هناك ثلاثة عوامل رجحت كفة دولة قطر الصغيرة من أجل تنظيم نهائيات كأس العالم لسنة 2022، مكتسحة الولاياتالمتحدةالأمريكية بأربعة عشر صوتا مقابل ثمانية، العامل الأول هو محمد بنهمام رئيس الإتحاد الآسيوي لكرة القدم، وهو أكبر اتحاد في العالم أجمع بسبب ضمه أكبر الدول من حيث الكثافة السكانية، وعلاقة بنهمام بالإتحاد الدولي للعبة، وخصوصا بجوزيف بلاتير ليست وليدة اللحظة بل تعود لسنوات، حيث خبر الرئيس الآسيوي دهاليز الفيفا، ومرافقها كلها، ويتوفر على لوبي قوي يمكنه من السيطرة على أجهزة التصويت داخل الإتحاد الدولي، وبعبارة أوضح فبنهمام يمثل صوت قارة بأكملها، والمفارقة الغريبة أن بنهمام ربما كان ينتظر هدية من صديقه بلاتير بعدما سبق أن تنازل له عن رئاسة الفيفا خلال الإنتخابات الأخيرة، بنهمام، هو معادلة لابد منها في دولة الفيفا شأنه في ذلك شأن عيسى حياتو رئيس الإتحاد الإفريقي، الذي ربما لعب أيضا دورا في مسرحية منح قطر حق تنظيم كأس العالم، من خلال الضغوط التي قد يكون مارسها محمد راوراوة رئيس الإتحاد الجزائري، ومن هنا نفهم سر الزيارة التي اختتمها أمير دولة قطر للجزائر أمس الجمعة، وتهليل المسؤولين الجزائريين لما اعتبروه إنجازا عربيا، وهو ليس كذلك مادامت قطر لم تكن أبدا تتحدث عن حلم عربي، بقدر ما كانت تتحدث عن شرق أوسط كبير، وهي المقولة التي وضفها القادة الإسرائيليون منذ سنوات عديدة في إطار سعيهم الحثيث نحو ابتلاع المنطقة بكاملها. العامل الثاني في فوز قطر على الولاياتالمتحدةالأمريكية في صراع الفيفا يتمثل في قناة الجزيرة التي لعبت دورا كبيرا في ذلك، فالقناة وظفت كل مكاتبها بما فيها تلك الموجودة في إسرائيل للتعريف بحلم يكاد يكون جنونا، وسعت بكل قوتها إلى إقناع أكثر المتشائمين بإمكانية أن يتحول الحلم إلى حقيقة، وروجت كل ذلك على نطاق واسع، ونجحت القناة التي تبث من قلب دويلة قطر في شحذ الهمم، موظفة كل الإمكانيات التي وفرها لها النظام القطري، وهذا العامل كان له دور كبير جدا فيما تحقق، نظرا لتأثيره الكبير، وكذلك نظرا للعلاقات التي تم توظيفها، خصوصا داخل إسرائيل، التي تملك بدورها لوبيا خطيرا في العالم. والعامل الثالث الذي ساهم في رضوخ بلاتير لطموحات أمير دولة قطر وزوجته الشيخة موزة اللذان حضرا بنفسيهما إلى زيوريخ للإبتهاج بالفوز على أمريكا، والذي يمكن اعتباره الأخطر على الإطلاق، توظيف الصراع العربي الإسرائيلي، ذلك أن قطر وظفت إسرائيل في شريطها الوثائقي بشكل جعلها قادرة على تحقيق مبدأ الشرق الأوسط الكبير، والذي يضم حتى إسرائيل، التي تقاطعها كل الدول العربية، حين استعانت بطفل إسرائيلي تحدث بدوره عن المكاسب التي ستحققها المنطقة في حال فازت قطر بتنظيم كأس العالم، وقال الطفل الإسرائلي إنه يحلم بأن تتمكن دولته إسرائيل من التأهل إلى كأس العالم، ومصافحة لاعبي بلده لاعبين عرب ليتحقق السلام، لكنه السلام الذي تريده إسرائيل، وليس الشعب الفلسطيني. هذه العوامل الثلاثة مجتمعة رجحت كفة دولة لا تتعدى مساحتها 11 ألف كلمتر، وعدد سكانها بالكاد يبلغ 2 مليون نسمة، وهو أقل بكثير من سكان أصغر مدينة أمريكية، فمثلا تبلغ مساحة ولاية كاليفورنيا 410 ألف كلمتر، وعد سكانها 33 مليون نسمة، وهي ولاية من أصل 50 ولاية أخرى تضمها أكبر دولة في العالم، وبالتالي يبدو منح قطر تنظيم كأس العالم سنة 2022، بمثابة رسالة إلى كل دول المنطقة، مفادها أن العالم يمكن أن يحتضن الدويلات العربية شريطة أن تنحو منحى قطر وتسارع إلى الهرولة نحو إسرائيل، وتروج لشرق أوسط كبير يمكن أن يحقق السلام لكل دول العالم، مع دولة استيطانية لا تعترف بفلسطين، وتدبح أبناءها كل يوم، ولا نعتقد أن العالم يمكن أن يتغير في عشر سنوات، مادام لم يتغير في خمسين سنة، لتطرح أكثر من علامة استفهام حول الصفقة التي أبرمتها قطر التي لم تعرف كرة القدم إلى في سنة 1960، ولا تضم سوى 10 أندية يمارسون في القسم الأول الممتاز، ومدنها عبارة عن علب كبريت، من أجل الفوز بكأس العالم، ومن هنا نفهم أن المغرب كان بإمكانه تنظيم هذه الكأس لو أنه أيضا قبل الدخول في صفقات سرية، لأن السياسة والرياضة وجهان لعملة واحدة.