انطلقت العملية الانتقالية اليوم في تونس بالإعلان عن إطلاق سراح سجناء الرأي والاعتراف بالأحزاب وتشكيل حكومة "وحدة وطنية" جديدة تضم ثلاثة من زعماء المعارضة وستة من النظام السابق للرئيس المخلوع زين العابدين بن علي. وينتمي 12 من ال19 وزيرا في الحكومة الجديدة إلى حزب (التجمع الدستوري الديمقراطي) الذي كان في السلطة أثناء حكم بن علي وعين الكثير منهم وزراء في مرات سابقة في ظل قيادة الرئيس المخلوع. وأعلن رئيس الوزراء التونسي، محمد الغنوشي، اليوم عن تشكيل حكومة وحدة وطنية جديدة والتي تضم للمرة الأولى في تاريخ تونس، ثلاثة زعماء تاريخيين لقوى المعارضة التي تعرضت للاضطهاد في ظل النظام السابق. جاء الإعلان عن الحكومة الجديدة في مؤتمر صحفي بعد الإطاحة ببن علي يوم الجمعة إثر موجة احتجاجات شعبية غير مسبوقة اضطرته للرحيل إلى السعودية. وبحسب المادة 57 من الدستور، فقد تولى الرئاسة بشكل مؤقت رئيس مجلس النواب فؤاد المبزع الذي كلف بدوره الغنوشي بتشكيل حكومة وحدة وطنية حتى يتم إجراء انتخابات رئاسية في مدة أقصاها 60 يوما من تسلمه منصبه. وقادة المعارضة الثلاثة هم زعيم حزب التجديد أحمد إبراهيم وزعيم الجبهة الديمقراطية للعمل والحريات مصطفى بن جعفر والمؤسس التاريخي للحزب الديمقراطي التقدمي نجيب الشابي. ومع ذلك، سيظل ستة أعضاء سابقين في حكومة بن علي في الحكومة في مناصب رئيسية مثل رئاسة الوزراء ووزارات الخارجية والداخلية والدفاع والمالية. ويظهر في الحكومة الجديدة أيضا ممثلون عن المجتمع المدني. وذكر الغنوشي أن وزارة الإعلام التي فقدت مصداقيتها بسبب الرقابة التي مارستها على حرية الصحافة والتعبير خلال ال23 عاما في ظل حكم بن على سيتم إلغائها. وأعلن أيضا العفو عن كافة السجناء الذين أدينوا بسبب "آرائهم أو أنشطتهم السياسية". من جانبه وصف المعارض التونسي منصف المرزوقي حكومة "الوحدة الوطنية" التي أعلن عنها رئيس الوزراء بأنها "مزيفة"، معتبرا أنها لن تستطيع ضمان إجراء انتخابات "حرة ونزيهة". وأفاد زعيم حزب المؤتمر من أجل الجمهورية المحظور خلال نظام الرئيس السابق بن علي في مقابلة مع محطة "تيلي 1" الفرنسية بان تولي أعضاء من حزب التجمع الدستوري الديمقراطي الذي حكم البلاد في ظل قيادة بن على للمناصب الرئيسية يمثل "استهزاء" بالشعب. ولم يعتبر دخول ثلاثة زعماء تاريخيين من القوى المعارضة الحكومة أمرا بارزا. وقال : "إنني أشعر بالسخط"، موضحا انه لم يتصل به أحد، وأن الحكومة ليس لديها وحدة "أكثر من اسمها" وأنها تفتقد للقدرة على تنظيم انتخابات حرة و"تهدئة الوضع". وأكد المعارض أيضا أن تونس تحتاج في طريقها نحو المرحلة الانتقالية الديمقراطية دعم أوروبا لأن بلاده تعد بمثابة "شريك وليس فقط عميل". وأوضح انه من الضروري "إعادة السلطة للتونسيين"، مؤكدا عزمه الترشح للانتخابات المقبلة، والتي أكد انه من أجل أن تصبح نزيهة يتطلب "دستور جديد وقوانين انتخابية جديدة". وفضت قوات الشرطة والجيش في تونس مظاهرة نظمها قرابة 1000 شخص قبالة مقر حزب التجمع الدستوري الديمقراطي (الحاكم) للمطالبة بحله. وقالت الأنباء الواردة من تونس إن قوات الأمن أطلقت قنابل الغاز واستخدمت خراطيم المياه لتفريق المتظاهرين الذين تجمعوا في شارع الحبيب بورقيبة بالعاصمة التونسية. وكانت نقابة الاتحاد العام للعمال في تونس قد دعت في وقت سابق كافة المواطنين إلى تجنب المشاركة في أية فعاليات احتجاجية أو مظاهرات، محذرة من احتمالية استغلال أعوان النظام السابق لهذه المظاهرات لزعزعة الأمن وإثارة موجة جديدة من الانفلات الأمني. وتحاول قوات الأمن السيطرة على حالة الانفلات الأمني التي سادت البلاد منذ الإعلان عن مغادرة بن علي، والتي تؤكد السلطات وقوف عناصر الأمن الرئاسي السابق وراءها. وأعلن وزير الداخلية التونسي، أحمد فريعة، أن أعمال قمع الاحتجاجات الشعبية التي شهدتها البلاد مؤخرا وأسفرت عن الإطاحة بالرئيس السابق بن علي، والعنف الذي أعقبها، أسفرت عن سقوط 78 قتيلا في كافة أنحاء البلاد. وأوضح فريعة في مداخلة للتليفزيون المحلي اليوم أن عدد المصابين ارتفع إلى 94 شخصا منذ اندلاع الاحتجاجات في ال17 من ديسمبر/كانون أول الماضي. ووقعت أغلب الحوادث قبل فرار بن علي إلى المملكة العربية السعودية عندما فتحت قوات الأمن النيران على جموع المتظاهرين في أكثر من مرة. وأشار فريعة إلى وقوع العديد من الضحايا بين صفوف قوات الأمن، دون أن يحدد ما إذا قتلوا خلال المواجهات مع المتظاهرين أو في أحداث العنف التي أعقبت خروج بن علي.