوا يرغبون في الذهاب إلى وجهاتهم مشترطا السعر الذي عليهم أداؤه والذي يزيد بكثير عن السعر المعمول به قانونا. وعند حشد المسافرين الذين يقبلون بالشروط المجحفة، يتصل بالسائق ويتفق معه على مكان اللقاء خارج المحطة طبعا. وهكذا تصبح عدد من الساحات محطات ليلية خاصه جنبات المركب السكني الأمان التابع لبلدية الدشيرة الجهادية. ونظرا لضعف الإنارة بهذه الأماكن، تظهر لك أضواء المصابيح اليدوية والهواتف المحمولة وهي تتحرك بسرعة ، كما تختلط عليك أصوات المكالمات المتزامنة التي يجريها عدد من الكورتية مع السائقين الذي يرغبون في اقتراح الغنائم عليهم التي اصطادوها من هذه العملية القذرة. من الوهلة الأولى، تبدو للمتتبع أن الحرب في ساحة الطاكسيات غير متكافئة. فالمسافر المغلوب على أمره يواجه صنفين من اللصوص الذين لا يهمهم حاله ولا الظروف التي يحصل فيها على المال بل يهمهم ما ينهبون منه أثناء الرحلة طبعا دراهم زيادة عن السعر المعمول به قانونا. فالصنف الأول هم الكورتية الذين يتمثل دورهم في جلب الركاب والاتفاق معهم مسبقا على الشروط المجحفة. فحتى الحصول على مقعد يتجند له أناس لا غرض لهم بالسفر لكنهم بحكم قوتهم البدنية يدخلون سيارة الأجرة ويستوون في مقعدهم وبمجرد أن تستقر الأمور ينادون على من لا قوة لهم للتدافع ويقترحون التخلي عن المقعد مقابل إتاوة قد تصل إلى خمسة دراهم في الأدنى. الصنف الثاني وهم السائقون الفاسدون وهم سبب كل ما يجري. فلو كانوا يقيمون للأخلاق وزنا ما قبلوا بالدخول في اللعبة. فهم الذين يعطون أرقام هواتفهم للكورتية وهم الذين يشترطون تحصيل التسعيرة المفروضة على الركاب قبل مهاتفتهم ، وهم الذين يقبلون بتحويل وجهة ركن سيارتهم أينما كانت الغنيمة في انتظارهم. وينضاف إلى سيطرة الكورتية والسائقين الفاسدين بصفتهم المتحكمين في المشهد عوامل أخرى تضعف الزبون ولعل أبرزها: 1. الظروف النفسية للمسافر حيث أنه بعد عناء العمل أو أسباب تنقله(مرض قريب أو زيارة لحضور مناسبة عائلية ..) تجده يتعجل لوصول وجهته مهما كانت التسعيرة المفروضة. ينضاف إلى هذا خوف الكثيرين مما يمكن أن يقع ليلا خاصة مع كثرة المتسكعين الذين تعج بهم مثل هذه الأماكن. وبالنسبة للذين يتنقلون من وإلى مقر عملهم، فما يضيفونه فوق التسعيرة يعتبرون أنهم اشتروا به دقائق إضافية للراحة استعدادا للعمل في اليوم الموالي. 2. غياب المراقبة على المحطة وما يجري فيها من تجاوزات تضرب سمعة المغرب ككل. فلا شك أن الساحة ستضم أجانب يرغبون في التنقل عبر سيارات الأجرة. فبمشاهدتهم للفوضى والاستغلال البشع لضعف حيلة المسافرين، يرسمون صورة سيئة عن المغرب وربما ينقلونها بالصورة عبر هواتفهم المحمولة وألات التصوير ويرسلونها إلى ذويهم عبر شبكات التواصل الاجتماعي. وهذا له تأثير سلبي على سياحتنا التي بسبب هذه السلوكات تراجعت كثيرا لصالح وجهات أخرى كتركيا ومصر وإسبانيا وغيرها من الدول التي لا تقبل فيها مثل هذه الممارسات. إن من ينظر إلى وجوه المسافرين الذين ساقتهم الأقدار إلى أيدي هؤلاء اللصوص عديمي الضمائر ، سيقرأ على محياهم التذمر والأسف. وكثير منهم يتأسف على تواجده في هذه الساحة دون حماية من الدولة التي يفترض أن تكون عينها مفتوحة على ألامه وأذنها تسمع لأهاته وتكون دائما مستعدة لحمايته من بطش من لا ضمير لهم. والأمل يبقى معقودا على تدخل السلطات لتخليق النقل البري وجعله يخدم مصلحة المواطن ويتماشى مع التشريعات الموضوعة في هذا القطاع. كما أنه يبقى ضرورة ملحة الضرب على أيدي عديمي الضمير الذين يتلاعبون بمشاعر ومزاج وأرزاق المواطنين وكذا الأجانب الذين يزورون البلد. كل ذلك في إطار دولة الحق القانون.