في سابقة ليس لها نظير في تاريخ العلاقات الإنسانية، وقد تبقى هي الأولى والأخيرة في هذا المجال لتحكي للأجيال قصة "حمير البترول". تفتّقت عبقرية النظام الحاكم في الجزائر على تخريجة من خرجاتها، فاهتدى وهو في الحقيقة ضلّ إلى فكرة حفر خنادق وإقامة أسلاك شائكة ورمال وأحجار ومراكز مراقبة على حدوده (المغلقة) مع المغرب، لمراقبة "حمير البترول" التي تمدّ جاره الغربي "الشقيق" بالذهب الأسود. ولأن هذا النظام يضمر أيّ شيء إلاّ الخير والإحسان، فإنه رأى أنه من غير المعقول أن تظل المملكة تستفيد من خيرات الجزائر، وتخرق "حمير البترول" الحظر الجزائري. فكانت أول مهمة تقوم بها القوات الأمنية والعسكرية الجزائرية على الحدود إطلاق النار على هذه الكائنات الصبورة، الخدومة، المتحمّلة لجميع أشكال التعذيب والتنكيل والقهر التي يمارسها عليها البشر. وكانت تلك القوات تقتل عددا من الحمير. عبقرية النظام المذكور اعتقدت أن الأمر يتعلق بحمير قادمة من المغرب، ولم تنتبه إلى أن "حمير البترول" حميرها، دأب الأشقّاء من الشعب الجزائري المسحوق على استعمالها منذ زمن بعيد، على مرأى ومسمع من سلطات بلدهم التي لم تكن ترى في الأمر غضاضة، قبل أن يخرج أحد عباقرة ذلك النظام ليقول لأركانه: لماذا لا نخنق المغرب من خلال قتل "حمير البترول"؟ وفي اليوم الموالي، بدأت المجزرة: حمير يتم قتلها وهي محمّلة بكميات من البترول قبل أن تشب فيها النيران. واستمر مسلسل قتل الحمير موازاة مع طرد وقتل المهاجرين اللاجئين الأفارقة والسوريين إلى جانب المواطنين المغاربة الصحراويين المحتجزين ب"الغيتو الكبير" بتندوف. المطبّلون للنظام فرحوا كثيرا وعبّروا عن غبطتهم وسرورهم بنجاح مسلسل قتل "حمير البترول". حتى هم لم ينتبهوا إلى أن الحمير حميرهم، والبترول بترولهم. فليقتلوا حميرهم. وليشعلوا النار في نفطهم. كان مشهدا مروعا وأنت ترى عسكريين يتراهنون على من يقتل أكبر عدد من "حمير البترول"، وضياع أكبر كمّية من البترول. كأن الأمر مجرد لعبة، من دون أن ينتبهوا بدورهم إلى أن الحمير حميرهم، والبترول بترولهم. فليقتلوا المزيد من الحمير، وليضيّعوا المزيد من النفط. انقلب السحر على الساحر. ومع ذلك، لم ينتبه أحد من المسؤولين بالنظام الحاكم في الجزائر، إلى أن الجزائر هي الخاسرة الأكبر في العملية. فهي أغلقت الحدود ليس في وجه المغرب بل في وجه مواطنيها الذين يتطلعون بشوق لزيارة بلدهم المغرب. ولم تخنق المغاربة بفرض حظرها، بل خنقت مواطنيها من سكان الحدود المجاورة للمملكة. ولم تقض على الاقتصاد المغربي، بل قضت على اقتصادها القائم كله على تجارة "حمير البترول" والريع. ولم تقتل حمير المغرب، بل قتلت ووأدت حميرها المسكينة التي لا ذنب لها سوى أنها تحمل البترول، وهي بالتالي تشارك في التهريب، لذلك تمّ استباحة دمها. وليضع البترول في الرمال. فهناك كميات أكبر يستفيد منها آخرون غير أبناء الشعب الجزائري . ف"حمير البترول" لا تسمن ولا تغني من جوع. لكننا نشفق، مع ذلك، من حال الشعب الشقيق، ومن حال حمير بريئة لا نعرف ما إذا كانت محامية الحيوانات الشهيرة، بريجيت باردو، ما زالت مهتمة بالدفاع عن تقرير مصير الحيوانات أم أن مصيرها بيد من يتحكّم ويحجز ويقتل الحمير واللاجئين والمهاجرين والمحاصرين في المخيمات . المشكل أن حملة قتل الحمير أدّت إلى ظهور عجز كبير في هذا القطيع، ممّا يجعل الجزائر، التي تستورد كل شيء من خارج الحدود، مضطرة لاستيراد هذه المرة الحمير.