هل انتصرت الثورات العربية؟ وهل حقق الربيع الديمقراطي آمال وانتظارات الشعوب العربية العريضة؟ أسئلة كبرى ومشروعة، والجواب عنها يتطلب تفكيرا وتحليلا وتأملا وترقبا. المشرق والمضاء في الثورات العربية يتجلى للجميع من خلال الملاحم والبطولات التي رسمت في ميادين الحرية والكرامة، هذه الملاحم أظهرت عدة انتصارات نذكر منها: أول هذه الانتصارات تجلت في آلاف الأرواح البريئة من الشهداء الذين استرخصوا حياتهم في سبيل الكرامة والحرية للأجيال اللاحقة. ثاني هذه الانتصارات تمثلت في القضاء على أشرس الأنظمة تجبرا وتجدرا والمستبدة في العالم على الإطلاق، فقد كان إلى وقت قريب مجرد التفكير في نهاية هذه الأنظمة يعد ضربا من الخرافة والخيال. ثالث هذه الانتصارات هي بداية تحول هذه الدول، ومعها دول أخرى، إلى الديمقراطية التمثيلية، عبر وضع دساتير شعبية وديمقراطية، تلاها تنظيم انتخابات حرة ونزيهة، تحت أعين المراقبة الإعلامية العالمية، هذه الانتخابات أفرزت قيادات جديدة يمكن نعتها ب”حكومات الربيع الديمقراطي”. رابع هذه الانتصارات، وهي الأهم، تمثل في سريان فكر الثورة في أذهان الجيل الحالي، خصوصا فئة الشباب والصغار، وهو ما يعد حصنا صلبا وسدا منيعا أمام كل ارتداد عن فكر وروح وأهداف الثورة، هذا الجيل يمكن تسميته ب”حرس الفكر الثوري”. ورغم سردنا لكل هذه الانتصارات، فالتخوف من الارتداد الثوري لا يزال قائما، لأن الثورات في بداية مسارها وما زالت تتعرض لهزات تلو الأخرى، وثانيا لأن انتظارات الشعوب الثائرة وآمالها تبقى أمرا واقعا حتى تستكمل الثورة حلقات سلسلتها الطويلة. وأولى هذه الانتظارت، التسريع في إعادة بناء مؤسسات الدول الثائرة، خاصة تلك التي شهدت وتشهد تدميرا للبنى التحتية، وهذا الأمر سيأخذ وقتا أطول بالنظر إلى أن ضريبة بناء الدولة أكبر من ضريبة الثورة في حد ذاتها. ثاني هذه الانتصارات هو محاولة لملمة جراح ضحايا القمع الوحشي لأنظمة القمع الساقطة، عبر تعويض الجرحى ومنكوبي الثورة من أبناء وأرامل الشهداء. ثالث هذه الانتصارات هو محاولة مسح الصورة النمطية الملتصقة بالإنسان الذي يعيش على هذه الرقعة الجغرافية من العالم، هذه الصورة السلبية التي ظلت رمزا للخنوع والخضوع جراء سنوات الاستبداد والجبر، وذلك بإعطاء صورة جديدة، لائقة بجيل الثورة، وشباب الميادين الثائرة، وشباب عربي متحضر قادر على العطاء والاختيار، وما نموذج الشابة اليمنية الثائرة السيدة “توكل كرمان”، التي حصلت على جائزة نوبل للسلام عام 2011، إلا مثالا لنموذج الشباب العربي المنشود. تلكم إذن هي بعض انتصارات الثورات العربية المجيدة، الواجب تحصينها، وتلكم أيضا هي بعض من انتظارات الشعوب العربية الثائرة، الواجب تحقيقها. فهل ستتحقق هذه الانتظارات بعد أن أخذت تطورات الثورات مسارات متباينة.