الملكية البرلمانية تتويج تاريخي لمجموعة من التراكمات السياسية والدستورية، وبغض النظر عن نوايا الداعين إليها ومنهم مناضلون مبدئيون ومنهم انتهازيون وقناصو فرص ومنهم جبناء لا يصيحون إلا وسط اللغط ومنهم طماعون يستغلون الفرصة لمراكمة ثروات مادية ورمزية وبغض النظر عن كل ذلك فإن الملكية البرلمانية ينبغي أن تكون موضوعا للنقاش الهادئ يستعرض خصائصها ومفاهيمها وتطورها التاريخي وقابليتها للتطبيق وشرطها التاريخي. فليس كل مصطلح متداول في المعاجم قابل للتطبيق في أي تربة وفي أي مجتمع. الملكية البرلمانية تجد مصداقها الواقعي حاليا في بريطانيا، والمستلهمون للنموذج حتى لو بدلوا القرون بالسنوات فإن تنفيذ هذا النموذج يحتاج إلى وقت وتدبير. الملكية البرلمانية بنموذجها البريطاني هي حصيلة تاريخ من التعديلات والتغييرات والشذ والجذب وعرفت بريطانيا وثائق ودراسات مهمة و"الماجنا كارتا" من أعظم الوثائق الدستورية في التاريخ، وهي حصيلة تواضع مجتمع ودولة وأحزاب ولوبيات أعمال على نموذج للحكم من فرط نضجه لم يعد بحاجة إلى وثيقة دستورية. الملكية البرلمانية ليست صلاحيات تنزع من الملك بل إنها نموذج في الحكم يصنع عوامل استمراره وضمانات حمايته من الجميع، فهل بمقدور كان من كان في بريطانيا أن يعتدي على هذا النموذج في كل تجلياته؟ ليس في هذا البلد من يفكر في تقويض أسس هذا النموذج بل إن حماته موجودون في كل مكان بدءا من المواطن العادي مرورا برجل الأمن ورجل السياسة والمؤسسة الحزبية وصولا إلى البرلمان وانتهاء بالوزير الأول الذي بمجرد وصوله إلى رئاسة الحكومة يصبح وزيرا أول لبريطانيا حاميا لمبادئها وليس وزيرا أول يحمي حزبه والمقربين منه. إن دعاة الملكية البرلمانية بالمغرب يتحدثون عن صلاحيات تنزع من مؤسسة وتعطى لمؤسسة أخرى، وسيكون ذلك جيدا لو تم في شكل تطور طبيعي لكن أن يتم تطبيق مصطلح موجود في المعجم فدون ذلك خرط القتاد. هؤلاء الدعاة يتحدثون عن شيء هلامي، يتحدثون عن نزع صلاحيات ومنح صلاحيات دون تحديد ماهي طبيعتها ومن يتصدى لها. إن الملكية البرلمانية تقتضي نزع صلاحيات من المؤسسة الملكية ومنحها هي نفسها لمؤسسة البرلمان الذي تنتج عنه الحكومة ورئيسها، يعني نزع صلاحيات من مؤسسة مشبعة بالسلطة إلى مؤسسة متعطشة للسلطة، نزعها من مؤسسة لها هوى واحد، حتى وإن اختلفنا حوله، إلى مؤسسة ذات أهواء مختلفة، بعبارة أخرى هل لدينا ضمانات كي لا تتحول هذه الصلاحيات إلى سلاح في يد من يحوز عليها؟ ألا يمكن أن تتحول إلى أداة يأكل بها الحزب الغالب الأحزاب المغلوبة؟ نعتقد أن المغرب يعيش مرحلة ملكية لها نموذجها الخاص وما نحتاج إليه اليوم أن يتم تركيز دعائم الملكية الدستورية عبر مؤسسات فاعلة ومنها المؤسسة الحزبية المطالبة بالدمقرطة وإنتاج النخب المناضلة قبل المرور إلى ملكية تقليص الصلاحيات المركزية مع دخول الجهوية الموسعة. نعم لملكية برلمانية في سياق تطور تاريخي ينتج كل الضمانات لاستمرار النموذج.