انتهت امتحانات الباكالوريا في دورتها العادية لموسم 2011-2012 بتسجيل مجموعة من الملاحظات كانت أهمها ما يمكن أن نصطلح عليه "الغش الالكتروني“ والذي لم تتخذ فيه اجراءات حقيقية تحول دون استعمال الهواتف النقالة داخل قاعة الامتحان، وتقود إلى التصدي لمختلف التقنيات الحديثة ذات الصلة بالموضوع. هذه السنة اتخذت وزارة التربية الوطنية مجموعة من التدابير "الوقائية“ وجندت لذلك طواقمها وطاقاتها الكاملة من أجل ضمان سير أفضل للامتحانات، والحد من ظاهرة الغش التي أضحت "حقا“ من حقوق بعض التلاميذ الذين يغشون بشتى الوسائل المتاحة ولو كلفهم الأمر تعنيف المكلف بالإجراء والاعتداء عليه كما أفادت مجموعة من الصحف الوطنية بحر الأسبوع الماضي. إلا أن هذه التدابير لم تكن لتحد من ظاهرة الغش باستعمال الهواتف النقالة. فبالرغم من منعها داخل مراكز الامتحان فإن التلاميذ أبوا إلا أن يحضروها ويستعملوها بكيفيات مختلفة لايستطيع معها المكلفون بالإجراء ضبطها بحوزتهم ومن تم اتخاذ الإجراءات اللازمة في حقهم طبقا للقوانين الجاري بها العمل. حيث تستعمل الفتيات سماعات يتم سترها بحجابهن، ومنهن من يسدلن الشعر على آذانهن بكيفية يصعب بل يستحيل ضبطها "متلبسة“. أما الذكور فرغم الجو المعتدل صباحا والشمس الحارة زوالا فإنهم لم يفارقوا معاطفهم وأقمصتهم الشتوية. فمنهم من دججها بأوراق صغيرة الحجم، كتبت بالحاسوب وبشكل صغير جدا وفي نسخ متعددة، ومنهم من يربط سماعات هاتفه مع معصمه ثم يتكئ على كفه من حين لآخر حسب ما تم الاتفاق عليه مسبقا مع من يساعدهم من خارج أسوار المؤسسة. وهكذا تصبح المدة التي تفصل بين آخر حصة دراسية بالثانوية وآخر ساعة من ليلة بدء الامتحانات مدة للتدريب على تقنيات الغش وليس فترة للمراجعة واستحضار التعلمات، ليضيع معها مبدآ المنافسة الشريفة وتكافؤ الفرص. يبدو أنه كان لزاما تخصيص فضاءين (مستودع الملابس مثلا) بكل مركز، الأول للذكور والثاني للإناث لإجراء عملية التفتيش قبل الولوج إلى قاعة الامتحان وذلك خلال الفترة الصباحية من أول يوم، فتحجز كل الوسائل التي تمكن المترشحين من الغش، و ترجع منها الهواتف أو ماشابها من الآلات لأصحابها عند خروجهم من قاعة الامتحان على أن تتخذ في حق من أعاد إحضارها بعد ذلك الإجراءات القانونية الخاصة بجزر الغش. أما أن يعمل الأستاذ المكلف بالاجراء على ضبط الحالة داخل الفصل فيبقى أمرا صعبا للغاية فضلا عما يخلقه ذلك من تشويش على المترشحين، وتشتيت انتباههم بدلا من خلق جو من الهدوء والتركيز. الدورة الاستدراكية القادمة ستكون فترة أخرى من فترات استعراض لآخر ما جد واستجد في عالم الغش بنوعيه "اليدوي“ و"الالكتروني“ اللهم إذا اتخذت إجراءات وزارية جديدة وفعالة للحد من هذه الظاهرة التي تعرقل مسيرة التنمية بالمغرب مادامت شواهد عدد لا يستهان به من شبابنا جاءت نتيجة للغش في الامتحانات الإشهادية وليس بناء على كفاءاتهم وتفوقهم الدراسي. رغم ذلك تبقى شهادة الباكالوريا أقوى شهادة يحصل عليها طلاب مغربنا من ناحية التدابير التنظيمية والإجرائية خلافا لما تشهده الجامعات التي تعاني من ظاهرتي الإكتضاض وقلة الأطر، وما لذلك من تداعيات على مستوى جودة الامتحانات حيث يخصص أستاذ واحد أو أستاذان على الأكثر لكل قاعة من ثمانين مترشحة ومترشح، الشيء الذي يستحيل معه ضبط حالات الغش.