أساتذة الغد، كما يسمون أنفسهم، لم يرفعوا الراية البيضاء رغم سقوط بعض من دمهم في ساحات الاحتجاج بالدار البيضاء وأكادير وإنزكان. إن «السلخة» التي أخذوها في عدد من المدن يوم الخميس الماضي زادتهم حماسا وحيوية للاستمرار في معركة إسقاط مرسومي بلمختار، ومعركة تليين تصلب بنكيران تجاه مطالبهم، بل إن التعاطف الذي خلقه التدخل العنيف لقوات الأمن ضدهم أمدهم بطاقة جديدة للاحتجاج، وهكذا اجتمعت تنسيقيتهم الوطنية، يومي الأحد والاثنين الماضيين، بنقطة واحدة على جدول الأعمال: «التصعيد»، دون مذكرة مطلبية جديدة، أو حل توافقي مع الحكومة، وهكذا قرر الأساتذة المتدربون تسطير برنامج نضالي جديد نقرأ فيه: جعل الخميس المقبل يوما وطنيا للاحتجاج لإحياء ذكرى الخميس الأسود، تنظيم وقفات جديدة في الساحات الرئيسة للمدن التي توجد فيها مراكز التكوين، تنظيم اعتصامات أمام أكاديميات التعليم، ثم الاعتصام كل مساء في مراكز التكوين لإبقاء ملفهم المطلبي مشتعلا 24/24. هذا ليس كل شيء، الأساتذة المتدربون الغاضبون ينوون الدخول في إضراب إنذاري عن الطعام لمدة 24 ساعة لاستدعاء مزيد من تعاطف الشعب معهم، وتنظيم مسيرة وطنية في العاصمة الرباط للضغط أكثر على الحكومة وعلى أجهزة الأمن. إنه برنامج للتصعيد لأن الشابات والشبان يشعرون بأنهم في موقع قوة نسبيا، بعد أن رؤوا أن الرأي العام في صفهم، وأن الحكومة منقسمة في موضوع «قمعهم»، وأنهم لم يعودوا معزولين أمام قوة حجة الحكومة من أن التكوين ليس وعدا ملزما بالتوظيف، وأن المنحة ليست أجرا، وأن المرسومين لا رجعة فيهما. انتقل الأساتذة المتدربون من الدفاع إلى الهجوم وهم يعرفون أن أيادي الأمن أصبحت شبه مكبلة، وأن الضغط قد يعطي نتيجة في صالحهم. ألم ينجح زملاؤهم الأساتذة الأطباء في إسقاط مسودة مرسوم الوردي؟ ألم ينجح سكان طنجة في دفع الحكومة إلى إلزام شركة «أمانديس» بسحب الفواتير المشتعلة، وإيجاد حلول للمطالب الاجتماعية التي توسلت بضغط الشارع لحل مشاكلها؟ إذا كان الشبان لا يستطيعون أن يفكروا، الآن على الأقل، في حل وسط وهم مصدومون من عصا الخميس، فيجب أن تفكر الحكومة في حل ودي لإنهاء هذا المشكل، وتخفيف العبء عن رجال الأمن، وتركهم يتفرغون لمحاربة الإرهاب والجريمة المنظمة وغير المنظمة وتقلص إحساس الناس بالأمان، خاصة أننا في سنة صعبة اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا، إقليميا ودوليا، ولا حاجة إلى صب الزيت على النار. كاتب هذه السطور يعتقد أن الحل ممكن دون إسقاط هيبة الدولة، ودون إرسال الأساتذة إلى أقسام المستعجلات في المستشفيات العمومية، وهذا الحل هو: تخصيص شيك صغير من 120 مليون درهم (12 مليار سنتيم) لإرجاع 1000 درهم إلى المنحة لكل أستاذ متدرب طيلة سنة من التكوين، وهذا مبلغ بسيط للغاية ستصرف إدارة الأمن أضعافه في ملاحقة تظاهرات الأساتذة إذا لم تصل معهم الحكومة إلى حل. أما الشق الثاني في الحل فهو إصدار مرسوم جديد من أربعة أسطر يلزم المدارس الخاصة بتوظيف الأساتذة المتخرجين من مدارس التكوين وبأجور مساوية لأجور القطاع العام، مع احترام قانون الشغل الذي لا يسري على هذه المؤسسات. الأساتذة المتدربون، الذين يصرون على جعل التكوين بابا كبيرا للتوظيف في القطاع العام، لا يفعلون ذلك عن عقيدة لا تؤمن إلا بالدولة مشغلا وحيدا (حتى قط ما تيهرب من دار العرس)، لكنهم يَرَوْن ويسمعون عن الفوضى الموجودة في القطاع الخاص بالمدارس الحرة التي تشغل إما أساتذة من القطاع العام «في النوار»، بتعويضات دون التزام بالحقوق الاجتماعية، وإما توظف عاطلين عن العمل أو أصحاب شواهد بدون أي تكوين بيداغوجي في مهن التدريس، وبأجور دون الحد الأدنى للعمال في قطاع البناء، وكل هذا يتم تحت أنظار مفتشي الشغل الذين لا يفتشون شيئا. بنكيران يعرف هذا القطاع أكثر من غيره من الوزراء لأنه، وقبل أن يكون رئيسا للحكومة، فهو مدير مؤسسة تعليمية خاصة، ولا بد أن يكون مطلعا على معاناة المعلمين والأساتذة مع مديري هذه المقاولات التي تبيض ذهبا، فكلما فقد المواطنون الأمل في إصلاح المدرسة العمومية، دفعوا بأبنائهم إلى المدارس الخاصة دون مناقشة أسعارها أو تماطل في الأداء، لهذا، فإن الحكومة إذا أرادت أن تقنع الأساتذة المتدربين، اليوم وغدا، بالرجوع إلى مراكز التكوين، والإيمان بالقطاع الخاص وقدرته على توفير مناصب شغل قارة وبأجور معقولة وبشروط مقبولة، فعليها تنظيم فوضى القطاع الخاص بمرسوم وهيئة للإشراف على هذا القطاع الحيوي، بعيدا عن وزارة الشغل التي تعرضت للدمار الشامل حتى ما عادت تصلح لشيء. هذا حل وسط لا يسقط هيبة الدولة، ولا يجعل من التكوين بابا ملزما للتوظيف خارج المباراة وخارج المناصب المالية المتوفرة كل سنة، وفي الوقت نفسه يلتفت إلى معاناة الشباب، ولا يهضم حقوق الأساتذة المتدربين في الاستقرار الاجتماعي والعائلي. وظيفة الحكومة، أي حكومة، أن تحل المشاكل وتخفف التوتر، وأن تشتغل بالعصا والجزرة في الوقت نفسه. الإمبراطور الفرنسي بونابرت كان يقول: «في السياسة لا تشكل حتى الأمور غير المنطقية عقبة أمام السياسي»