نجم الكرة التشيلية فيدال متهم بالاعتداء الجنسي    ارتفاع درجات الحرارة في توقعات طقس الثلاثاء    القفطان المغربي يتألق خلال فعاليات الأسبوع العربي الأول في اليونسكو    مجلس النواب يصادق على مشروع القانون المتعلق بالصناعة السينمائية وإعادة تنظيم المركز السينمائي المغربي    التساقطات المطرية الأخيرة تبعث الأمل في موسم فلاحي جيد    دراسة: المغرب قد يجني 10 ملايير دولار من تنظيم "مونديال 2030"    نوح خليفة يرصد في مؤلف جديد عراقة العلاقات بين المغرب والبحرين    دروس وعِبر للمستقبل.. الكراوي يقارب 250 سنة من السلام بين المغرب والبرتغال‬    أخنوش: فقدنا 161 ألف منصب شغل في الفلاحة وإذا جاءت الأمطار سيعود الناس لشغلهم    عمره 15 ألف سنة :اكتشاف أقدم استعمال "طبي" للأعشاب في العالم بمغارة الحمام بتافوغالت(المغرب الشرقي)    "المعلم" تتخطى مليار مشاهدة.. وسعد لمجرد يحتفل        الإسبان يتألقون في سباق "أوروبا – إفريقيا ترايل" بكابونيغرو والمغاربة ينافسون بقوة    استطلاع رأي: ترامب يقلص الفارق مع هاريس    انعقاد مجلس الحكومة يوم الخميس المقبل    أخنوش: حجم الواردات مستقر نسبيا بقيمة 554 مليار درهم    أطباء القطاع العام يخوضون إضرابا وطنيا الخميس والجمعة المقبلين    النجم المغربي الشاب آدم أزنو يسطع في سماء البوندسليغا مع بايرن ميونيخ    الجفاف يواصل رفع معدلات البطالة ويجهز على 124 ألف منصب شغل بالمغرب    البحرية الملكية تحرر طاقم سفينة شحن من "حراكة"    استنفار أمني بعد اكتشاف أوراق مالية مزورة داخل بنك المغرب    المعارضة تطالب ب "برنامج حكومي تعديلي" وتنتقد اتفاقيات التبادل الحر    حصيلة القتلى في لبنان تتجاوز ثلاثة آلاف    سعر صرف الدرهم ينخفض مقابل الأورو    «بابو» المبروك للكاتب فيصل عبد الحسن    إعصار "دانا" يضرب برشلونة.. والسلطات الإسبانية تُفعِّل الرمز الأحمر    تعليق حركة السكك الحديدية في برشلونة بسبب الأمطار    الجولة التاسعة من الدوري الاحترافي الأول : الجيش الملكي ينفرد بالوصافة والوداد يصحح أوضاعه    في ظل بوادر انفراج الأزمة.. آباء طلبة الطب يدعون أبناءهم لقبول عرض الوزارة الجديد    رحيل أسطورة الموسيقى كوينسي جونز عن 91 عاماً    مريم كرودي تنشر تجربتها في تأطير الأطفال شعراً    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء    مصرع سيدة وإصابة آخرين في انفجار قنينة غاز بتطوان    عادل باقيلي يستقيل من منصبه كمسؤول عن الفريق الأول للرجاء    الذكرى 49 للمسيرة الخضراء.. تجسيد لأروع صور التلاحم بين العرش العلوي والشعب المغربي لاستكمال الاستقلال الوطني وتحقيق الوحدة الترابية    أمرابط يمنح هدف الفوز لفنربخشة    متوسط آجال الأداء لدى المؤسسات والمقاولات العمومية بلغ 36,9 يوما    "العشرية السوداء" تتوج داود في فرنسا    إبراهيم دياز.. الحفاوة التي استقبلت بها في وجدة تركت في نفسي أثرا عميقا    بالصور.. مغاربة يتضامنون مع ضحايا فيضانات فالينسيا الإسبانية    أطباء العيون مغاربة يبتكرون تقنية جراحية جديدة    مدرب غلطة سراي يسقط زياش من قائمة الفريق ويبعده عن جميع المباريات    عبد الله البقالي يكتب حديث اليوم    "فينوم: الرقصة الأخيرة" يواصل تصدر شباك التذاكر        فوضى ‬عارمة ‬بسوق ‬المحروقات ‬في ‬المغرب..    استعدادات أمنية غير مسبوقة للانتخابات الأمريكية.. بين الحماية والمخاوف    الكاتب الإسرائيلي جدعون ليفي: للفلسطينيين الحق في النضال على حقوقهم وحريتهم.. وأي نضال أعدل من نضالهم ضد الاحتلال؟    عبد الرحيم التوراني يكتب من بيروت: لا تعترف بالحريق الذي في داخلك.. ابتسم وقل إنها حفلة شواء    الجينات سبب رئيسي لمرض النقرس (دراسة)        خلال أسبوع واحد.. تسجيل أزيد من 2700 حالة إصابة و34 وفاة بجدري القردة في إفريقيا    إطلاق الحملة الوطنية للمراجعة واستدراك تلقيح الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 18 سنة بإقليم الجديدة    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    مختارات من ديوان «أوتار البصيرة»    وهي جنازة رجل ...    أسماء بنات من القران    نداء للمحسنين للمساهمة في استكمال بناء مسجد ثاغزوت جماعة إحدادن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ملف: ما لا تعرفونه عن بها.. قصص تقرؤونها لأول مرة عن الحكيم
نشر في اليوم 24 يوم 13 - 12 - 2014

كان لافتا إجماع الطبقة السياسية على وصف الراحل عبد الله بها بالحكيم، حتى الذين عرفوه قبل عام أو أقل من ذلك، لمسوا فيه هذه الخصلة، لكن لا أحد منهم تساءل من أين اكتسب بها ذلك؟ أحمد الريسوني، الرئيس السابق لحركة التوحيد والإصلاح، فسر ذلك بقوله إن بها كان «سليم القلب»، وهو تفسير يجمع كل من التقتهم «أخبار اليوم» على صحته. «لم يكن السي بها يغضب لنفسه، ولا يحقد على مخالفيه، ولا يكره أحدا»، يقول أكثر من عرفوه لعقود، أما هو فكان يقول: «لا نَستفِز ولا نُستفَز، لا نخادع ولا نناور، بل نقوم بواجبنا بصدق». بدل مناقشة الأشخاص كان يشدد على مناقشة الأفكار، أما إذا تعلق الأمر بالمسؤوليات والمواقع، فقد كان يقول: «أنا لا أسأل عن المسؤولية، ولا أتطلع إليها، لكن لا أعتذر عن عدم قبولها إذا كلفت بها». لذلك قال محمد يتيم، رفيقه منذ منتصف السبعينات في حركة التوحيد والإصلاح وحزب العدالة والتنمية، إنه «ليس خطأ ولا مبالغة وصفه بالحكيم».
لحكمة الراحل تجليات، منها عباراته المقتضبة والدقيقة التي ستبقى خالدة، إذ إنها تحولت إلى قواعد عمل تنظيمية منهجية وفكرية. عبد العالي حامي الدين كتب يقول إن قواعد مثل «الرأي حر والقرار ملزم»، و«الإصلاح في إطار الاستقرار»، و«مطلبنا الإصلاح وليس السلطة»، التي دخلت إلى القاموس السياسي لحزب العدالة والتنمية، تعود في الأصل إلى الراحل عبد الله، ومنها قدرته على إبداع الحل المناسب للمشاكل التي تبدو معقدة، كيفما كان نوعها. على المستوى التنظيمي كان له ميزان خاص لوزن الخلافات وتشخيصها. كان يقول إن قوة التنظيمات وتماسكها مصدرهما الثقة بين أفرادها، وضعف التنظيمات وتحللها يبدآن بالارتياب بين أعضائها.
للراحل بها تصور متكامل للأزمة التي تمر منها الأمة الإسلامية، كان يقول إن القرن الماضي تميز بثلاث ظواهر كبرى: صعود الديمقراطية، والعودة إلى الدين، وظاهرة العولمة. وكانت يرى أن أزمة العالم المعاصر يمكن للأمة الإسلامية أن تسهم في حلها بما تملكه من إسلام وسطي معتدل ومستوعب لمقتضيات المعاصرة.
لكن كان له فهم خاص للظواهر الثلاث، فالديمقراطية في الغرب تقوم على فلسفة الصراع، ويقترح تعويضها بفلسفة التعاون، أما الإسلام فيرى فيه قوة تخليقية وروحية بالأساس، أما العولمة فتعادل عنده الانفتاح، الذي يعني التلاقح الإيجابي بين الحضارات والثقافات، بحيث تأخذ كل واحدة منها ما هو إيجابي في الأخرى. في العمق كان يؤمن بحضارة الإنسان.
قدرة بها ليس في وضع تصور نظري فقط، بل في تنزيله إلى أرض الواقع بمقولات بسيطة وعميقة في الوقت نفسه. يرى أن التعاون يجب أن يكون أساس العلاقات بين القوى السياسية ومؤسسات الدولة، فهو لم يكن يستخدم مفهوم التوازن، مثلا، ولا التوافق إلا قليلا، كما كان ينبذ التنازع. والتعاون يشترط عنده الثقة بين الأفراد والتنظيمات. ومدخل الثقة هو الاحترام والتقدير. من هذا المنطلق كان تركيزه كبيرا على الثقة مع المؤسسة الملكية، إذ كان يقول: «بدون الثقة، لا يمكن الإصلاح».
ولم يكن الإصلاح عند الراحل بها نظرية في الفكر، بل نظرية في التغيير الاجتماعي والسياسي. يؤمن بأن الإصلاح ضرورة، لكنه يعتبر أن ذلك يقتضي ثلاثة شروط: الوعي، والوقت، وترتيب الأولويات. لكنه كان يرى أنه كلما كان التيار الوسطي (الإصلاحي) هو الغالب في المجتمع، كانت وتيرة الإصلاح أسرع.
كان حريصا على بناء العلاقات مع الجميع، لأنه كان يعتبر أن توسيع التيار المؤمن بالإصلاح، مهما كانت الخلافات السياسية بين مكوناته، هو المدخل الصحيح لتحقيق الهدف. ولهذا السبب كان يعتبر أن التصعيد السياسي أو النقابي من قبل حزب أو نقابة لا يجب الرد عليه بتصعيد مماثل، لأن ذلك يعني الدخول في منطق التنازع، الذي يؤدي إلى التقاطب، وهذا الأخير يؤدي إلى إضعاف الوسط. لهذا رفض التصعيد من قبل حزبه ضد النقابات التي دعت إلى الإضراب العام، ومنه قولته الشهيرة حول ما جرى في مصر تعليقا على سلوك الإخوان: «لقد تركوا خصومهم لأعدائهم». كان يؤمن بأن الخصم يجب التعاون معه حتى يصبح صديقا، والعدو يجب تفهم أسباب عداوته حتى يتخلى عنها أو يخفف منها.
في هذا الملف، تقرؤون لأول مرة مواقف وآراء وتجارب الراحل منذ سنوات دراسته الأولى حتى اللحظات التي سبقت رحيله.
لمسات بها التي ستبقى في دستور محمد السادس
خلال إعداد دستور 2011، أثير نقاش داخل المكتب التنفيذي لحركة التوحيد والإصلاح، حين كانت بصدد إعداد مذكرتها التي قدمتها إلى اللجنة الاستشارية لمراجعة الدستور، طرحت فكرة أن يتضمن الدستور الجديد مقتضيات تسمح بمساهمة المواطنين وهيئات المجتمع المدني في التشريع، وبعد أخذ ورد كان بها وراء المقترح الذي تضمنته مذكرة الحركة، والذي ينص على ما سماه «المبادرة التشريعية الشعبية»، وهي الفكرة التي تم التعبير عنها في النص الحالي للدستور بملتمسات التشريع. هنا أبرز مساهمات بها في دستور محمد السادس
الاعتراض على دسترة المذهب المالكي
حين إعداد دستور 2011، طرحت بعض الهيئات والأفراد مقترحا يقضي بدسترة المذهب المالكي، بحيث لا يتم الاكتفاء فقط بالقول إن الإسلام دين الدولة، وإنما أن يضاف إليه مذهب الدولة. الفكرة تبناها بعض أعضاء اللجنة الملكية، وتسربت إلى المسودة الأولى من دستور 2011، لكن عبد الله بها، حينما اطلع على الفكرة، رفضها بشكل قاطع، وأقنع اللجنة برأيه. ومما تذكره بعض قيادات الحركة والحزب أنه قال للجنة: «إذا اعتمدتم هذا المقتضى، فهذا يعني أنكم ستجعلون المغرب ثاني دولة مذهبية في العالم بعد إيران».
بها ضد ولاية الفقيه
بعدما اقتنعت أكثر من جهة بمقترح دسترة المجلس العلمي الأعلى، حدث نقاش حول كيفية حضور أعضاء المجلس في باقي المؤسسات الدستورية، مثل المحكمة الدستورية. كان النقاش يدور في الجوهر حول ترتيب العلاقة بين الرقابة الشرعية والرقابة الدستورية. وكانت بعض الاقتراحات تميل إلى أن تمارس المحكمة الدستورية الرقابة الدستورية، وأن يمارس المجلس العلمي الأعلى الرقابة الشرعية على القوانين. لكن كان لعبد الله بها موقف رافض لهذه الازدواجية. قال إن هذه الصيغة ستدخل المغرب في منطق ولاية الفقيه، واقترح أن يمثل العلماء في باقي الهيئات الدستورية كأعضاء، يقومون بدورهم كأفراد ضمن الهيئات التي هم فيها، واعتبر أن هذه الصيغة تجعل المغرب منسجما مع المنطق الديمقراطي، بدل منطق ولاية الفقيه الذي يعطي الفقهاء سلطة فوق الجميع.
الحق في الحياة لكل إنسان
في المسودة الأولى لدستور 2011، كان الفصل 20 منها ينص على «الحق في الحياة لكل كائن بشري»، عبد الله بها لم يستسغ العبارة، ودخل في نقاش عميق مع أعضاء في لجنة الدستور حول الفرق بين معنى مفردة «البشر»، ومعنى مفردة «الإنسان»، ورأيه أن كلمة «إنسان» مرتبطة باللحظة التي ينفخ فيها الروح في بني آدم وهو في بطن أمه، بينما مفردة بشر تحيل على المرحلة التي لم تكن الروح قد زرعت بعد في الكائن البشري. وهي مرافعة تم القبول بها، واعتمدت وفق ما أراد من قبل لجنة الدستور.
لا لانتخاب العلماء
كان عبد الله بها من بين من اقترحوا أن يكون المجلس العلمي الأعلى مؤسسة دستورية، وهو ما تم فعلا بطلب من حركة التوحيد والإصلاح أساسا، حيث ينص الفصل 42 على ذلك، لكن الفكرة التي وقع حولها خلاف كانت تتعلق بأعضاء هذا المجلس هل ينتخبون من بين العلماء أم يعينون من قبل الملك؟ بها انتصر للطرح الثاني، واستبعد فكرة الانتخاب، لماذا؟ لأن الراحل بها كان يعتقد أن نزع صلاحية التعيين من الملك والتنصيص على الانتخاب يعني العودة إلى منطق الصراع والتنازع حول الاختصاصات مع الملك، ولذلك، وبما أن المرحلة انتقالية وتتطلب الثقة، فلا يجب القبول بها حاليا، ودافع عن بقاء المجال الديني ضمن اختصاص الملك أمير المؤمنين دون تنازع.
مجلس الدولة بدل المجلس الوزاري
كان عبد الله بها وراء مقترح تقدم به حزب العدالة والتنمية في مذكرته حول الدستور، ينص على إحداث مجلس أعلى للدولة، وتفوض إليه اختصاصات تتعلق برسم ما هو استراتيجي في عمل الدولة ومؤسساتها، ويكون تحت رئاسة الملك، ويضم عضوية رئيس الحكومة ورئيسي مجلسي البرلمان، ورئيس المحكمة الدستورية، ورئيس المجلس الأعلى للسلطة القضائية، لكن هذا الاقتراح لم يجد طريقه إلى دستور 2011.
الملكية من الثوابت.. وحرية الرأي أيضا
ظل الراحل يردد دائما أن للمغاربة ثلاثة ثوابت تأكدت عندهم على مدى 12 قرنا من تاريخهم. الأول هو الإسلام «فالمغاربة مسلمون ويريدون أن يبقوا كذلك»، ويعتبر أن الإسلام هو من وحّد المغاربة. الثاني، اجتماعهم حول الملكية. والثالث، هو أن المغاربة يفضلون تدبير شؤونهم بحرية، ويرفضون الاستبداد ومنطق الرأي الواحد. ثلاثة مرتكزات/ ثوابت، في نظر بها، من وقف ضدها ينكسر.
الإصرار على الموقف
في سنة 1988، عقد مجلس الشورى لحركة الإصلاح والتجديد دورته العادية، لكنها كانت دورة حاسمة في مسار الحركة. لقد صادق مجلس شورى الحركة على ورقة كتبها عبد الله بها بنفسه. الوثيقة طرحت مواقف وخيارات. من المواقف التي تضمنتها كانت تلك التي تتعلق بموقف الحركة من النظام الملكي. عبد الله بها، الذي كان قد أعد الورقة حول الموضوع، اقترح ثلاثة خيارات كمداخل للعمل السياسي، إما تأسيس حزب سياسي أو الاندماج في حزب قائم أو تحول الحركة إلى جماعة ضغط، لكن النقطة التي أثارت الجدل هي الموقف من الملكية، بحيث أن الورقة دافعت عن فكرة التعاون والمشاركة والإصلاح المتدرج، لكن أغلب أعضاء مجلس الشورى رفضوها بسبب ذلك الموقف. ولكي ينتزع الراحل عبد الله بها موقفا مؤيدا منها، اهتدى إلى حل وسط، إذ قال للمجتمعين: «يمكنكم المصادقة على روح الورقة» فقط، وفعلا انتزع موقفا مؤيدا لها، مع التحفظ على الموقف المذكور، لكن مع الزمن أصبح هو المعتمد، وأصبحت الملكية طرفا أساسيا في تصور بها لعملية الإصلاح.
الرأي يواجه بالرأي
الحرية أساس فكر ومنهج ومواقف عبد الله بها. حين كتب عبد العلي حامي الدين، الأستاذ الجامعي وعضو الأمانة العامة للحزب، مقالة رأي ينتقد فيها قرارات ملكية خرجت من اجتماع ضم الملك محمد السادس ووزير الداخلية حينها، امحند العنصر، والوزير المنتدب في الداخلية الشرقي الضريس، ومسؤولين أمنيين، بتوقيف 180 رجل أمن ودركي، بحجة أنها تخرق الدستور. أثار موقفه ذاك ردود فعل داخل الحزب وخارجه، من الذين لم يستسيغوا القول بأن الملك خرق الدستور، كما ذهب حامي الدين إلى ذلك.
المقال أثار نقاشا أيضاً داخل الأمانة العامة للحزب، ووجد حامي الدين نفسه أماما انتقادات وجهت له، لكن عبد الله بها أوقف ذلك، ورفض أن يناقش حامي الدين سياسيا، قائلا:» الأخ حامي الدين أستاذ جامعي للقانون الدستوري، والمقال رأي أكاديمي، وإذا كان لأي منكم اعتراض، فإن الرأي الأكاديمي يرد عليه برأي أكاديمي في نفس مستواه».
احترام الشرعية .. باها يريد أن يكون وزير دولة بالانتخاب
إذا أردتم عبد الله بها فانتخبوه
كان عبد الله بها، رحمه الله، حريصا على مشروعية المؤسسات، ولم يكن يغضب إلا في حالة واحدة، هي حين يتم المساس بالمشروعية. في لجنة 54 التي شكلها حزب العدالة والتنمية لانتخاب وزرائه في الحكومة، وبعدما وضعت مسطرة الترشيح وتم التصويت عليها، مرت اللجنة إلى عملية انتخاب من يكون وزيرا للدولة في حكومة بنكيران. كان الجميع يعلم أن بنكيران فاوض من أجل إحداث نائب رئيس الحكومة، لكن تم رفض المقترح بحجة أنه لم يرد في الدستور، لكن تم الاتفاق على منصب وزير الدولة، ويعلمون كذلك أن بنكيران كان يريد ذلك المنصب لشخص وحيد هو عبد الله بها، لكن حين عرض المنصب، وفتح التداول في الاسم المرشح له، أبدى أكثر من قيادي في الحزب موقفه بأن وزير الدولة هو عبد الله بها، ومن ثم لا داعي للانتخاب. لكن بها رفض، وتملكه الغضب، وقال حينها «إذا أردتم عبد الله بها فانتخبوه»، وحجته في ذلك، أن اللجنة اجتمعت ووضعت مسطرة لكي تُحترم، وأغلق الباب نهائيا أمام الاستثناء.
يجب أن نحترم الرئيس في كل شيء
كان عبد الله بها حريصا على مشروعية الهيئات والمؤسسات داخل الحركة والحزب. يروي قيادي كبير في المكتب التنفيذي للحركة، أنه كان يحدث أحيانا أن «نكون في اجتماع المكتب التنفيذي ويؤذن للصلاة، فنقوم للصلاة في مسجد قريب من المقر المركزي، لكن حدث أن المسجد أوقفت فيه الصلاة من أجل إصلاحه، فأصبح أعضاء قيادة الحركة يصلون في قاعة بمسجد المقر المركزي. ويحدث أن يتأخر رئيس الحركة بسبب أنه يتوضأ، فيشرع أحدهم في إقامة الصلاة قبل حضوره، وفي كل المرات التي حدث فيها ذلك بحضور الراحل بها، كان يوقفها ويقول: «لا نصلي إلا بعد أن يحضر الرئيس ويعطينا الإذن بذلك»، ويضيف «لدينا رئيس واحد يجب أن نسمع له في كل شيء»، وكان ذلك يثير النقاش بينه وبين بعض أعضاء المكتب، لكنه ظل متشددا في هذا الأمر. إلحاحه في احترام الرئيس، تكرر أيضاً حين كان بعض شباب المكتب التنفيذي، يخاطب الرئيس السابق للحركة امحمد الحمداوي ب»السيد الرئيس» في حضرة الرئيس الحالي عبد الرحيم شيخي، فكان يتدخل فورا لوقف ذلك، قال ذات مرة لأحدهم «يا أخي عندنا رئيس وحيد هو السي شيخي»، وكان «حريصا على أن يتجنب كل شيء يمكنه أن يمس بسلامة القلوب بين بعضها».
الاعتداء على المشروعية نهاية للحزب
في خضم الحراك الشعبي الذي تزعمته حركة 20 فبراير، انقسم قياديو الحزب بين مؤيد للمشاركة في الحراك كما هو الحال بالنسبة إلى مصطفى الرميد وسعد الدين العثماني، وبين رافض مثل عبد الإله بنكيران. قادة الطرف الذي أيد الخروج في مسيرات الحركة، شارك فعلا فيها، واحتك بالسياسيين والشباب من قيادات أحزاب وهيآت أخرى، وحاول الاتفاق معهم حول سقف محدد ومعلن للمطالب، لكن قيادات حزبية وإسلامية من أحزاب يسارية وجماعة العدل والإحسان رفضت الفكرة، وقالت بأن الشارع هو الذي يضع برنامجه والسقف الذي يريد. فتراجعت قيادات العدالة والتنمية حينها إلى الوراء، وبدأ نوع من التقارب يحدث بين الطرفين، مهد للدعوة إلى دورة استثنائية للمجلس الوطني.
في تلك اللحظة، برزت أصوات طالبت بنوع من التصالح والتوافق، وهو رأي قبل به بنكيران. الوحيد الذي رفض التوافق كصيغة بين الطرفين هو عبد الله بها، إذ قال حينها للقيادات التي تجاوزت قرار الأمانة العامة القاضي بعدم النزول والمشاركة في مسيرات حركة 20 فبراير، إنها أخطأت واعتدت على مشروعية مؤسسة من مؤسسات الحزب هي الأمانة العامة، وعليها أن تقر بخطئها لا أن تطالب بالتوافق، لأن التوافق على حساب المشروعية يعني نهاية الحزب ذاته، ونهاية المشروع الذي يمثله.
الإصرار على الإنصات للرأي المخالف
حين كان عبد الإله بنكيران يدافع عن العمل القانوني والعلني، بعد مغادرة تنظيم الشبيبة الإسلامية، وجد صعوبة كبيرة في الإقناع برأيه. ولأن أغلب الأعضاء في التنظيم كانوا يعتبرون العمل القانوني «تنازلا أمام الطاغوت»، وفق العبارات التي كانت متداولة بين الإسلاميين في السبعينيات، فقد رفضوا بشدة التحول من تبني الخيار الثوري والعمل السري. حينها احتد النقاش، بين بنكيران من جهة، وباقي الأعضاء في مدينة الرباط والدار البيضاء، ووصل إلى مرحلة الانسداد. إثر ذلك، لم يعد بنكيران يحضر الاجتماعات، رغم أنه كان المسؤول عن التنظيم في منطقة الرباط سلا. في ذلك المنعطف المهم، برز دور عبد الله بها، الذي كان يقف في صفّ بنكيران، بحيث عوضه في تسيير الاجتماعات واللقاءات، وفي الإقناع برأيه، في الوقت الذي كان يستمع جيدا للرأي الذي يخالفه.
الجدل استمر حتى بعد اعتقالات 1984، التي اعتقلت خلالها السلطات أفراد الجماعة الإسلامية في عدة مدن، ومن بينها مدينة مكناس التي كانت ترفض العمل القانوني، حيث تم اعتقال جميع الأعضاء. الواقعة أدت بعد ذلك إلى تغيير شامل في قناعات المدافعين عن السرية، بعدما تبين لهم أن العمل السري لم يحل دون الاعتقالات.
يد يمنى لرئيس الحكومة.. يعيش ويموت على الكفاف
وزير بلا ديوان ولا كاتبة خاصة
منذ أن عيّن الراحل عبد الله بها وزيرا للدولة، بدأ المقربون منه، ومنهم ابنه الأكبر، يسألونه عما إذا كان سيتخذ له ديوانا من مستشارين وكاتبة خاصة، وغير ذلك مما هو مكفول قانونيا للوزراء في كل الحكومات المتعاقبة. عبد الله بها قال، في الأشهر الأولى بعد تعيينه، إنه لايزال يفكر. بعد ذلك نسي الموضوع تماماً، وظل يرد على كل من يسأله: «متى تتخذ ديوانا خاصا؟»، «لست في حاجة إلى ذلك». وقع أكثر من ذلك -يقول مصدر عمل إلى جانبه في مقر رئاسة الحكومة- أصبح مكتب رئيس الحكومة يشتمل على كرسيين؛ واحد لرئيس الحكومة والثاني لصديقه، لكن حتى مكتب رئيس الحكومة، وبالتدريج، لم يعودا يجلسان فيه إلا للضرورة، وأصبح المكان المفضل لهما هو صالون استقبال الضيوف، فيه يعملان معا، ويستقبلان ضيوف رئاسة الحكومة معا. أما مكتب وزير الدولة، فقد حوّله بها إلى مكتب لاستقبال الضيوف من المواطنين والمسؤولين الذين كانوا يأتونه من أجل حل مشاكلهم.
مصفاة القوانين والقرارات الكبرى
لم يكن عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة، يوقع على أي قرار مهم أو مشروع قانون مهم كذلك، إلا بعد أن يمر عبر «المصفاة العقلية»، أي وزير الدولة ورجل ثقته الخاص، عبد الله بها. مصدر اشتغل بجانبه في رئاسة الحكومة، أكد أن كل القوانين والقرارات الكبرى التي وقعها بنكيران، مرت، أولا، عبر وزير الدولة الراحل. بل إن عبد الإله بنكيران كان في كل اجتماع للجنة وزارية أو مع مؤسسة عمومية أو مع النقابات، يحرص على أن يكون مصحوبا بعبد الله بها، وأحيانا إذا كان يتوقع أن يكون الاجتماع ساخنا، يبعث عبد الله بها مكانه. أما في الاجتماعات التي يتأخر عنها عبد الله بها، فإن بنكيران يمتنع عن افتتاحها حتى يحضر السي بها. وإذا تأخر يتصل به هاتفيا، أو يبعث وراءه، وهذا ليس في مقر رئاسة الحكومة، بل كان يحدث في لقاءات الأمانة العامة للحزب، حيث يؤكد عضو للأمانة العامة أن بنكيران يؤخر وقت بداية الاجتماع دائماً إلى أن يحضر بها.
مدقق لكل وثائق الحزب والحركة
كل قيادات الحركة والحزب، التي استمعت إليهم «أخبار اليوم»، أجمعوا على أن عبد الله بها كان «مدققا بارعا»، ولهذا السبب كان الأمين العام للحزب، أو رئيس الحركة، يفضلانه لمراجعة الصيغة النهائية لكل الوثائق التي يصدرانها، من بيانات وبلاغات ورسائل وافتتاحيات «التجديد» أحيانا، ووثائق المؤتمرات… الخ. وللراحل منهجية في التدقيق، تبدأ أولا بمراجعة اللغة وسلامتها، ثم انسجام مضمون الوثيقة مع منهج الحركة أو الحزب في العمل الإصلاحي، ثم مدى انسجامها مع روح القانون في العدل والإنصاف، فالراحل كان يدقق عبر مستويات متتالية، ولهذا السبب يقول قيادي في الحزب: «كنا نكتب البلاغ أو البيان، ويأخذ منا وقتا معينا، لكننا كنا نعرف أن أطول فترة زمنية هي التي يقضيها السي بها في التدقيق».
لهذا السبب، اتخذه قادة الحركة والحزب مدققا لحواراتهم المكتوبة مع وسائل الإعلام، ولعل أبرزهم عبد الإله بنكيران، الذي لم يكن أي من حواراته يخرج للعلن إلا بعد أن يراجعه عبد الله مراجعة كافية، وبثقة كاملة بين الرجلين.
«موقفنا من التطبيع سياسي»
على خلاف كثير من التيارات الإسلامية وغير الإسلامية، التي تناهض التطبيع مع إسرائيل من منطلق عقدي وإيديولوجي، كان عبد الله بها يعتبر أن الموقف سياسي وليس عقديا، ويشرح ذلك بقوله: «إذا وافقَت على حق العودة للفلسطينيين، يمكن أن نعترف، ولأن إسرائيل لن تقبل بذلك الحق، لأنها ستكون حينها قد انتهت، وهي تعرف ذلك، فلا يمكننا إلا أن نتشبث بموقفنا الرافض للتطبيع، مع إدراك أن الموقف سياسي».
بها يقنع بنكيران بمواصلة الطريق
لا يعرف الكثيرون أن الراحل عبد الله بها كان وراء إقناع عبد الاله بنكيران بالاستمرار في العمل السياسي والدعوي، وأنه لولا عبد الله بها لكان بنكيران خرج من المجال العام منذ أكثر 35 سنة، تتداول الحكاية على أكثر من لسان مطلع على الحياة الداخلية لحزب العدالة والتنمية وحركة التوحيد والإصلاح، وأن عبد الاله بنكيران لما غادر السجن في أواخر السبعينات، وقد نال نصيبه من الضرب والإهانة والتعذيب على يد أجهزة الأمن والمخابرات التي كانت مكلفة بإدارة ملف معارضي الملك الراحل الحسن الثاني، لما خرج بنكيران من السجن بعد أسابيع من الاعتقال والتعذيب دون محاكمة، قرر أن يعتزل العمل السياسي والدعوي نهائيا، كما شرع في إعادة ترتيب حياته للسفر إلى فرنسا والاستقرار هناك حيث كان أحد أبنائه يدرس هناك بعيدا عن المغرب، إذ المعروف على بنكيران أنه رجل لا يصبر على التعذيب والمحن و(طلاع هبط من الكومساريات والمحاكم) لكن رفيق دربه عبد الله بها حاول إقناعه بالعدول عن قرار الاستقالة من العمل السياسي، ومما قاله بها لبنكيران (إذا غادرت المغرب وإذا اعتزلت العمل الدعوي والسياسي فإنك تساعد خصومك على الوصول إلى أهدافهم، هذا ما يريدونه منك بالضبط أن تخرج من الساحة وأن ترفع الراية البيضاء)، عندها، تقول مصادرنا، تزعزعت أفكار بنكيران وعدل عن قرار الاعتزال وأكمل المشوار بحلوه ومره إلى أان وصل إلى رئاسة الحكومة، وما كان يظن آنذاك أنه سيصير رئيس بلدية بل أن يفكر أنه سيصير رئيس حكومة يقود أكبر حزب في المغرب، لهذا ظل دائماً يحتفظ ببها إلى جانبه مستشارا ورفيقا وحكيما وصاحب رؤية وعزيمة .
عاش في بيت للكراء
رغم أنه كان مهندسا باحثا، ثم برلمانيا، فوزيرا، إلا أن عبد الله بها، بدأ حياته مكتريا ومات كذلك. كان يرى أن الأفضل هو أن يدرس الرجل أبناءه، على أن يمتلك بيتا، علما أن أبناءه درسوا في الجامعة المغربية. عاش مع زوجته الأولى (أستاذة) في حي المحيط بالرباط، منذ عقود، في شقة صغيرة مكتراة، وحين تزوج للمرة الثانية، اكترى للزوجة الثانية (موظفة في مختبر للتحليلات الطبية) بيتا قريبا كذلك، ولم يفكر، بخلاف أقرانه، في امتلاك شقة أو غيرها.
أكثر من ذلك، كانت زوجته الثانية، فاطمة معنان، منخرطة في جمعية للسكن، إلى جانب قيادات في العدالة والتنمية وحركة التوحيد والإصلاح، (منهم سعد الدين العثماني ومحمد يتيم وامحمد الهلالي وآخرون، ولم يكن بينهم الراحل بها)، انتهت الجمعية وأغلقت بعدما أخذ الجميع حقوقه، وكانت فاطمة معنان من بين آخر من تسلموا قسطهم المالي، وتزامن ذلك مع تعيين حكومة عبد الإله بنكيران، التي عين فيها زوجها وزيرا للدولة. قررت معنان أن تشتري شقة أكبر من التي تسكنها حاليا، لأنها زوجت ابنتها «حكمة»، وصارت تشعر الأسرة بالحرج كلما زار الصهر أصهاره. أضافت معنان القسط المالي الذي حصلت عليه من الجمعية إلى مداخيل إرثها من والدها، لكن عبد الله، الذي أصبح وزيرا، تدخل وأوقف المحاولة. تقول معنان: «خشينا أن تفهم هذه العملية بشكل غير صحيح، خصوصا من قبل محيطنا القريب»، أما بها، رحمة الله عليه، فقد قرر وقف الفكرة «اتقاء للشبهات»، على حد قوله.
متأمل ومحب للخلوة
قليلون من كانوا يعرفون أن عبد الله بها يحب الخلوة والتأمل لوحده، كان حين تهمه مشكلة ما، ويكون بصدد البحث عن حل، تجده في مكتبته أو أرشيفه معتكفا طوال ليلة كاملة، أما حين يكون الأمر يتعلق بموقف يتطلب تقليب النظر فيه، فإن اجتماع المكتب التنفيذي قد ينتهي لكنه يظل جالسا في ركن من أركان المقر المركزي للحركة الليل كله حتى صلاة الفجر، أو يخرج للتمشى راجلا، وفي أوقات غالبا ما تكون بالليل، قد يكون ذلك على الساعة الثانية عشرة ليلا، وقد يكون على الساعة الثانية صباحا، وقد يكون ذلك قبل الفجر، لا فرق. لهذا السبب في إحدى المرات(قبل حوالي سبع سنوات) تم توقيفه من طرف لصوص في شارع حسان(بينما يقطن هو في المحيط)، وهو عائد من مسجد السنة بعد صلاة الفجر، حاولوا سرقته لكن لم يجدوا عنده سوى هاتف نقال قديم.
الموقف من الخصوم.. «لا نخضع للابتزاز ولا ننجر للاستفزاز»
أنا غير مرتاح للوضع الحالي
بينما كان هاجس الانتخابات المقبلة، يسيطر على النقاشات السياسية والحزبية بين شباب حزب العدالة والتنمية، خاصة بعدما تراجعت حركة «النهضة الإسلامية» إلى الموقع الثاني في تونس، سأل بعض شباب الحزب الراحل عبد الله بها عن رأيه وتوقعاته للانتخابات الجماعية المقررة في صيف 2015، وحول ما إذا كان الحزب سيقدم مرشحين في كل الدوائر، فكان جوابه أبعد من حدود السؤال، إذ قال ما معناه: «ليس من الصحي أن يقدم الحزب مرشحين في كل الدوائر»، لأن ثمة خللا في المشهد السياسي، وتابع قائلا: «ليس صحيا أن يكون حزب العدالة والتنمية هو الحزب الوحيد والأقوى في البلد»، مؤكدا أن المغرب «بحاجة إلى أحزاب قوية»، وختم قائلا: «أنا غير مرتاح لهذا الوضع».
رفض العنف مع اليسار
في الموسم الدراسي لسنة 1980/1981، حدث أن هاجم طلبة يساريون في معهد الزراعة والبيطرة الطلبة الإسلاميين بالمعهد، مما أدى إلى ضرب وجرح في حق بعضهم، وأصيب رضى بنخلدون بكسر في يده. الاعتداء كان سافرا. انتشر الخبر، وبدأ إخوان عبد الله بها التفكير والتخطيط للرد على الاعتداء، وصل الخبر إلى إخوانهم في جامعة الدار البيضاء كذلك. هؤلاء قرروا النزول إلى الرباط، من أجل الرد على طلبة اليسار، لكن عبد الله بها سيكون له موقف حاسم، إذ رفض بشدة فكرة «الإنزال»، كما رفض فكرة «الرد على العنف بالعنف»، واعتبر أن المشكل بين طلبة المعهد ينبغي أن يبقى في حدود ذلك. ورغم تشدد بعض أعضاء جماعته، إلا أنه نجح في إقناعهم برأيه، وبالتالي لم تحدث أية مواجهة، وواصل بها طريق الدعوة السلمية داخل المعهد وخارجه.
نصحح المعلومات ولا نرد على الآراء
كانت حركة التوحيد والإصلاح أو حزب العدالة والتنمية أحيانا موضوع تقارير أو آراء متحاملة، تنشر في وسائل الإعلام. وحين يحدث ذلك، ترتفع أصوات داخل قيادة الحركة تطالب بالرد عليها، لكن عبد الله بها دائماً كان يكون له موقف مختلف. كان يقول:»المعلومات إذا كانت خاطئة من الواجب علينا أن نصححها للناس، ولكن لا يمكن للهيئات أن ترد على الرأي، مهما كان متحاملا».
من يصنع مشكلة يجب أن يحلها
في السنة الأولى للحكومة، تدخلت قوات الأمن بعنف ضد المعطلين، وصادف ذلك مرور البرلماني عبد الصمد الإدريسي الذي تدخل لدى فرقة أمنية كانت تعتدي بالضرب المبرح على معطل، فما كان منها إلا تركت المعطل وتوجهت نحو البرلماني الإدريسي فأشبعته ضربا وسبا. أثار الحدث غضبا واسعا داخل الحزب، وفي مجلس النواب الذي اعتبر ذلك اعتداء على حرمة مؤسسة دستورية، ووصل التوتر إلى داخل الحكومة، التي تمت مطالبتها بإجراء تحقيق في النازلة. امتد التوتر لفترة من الزمن، وأصبحت الحكومة مطلوب منها أن تتخذ موقفا، لكن وزارة الداخلية اعتبرت أنها لا يمكن أن تعاقب عناصرها الأمنية، لأنها لا تريد إضعاف الأجهزة. تعقد المشكل، فاتصل بنكيران بالإدريسي يطالبه بأن يتنازل شخصيا عن قرار متابعة الأمنيين الذين اعتدوا عليه، ومنهم باشا الرياط، لكن عبد الله بها سيكون له موقف آخر، حيث رفض تدخل عبد الإله بنكيران لدى الإدريسي، واعتبر أن من تسبب في المشكلة يجب عليه أن يحلها، في تأكيد منه أن المشكل تسببت فيه الأجهزة الأمنية، وهي من عليها أن تجد الحل له.
بها ضد التصعيد في الإضراب العام
حين قررت المركزيات النقابية شن إضراب عام، حدث نقاش قوي داخل الأمانة العامة للحزب، كان الرأي الأكثر تأييدا يرى أن تصعيد النقابات، وضغطها المتواصل على الحكومة، يجب أن يقابله رئيس الحكومة بتصعيد مضاد. فالنقابات أعلنت الإضراب العام قبل أن تقدم الحكومة مشروعها النهائي، وقبل أن يقول المجلس الاقتصادي والاجتماعي رأيه للحكومة، الأمر الذي قرأته قيادات الحزب قراءة سياسية، مفادها أن قرار النقابات هو قرار سياسي، وبالتالي ينبغي مواجهته سياسيا، بأن يرد رئيس الحكومة على ذلك في الإعلام العمومي وغيره، لكن عبد الله بها انفرد بين قيادات الحزب برأي معارض دافع عنه إلى النهاية، مفاده أن الإضراب العام في عهد الحسن الثاني كان ينظم في إطار الصراع حول المشروعية بين نظام الحكم وقوى المعارضة، بينما الإضراب العام ليوم 29 أكتوبر الماضي موجه ضد الحكومة فقط، وليس ضد الدولة. ثانيا، إن التصعيد، من جانب الحزب، ستكون له نتيجتان: إذا نجح الإضراب فعلى الحكومة أن تستقيل، وإذا لم ينجح، فإنه سيؤدي إلى عملية الاستقطاب. وعليه، فالحل الوسط هو أن تقوم النقابات بعملها وتتحمل مسؤولية نتائجه، وأن تستمر الحكومة في عملها بشكل عادي، حتى إذا مر الإضراب، وأعلن المجلس الاقتصادي والاجتماعي عن رأيه، على الحكومة أن تستدعي النقابات للحوار فورا، وقال: «لا نخضع للابتزاز، ولا ننجر للاستفزاز»
أزمة الاتحاديين تكمن في ذهاب الثقة بينهم
حين انتقد إدريس لشكر، الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي، بعض قيادات حزب العدالة والتنمية بمبرر أنها تتدخل في الصراع الداخلي في البيت الاتحادي، أثار ذلك نقاشا بين عبد الله بها وقيادات في الأمانة العامة للحزب. بها علق على الموضوع بالقول إن ما وصل إليه الاتحاد الاشتراكي كحزب «يجب أن يُقرأ بمنطق السنن»، أي بمنطق القوانين الكونية التي تحكم التطور الإنساني. بها قال في كلمات ملخصا أزمات التنظيمات: «إن التماسك بين أفراد الهيئات والتنظيمات مصدره الثقة»، كما أن «استمرار قوة التنظيمات يكون بالتعاون بين أفرادها». وفي المقابل، فإن «الانشقاق في التنظيمات وتصدعها، يبدأ بالارتياب والشك بين أعضائها»، كما أن «ضعفها ثم تفككها، يكون بالتنازع بين أعضائها».
كلها يدير شغلو
في الوقت الذي كان عبد الله بها وعبد الإله بنكيران يدافعان عن التطبيع القانوني للحركة مع السلطة، كانت كثير من قيادات الحركة المحلية والجهوية تتردد في ذلك. على سبيل المثال، حينما كان يقع تأسيس فرع للحركة، أو إعادة انتخاب مكتب جديد، أو عندما يتعلق الأمر بتنظيم نشاط دعوي أو ثقافي، كانت كثير من قيادات وأعضاء الحركة يرون في اتباع المسطرة القانونية مجرد ضياع للوقت، «سنعد الملف القانوني، ونتعب في ذلك، وبعد ذلك يرمونه في سلة المهملات»، هذا هو المنطق الذي كان سائدا لدى كثير من قواعد الحركة في التسعينيات خاصة، لكن عبد الله بها كان حريصا على أن تقوم الهيئة أو الشخص بدوره وبواجبه فقط، وأن يترك للآخرين أن يقوموا بدورهم، وكان يردد عبارته المشهورة عنه: «كلها يدير شغلو». وهي عبارة تنطوي على منطق في معالجة الأشياء، ظلت تلازمه حتى وهو وزير للدولة في الحكومة. عندما اشتد الضغط على الحكومة في سنتها الأولى كان البعض من قادة حزب العدالة والتنمية، يرى أن الضغط إذا لم يتوقف، يجب على رئيس الحكومة أن يستقيل. عبد الله بها كان ضد الفكرة، من المنطلق نفسه، بحسب أكثر من قيادي في الحزب، إذ كان يتساءل: لماذا نستقيل؟، ويجيب قائلا: «يجب على الحكومة أن تمارس مهامها وتقوم بمسؤولياتها كاملة، وألا تقوم بما يطلبه الآخرون منها».
نحن والعدل والإحسان منهجان مختلفان
كان عبد الله بها يعتبر أن حركة التوحيد والإصلاح وجماعة العدل والإحسان منهجين مختلفين، وبسبب ذلك كان يدعو قيادات الحركة إلى عدم الرد عليهم، أو الانجرار وراء الاستفزاز. مثال ذلك، حين فاز حزب العدالة والتنمية في انتخابات 25 نونبر 2011، وتعيين حكومة عبد الإله بنكيران، بعثت الجماعة برسالة إلى الحركة ومن خلالها إلى الحزب تحملها ضمنيا مسؤولية إفشال الحراك الشعبي الذي كان يتم تحت يافطة حركة 20 فبراير، فحدث نقاش داخل المكتب التنفيذي حول الرد من عدمه على منطق الجماعة، وهي التي كانت قد انسحبت من حركة 20 فبراير مما أدى إلى ضعفها. الحركة وبعد أخذ ورد بين قيادتها، استشارت عبد الله بها الذي «قال لنا»، يقول قيادي في الحركة، «موقف إخوتنا في الجماعة منسجم مع اجتهاداتهم، ولا ينبغي لكم أن تستغربوا ذلك»، وأكد أن الخلاف حين يكون في المنهج، فيجب أن يحاكم من داخل ذلك المنهج وليس بمنهج آخر، وشدد على التعامل الوحيد الذي ينبغي أن يسود بين الجماعة والحركة هو «الاحترام والتفهم، وليس الجدال وإثارة الخلافات». كان دائماً يقول إن الاختلاف طبيعي، ولكنه قد يتحول إلى خلاف. الأول يكون داخل المدرسة الواحدة، أما الثاني فيكون بين مدرستين. وبين الحركة والجماعة خلاف وليس اختلاف، لكنه كان يحذر من أن يتحول الخلاف إلى ما هو أخطر، أي التنازع، وكان يستشهد مرارا بقوله تعالي:»ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم»، أي قوتهم وهيبتكم، لصالح الأعداء الحقيقيين.
أيام الدراسة.. لقاء بنيكران والدفاع عن الرجل الثاني في البوليساريو
نظم إضرابا حتى يعود البشير مصطفى
في السنة الدراسية 1971/1972، كان عبد الله تلميذا بثانوية يوسف بن تاشفين بأكادير، رفقة سعد الدين العثماني وآخرين، فحدث، في سياق المواجهة الفكرية بينهما وبين تلاميذ من اليسار، أن اختفى تلاميذ صحراويون، كان من بينهم البشير مصطفى، الرجل الثاني في جبهة البوليساريو اليوم، الذي كان يدرس في الثانوية نفسها، والذي كان يطلق عليه لقب «البويشير» من قبل زملائه.
أثناء اختفائه وزملائه، اعتقد بها وباقي التلاميذ أنهم اعتقلوا، فقاموا بتأجيج الإضرابات في الثانوية حتى يتم الإفراج عنهم، قبل أن تتوصل الجهات المسؤولة في الثانوية بالخبر اليقين عن مصيرهم.
يروى بها نفسه أنه بعد أيام جاء مندوب التعليم إليهم، وفي لقاء معه، كشف للتلاميذ المضربين الذين كان من بينهم عبد الله بها، أن التلاميذ الصحراويين لم يعتقلوا، وإنما التحقوا بجبهة البوليساريو، ويذكر أنه كان من بينهم تلاميذ آخرون مثل أهل برا، والفريطيس، والفكاك…
بها يخوض معركة ضد بيع الخمور
كان مقصف معهد الحسن الثاني للزراعة والبيطرة تباع فيه الخمر، كما في المدارس الفلاحية جميعها، فحدث أن حاول بها وإخوانه منع بيعه عن طريق عريضة لجمع توقيعات الطلبة، واستجاب لذلك كثير منهم. ويروي بها أن من الطلبة من «صرح لنا وقتها بأنه يشرب الخمر لكنه سيوقع العريضة ويوافق على منع بيع الخمر في المعهد». وقع توتر بين الرافضين والمؤيدين، وبقيت إدارة المعهد أمامه صامتة، لكن حين وقعت حادثة في المدرسة الغابوية للمهندسين بسلا، حيث وقع أن خرج أحد الطلبة مجردا من ثيابه بعد ما سكر، تزايد الضغط، وكان أن صدر القرار بمنع بيع الخمور في المدارس الفلاحية كلها.
إحداث مسجد معهد الزراعة والبيطرة
درس عبد الله بها في معهد الحسن الثاني للزراعة والبيطرة بالرباط، الذي ولجه طالبا في منتصف السبعينات، لكن المعهد الذي كان يسيطر عليه اليسار، لم يكن به مسجد. في سنواته الأولى وجد بها داخل المعهد سكنا مهجورا بين مساكن الطلبة، بابه مكسر، فقرر على الفور أن يصلح المسكن المذكور من أجل أن يكون مسجدا. المبادرة جاءت بعد أن طلب بها ورفقاؤه من جمعية الطلبة توفير مسجد للصلاة، فلم تستجب لطلبهم. وبعثورهم على ذلك المسكن فارغا، أخبر بها وإخوانه الإدارة بنيتهم، فاستجابت الإدارة لذلك. أصلح المسكن، وتم تنظيفه، وبدأت تقام فيه الصلاة، لكن طلبة اليسار استفزهم الأمر، فعقدوا العزم -يروي بها- على إزالة المسجد في السنة الموالية، وبرروا مطلبهم بأن المسجد هو في الأصل محل للسكن، والطلبة يعانون غياب السكن في المعهد، ويضيف: «وافقت على إزالة المسجد، لكني اشترطت عليهم شرطين؛ الأول أن نقوم بمسح لجميع غرف المعهد، لننظر البيوت الفارغة أو البيوت التي يسكنها شخص واحد (وكان قادة اليسار يتخذون لهم في المعهد غرفا منفردة)، والثاني ألا يتجاوز عدد من لا يتوفرون على سكن اثنين، لأنه إذا بقي أكثر من طالبين دون سكن فإن إزالة المسجد لا تحل المشكلة». ويحكي الراحل بها أن اليسار «لما رأوا تماسك هذا المنطق توجهوا نحو العنف اللفظي فقلت لهم: ‘‘إذا أردتم التحاكم للمنطق فقد تحدثنا به، وإذا أردتم اللجوء إلى القوة لإزالة المسجد، فمن كانت له الشجاعة ليفعل ذلك فليتفضل»، وبقي المسجد، ولم يستطع اليساريون أن يزيلوه.
أول لقاء بين بها وبنكيران
حدث أول لقاء بين بها وبنكيران في مسجد العكاري، يروي بها قائلا: «رأيته أول مرة في مسجد العكاري، وكان أن لفت انتباهي، دون أن أعرف سبب ذلك. دخلت إلى المسجد، فوجدته يلقي درسا دينيا، يفسر فيه قول الله تعالى: ‘‘مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ''، وكان بنكيران وقتها طالبا بالمدرسة المحمدية للمهندسين». في المرة الثانية تكرر اللقاء، إذ التقيا في مسجد الحي الجامعي السويسي2، حيث ألقى بنكيران درسا دينيا كذلك، وبعد انقضاء درسه، يقول بها، «قمت فعانقته عناقا أخويا حارا»، وكان معي الأخ إبراهيم الدكتور، وقد كان ضيفا علي من مدينة البيضاء، وكان مما قاله إبراهيم الدكتور: «إذا كانت مثل هذه الدروس تلقى في مسجد الحي الجامعي، فسأقوم بزيارتكم كل أسبوع في الرباط»، و«بذلك بدأت علاقتي بالأخ عبد الإله بنكيران تتوطد».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.