كثير من الناس سمعوا عن سقراط وأفلاطون وأرسطاطاليس وجالينوس وأبقراط ، إنهم بالطبع فلاسفة ، لكن كما كانوا أطباء العقل كانوا أطباء الجسد أيضا ، وهكذا نجد الطب يمشي برفقة الفلسفة في حياة العباقرة عبر الزمان ، ولذلك لا غرابة أن القدامى كانوا ينادون الطبيب بالحكيم . ولو نظرنا إلى وسائل الأطباء القديمة والحديثة نجد من الابداعات ما لا نستطيع خطّه في هذا المقال القصير ، لذلك سنكتفي ببعض التلميحات : بداية لا بد من الاشارة إلى اختلاف أهل النظر في نشأة صناعة الطب والخلاصة في ذلك أن بعضهم ذهب للقول بأن صناعة الطب نتاج عن الوحي والالهام والمصادفة وآخرون قالوا إنه نتاج عن التجربة والاستنباط والمعاناة، بينما هناك رأي ثالث زاوج بين " الالهام والتجربة " (1) ولو رحلنا لزمان اليونان سنجد الأطباء يشفون الناس بالألحان والايقاعات وكانوا يعتقدون أنه حين تشفى أمراض النفس تشفى أمراض الجسد اتباعا ! (2) وذكر بعض المؤرخين أن أبو قراط دخل على مريض فقال له : أنا والمرضُ وأنت : ثلاثة ، فإن أعنتني عليه بتنفيذ ما أقوله لك صرنا اثنين وانفردت العلة ، فكنا أقوى منها ، فإن الاثنين إذا اجتمعا على واحد غلباه . لكن هناك من يستغل مهنته لبيع الأوهام للناس كما في القصة : أن رجلا أخذ ابنه للطبيب ليفحصه فلما انتهى قال له الطبيب إن ابنك يعاني من أعراض وهمية وقد كتبت له أدوية وهمية ، إلا أن الأب كان أذكى حين قال : ما دامت الأعراض وهمية والعلاج وهميا فلتكن أتعابك ومعاناتك وهمية أيضا . وهكذا بعض الأطباء عندنا للأسف ممن يتقاضون الملايين دون أن يقدموا شيئا للمرضى سوى الأوهام وفقط ! إن علوم الطب تطورت كثيرا في يومنا هذا وإن كان بعض الباحثين يُرجع ذلك للعصر الذهبي الاسلامي (3) إلا أن هذا لا ينفي أن اجتهادات الغرب كانت هي احدى أهم الدوافع التي أدت إلى تطورهم نحو صناعة طبيّة أكثر استيعابا للمشاكل الصحية التي تعاني منها البشرية اليوم . ولن نصل إليهم إلا إذا كنا مستعدين للتتلمذ على يدهم كما تتلمذوا على يدنا في وقت من الأوقات . أخيرا يمكن القول أنه رغم اقتحام العديد من الأمراض المعنوية والعضوية أجسام الناس ونفوسهم ، يبقى الأمل في علماء الطب والفكر لاستنباط العلاج واللقاح المناسب لذلك ، وكما قال أبو قراط قديما : كل مرض معروف السبب موجود الشفاء ، وفي حديث نبوي أكثر دقة وأعمق دلالة { إن الله لم ينزل داءً إلا أنزل له شفاءً علمه من علمه وجهله من جهله } . —————————————— (1) وهو الطبيب الدمشقي المعروف باسم ابن أبي أُصيْبعة صاحب كتاب عيون الأنباء في طبقات الأطباء . (2) وفي زماننا أيضا هناك من الأطباء من لا يزال يستعمل هذه الوسائل في العلاج ، وهذا لا ينفي تطور العلوم الطبية وازدهارها في وقتنا الحالي حتى صرنا نسمع ب" زراعة الأعضاء الكبيرة والدقيقة " ونقرأ عن مشروع الجينوم البشري للطبيب الشهير فرانسيس سيلرز كولينز . (3) منهم المستشرقة الألمانية زجريد هونكه صاحبة الكتاب الشهير " شمس العرب تسطع على الغرب " وكذلك الأمريكي " نوح غوردون " صاحب رواية "ميديكوس" (الطبيب) وقد قام فريق ألماني بزعامة المنتج " فولف باور " بتحويلها إلى فيلم بعد إذن صاحب الرواية .