«حسبي الله ونعم الوكيل»؛ هذه هي العبارة التي ظل يرددها كثيرا عبد الإله بنكيران حين انتهى إلى علمه خبر مصرع صديقه ورفيق دربه عبد الله باها إثر حادثة قطار غامضة. العارفون بمدارج العلاقة بين الرجلين ومساراتها يدركون أن وفاة باها ستجعل أكتاف رئيس الحكومة والأمين العام لحزب المصباح تبرد، وبأن الصعب هو ما ينتظره، لكونه تعود، منذ عقود، أن يريح جريان مياهه على ضفة رفيقه الأقرب إليه من كل الآخرين على الإطلاق. فعبد الله باها ليس مجرد «مناضل» في حزب بنكيران، وليس مجرد «وزير» في حكومته. هو كل ذلك وأكثر، ما دام - يقول العارفون بخبايا العلاقة بين الرجلين- هو الرجل الذي لا يمكن لعبد الإله بنكيران الاستغناء عنه لأنه نصف الآخر الذي لم ينفصل عنه منذ أن جمعتهما «صلاة» منذ أواسط السبعينيات في حي العكاري. فهو «رجل الظل».. «الحاكم الفعلي».. «أمين السر».. «رفيق الطريق».. «رجل التوافق».. « المرجع السياسي».. وغيرها من الألقاب التي كان يغدقها عليه إخوانه ورفاقه داخل الحزب. وليس من قبيل المبالغة أن نقول إن عبد الله باها هو الجزء الهادئ والمخفي في سياسة عبد الإله بنكيران المعروف بالاندفاع، والرغبة في مصاحبة الأضواء، وعدم التردد في خوض غمار الحرب والمواجهة. ذلك أن باها هو «اللجام» الذي يكبح وهو «الماء» الذي يطفئ، وهو الجسر الذي يمهد للإسلاميين العبور الآمن في منعرجات السياسة التي يتصادم في وعورتها اليساريون واليمينيون والعلمانيون والإسلاميون. بل أكثر من الانكسارات التي قد يلحقها الخصوم بقلعته الحكومية، ولهذا رأينا كيف كان بنكيران مصرا على اختراع منصب «نائب رئيس الحكومة» ليلبسه لعبد الله باها، وكيف كان يستعين به ويقدمه على الجميع أثناء مشاورات تعيين الحكومة، وكيف يعول عليه في الشاذة والفاذة- كما يقال- لتدبير أمور الحكومة وإخراجها من الأزمات التي مرت بها، وخاصة تلك الأزمة التي عصفت بعلاقة بنكيران بحزب الاستقلال بعد أن دخل في صراع قوي مع «عبد الحميد شباط». فمن هو باها، هذا السلاح السري الذي كان يرافق بنكيران في السياسة، كما فغي الحياة.. هو نائب الأمين العام للبيجيدي، وخريج معهد الحسن الثاني للزراعة والبيطرة. ويحكى عنه أنه لما التحق بهذا المعهد رفض الامتثال لإرغام «البيزوطاج» الذي كان تقليدا ساري المفعول بالنسبة للطلبة الجدد يتلقونه من زملائهم القدامى داخل المؤسسة. وتابع دراسته هناك إلى أن حصل على دبلوم مهندس تطبيق في التكنولوجيا الغذائية سنة 1979، واشتغل أستاذا بالمعهد ذاته منذ تخرجه إلى غاية سنة 2002. إنه أيضا، كما قلنا آنفا، صديق حميم لعبد الإله بنكيران، والرجل الذي لا محيد عن استشارته في كل ما يتعلق بالتخطيط للمسارات التي قطعها الرجلان منذ زمالتهما في الشبيبة الإسلامية. حيث ساهما معا في خلق «الجماعة الإسلامية» ثم حركة «الإصلاح والتجديد» فحركة «التوحيد والإصلاح» بعد اندماج «حاتم» مع «رابطة المستقبل الإسلامي». علاقةُ بنكيران بباهَا لمْ تقفْ عند حدُود التنظيم السياسي، بل امتدَّت إلى جادة العائلِي، فرئيس الحكومة وزوجته نبيلة؛ هما منْ توليا تدبير زواجه من عقيلته الثانية، فاطمة معنان، التي عاشت معه 22 عامًا. وليس أدل على متانة هذه الخلاقة من أن أبناء بنكيران يطلقون على باها لقب «عمي باها»، بل إن بنكيران وعائلته اقتسموا، الصيف الماضي، لحظاتٍ فرح مع عائلة العم باها، حين حضر إلى زفاف ابنته. يعد عبد الله باها مرجعا أساسيا يعود إليه «البيجيديون» عند اندلاع أي خلاف سياسي، ذلك أنه يتمتع بهدوء الطبع والأناة والتبصر والحكمة، ويفضل الابتعاد عن الأضواء الكاشفة، والعمل من خلال المؤسسات الحزبية، عكس صديقه بنكيران الذي لا يتحكم في لسانه، ولا يتورع من الانزلاق إلى مستويات لا تليق بزعيم حزب، فبالأحرى برجل دولة. يتمتع باها كشخصية متوازنة باحترام محاوريه، ولهذا يسمونه «الحكيم». كما أنه قوة اقتراحية ورجل يتمتع بكلمة مسموعة داخل الحزب، بل إنه قطب الاستشارة في اللحظات العصيبة بالنسبة لعبد الإله بنكيران، حيث يلجأ إليه هذا الأخير قبل اتخاذ أي قرار مهم وقبل تكوين قناعة حول ملف استراتيجي معين. تقلد باها منصب عضو الأمانة العامة لحزب الحركة الدستورية الديمقراطية منذ 1996، ويشغل منذ سنة 2004 منصب نائب الأمين العام لحزب العدالة والتنمية. وتبدو كل الطرق معبدة أمامه ليشغل منصب الأمين العام المقبل للحزب، خاصة بعد أن استأنس بإدارة الشأن العام، وأصبحت له تجربة في التسيير. وينحدر الرجل من عائلة سوسية شأنه شأن عدد من القيادات الوطنية لحزب للبيجيدي، حيث ولد سنة 1954 بمنطقة أفران، وتابع دراسته الابتدائية بمجموعة مدارس أفران بمسقط رأسه، وحصل على شهادة الباكالوريا سنة 1975 بثانوية يوسف بن تاشفين بأكادير. يتميز عبد الله بها بمواقفه المعتدلة وبعيدة المدى للعمل السياسي، وقد اتخذ موقفا معتدلا من أزمة مصر، وأقر بأخطاء مرسي العديدة. لقد فتح عبد الإله بنكيران بيته لتلقي العزاء في صديقه ورفيق دربه.. وكان كمن يتلقى العزاء في جزئه الهادئ والصامت. رحم الله باها.. لأن الصعب حقا هو ما ينتظر رئيس الحكومة..