يجب عليّ أن أعترف بأن هذه السطور ليست من قبيل حرية التعبير، أو حق الرد، أو من باب الدفاع عن النفس كما يكفله القانون الوضعي إذا ما نزل ظلم، أو عمّ حيف، أو انتشر كذب وبهتان؛ لكني أكتب ههنا انطلاقا من رخصة إلاهية، أعطانيها الله عز وجل حين قال في كتابه العزيز: "لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا مَن ظُلم" صدق الله العظيم؛ ونحن في المغرب ظلمنا كثيرا من طرف [الجوقة العسكرية] في الجزائر؛ ولكن لماذا؟ يجيب عن هذا السؤال مناضل جزائري كبير ظُلم وسُجن، ألا وهو (فَرْحَتْ عبّاس) حين قال "J'avais tort d'avoir raison" وهذا هو حال المغرب مع هذا النظام الجزائري المنقضّ على الرقاب، ومعمّق المصاب، ومفشي الضغائن والأحقاد بين الإخوة، وسائر الأحباب، ومحوّل الأعراس إلى جنائز.. هذا النظام أحادي البعد نسف، للأسف الشديد، التاريخ الجزائري، تماما كما فعل النازيون بالتاريخ الألماني ذات يوم.. وعن التاريخ سأتحدث اليوم؛ لأن السباب والشتائم التي كيلت للمغرب، نُسبت كذبا للتاريخ؛ لكني جالست التاريخ، وسألته، فوجدته يقول شيئا آخر.. قال شعراء التكسب والهجاء في قنوات النظام الجزائري البائس، إنه لولا استقلال الجزائر، لما استقل المغرب، ولولا الجزائر لعاد الاستعمار مرة أخرى إلى الأراضي المغربية هكذا فطرحتُ نفس السؤال على التاريخ، فكان جوابه واضحا ولا التواء فيه، حين أكد لي أن مساعدة المغرب للجزائر كانت هي السبب في احتلال الاستعمار لبلد النبلاء، وهو اسم عُرف به المغرب في حوض البحر الأبيض المتوسط؛ ثم ذكّرني التاريخ بمعركة "واد إيسلي" وما نتج عنها من تبعات، بحيث دخل الاستعمار إلى المغرب من باب الجزائر التي احتُلت بسبب "صفعة المروحة" والظاهر أن ضيق صدر "الداي حسين" ونرفزته، هي التي ورثها عنه النظام الجزائري الذي ما زال يمارس طيش وتسرُّع "صفعة المروحة" التي جنت على البلاد والعباد، وتأذى منها الإخوة والجيران عقودا مظلمة طويلة؛ فسياسة "صفعة المروحة" هي التي ما زال ينهجها النظام الجزائري تجاه المغرب.. إننا نؤكد لكافة [les tambourins] وبقية الزّمّارين التابعين للجوقة الحاكمة في الجزائر، أنه، وعبر التاريخ، لم يحدث أن كان المغرب يوما بابا دخل منه الاستعمار إلى البلاد العربية والإسلامية.. فلولا معركة "واد المخازن" لطُوّق العالم العربي من عنقه، ولكانت نهاية الإسلام في هذه البلدان.. لولا معركة "الزلاقة"، لما كتِب للمسلمين البقاء في الأندلس ثمانية قرون وأكثر، ومع ذلك تسمع "بوتفليقة" يعيّرنا ويسخر من الموحدين والمرابطين في المغرب، ويقول إن المغاربة ما زالوا ينهجون سياسة هؤلاء، ونحن نقول له: يا هذا، لو لم نكن نستلهم أمجاد المرابطين والموحدين، هل كان بالإمكان استكمال الوحدة الترابية، ورد أطماع الطامعين الآتين من شرق المغرب، تماما كما رددنا يوما ما أطماع العثمانيين على الحدود المغربية الجزائرية؟ فهذه أمجاد تحتذى، وليست "صفعة المروحة" التي ما زلتم تستلهمونها.. لقد كان المغرب يمثل العمق الاستراتيجي للمجاهدين في الجزائر، الذين استوليتم اليوم على كل ما غرسوه، وما حرروه بدمائهم الزكية.. لقد خذلتم روح الثورة، واستبدلتم "الأقدام السوداء" بعصابة "جنيرالات فرنسا" كما يسميهم الشعب الجزائري النبيل.. لقد اختفت شمس الثورة الجزائرية وراء سحب طغمة جائرة في الجزائر، تستنسخ أفعال جنيرالات الاستعمار.. لقد سالت دماء الجزائريين تماما كما كانت تسيل أيام الاستعمار الغاشم.. لقد استُغل بترول وغاز الجزائر، تماما كما كان يُستغل ذات يوم من طرف المستعمرين.. فما الفرق يا ترى بين (حاكم عسكري) كان يحكم الجزائر أيام الاستعمار، وتعينه الإدارة الاستعمارية، وبين رئيس جزائري اليوم تعينه [الإدارة العسكرية]؟! كيف يمكن أن نتصور جزائر غنية، وشعبها يموت جوعا وفقرا، وصدق حافظ إبراهيم: "أيشتكي الفقرَ غادينا ورائحُنا * ونحن نمشي في أرض من الذهب؟".. ألا تتذكرون ما حدث في يوم 05 أكتوبر 1988، حين اندلعت الفوضى والاضطرابات في الجزائر، بسبب الزيادة في ثمن المحروقات؟ هل هذا معقول في بلد المحروقات؟ ثم ماذا؟ إن المحرومين في الجزائر كانوا هم أول من بدأ موسم "الحرّاگة" قبل الأفارقة، فكانوا يأتون وما زالوا إلى المغرب بالآلاف، فيسكنون الغابات والكهوف والجبال في شمال المملكة؛ فكانت بلادنا وما زالت تستقبلهم بصدر رحب، وسلطاتنا تعاملهم برفق، في وقت كان (بوتفليقة) ينتقد المغرب، ويجعل منه ستارا يخفي به فشله الذريع، ويشغل به شعبا عن واقعه المرير؛ ثم الحديث طويل وغدا له بقية...