أصبحت تقارير الأبناك والصناديق العالمية والمنظمات الدولية، تعتبر آلية مهمة في رصد النمو الاقتصادي والاجتماعي للدول والحكومات. و تقرير البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة PNUD هو واحد من هذه الآليات الدولية التي تقيم أداء الدول رفي هذا المجال بالذات . ومؤشرات التنمية التي يعتمدها البرنامج الأممي هي عبارة عن أدوات تقديرية لقياس المعطيات المتوفرة وتحويلها إلى أرقام إحصائية ترتبط أساسا بالناتج الداخلي وحصيلة الميزان التجاري ونسبة سيادة الأمية ومعدلات جودة التعليم والصحة ولدخل الفردي. وقد أصبحت هذه التقارير تثير حساسية العديد من الدول وقد استبق المغرب تقرير السنة الماضية وذلك المتعلق بهذه السنة، ليقدم توضيحات ويعبر عن عدم رضاه عن هذه التقارير باعتبار أنها تعتمد على معطيات متجاوزة لا تنصف الجهود المغربية في مجال التنمية البشرية. ورغم احتجاج المغرب الاستباقي فقد صدر التقرير في أكتوبر من السنة الماضية ليضع المغرب في مرتبة جد متأخرة في سلم التنمية البشرية، وذلك بتراجع فاق الستة درجات عما كان عليه في السنوات الماضية، بحيث أصبح يحتل المرتبة 130 متأخرا عن مجموعة من الدول العربية : كلبنان التي احتلت المرتبة 83، والأردن في المرتبة 96، وتونس التي حصلت على المرتبة 98، والجزائر 104 بالمرتبة ، وسوريا 107، بل حتى عن فلسطين التي احتلت 110. والحقيقة ان دفاع المغرب المستميت عن تحسين تصنيفه العالمي هو في حد ذاته مؤشر إيجابي، وهو دليل على وعيه بقيمة هذا التصنيف وأهميته، وهو الوعي الذي يدفعه إلى مضاعفة الجهود المبذولة على أرض الواقع في مجال التنمية البشرية. لكن الحجج المقدمة من قبل المغرب قد تكون غير كافية لإقناع أصحاب التقرير الأممي، على الأقل في الوقت الحالي، لأن المتتبع للواقع المغربي سيلاحظ ببساطة أن هناك سرعتان غريبتان تسير عليهما أمور النمو في المغرب : فمن جهة، هناك إشراف ملكي على العديد من المشاريع الهيكلية التنموية الكبرى التي من المفترض أن تضع المغرب في مصاف الدول التي تسرع الخطوات في مجالات النمو الاقتصادي وجلب الاستثمارات وتحسين البنية التحتية، بل إن هناك من صنف المغرب ضمن نمور إفريقيا على هذا المستوى. لكن هناك أيضا ما يسئ لصورة المغرب وخاصة ما يتعلق بتعطل الإصلاح الإداري ومحاربة الفساد والرشوة والزبونية والبيروقراطية، وطرق تعيين المسؤولين واختيارهم للمهام العليا، ومساطر المراقبة المالية وثقل المساطر الإدارية وغير ذلك، وكلها تنعكس بشكل خطير على الوضعية الاجتماعية سواء تعلق الأمر بالصحة أو التعليم أو الأمية أو غيرها. إن الخلاف الحاصل بين البرنامج الأممي والمغرب يتمثل أساسا بالأثر ودراسة القياس، وليس حجم الجهود والنمشاريع والبرامج التي تم وضعها أو إنجازها في المغرب، ولذا فسيبدو جليا ان البرنامج الأممي يعترف بشكل أو بآخر بالديناميكية الكبيرة التي يعرفها المغرب وحجم المشاريع الكثيرة التي وضعها في الخمس سنوات الماضية ، لكن الإشكال المطروح هو نتائج هذه الجهود أي هل تجنى ثمارها مباشرة وتنعكس على أوضاع الأفراد الصحية والاجتماعية والتعليمية أم ان الأمر لا زال بعيد المنال من حيث تقييم النتيجة والأثر. هذا إضافة أن سيادة العديد من الممارسات الاجتماعية الفاسدة والتي ترتبط أساسا بعقليات الأفراد وأخلاقهم يشكل في حد ذاته عرقلة أمام ظهور نتائج التنمية البشرية في المغرب. وفي الركن القادم نتابع تحليل هذا الوضع من زوايا أخرى