زعم الوفد البرلماني الإسباني، قبل أن تطأ أقدام أعضائه أرض الأقاليم الجنوبية المغربية بالصحراء، أن غرضه من الزيارة هو تكوين فكرة عما يجري في المنطقة. كأن الوفد قادم من كوكب آخر، في حين أن بلده هو المستعمر السابق لجنوب وشمال المغرب، وأن المملكة المغربية أقرب إليه من حبل الوريد، ومختلف وسائل الإعلام بإسبانيا تزخر بكل ما يتعلق بها. لذلك، من المفروض أن يكون للإسبان أكثر من فكرة على الصحراء. يتكون الوفد من صورون خوان خوسيب نويت (البرلمان الكاتالاني)، جون إينياتو أمويور(البرلمان الباسكي)، خوان بالداي رودا (البرلمان الباسكي)، خوكين بيلداراتز (مجلس الشيوخ) مرفوقا بالمرشدة السياحية أميناتو حيدر، والسائق الخاص إبراهيم دحان، اللذان يصنفان أنفسهمها "ناشطان حقوقيان" بعد أن نصبا نفسيهما على رأس "جمعية المدافعين الصحراويين عن حقوق الإنسان "كوديسا"، و"الجمعية الصحراوية للانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في الصحراء". أميناتو، التي تحولت إلى مرشدة سياحية، جاءت مع الوفد من جزر الكناري على متن الطائرة التي حطت بهم في مطار العيون حيث وجدوا في انتظارهم دحان الذي تحول إلى سائق خاص لهم، من أجل ضبط حركاتهم وسكناتهم، وأيضا توجيههم الوجهة التي يرغب فيها الانفصاليون، والمرور نحو النقط التي تم تحديدها لتنظيم وقفات احتجاجية لكي يتمكن الوفد "من أخذ فكرة ". إن طبيعة تركيبة الوفد في حد ذاتها، التي ينتمي أعضاؤه ويمثلون مناطق تطالب بالانفصال عن إسبانيا، بقدر ما تعطينا فكرة واضحة عن أغراضهم وأهدافهم من الزيارة ، بقدر ما تطرح أكثر من علامات استفهام بخصوصها. هل يصدق عاقل أن الوفد البرلماني الإسباني، بقضه وقضيضه، الذي لم يجد غضاضة في الدخول إلى الصحراء بدون استئذان، في حاجة إلى كل هذا التعب من أجل تكوين فكرة عن الوضع في الصحراء؟ هل من المعقول أن هذا الوفد، بحجمه وثقله التمثيلي داخل إسبانيا، جاء فقط ل"الاستماع" لما يحدث في المنطقة؟ هل من اللباقة السياسية والأخلاقية الاقتصار على طرف دون طرف، أي الاعتماد على أقوال المؤيدين للانفصال، وإقصاء المؤيدين للوحدة؟ هل من اللياقة عقد الاجتماعات في المنازل عوض المؤسسات والمرافق العمومية؟ ماذا تمثل أميناتو حيدر، وإبراهيم دحان، ومن على شاكلتهما، في المنطقة؟ لماذا لم يكلف الوفد نفسه عناء السفر إلى تيندوف من أجل الوقوف على الانتهاكات الفظيعة لحقوق الإنسان في "غيتوهات" مخيمات لحمادة، والوضعية الإنسانية المزرية للمحتجزين والمختطفين والسجناء المغاربة الصحراويين هناك؟ بل لماذا لا يطالب بأخذ "فكرة" عن واقع المعتقلين الجزائريين الذين تم الرمي بهم، بدون وجه حق في زنازين "البوليساريو" في أقبية قادة الانفصال الموجودة على التراب الجزائري؟ لماذا لا يثير مسألة إحصاء اللاجئين الذين تم جمعهم غصبا في المخيمات؟ ولماذا يغض الطرف عن المساعدات الدولية - بما فيها الإسبانية - التي يتم تحويلها إلى سلع للبيع والشراء في أسواق بالجزائر وموريتانيا ودول أخرى قريبة؟ ولماذا يتلكأ الوفد في إثارة قضية تورط مسؤولين في "جبهة البوليساريو" في الانتهاكات الفظيعة لحقوق الإنسان ومتابعتهم وعدم إفلاتهم من العقاب، علما أن المحكمة الوطنية الإسبانية فتحت ملفهم مؤخرا؟ الغريب أن هذا الحماس المفرط الذي أبداه الوفد البرلماني الإسباني لزيارة الصحراء بدعوى أخذ فكرة عن الوضع بها، تزامن مع ترشح المغرب لعضوية مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة. إذا ظهر السبب بطل العجب.