لم تعرف أي حكومة في المغرب استقرارا كاملا منذ الاستقلال إلى اليوم، فكل الحكومات عرفت تغييرا واحدا على الأقل ومنهم من عرف أكثر من أربع تغييرات، وهذا يعني أن "العادة سبقت العبادة" في التغيير الحكومي وكان على رئيس الحكومة الوعي بها وقبولها كأمر واقع منذ البداية. أذكر أنه منذ 25 سنة تقريبا حين كنت في بداية عملي كمكلف بالإعلام في ديوان الحكومة، كانت الحكومة تعمل بأسلوب جد مختلف عما هو عليه الآن وقد كان الوزير الذي يقدم عرضا أمام مجلس الحكومة يصحب معه بلاغا يسلمه بعد ذلك إلى وكالة المغرب العربي للأنباء، يومها لم يكن في الحكومة منصب الناطق الرسمي، ولما كان الوزير الذي أعمل بجانبه تقدم بعرض أمام الحكومة التي كان يرأسها كريم العمراني كتبت بلاغا صحافيا وأرفقته بملف المجلس الحكومي. ومن سوء حظي أو حظ الراقنة يومها أن كاف "الحكومة" سقطت أثناء الطباعة فتحولت الكلمة إلى "حومة" وأصبحت العبارة هكذا:" انعقد اليوم بالرباط مجلس للحومة تحت رئاسة الوزير الأول السيد عبد الكريم عمراني... وقد تدارس المجلس خلال هذا الاجتماع... الخ". لم ينتبه الوزير المعني للأمر بل انتبه إليه وزير الدولة الراحل مولاي احمد العلوي وأخبره به، فهاتفني الوزير من هاتف ثابت بالوزارة الأولى ليسألني بلهجة تجمع عدم الرضا بالهزل: هل حولت الحكومة إلى حومة؟؟ إذن سنجتمع الأسبوع المقبل في "راس الدرب". وقصة الأخطاء المطبعية الإدارية وخاصة المرتبطة بالرقانة يمكن روايتها في كتاب مصنف لما تحمله من دلالات غريبة، خاصة أن الإدارة حينها كانت تستمد جديتها وهيبتها من القرارات الصادرة عنها وكان لا يقوى على التخفيف من هذه الجدية سوى آلة اسمها الطابعة تغير الكلمات إلى أضداد أو إلى مفاهيم غريبة بمجرد العبث ببعض الحروف او إسقاطها. وبالعودة إلى الحكومة المغربية التي تعرضت مؤخرا إلى نكسة خطيرة بسبب غياب الانسجام بين الأحزاب المشكلة للأغلبية وخاصة بعد مغادرة الاستقلال، فإن رئيس الحكومة لم يعد يملك اليوم من خيارات وبدائل غير الخضوع لمطالب الحزب الوحيد المؤهل لترميم الشرخ الحاصل في الحكومة، وخارج هذا الخيار لم يتبق للسيد بنكيران غير قلب الطاولة والذهاب إلى الانتخابات السابقة لأوانها. وإذا كنت لا أعرف هل سبق للسيد بنكيران أن اطلع على رواية غسان كنفاني "ما تبقى لكم" فإن الواضح اليوم أن رئيس الحكومة لم يعد يملك من الأوراق غير واحدة يتأملها كل صباح على مكتبه بينما يتوفر ملك البلاد على صلاحيات متعددة ومتنوعة منها الظاهر طبعا بنص الدستور ومنها الباطن بحكم هيبة وقدسية المؤسسة الملكية. والظاهر في هذه البدائل يمكن أن يتجلى في تعديل مقتضيات الدستور عبر بوابة البرلمان وفق الفصل 174، ولن يكون الفصل المعدل سوى السابع والأربعين ليتاح للملك اللجوء إلى تعيين رئيس الحكومة من حزب آخر إذا تعذر تشكيل الحكومة من طرف الحزب المعين زعيمه رئيسا للحكومة. ويمكن أن تتجلى البدائل الملكية أيضا في التحكيم الملكي إذا استعصى على رئيس الحكومة تشكيل أغلبيته وفي هذه الحالة سيكون للملك التدخل من أجل إيجاد توافق بين رئيس الحكومة والأحزاب المشكلة لأغلبيته أو بينه وبين الأحزاب المهاجرة لوكر الحكومة أو بينه وبين الأحزاب التي يرغب في دخولها لتطعيم الأغلبية. كما يمكن للملك الذي يملك خيارات متعددة أخرى كأن يدعو إلى انتخابات سابقة لأوانها إذا رأى أن الحزب الفائز في الحكومة لم يعد يتوفر على الأغلبية البرلمانية حينها ستصبح عصا الديمقراطية موجهة للجميع لأن الرضا الذي كان يتمتع به الحزب الفائز بالأغلبية في الانتخابات لم يعد يستجيب للتغيرات الراهنة سواء داخل البرلمان أو خارجه. ولعل الأزمة المؤسساتية الحاصلة بين البرلمان والحكومة والانشقاق الذي دبَّ إلى الأحزاب المكونة للحكومة تعتبر مؤشرات قوية على احتمال تدخل القصر في أي لحظة قادمة، فالحركة الشعبية غير راضية بوضعها الحالي في الحكومة وقد صوتت ضد حزب حليف لإسقاط فريقه في البرلمان، والتقدم والاشتراكية حائر في مصيره كالأعمى الذي فقد عكازه وسط الزحام، والاستقلال فر بجلده مستقيلا غير عابئ بما خلفه وراءه. وأمام هذه اللخبطة الحكومية يعيش رئيس الحكومة وضعا لا يحسد عليه فتراه كلما حاول تهدئة عاصفة في الجهة الغربية طفت زوابع أخرى في الجهة الشرقية للحكومة أو البرلمان وكأني به خداش العربي الذي حار في صيد ظبي لأبنائه فقال عنه العارفون بأمره: تكاثرت الظباء على خداش فما يدري خداش أي ظبي يصيد