كان امحمد الهلالي مرشحا قويا لقيادة حركة التوحيد والإصلاح، ولم يكن أحد ينتظر أن يصبح مديرا للشؤون القانونية بوزارة السكنى وسياسة المدينة. كان معروفا بحضوره الكثيف في الأنشطة التي تنظمها الحركة، بل كان منذورا للرد على الخصوم. غير أن شيئا ما وقع في الطريق فاختفى عن الأنظار. قبيل مؤتمر الحركة بقليل لم يعد الرجل يتحدث لوسائل الإعلام ولم يعد يشارك في التظاهرات بالشارع. أين اختفى الرجل الذي كان يسب رؤساء الدول والزعماء دون حياء؟ أين اختفى صاحب الشتائم القوية تجاه دول تعتبر حليفة للمغرب مثل مصر والإمارات؟ ظن الكثيرون أنه اختفى وللأبد. غير أن لعبد الإله بنكيران، الزعيم الحقيقي والفعلي للتوحيد والإصلاح طريقة أخرى في التعامل. أتصور أنه نادى على الهلالي واجتمعا حول مائدة طعام، وقال له: المرحلة لا تليق بك، لكن لعل الله عوضك بما هو خير منها. وذهب الرجل لحال سبيله منتظرا وعد بنكيران. الذي يخلف كل وعوده إلا وعدا مع إخوانه. بنكيران لا يخلف وعده. عندما قدم البرنامج الانتخابي لحزبه وكان إلى جانبه مصطفى الخلفي سئل عن مصطفى الخلفي هل سيرشحه وكيلا للائحة الشباب، فقال بنكيران إن السي مصطفى موعود لشيء أحسن. وفعلا عينه وزيرا للاتصال. بنكيران لا يخلف وعده مع إخوانه. بنكيران يخلف الوعد مع الشعب فقط. المرحلة لا تتحمل واحدا مثل الهلالي يرفع صوته سبا وشتما في رؤساء دول صديقة. لا يمكن وضع واحد في قيادة التوحيد والإصلاح يعلن عن مواقفه العدائية لحلفاء المغرب. والجميل في أولاد الحركة أنهم يلتقطون الإشارات بسرعة. الحركة في الحكومة من خلال أداتها الوظيفية العدالة والتنمية، إذن المرحلة تقتضي خطابا مختلفا، لا يتقنه إلا رجل لم يكن معروفا إلا في ديوان رئيس الحكومة. لم يكن لائقا أن يبقى الهلالي في الواجهة. لقد تغيرت الأوضاع الدولية. وبالتالي قد ينقلب السحر على الساحر. فالهلالي كان من رموز دعم الجيش السوري الحر الذي ليس سوى جبهة النصرة وغيرها من الجماعات الإرهابية. وشارك في مؤتمر بتركيا للتنظيم الدولي للإخوان المسلمين تدارس عودة محمد مرسي للحكم، وأصدر قرارات "جهادية". لقد أصبح متوقعا أن نسمع أسماء أخرى، كنا نظن أنها توارت عن الأنظار بفعل تورطها في قضايا معينة، وقد منحها عبد الإله بنكيران مناصب سامية في الدولة، ومدراء مؤسسات عمومية وعمداء جامعات. لا عجب أن نرى في يوم من الأيام القيادي في الحزب، المتهم في قضية اغتيال أيت الجيد بنعيسى مسؤولا في إحدى المؤسسات أو رئيسا لإحدى الجامعات، بعد أن تم حرمانه من منصب وزاري لفائدة الشبهات المحيطة به. ولا عجب أن نرى المسؤول الحزبي، الذي كان نقطة وصل بين العدالة والتنمية والإرهابيين بسوريا مسؤولا في إحدى الإدارات. لقد توارى بعد أن انقلب الوضع وظهر أن الذين ساهموا في دعم الإرهابيين أصبح وضعهم سيئا، لكن قد يظهر مثلما ظهر الهلالي في منصب مهم. وبعد أن تنتهي أربع سنوات من العمل بالإدارة، وهي بالمناسبة مهمة جدا، تكون الظروف تغيرت وقد يعود للقيادة إذا ما احتاجه الشرط التاريخي. لكنه اليوم بعيد عن الشارع وصراعاته ومحصن بوظيفة مهمة. هكذا يجازي بنكيران إخوانه ويحدد لهم التموقعات وفق الظروف.